تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

» تدني الأحوال المعيشية والأزمات الاقتصادية والبطالة والهجرة ملفات ضخمة تعاني منها الشعوب الأوروبية 

» الأحزاب المتشددة تُكرس وجودها بتعزيز الخوف وتعميقه وأنها البديل الوحيد فى نظر الناس للتخلص من مشاكلهم

تشهد القارة الأوروبية تحولًا سياسيًا وأيديولوجيًا يميل تجاه الأحزاب اليمينية المتطرفة، مما يشير إلى أن الفترة المقبلة ستكون الكلمة العليا فيها لهذا التيار الذى طالما تعامل معه العالم بحذر.

وتشير استطلاعات الرأي الحديثة، إلى ميل الشعوب الأوروبية لتنصيب الأحزاب اليمينية المتطرفة، فبالإضافة إلى سيطرة اليمين المتطرف بالفعل على الحكومة الإيطالية، نجده يتقدم عن طريق حزب "التجمع الوطني" فى فرنسا، وتتزعمه مارين لوبان، التى تتفوق بأكثر من ٣٠٪، على حزب "النهضة" الذى يقوده الرئيس الحالى إيمانويل ماكرون.

وفى ألمانيا يظهر بقوة حزب "البديل من أجل ألمانيا" شديد التطرف، محتلا الترتيب الثانى فى استطلاعات الرأى بعد حزب "الديمقراطيين الاجتماعيين"، فما الأسباب وراء هذه الهجمة اليمينية التى قد تهدد مستقبل أوروبا والعالم بأسره؟

صعود مرتقب

يرجع الخبراء والمتابعون ميل الشعوب الأوروبية إلى دعم اليمين المتطرف، كبديل للقوى المعتدلة الحالية، لرغبة هذه الشعوب فى الانتقام، إزاء التراجع الاقتصادى الكبير الذى يعيشونه، بشكل مثل عبئا كبيرا عليهم، لارتفاع الأسعار وتراجع الوفرة التى اعتادوا عليها فى السلع، مع نظرة متشائمة للمستقبل القريب.

هذه الأسباب دفعت شعوب أوروبا إلى الشعور بأنهم فى حاجة إلى التحرك، وإحداث تغيير يمثل صرخة انتقامية، تعبر عن الغضب والإحباط إزاء السياسات التى تتطبعها حكوماتهم الحالية، ولم يجدوا بالتالى إلا الارتماء فى أحضان اليمين.

ملف الهجرة أيضا يعد واحدا من الملفات التى أثارت غضب الشعوب الأوروبية، لما له من تأثير على أمن مجتمعات القارة العجوز، التى لم تعتد على هذا النوع من التهديدات.

ومع اتساع رقعة الصراعات والحروب، فى المناطق المحيطة بأوروبا، صارت مشكلة الهجرة أزمة كبرى تؤرق شعوب القارة، وتدفعهم إلى الاعتقاد بأن التشدد الذى تتصف به التيارات اليمينية، يمكن أن يسهم فى إعادة الانضباط والأمن للمجتمعات، خاصة أن هذه التيارات لا تقيم وزنا كبيرا لحقوق الإنسان.

إرهاصات صعود اليمين المتطرف فى أوروبا، بدأت قبل ١٧ عاما، مع الركود الذى ضرب الاقتصادي الأوروبي والعالمي، التى أدت إلى تراجع الشعور بالأمن الاقتصادي.

وارتفاع معدلات البطالة، وتراجع نمو الناتج المحلى الإجمالي، بما كان له انعكاس سلبى واضح على مستوى المعيشة.

الباحثون فى هذا الشأن يشيرون إلى أن الأحزاب اليمينية المتطرفة تستغل الموقف، عن "تضخيم رفضها ومعارضتها للأزمات التى تمس مشاعر الشعب. 

لكن ليس بدافع إيجاد حلول لها، وإنما من أجل تعزيز الخوف منها، وتعميقه، بشكل يجعل أفكار اليمين وهى البديل الوحيد فى نظر الناس، للتخلص من مخاوفهم.

الباحثون يضعون من بين أسباب تقدم اليمين المتطرف هذه الأيام فى أوروبا، حالة الانقسام الواضحة بين أحزاب المعارضة اليسارية، وسوء إدارة الاقتصاد من جانب أحزاب يمين الوسط.

للمزيد: التطرف اليميني والجهادي.. علاقة نفعية مستمرة

مع غياب البديل المناسب من بين هذه التيارات، وهو ما يجبر الشعوب على اللجوء لليمين المتطرف كبديل وحيد فى هذا الشأن.

