جو عيسى الخوري يقرأ في مداخلة فياض: الاشكالية تكمن في النظام وكيفية إدارة هذا الكيان
تاريخ النشر: 10th, July 2024 GMT
لا تزال الردود تتوالى على مداخلة النائب علي فياض عن موقع لبنان في النظام الإقليمي الجديد والتي ألقاها في مؤتمر "التجدد للوطن" الذي عقد في البيال قبل فترة، ما يسلط الضوء على الأهمية الفائقة لفتح الأبواب أمام حوار وطني بشأن القضايا الجوهرية التي تتصل بالاستقرار اللبناني وإعادة إنتاج تفاهمات وطنية.
الحلقة الخامسة: أمين عام جمعية "اتحاديون" ونائب رئيس الرابطة المارونية جو عيسى الخوري يناقش في مداخلة النائب علي فياض.
يقول عيسى الخوري: لا شك أن النائب فياض من الشخصيات التي يجب أن يتم الاستماع اليها ومناقشتها، فهو يمتلك مقاربة تهدف أولاً الى شرح خلفية موقف حزب الله وهواجس المجموعة الشيعية، وتهدف ثانياً الى الوصول لتوافق مع المجموعات اللبنانية الأخرى المكونة للبنان، والأهم أن فياض لا يمارس لغة التخوين، إنما يتفهم هواجس كل المجموعات، مع تأكيده أن المجموعة التي ينتمي إليها لديها هواجس على اللبنانيين الآخرين مقاربتها بجدّية.
المحاضرة التي ألقاها فياض في البيال تنقسم، وفق عيسى الخوري، إلى جزأين: جزء خارجي وجزء داخلي.
في الجزء الخارجي، اعتبر فياض أن البيئة الاقليمية تمر في مرحلة انتقالية لولادة نظام اقليمي قيد التشكل في ظل صعود جيواستراتيجي لـ"محور المقاومة" الذي يعاني في المقابل من ضعف جيواقتصادي، في حين أن الخريطة المجتمعية على المستوى الاقليمي "الجيو مجتمعي" تعاني من انقسامات خطيرة. ورأى أن المعالم الكبرى لهذا النظام الاقليمي تتلخص، بإسرائيل أكثر ضعفاً، والولايات المتحدة أقل قدرة على الإمساك بملفات المنطقة، وبمحور المقاومة أكثر فعالية.
لكن، بحسب عيسى الخوري ، هناك ملفات في الخارج لا يمتلك لبنان القدرة على التحكم بها او التأثير فيها، مع اعتباره أن اهمية المنطقة بالنسبة الى الولايات المتحدة كانت تتصل بمنابع النفط التي جعلت واشنطن تتمسك بإسرائيل كقاعدة عسكرية لكن منذ سبع سنوات تظهّرت استقلالية الولايات المتحدة في موضوع النفط بعد الاكتفاء الذاتي الذي أصبحت تتمتع به.
وفي المفهوم الجيو - استراتيجي العالمي هناك تنافس أميركي - صيني، علماً أن مقاربة إدارة الرئيس جو بايدن العسكرية تختلف عن مقاربة الرئيس السابق دونالد ترامب التجارية في العلاقات مع الدول التي على خصومة أو تنافس مع الولايات المتحدة. أما الطموح الروسي التاريخي فيبقى في الوصول الى المياه الدافئة وهذا يشكل العمق الاستراتيجي لموسكو أي أن طموح روسيا يبقى إقليميا وليس عالميا.
ويتابع عيسى الخوري قائلاً لن تتخلى الإدارة الاميركية عن وجودها في الشرق الاوسط لكن تعاطيها اليوم مع ايران مختلف عن المراحل السابقة، فواشنطن تتجنب أي مواجهة مباشرة مع طهران والعكس صحيح ايضاً، فالمباحثات بينهما مستمرة ولم تنقطع وتستضيفها عدة دول وهذا يعني أن ايران ستتمتع بدور في المنطقة، لكن ذلك لا يعني مطلقاً أفول الدور الأميركي، مع التأكيد أن البلوك الجيو- السياسي الذي يتقدم، وفق رؤية فياض، لا يمكن أن يستمر إذا لم يجد تفاهماً مع البلوك الاقتصادي القوي والذي يتمتع بقدرات والغني بالثروات. ولذلك لا بد من اتفاق ايران ودول الخليج المعنية بلبنان والعمل معا، إذ لا يمكن فصل الشقّين السياسي والاقتصادي عن بعضهما البعض.
