عودة شرطة الأخلاق في إيران.. ما دلالاتها وتداعياتها؟
تاريخ النشر: 7th, August 2023 GMT
في خطوة لافتة أعلن المتحدث باسم الشرطة الإيرانية، سعيد منتظر المهدي، الأحد 16 تموز/ يوليو الماضي عن عودة "شرطة الأخلاق" إلى الشوارع قائلا "إن شرطة الأخلاق ستتعامل مع النساء والفتيات اللواتي لا يلتزمن بارتداء الحجاب الإجباري، وسيتم إبلاغ القضاء عنهن، من خلال نشر سيارات شرطة الأخلاق في جميع أنحاء البلاد".
وأضاف إن "عودة شرطة الأخلاق إلى الشوارع، جاءت بعد مطالب الشعب، ومختلف الفئات والمؤسسات الاجتماعية فضلا عن موافقة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي".
ويأتي هذا الإعلان بعد 10 أشهر من وفاة الشابة مهسا أميني أثناء احتجازها في مركز للشرطة، ما تسبب في اندلاع احتجاجات شعبية واسعة في معظم المدن الإيرانية، وبعد شهرين ونصف من تصاعد الاحتجاجات الشعبية أعلن المدعي العام الإيراني حل "شرطة الأخلاق".
فلماذا أقدمت السلطات الإيرانية على إعادة "شرطة الأخلاق" الآن.. وما هي دلالات ذلك وتداعياته على الداخل الإيراني؟ وهل سيتجه النظام الإيراني إلى مزيد من التشدد في فرض الحجاب الإجباري، في ضوء ما يجري الحديث عنه من الانتهاء من صياغة قانون العفاف والحجاب؟
الكاتب والباحث المختص في الشأن الإيراني، ضياء قدور رأى أن "إعلان عودة دوريات الإرشاد قد يكون حالة من نشوة الارتياح التي ينتشي بها النظام الإيراني على الصعيد الدولي والإقليمي، خاصة بعد جولة خفض التصعيد الإقليمية التي تمثلت في الاتفاق السعودي الإيراني".
ضياء قدور، كاتب وباحث مختص في الشأن الإيراني.
وأضاف: "والتي يتم تفسيرها على تفرغ النظام للجبهات الداخلية، ومواجهة انتفاضة شعبية عارمة غير مسبوقة ما زالت مستمرة ومتأرجحة بين الصعود والهبوط منذ سبتمبر 2022". مضيفا أن "تفسير عودة دوريات الإرشاد يرجع إلى ضعف المعارضة الشعبية لا يصف الواقع الداخلي بشكل دقيق".
وواصل حديثه لـ"عربي21" بالقول "بل على العكس يمكن النظر لعودة دوريات الإرشاد التي شهدت فشلا ذريعا في السنوات الماضية، ولاقت سخطا شعبيا واسعا، لا سيما بعد مقتل الشابة مهسا أميني على يد عناصرها في سبتمبر 2022، على أنها دليل يؤكد ضعف النظام وخلو جعبته من الحلول، وعجزه عن معالجة التغيرات الضخمة التي أسست لها انتفاضة 2023".
ولفت إلى أن "التغيرات الاجتماعية في إيران عميقة ومتجذرة، والأهم من ذلك أنها تغيرات غير قابلة للإرجاع، وهذا ما يجعل من قرارات إرجاعها تجري بعكس تيار الحقيقة والتاريخ، فبالنظر لتاريخ دوريات الإرشاد في إيران، يمكن تشبيه عودتها على أنها سعي لإعادة تجربة في نفس الظروف المجتمعية المرشحة للانفجار أملا في الحصول على نتائج مختلفة".
وعن تداعيات هذا الإعلان على الداخل الإيراني، ذكر قدور أنه "من غير الواضح حاليا إن كانت حكومة رئيسي ستتجه إلى تشديد قضية الحجاب الحساسة في إيران، أم أن هذا الإجراء مجرد تحرك صوري شكلي لإظهار الحكومة المتشددة بموقف القوي الذي لا يقبل الإملاءات الداخلية المدفوعة "بأجندات خارجية" حسب تصور هذه الحكومة"ز
وأردف "الإشكالية المهمة بالنسبة للنظام الحاكم في إيران هي أن قبوله بالواقع الاجتماعي الحالي المفروض، والذي نراه بأم أعيننا في شوارع إيران، يمهد الطريق نحو القبول بمزيد من التنازلات على صعيد الحريات الاجتماعية وربما السياسية، وهو ما لا تستطيع الحكومة الإيرانية تقديمه".
وتابع " لذا يمكن أن تكون هذه الإجراءات العقابية الحكومية فيما يخص قضية الحجاب مجرد جس نبض للداخل الإيراني، وكيف سيتصرف حيالها في المستقبل، وعلى أساس ذلك يمكن للحكومة تقدير الموقف، لكن وبوجه عام، تبقى قضية الحريات الاجتماعية إحدى التحديات الخطيرة التي تواجها الحكومة التي تعيش ظروف اقتصادية لا تحسد عليها، إذا ما تقاطعت مع قضية الحريات الاجتماعية، وبقية المطالب الشعبية الأخرى، محركا لانتفاضة شعبية أكثر راديكالية".