ولعل من أهم المؤشرات على صعود اليمين المتطرف فى أوروبا اتساع رقعة التأييد الانتخابى لأحزاب تمثل بشكل واضح الأيديولوجيا اليمينية المتطرفة، دول منها: النمسا، والسويد، والنرويج، وهولندا، وسويسرا، وأخيرا: إيطاليا، وفرنسا، وبريطانيا، فضلا عن والمجر وبولندا أيضا.

تغير المزاج العام

ومن المثير للانتباه أن الأحزاب اليمينية، مثل: القانون والعدالة فى بولندا، والشعب الدنماركي، والحزب الديمقراطى الاجتماعى فى السويد، وحزب الحرية فى هولندا. 

وحزب الفجر الذهبى فى اليونان، وحزب استقلال المملكة المتحدة البريطاني، تقدمت بشكل تدريجى منذ نهاية العقد الماضى من الألفية الجديدة، وهو ما يعنى أن ظهورها مرتبط بتغير المزاج العام للشعوب الأوروبية.

وليس فقط مرتبط بالأزمات التى تعيشها هذه المجتمعات، لأنه لو اقتصر الأمر على رد الفعل إزاء أزمات بعينها، لحدث الصعود اليمينى بشكل مفاجئ، ولمرة واحدة فقط، ودون تزامن فى عدد من الدول المتجاورة.

ومن بين الأمور المثيرة للقلق، ما تحقق الأحزاب اليمينية من مكاسب انتخابية، قد تدفع بها إلى السيطرة التامة على أوروبا، حيث حصلت بعض الأحزاب اليمينية على نسبة تصويت كبيرة فى بعض البرلمانات الأوروبية.

بلغت ٢٠٪ فى النمسا والسويد والدنمارك، بالإضافة لحصولها على المركز الثانى فى فرنسا، التى حققت فيها مارين لوبان، زعيمة اليمين نسبة ٤١.٤٥٪ من إجمالى الأصوات.

خلال الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة أمام إيمانويل ماكرون، وذلك مقارنة بنسبة لم تتجاوز ٣٤٪، خلال انتخابات ٢٠١٧، كما تضاعفت حصة الأحزاب اليمينية من مقاعد البرلمان إلى ٨٩ مقعدا عام ٢٠٢٢.

وفى إيطاليا، فازت جورجيا ميلوني، زعيمة حزب إخوان إيطاليا "FdI" اليمينى المتطرف، بالانتخابات البرلمانية، التى أجريت يوم ٢٥ سبتمبر ٢٠٢٢، ثم تولت رئاسة الوزراء، إثر فوز حزبها بـ٢٣٧ مقعدا، من أصل ٤٠٠ مقعد، فى اكتساح أثار القلق بشدة.

فى غضون ذلك، وفى المجر، أعيد انتخاب فيكتور أوربان رئيسًا لوزراء المجر للمرة الرابعة بنسبة ٥٣٪ من إجمالى الأصوات، ما يعنى حصول حزبه على ١٣٥ مقعدًا من أصل ١٩٩ مقعدًا برلمانيًا.

الأمر تكرر فى السويد، خرج الحزب السياسى الديمقراطى السويدى منتصرًا بحصوله على أعلى عدد من الأصوات، بنسبة ٢٠.٩٥٪، بـ٧٢ مقعدًا من أصل ٣٤٩ مقعدًا، متجاوزا جميع الأحزاب الأخرى داخل الائتلاف اليميني.

البرلمان الأوروبى لم ينج أيضا من التأثر باليمين المتطرف، إذ شهدت الانتخابات التى أجريت فى ٢٠١٩، ارتفاعًا ملحوظا فى عدد الأحزاب اليمينية المتطرفة، التى حصلت على ١٠٥ مقاعد، ما يمثل ثلث مقاعد البرلمان الأوروبى تقريبا.

مخاوف انتشار اليمين المتطرف، تعود فى الأساس إلى تبنيه خطابا شديد الكراهية ضد الآخر، وهذا الآخر ليس فقط الأجانب الموجودين فى أوروبا.

ولا حتى المسلمين المقيمين هناك، ومنهم الحاصلون على الجنسيات الأوروبية، وإنما أيضا اعتادت الأحزاب اليمينية على توجيه خطاب الكراهية ضد المعارضين لهم، ولأفكارهم.