في الجزء الداخلي: تضمنت مداخلة فياض الدعوة إلى التعاطي مع هواجس الطوائف: الهاجس الأساس عند الطائفة السنيّة هو حماية اتفاق الطائف الذي اعطى موقعاً متميزاً لرئيس الحكومة في البنية الدستورية، أما الهاجس الدرزي الاساسي، فهو حماية الدور في ظل التحولات والاضطرابات التي تخيم على لبنان والمنطقة. اما الهاجس المسيحي الأكبر فهو يتمثل بحماية الوجود واستعادة الدور والصلاحيات في ظل مشكلة التضاؤل الديموغرافي في حين أن الهاجس الشيعي هو حماية الوجود في مواجهة العدوانية الاسرائيلية، معتبراً أن الهاجسين السني والدرزي هما هاجسان سياسيان طبيعيان، أما الهاجسان المسيحي والشيعي فهما هاجسان وجوديان يستدعيان أدوات معالجة من خارج المنطق الطبيعي للدولة.
ويقول جو عيسى الخوري إن الجميع متفق على الكيان لكن الاشكالية تكمن في النظام وكيفية إدارة هذا الكيان. منذ العام 1943 حتى العام 1975 كانت القوى المسيحية هي التي تتحكم بالسلطة والقرار في البلد وأطلق على تلك المرحلة توصيف الحقبة المسيحية أو المارونية السياسية، في حين أن المجموعات اللبنانية الأخرى شعرت أنها مغبونة وعن حق. ومنذ العام 1990 حتى العام 2005 مر لبنان بحقبة السنية السياسية وشعرت المجموعات الأخرى أنها مغبونة وعن حق أيضا، ومنذ العام 2006 حتى اليوم يعيش لبنان حقبة الشيعية السياسية وهناك مجموعات لبنانية تشعر أنها مغبونة ومهمشة وعن حق أيضاً، وهذا كله يجعل الدولة ضعيفة لأن ملجأ اللبنانيين هو زعماؤهم واحزابهم الذين يدّعون حمايتهم من "اللبنانيين الآخرين". في العام 1926 اسقط الفرنسيون علينا دستور الجمهورية الثالثة فاستوحى المعنيون منه يومذاك دستور لبنان، ولم يلتفت هؤلاء الى تركيبة هذا الوطن التعددية، وفي العام 1943 أضيفت تعديلات إلى الدستور لتلائم الطائفة السنية من دون الالتفات الى هواجس الشيعة والدروز، وفي العام 1990، استحوذ الشيعة على دور من خلال منحهم مواقع أساسية في الدولة لكن لم يعزز دور الدروز في النظام. المهم اليوم هو الاقتناع أن هناك أربع مجموعات تؤثر على هوية لبنان، وحسناً فعل فياض بكلامه عن أربعة هواجس درزية سنية مسيحية وشيعية، فدستور الطائف جرد الرئيس المسيحي من صلاحياته في السلطة التنفيذية لكنه لم يمنحها الى رئيس الحكومة إنما لمجلس الوزراء مجتمعاً فجرى تمييع السلطة التنفيذية، وهذا ما يفسّر مرور لبنان بأزمات دستورية متتالية. ومن جراء ذلك تعاظمت قوة سلطة مجلس النواب ولذلك يمكن القول ان دستور العام 1926 و