من جهته قال الباحث المشارك في المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية، مصطفى النعيمي "أعتقد أن مشروع نظام الحكم القائم في طهران، والمتمثل بالمرشد الأعلى هو من يتولى سدة السلطة، وهو المسؤول عن كل الصلاحيات الممنوحة لشرطة الأخلاق، والتي كُلفت بإجهاض الثورة الإيرانية التي قاربت على عامها الأول، وما زال زخمها على ما كان عليه، بل وتتصاعد المطالب على خلفية مقتل مهسا أميني".
مصطفى النعيمي، باحث مشارك في المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية.
وردا على سؤال "عربي21" حول دقة القول بأن السلطات الإيرانية أقدمت على إعادة شرطة الأخلاق وفق تقديرها أن المعارضة الشعبية باتت ضعيفة، استبعد النعيمي ذلك بناء على قراءته للمشهد "فحتى 25 من تموز الفائت ما زالت العديد من صور ورموز ومقار الحرس الثوري تُحرق".
وتابع: "إضافة إلى الباسيج في رسالة واضحة للنظام بأن الانتفاضة ضد الملالي مستمرة، رغم محاولاتهم إجهاضها باستخدامهم الضغوط القصوى ضد المنتفضين، وتداعيات التدهور الاقتصادي الذي رافق حالات التمرد والإضراب للعاملين في شركات النفط والغاز، ومن ثم نحن نتحدث عن اتساع رقعة ونوعية الاحتجاجات إضافة للشعارات المرفوعة".
وعن تداعيات قرار إعادة شرطة الأخلاق إلى الشوارع الإيرانية، رأى النعيمي أن "النظام الإيراني استخدم تلك الذريعة من أجل تجييش باقي مؤسساته الأمنية والاستخبارية والعسكرية تجاه قمع المحتجين في كل الجغرافيا الإيرانية ومسألة الحجاب هي بوابة من أجل الالتفاف المستمر على مطالب المحتجين للوصول إلى إنهاء حالة العصيان القائمة وفق تقييمه".
واستدرك "لكنني أرى أن تلك السلوكيات ستزيد من حدة ورقعة الاحتجاجات، وربما قد تجتاح العاصمة الإيرانية طهران قريبا، وتداعياتها لن تقتصر على مكونات الشعوب غير الفارسية أو ربما قد تلتحق بهم كافة شرائح الشعب الإيراني نظرا لمدى إدراكهم بارتدادات سلوكيات النظام الإيراني على الواقع المعيشي، وما رافقه من انهيارات متلاحقة في سعر صرف التومان الإيراني"، على حد قوله.
وفي ذات الإطار أشار الإعلامي والباحث المصري المختص في الشأن الإيراني، أسامة الهتيمي إلى أن "النظام الإيراني يدرك أن تجميد عمل شرطة الأخلاق كان نتيجة للضغوط الشعبية الغاضبة التي تعرض لها إثر مقتل الشابة الكردية مهسا أميني، في محاولة منه لامتصاص الغضب الشعبي المتصاعد، إذ كانت شرطة الأخلاق هي المتهم الأول والرئيس أمام الجماهير عن مقتل الفتاة".
أسامة الهتيمي، إعلامي مصري مختص في الشؤون الإيرانية.
وأضاف: "لذا ولاستعادة عمل هذه الشرطة مجددا لم يكن أمام النظام من خيار سوى الادعاء بأن ثمة أصوات شعبية من مختلف الفئات والطبقات طالبته بعودة شرطة الأخلاق، وهي المطالبات التي توافقت مع رغبة رئاسة الجمهورية والسلطة القضائية في تطبيق القانون وبسط الأمن العام، وأن شكاوى شعبية متزايدة حول سريان حالة من الانفلات وعدم الالتزام بالزي الشرعي للمرأة الأمر الذي يهدد ثقافة المجتمع وأمنه. ".
وأردف في حديثه لـ"عربي21": "إن هذه التصريحات بقدر ما تسعى إلى تبرير إعادة شرطة الأخلاق بقدر ما تحاول أن تحدث حالة من الاستقطاب الشعبي، وإيجاد حالة من العدائية المتبادلة بين فريقين شعبيين الأمر الذي يعني احتمالية حدوث اصطدام في حال حاول الطرف الرافض لهذه الشرطة أن يعبر مجددا عن رفضه أو حتى استيائه من وجودها".
ووصف الهتيمي تداعيات هذا القرار على الداخل الإيراني بـ"الخطيرة، إذ لا زالت الفاعليات التي تندد بمقتلها، حتى بعد مرور 10 شهور على مقتل أميني، موجودة ولو كانت ضعيفة، ما يعني أن تحت الرماد نار تضطرم، ومجرد النفخ فيها يعني اشتعالها من جديد، ومن المرجح أن تشتعل وتهب العاصفة مع أي خطأ يمكن أن ترتكبه هذه الشرطة".