انتشار خطاب الكراهية فى أوروبا، بدا واضحا وواقعيا، ولا يمكن إنكاره، بعد أن أصدرت المفوضية الأوروبية لمناهضة العنصرية والتعصب، تقريرًا يفيد بأن دول الاتحاد الأوروبى تشهد موجة متزايدة من خطاب الكراهية على وسائل التواصل الاجتماعي. 

للمزيد: الإسلاموفوبيا.. هلع أوروبي وتصاعد للتوترات الدينية والعرقية

فقد تم تسجيل حوالى ٨٥٠ حادثة كراهية فى إسبانيا فى عام ٢٠٢١، وتشير التقديرات إلى أنها قد تكون فى الواقع ٦٠٠٠ حادث، مع وجود أكثر من ١٠٠٠ موقع ويب يروج لكراهية الأجانب والتعصب.

كما كشفت أجهزة الاستخبارات الألمانية عن أدلة دامغة تدين اليمين المتطرف فى أكثر من ٣٠٠ حادث، فيما تشير التقديرات إلى تورط اليمين المتطرف فى أكثر من ٦٥ ألف جريمة ذات دوافع سياسية فى ألمانيا وحدها.

 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: اليمين المتطرف أوروبا القارة العجوز الأحوال المعيشية القارة الأوروبية الأحزاب اليمينية المتطرفة الشعوب الأوروبیة فى أوروبا مقعد ا

إقرأ أيضاً:

تراجع الأحزاب المركزية لصالح الاستقطاب الجغرافي

التحديات التي تواجه قادة وقواعد الأحزاب المركزية الآن عظيمة، وفيها المتصل بالجانب المحلي، والجيوبوليتيكي، والعالمي. فالحرب قادت الكثير من الناس إلى الرجوع إلى المناطقية في ظل انحسار دور الأحزاب المركزية، وتنامي التيارات الجهوية. وقد اكتملت دائرتا المطلبين الشمالي والوسط، والمتمثلتين في بروز خطابات سياسية جديدة تحاول استقطاب المنتمين لهذه المناطق بهدف التخلص من عبء دارفور، والنيل الأزرق، وأجزاء من كردفان.
وهناك ضمن تلك التحديات زيادة في قراءة الناس لأحداث البلاد وفقاً لمعارف ثقافية برزت في زمن العولمة الفكرية، وهي متجاوزة للصمديات الحزبية، وتهدف إلى توسيع المدارك الفكرية بعيداً عن الخلفيات الأيديولوجية.
أما على مستوى التحدي الجيوبوليتيكي فقد لاحظنا التصاعد في استمساك الرباطات الإقليمية بالقرار الوطني للصفوة النشطة. وليست هي الإمارات فقط كما يشكو مثقفون داعمون للجيش، ويغضون الطرف بكل جرأة لدور مصر التاريخي في عرقلة نهضة السودان، وراهناً دورها في تقييد حركة الجيش دون دعم تغيير ثورة ديسمبر.
وعالمياً أفرزت تجارب ثورة الاتصال معارف إبستيمية لا غنى عنها في تفسير الظاهرات المجتمعية. وما يزال الحقل الأكاديمي منفتحاً أمام منهج تعدد المناهج بوصفه الأكثر قدرة على تلاقح الرؤية السياسية مع الاقتصادية، إلى التاريخية، إلى الأنثروبولوجية، والفلسفية، وهكذا. ذلك يفضي إلى القول إن منهج الاقتصاد وحده لا يحل القضية الاقتصادية، وأن دراسة الأزمة ذات الملمح التاريخي تقتضي مزج المنهج التاريخي ذاته بالانثربولوجي، بالاقتصادي، والسيوسيولجي، للتوصل إلى قراءة أعمق. علاوة على ذلك فإن تعدد المعارف أفضل مما يفعله المنهج الواحد المظنون فيه التحليل للظاهرة محل الدرس، والتوصل للحلول المطلوبة.
تقريباً هذه التحديات البارزة تتزامن مع حربنا الأهلية المفتوحة على كل آفاق النهايات المحتملة. فالسيناريوهات التي ربما تنتهي إليها الحرب متعددة. تبدأ بإمكانية التسوية تحت الضغط الإقليمي والدولي، مروراً بانتصار أحد الطرفين، وأي منهما لن يتنازل كليةً عن سلطته للمدنيين تواً، وانتهاء ً باحتمال تجزء البلاد إلى دول متعددة.
مهما تعمقت - ثم تنبأت - قراءة المحللين السودانيين، وغيرهم، فإن خاتمة المطاف لجولات الحرب تظل عصية على التنجيم السياسي. ومن هنا فإن التحديات التي تواجه أحزابنا المركزية، والتي لها الخبرة في الحراك السياسي، ستعوق حركة المدنيين، وهي لما تحلل واقع الحرب بعيداً عن النظر لثقل التدخل المحلي المناطقي، والإقليمي، والدولي.
كنا منذ فترة قد بح صوتنا في المطالبة بتقديم بعض أحزابنا المركزية تنازلات تتعلق بتخليها عن ثأرات ضد بعضها بعضاً نتيجة لما جرى في الفترة ما بين سقوط نظام الحركة الإسلامية ونشوب الحرب في أبريل 2023. وكان المطلوب هو التوافق على أسس جديدة لتفعيل دور القوى السياسية التي شاركت في الثورة، ومن ثم بناء تحالف موثر على الرأي العام، لإيقاف القتال بين طرفيه، وتحييد الجانبين الجيوبوليتيكي الإقليمي، والعالمي، حتى لا يوثر في ما تنتهي عليه الحرب من نتيجة قد تُفرض غصباً على السودانيين جميعهم.
ولكن يبدو أن التجاذبات السياسية الصبيانية داخل الحزب الواحد، والثأرات بين الأحزاب بعضها بعضاً، والتي تتم عقلنتها بالتلاعب باللغة - لتغدو موقفاً سياسياً موضوعياً - لا ينتج إلا التعميق لتلك التحديات الثلاثة المذكورة. ففي وقت تكسب الانحيازات المناطقية في الحرب جمهوراً جديداً كل يوم تتراجع إمكانية الأحزاب في تأكيد فاعليتها وسط دوي المدافع، وضجيج الميديا الحديثة. وكلما تمنينا أن تنتهي الأزمة بالتفاوض وجدنا حربنا في صيرورة إلى أن تصبح حرب وكالة بفعل لاعبي الإقليم القريبين، والبعيدين. ومهما توقعنا حضور الاهتمام بترميم الموقف الوطني باتحاد القوى الحزبية الثورية، تبدو لنا بين كل جولة وأخرى للتفاوض سعي المجتمع الدولي لفرض حلول على الطرفين تتوافق مع مصالحه. وكيفما حاولنا حصر الفهم للقتال في حدود أنه بين مكونين عسكريين، تصاعد قبول خطاب الكراهية لدى مؤيدي الطرفين، خصوصا لدى الجمهور البسيط في نظرته.
لو أنه لا توجد الآن ضرورة حتمية لاستئناف التحالف المدني العريض وسط الحرب المستعرة، وذلك حتى يضم كل القوى التي شاركت في الثورة، إذن فإن بقاء قوانا السياسية في لجاجها السياسي سيمهد المجال حتماً للقواعد السودانية لاستقطاب قبائلها، وقوفاً مع هذا الطرف المقاتل، أو ذاك.
في مقابل هذا التشظي المدني الكئيب تنشط الحركة الإسلامية بكل قواعدها العسكرية، والجهادية، والإعلامية، والمدنية، والاقتصادية، لملأ الفراغ الملحوظ في العمل الحزبي المركزي. بل إنها على الجانب الآخر تستثمر في إذكاء نار القبلية هذي، وتحويل الصراع من كونه سياسياً إلى صراع عرقي مفتوح يضرب في النسيج القبلي داخل الإقليم، وبين جغرافيا وأخرى.
ما يزال السودان في فسحة من وحدته ما لم يصب في مقتل بمكايدات السياسيين المركزيين بعضهم بعضا.

 

suanajok@gmail.com  

مقالات مشابهة

  • المتطرف سموتريتش يضع 4 أهداف لإنهاء الحرب الإسرائيلية على جميع الجبهات
  • رئيس الوزراء المجري يرغب في أن يسيطر اليمين على السلطة في أوروبا
  • فريق السيدة العجوز يفرط في نقطتين ثمينتين أمام كالياري
  • الشرطة الألمانية تدهم اجتماعا لعشرات المتهمين بالانتماء لأقصى اليمين
  • ألمانيا تفض اجتماعاً كبيراً لليمين المتطرف
  • تخفيض عقوبة بوجبا يصدم «السيدة العجوز»!
  • تراجع الأحزاب المركزية لصالح الاستقطاب الجغرافي
  • لماذا لم يتم توطين رواتب موظفي الإقليم حتى اللحظة؟.. سياسي كردي يوضح
  • لماذا لم يتم توطين رواتب موظفي الإقليم حتى اللحظة؟.. سياسي كردي يوضح - عاجل
  • حوادث الإسلاموفوبيا في بريطانيا تصل إلى أعلى مستوياتها منذ عقد