دستور الطائف لا يناسبان بلداً متعدد الطوائف. وبناء على ما جاء في مداخلة فياض، لا بد من الإشارة أيضاً إلى أن عمق المجموعة السنية هو العالم العربي السني والدروز أيضاً يبحثون عن دور يؤمنه لهم الدستور أو النظام ولذلك هاجسهما سياسي، في حين أن هاجس المسيحيين عندما تم إنشاء لبنان الكبير الذي نتمسك به، كان بناء بلد يحميهم سياسياً وكان لديهم أيضاً هواجس اقتصادية وامنية لذلك ذهبوا الى وضع نظام سياسي رئاسي وهذا أول خطأ ارتكب في دستور العام 1926، حيث كان من المفترض أن يكون لدى اللبنانيين دستور لا مركزي لبلد تعددي. كل ذلك يؤكد أن هاجس المسيحيين هو وجودي لأنهم اقلية في المنطقة وعددهم في لبنان اليوم لا يتجاوز ال 31 في المئة ولذلك يركزون على اهمية المناصفة بعيدا عن العد فعامل الديموغرافيا اسوة بدورهم يقلق راحتهم في هذا البلد. ويبقى أن الهاجس الشيعي ليس مرتبطاً فقط بإسرائيل إنما أيضاً بالتنافس التاريخي السني – الشيعي، فالشيعة كانوا يصنفون أقلية من قبل السنة، ولذلك تعتبر المجموعة الشيعية أن السلاح يشكل ضمانة سياسية لها أمام المجموعة السنية للمحافظة على دورها في النظام ويشكل ضمانة عسكرية لها في وجه إسرائيل لأنه يشكل رادعاً لها. والأكيد أن المجموعات الأربعة يجب أن تتحاوز وتتناقش بعيداً عن الثنائيات وإن كان التشنج الكبير اليوم هو بين المسيحيين والشيعة ،فيجب الدفع قدماً نحو إنهاء هذا التوتر والاستفادة من المشهد الاقليمي ومقاربة دول المنطقة لمصالحها رغم كل التصادم الذي يسود علاقاتها. فمن أجل النجاح في وضع نظام يحافظ على خصوصيات المجموعات المكونة للبلد واحترامها يجب أن تتحاور هذه المجموعات، فدساتير 1926 ،1943 ،1990 استوردت مسوداتها من الخارج في حين أن الدستور يجب أن يكون مرآة لواقع البلد ومكوناته. ولذلك من المهم أن تجلس شخصيات منفتحة على الحوار ومتخاصمة مع بعضها البعض في الوقت نفسه للنقاش والتشاور. فالنظام السيئ جعل المجموعات السياسية مرتهنة للخارج وهذا ما جعل المسيحيين يشعرون باليتم في الوقت الراهن، فالدول الغربية لديها مصالحها ولا تهتم اليوم بالمسيحيين ووجودهم. رأى فياض في مداخلته أن "الصيغة اللبنانية هشة جداً بحيث أنها تنتج بطرفة عين أزمة حكم ومؤسسات، وقوية جداً بحيث لا يستطيع أي من المكونات إحداث تغييرات فيها. وما ينص عليه مدخل المادة 95 بأن ما دون مرحلة الاصلاحات الجذرية هي مرحلة انتقالية، وما لم تطبق هذه الإصلاحات، فإن الدولة أيضاً هي دولة انتقالية".