وأنهى كلامه ذاكرا أن احتمال تفجر الأوضاع من جديد "وارد بقوة رغم ادعاءات رجالات النظام بأن آليات عملها ستختلف عن السابق بما يتفادى الاصطدام مع النساء، وهو أمر غير مضمون إذ إن الموجه والمتحكم في عمل هذه الأجهزة شخصيات محسوبة على التيار المحافظ، والمتشدد، والذين سيميلون ـ في غالب الأحوال ـ إلى التعاطي بصلف مع كل من يرونهم من المخالفين".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير تقارير الإيرانية عودة شرطة الأخلاق دلالات إيران عودة شرطة الأخلاق دلالات تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة النظام الإیرانی شرطة الأخلاق مهسا أمینی فی إیران حالة من
إقرأ أيضاً:
أندريه جيد الفائز بنوبل.. لماذا منعت بعض كتبه؟
اشتهر أندريه جيد بكونه كاتبًا متمردًا، لم يخشَ طرح الأسئلة الصعبة أو كسر التابوهات الاجتماعية والدينية. ورغم فوزه بجائزة نوبل في الأدب عام 1947، لم تكن رحلته الأدبية سهلة، إذ واجهت أعماله معارضة شديدة وصلت إلى حدّ المنع في أوقات معينة. فما الذي جعل كتب جيد صادمة لمجتمعه؟ ولماذا خضعت بعض أعماله للرقابة؟
الصدام مع الأخلاق السائدةمنذ بداياته، لم يكن أندريه جيد مجرد كاتب روائي، بل كان مفكرًا يختبر حدود الأخلاق والتقاليد. في روايته “الأطعمة الأرضية” (Les Nourritures Terrestres)، دعا إلى التحرر من القيود الاجتماعية والبحث عن اللذة باعتبارها جزءًا أصيلًا من التجربة الإنسانية. اعتُبر هذا الطرح هجومًا على القيم الكاثوليكية الصارمة، ما جعل الكتاب يواجه انتقادات حادة.
الطرح الجريء للهوية الجنسيةمن أكثر الأمور التي جعلت أعمال جيد موضع جدل هو تناوله الصريح لهويته الجنسية، في كتابه “كوريه” (Corydon)، الذي نُشر لأول مرة بشكل سري عام 1911، قدم دفاعًا فلسفيًا وأخلاقيًا عن المثلية الجنسية، معتبرًا أنها جزء طبيعي من التنوع البشري.
لماذا مُنع الكتاب؟لأن طرحه كان ثوريًا ومخالفًا للقيم الأخلاقية والدينية في فرنسا مطلع القرن العشرين، واعتبرته السلطات هجومًا على الأخلاق العامة. لم يتم تداوله بشكل واسع إلا بعد عقود من صدوره.
نقد الكنيسة ومؤسسات السلطةفي روايته “القبو في الفاتيكان” (La Porte Étroite)، وجّه أندريه جيد نقدًا مبطنًا للمؤسسة الدينية الكاثوليكية، متهمًا إياها بالرياء والتناقض بين التعاليم والممارسات. لم يمر هذا النقد مرور الكرام؛ فقد شجّع رجال الدين على المطالبة بحظر الكتاب واعتباره عملًا يسيء للكنيسة.
• تداعيات النقد الديني: أدى هذا الموقف إلى وضع جيد في مواجهة مستمرة مع القوى المحافظة في المجتمع الفرنسي، ما أدى إلى تهميش أعماله لفترة.
معاداة الاستعمار: تحوّل فكري يثير الغضبفي ثلاثينيات القرن الماضي، قام جيد برحلة إلى إفريقيا الاستوائية، عاد منها بكتاب “العودة من تشاد” (Retour du Tchad)، حيث وثّق ممارسات فرنسا الاستعمارية القمعية. شكّل هذا العمل فضيحة سياسية، لأن فرنسا كانت تروج لنفسها باعتبارها قوة حضارية.
• رد فعل السلطات: واجه الكتاب محاولات للحدّ من توزيعه، خاصة في المستعمرات الفرنسية، خوفًا من تأجيج مشاعر التمرد بين الشعوب المستعمرة.
الرقابة في ظل الحرب العالمية الثانيةخلال فترة الاحتلال النازي لفرنسا (1940-1944)، كانت أعمال جيد محل رقابة صارمة بسبب مواقفه المؤيدة للحرية الفكرية وانتقاداته للأنظمة الشمولية. تم حظر العديد من كتبه أو منع إعادة طبعها، لأن النظام الفاشي اعتبره صوتًا تحريضيًا.
هل كسرت أعمال أندريه جيد حاجز الرقابة؟رغم محاولات المنع والتضييق، استطاعت أعمال جيد الصمود والتحول إلى أيقونة في الأدب الفرنسي. فبحلول منتصف القرن العشرين، أصبح صوته رمزًا لحرية الفكر والتعبير، كما مثّلت كتاباته منعطفًا مهمًا في تاريخ الأدب الذي يعبر عن الهوية الفردية دون خوف من الرقابة.