يوافق جو عيسى الخوري على ما ذكر، ويأتي على مواقف أطلقها الوزير السابق الدكتور غسان سلامة، حيال الطائف والبلد والذي قال "بادئ ذي بدء أنه لم يخطر ببالنا أبداً، لا اللجنة العربية ولا موفدها السيد الأخضر الإبراهيمي ولا مستشارها غسان سلامة يوماً، أننا نعمل للتوصل إلى النموذج الدستوري المثالي والأفضل للبنان. كنا نسعى للخروج من الحرب، لوضع حد للقصف العنيف والقتل والدمار. باختصار، كنا نبحث عن صيغة انتقالية تسمح بوقف الحرب من خلال تهدئة الميليشيات المتقاتلة ". من هنا، يؤكد عيسى الخوري ما قاله سلامة "أن التمسك اللاهوتي باتفاق الطائف في غير مكانه. في الطائف، كنا نأمل، بعد وقف الحرب، أن يدخل لبنان في مرحلة سلم واستقرار وبحبوحة تسمح لأبنائه بأن يفكروا بما هو النظام الأمثل الذي يصبون إليه. هذا التصحيح ضروري، لأن هناك من حوّل اتفاق الطائف إلى كتاب مقدس. هو ليس كتاباً مقدساً، هو مفيد وكان مفيداً في حينه". المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: فی النظام فی حین أن یجب أن
إقرأ أيضاً:
لماذا منحت إدارة ترامب الضوء الأخضر لاتفاق الشرع وقسد؟
في خطوة تاريخية محفوفة بالأمل والمستقبل المشرق، تمّ في العاصمة دمشق، توقيع اتفاق تاريخي بين الرئيس السوري أحمد الشرع، وقائد قوات سوريا الديمقراطية "قسد" مظلوم عبدي يوم الاثنين، 10 مارس/ آذار 2025.
هذا الاتفاق يعد بمثابة نقطة تحول هامة في تاريخ سوريا المعاصر، كونه يوحد الفرقاء ويضع الأسس لمصالحة وطنية مستدامة، وهو بمثابة رسالة قوية لكل من راهن على فشل الشعب السوري في تحقيق وحدته وأمنه، بعد سقوط نظام بشار الأسد.
وقد تزامن توقيع هذا الاتفاق مع لحظة فارقة في حياة الشعب السوري، بعد الأزمة الكبرى التي عصفت بمناطق الساحل السوري في محافظتي اللاذقية وطرطوس، حيث سعت الفلول الموالية للنظام السابق إلى إشعال فتنة طائفية تجرّ البلاد إلى حرب أهلية تهدد الجميع دون استثناء.
خلفية الاتفاقبلا شك، لم يكن الاتفاق وليد اللحظة التي أعلن فيها. فالواضح أنه مرّ بمخاضات عسيرة ومباحثات سرية مطولة بين الجانبين، استمرت منذ سقوط نظام الأسد، حيث تم استقبال قائد "قسد" مظلوم عبدي في دمشق بمعية جنرال أميركي، رفض الشرع اللقاء به في حينه، وتم الاتفاق مع الكرد على مجموعة نقاط، والاختلاف على نقاط أخرى تبين أنها، تفصيلية تعلق بعضها بدمج القوات الكردية بوزارة الدفاع السورية، ورغبة الكرد بالحصول على اعتراف الحكومة السورية بالهوية الكردية في سوريا.
إعلانولعل أعقد القضايا التي أجلت إعلان الاتفاق، كانت تتعلق بمستقبل سجون أفراد تنظيم الدولة الإسلامية، ولا سيما سجن "الهول" وسجن "الصناعة" في منطقة غويران بمدينة الحسكة، حيث يقبع الآلاف من أعضاء التنظيم، وبضمنهم قيادات مهمة في التنظيم، حيث بقي الموقف الكردي مترددًا في تسليم السجون، ومرتبطًا بموقف الإدارة الأميركية، والتي تعتقد أن النظام السوري الجديد، لم يقدم الضمانات الأمنية الكافية، التي تحمي تلك السجون وتمنع تعرضها لعمليات اختراق تؤدي لهروب مقاتلي تنظيم الدولة.
ولكن يبدو أن إعلان الإدارة الأميركية الجديدة عن نيتها سحب القوات الأميركية من شرق سوريا وتأييدها اتفاق السلام بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني، قد خفف العبء عن قائد قوات "قسد" مظلوم عبدي، ودفعه للموافقة على تسليم السجون، بعد أن كان قراره في السابق مرهونًا بالموافقة الأميركية.
ولا شك أن الاتفاق ستكون له انعكاسات مؤثرة على وحدة سوريا الوطنية، فهو سيعزز من قدرة النظام الجديد التفاوضية في جذب جماعات محلية أخرى، ما زالت ترى فيه تهديدًا لوجودها وهويتها، ولا سيما في مناطق الساحل العلوي، وكذلك في جبل العرب في السويداء حيث يشكل الدروز غالبية سكانه.
فالمؤمل أن ينبه الاتفاق الدروز إلى أنهم يجب ألا يكونوا الجيب المتمرد الذي تمرق منه دعوات تفكيك سوريا، ولا سيما من إسرائيل التي أعلن رئيس وزرائها قبل أسبوعين عن دعم ما يسمى (تحالف الأقليات)، الذي يضم الأكراد والدروز والعلويين وربما يشمل المسيحيين، لمواجهة النظام السوري الجديد.
كما سيعزز الاتفاق الحضور الشعبي لنظام الشرع، كونه يتوافق بكل تفاصيله مع أهداف الثورة السورية، وسعي الشرع لاستعادة وحدة سوريا، والبدء بعملية سياسية تستوعب الجميع، كما أنه جاء تأكيدًا لمخرجات مؤتمر الحوار الوطني الذي عقد في فبراير/ شباط 2025، والذي أكد على وحدة سوريا وشعبها، وعلى حق الدولة وحدها في احتكار السلاح، وبسط نفوذها على كامل التراب السوري، وبناء دولة القانون التي يتساوى في ظلها الجميع.
إعلان المواقف الإقليمية والدوليةلا شك أيضًا أن الاتفاق لم يكن وليد اتفاق داخلي بين الشرع ومظلوم عبدي فحسب. فالنوايا الصادقة لا تشفع في تمرير اتفاق تاريخي له انعكاساته الإقليمية والدولية.
وعليه، فإن الأجواء الدولية كانت من أهم العوامل التي ساندت الاتفاق الحكومي الكردي. فالولايات المتحدة أعطت الضوء الأخضر لقائد قوات "قسد" بالمضي بالاتفاق، ودمج قواته في وزارة الدفاع السورية، كجزء من إستراتيجية ترامب في التخلص من الأعباء المالية لـ"قسد"، والتي تكلف الموازنة الأميركية ما يزيد عن 500 مليون دولار سنويًا، منذ تأسيسها أميركيًا عام 2015.
والواضح أن الرؤية الأميركية أخذت ومنذ سقوط الأسد، تركز على إعادة تأهيل سوريا لكي تكون فاعلًا أساسيًا في ترتيبات الشرق الأوسط الجديد، وأن إقامة نظام جديد في سوريا مرتبط، بتدفق النفوذ الأميركي في سوريا في المستقبل المنظور، لجهة التطبيع المستقبلي مع إسرائيل، ومحاصرة مهدداتها الأمنية المتمثلة بحزب الله اللبناني، أو لجهة تعزيز الامتيازات الاقتصادية للشركات الأميركية في سوريا، في قطاعي النفط والغاز والبنى التحتية.
وعليه، أعطت إدارة ترامب الضوء الأخضر لإعادة تأهيل ومساندة النظام السوري الجديد، وتسهيل سيطرة الجيش السوري على كامل الأراضي السورية، ولهذا فمن الراجح أن تشهد المرحلة المقبلة، توجهًا أميركيًا لتخفيف أو رفع العقوبات الاقتصادية الأميركية والأوروبية، وبما يساعد في تسهيل تعاملات المصارف الدولية مع سوريا، والبدء بعلاقات دبلوماسية تمكن القيادة السورية من ضبط الواقع الأمني، وإعادة دمج سوريا في المنظومة الدولية، بعد أن تضمن أن النظام الجديد لن يكون محطة لتصدير الإرهاب، كما كان يفعل نظام بشار الأسد.
أما تركيا، فرغم قبولها الحذر بالاتفاق، إلا أن الواضح أن الاتفاق جاء كنتيجة مباشرة للإعلان التاريخي المهم لحزب العمال الكردستاني التركي، بوقف نشاطاته العسكرية ضد الجيش التركي، مما شكل دافعًا لقادة سوريا الديمقراطية، للمضي بتوقيع الاتفاق، وتسعى تركيا إلى ألا يَضمن الاتفاق مستقبلًا، أي سيطرة سياسية وأمنية لـ"قسد" في مناطق شمال وشرق سوريا، وألا يرسخ أي نوع للحكم الذاتي لأكراد سوريا، يمكن أن يهدد مستقبلًا الأمن القومي التركي.
إعلان ألغام في طريق الاتفاقكما أسلفنا فإن الاتفاق خطوة تاريخية مهمة في سبيل استعادة وحدة سوريا، وتوحيد جيشها وتقوية اقتصادها، فانضمام قسد إلى الجيش السوري، سيعزز من قدرات الجيش القتالية، فالمقاتلون الأكراد مدربون تدريبًا عاليًا على يد القوات الأميركية، ومجهزون بأحدث الأسلحة، كما أن استعادة ما يزيد عن 27% من الأراضي السورية، وما تحوي من ثروات نفطية وحقول غاز ومعابر حدودية ومياه، ستمكن النظام السوري الجديد، اقتصاديًا، وتعينه في معالجة الكثير من مشكلات الفقر والبطالة وتنمية الاقتصاد السوري، عبر تنشيط صناعة النفط والغاز والزراعة والصناعة في مناطق شمال وشرق سوريا.
ولكن كما يقال فإن النوايا الطيبة في السياسة لا تصمد، وعليه فإن استمرار هذا الاتفاق إلى نهايته محفوف بجملة من المخاطر، لعل أهمها ما يتعلق بإعادة دمج قوات قسد في صفوف الجيش السوري، فهل سيتم دمج كل عناصرها البالغ عددهم 120 ألف مقاتل، أم سيتم قبول مجموعات وتسريح مجموعات أخرى وإحالتهم لوظائف مدنية؟
وهل سيتم قبول المقاتلين الأكراد وتسريح المقاتلين العرب في قسد؟ ثم ماذا بخصوص الأسلحة الأميركية، فهل سيقبل النظام الجديد وكذلك تركيا باحتفاظ "قسد"، بأسلحتها الأميركية المتطورة أم سيصار إلى نزعها وتحويلها لبقية فصائل الجيش السوري؟ وهل سيتم توزيع قوات "قسد" على وحدات ومناطق انتشار الجيش السوري، أم ستبقى القوات الكردية متمركزة في مناطقها الحالية؟
أما من الناحية الاقتصادية، فرغم أن الاتفاق سيفتح آفاقًا اقتصادية مهمة للاستثمار الأجنبي، ويعين في تغيير بنية الاقتصاد السوري، عبر إلغاء القوانين الاقتصادية الاشتراكية القديمة والمعرقلة للاستثمار، فإن انتزاع سيطرة قوات "قسد" على مصادر التمويل المالي الكبيرة المتحصلة من تهريب النفط والغاز والزراعة والمعابر، ليس بالأمر الهين، في ظل وجود مافيا السلاح والجريمة والمخدِرات، وفي ظل وجود جماعات كردية رافضة للاتفاق، ومجموعات منفلتة لمقاتلين أجانب، استمرأت تجارة المخدِرات وتهريب النفط والسلاح عبر الحدود.
إعلانولاشك أن التحدي الإسرائيلي لا يزال يشكل أهم العقبات المستقبلية لعرقلة الاتفاق، فالاتفاق أعاد الأكراد لحضن الدولة السورية، مما شكل ضربة لإستراتيجية تل أبيب في تحريك ملف الأقليات في سوريا، وإضعاف نظامها الجديد.
وعليه، فمن المرجح أن تعيد إسرائيل تفعيل إستراتيجيتها، عبر دعم بعض الأطراف الكردية وغير الكردية المتضررة من هذا الاتفاق.
ختامًا، يبقى هذا الاتفاق خطوة حذرة في مسار سياسي معقد، حيث سيتحدد مستقبله على قدرة الأطراف المعنية على الموازنة بين المصالح المتضاربة وإدارة التحديات الداخلية والخارجية.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline