صحيفة البلاد:
2025-04-12@00:49:01 GMT

طه حسين في المشاعر المقدسة 2-2

تاريخ النشر: 10th, July 2024 GMT

طه حسين في المشاعر المقدسة 2-2

.. بعد عودة عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين إلى القاهرة ،أجرى معه الصحفي والشاعر الكبير الأستاذ كامل الشناوي حواراً نشرته مجلة آخر ساعة في عددها الصادر بتاريخ 16 فبراير سنة 1955م. وسأله كامل الشناوي: علمت أنكم سافرتم إلى المدينة المنورة في طائرة صغيرة خطرة، مع أنكم لا تركبون الطائرات أبداً، وسبق أن رفضتم دعوات مهمة جداً لأمريكا وروسيا والهند لأن تلبيتها كانت تستلزم ركوب الطائرة، ولم تلبُّوا حتى دعوات ابنتكم وصهركم لزيارتهما وهما في أي منصب في السلك الدبلوماسي في أي بلد لهذا السبب؟

فأجاب الدكتور طه حسين : لم يكن من الممكن أن أتخلَّف عن هذه الزيارة، ولم تكن هناك طريقة أخرى غير الطائرة، كنت أحس أنه لا بد لي من زيارتها، لولا خوف الغرور لقلت إنها كانت دعوة من خارج نفسي دعوة آمرة.

ويستفهم كامل الشناوي: دعوة آمرة؟..ويقول طه حسين: دعوة آمرة لا بد أن تلبّى. لقد قال لي الأستاذ أمين الخولى: “إن الطريق البرِّي إلى المدينة مقطوع بسبب السيول الغزيرة التي هطلت هذا العام. ألا تؤجل زيارة المدينة هذه المرَّة؟ فقلت له: “لن أغفر لنفسي أبداً. شوقي إلى هذه الزيارة يتزايد منذ أكثر من سنتين”… ! وحين سأله كامل الشناوي كيف كان شعورك وانت في هذه الاماكن المقدسة ،أطرق الدكتورطه حسين ومسح جبينه بيده وكأنما يحاول أن ينفض عن رأسه غبار بعض الذكريات وقال : “لقد سبق أن عشت بفكري وقلبي في هذه الأماكن المقدسة زهاء عشرين عاماً – منذ بدأت أكتب “على هامش السيرة” حتى الآن- ولما زرت مكة والمدينة ،أحسست أني أعيش بفكري وقلبي وجسدي جميعاً . عشت بعقلي الباطن، وعقلي الواعي ، استعدت كل ذكرياتي القديمة، ومنها ما هو من صميم التاريخ، ومنها ما هو من صميم العقيدة ، وكانت الذكريات تختلط بواقعي، فتبدو حقائقا حيناً ورموزاً حيناً، وكان الشعور بها يغمرني ويملأ جوانب نفسي”.

ولما سئل: هل أخرجك هذا الشعور عن المألوف؟ ابتسم وقال: “على أي حال لم أصل إلى درجة الانجذاب، كنت دائماً في كامل وعيي، أخذتني الرهبة والخشية والخشوع كل مأخذ عندما كنت وحدي”.

وفي إجابة على سؤال آخر ،عبر الدكتور عن طه حسن مشاعره الأولى حين حلّ بهذه الأراضي فقال: “أول ما شعرت به وما زلت أشعر به إلى الآن هو الذي يجده الغريب حين يؤوب بعد غيبة طويلة جداً إلى موطن عقله وقلبه وروحه بمعنى عام”،وحين غادر الدكتور طه حسين مدينة جدة قاصداً البيت الحرام ،قام بالتنبيه على مرافقة أن يتوقف بالركب عند الحديبية، فلما توقفوا عندها ،ترجّل وقبض من تراب الحديبية قبضة فشمّها ثم تمتم ودموعه تنساب على التراب قائلاً: “والله إني لأشم رائحة النبي محمد –صلى الله عليه وسلم- في هذا التراب الطاهر”. ثم مضى الركب في طريقه حتى دخل الحرم الشريف من باب السلام، والدكتور لا يكاد يخفي وجد إيمانه عن رفيقه، وتوجها إلى الكعبة فتسلم الحجر وقبّله باكياً واستمر يطوف ويسعى في خشوع ضارع وبكاء خفي.

يقول أمين الخولي صاحبه في تلك الزيارة: “حين استلم طه حسين الحجر الأسود ظل يتنهّد ويبكي ويقبّل الحجر حتى وقفت مواكب الحجيج انتظاراً لأن يغادر هذا الأديب الكبير المكفوف مكانه، ولكنه أطال البكاء والتنهيد والتقبيل، ونسي نفسه فتركوه في مكانه وأجهشوا معه في البكاء والتنهيد” !
وعن ذكرياتها معه ، تقول السيدة سوزان زوجة الدكتور طه حسين في كتابها (معك) عن أثر هذه الرحلة في نفسه:“وما كان يواسيه شيء لو لم يتمكَّن من رؤية المدينة المنورة، وأعرف كم كان متأثراً عندما يقول لي: حقاً إن الإسلام دين الصفاء والتسامح” رحم الله عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين الذي لايزال يتمتع بعد رحيله بحضور فاعل في الوجدان الثقافي العام، بمواقفه وآرائه وكتاباته ومعاركه الأدبية، ورؤيته النقدية.

المصدر: صحيفة البلاد

كلمات دلالية: عبدالعزيز التميمي الدکتور طه حسین کامل الشناوی

إقرأ أيضاً:

السبب وراء تصدُّر شيوخ السوشيال ميديا المشهد الديني.. الدكتور علي جمعة يُوضح

أجاب الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء ومفتي مصر الأسبق، على سؤال حول ظاهرة شيوع المتكلمين في الدين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، الذين ربما لم يتلقوا التعليم الديني الصحيح في الأزهر أو على يد مشايخ معتمدين، نلاحظ أن هناك إقبالاً كبيراً على هؤلاء الذين يطلقون فتاوى وأحكاماً دينية عبر الإنترنت، بينما في المقابل نجد علماء أفنوا أعمارهم في تخصصات علمية رفيعة مثل علم الحديث، وعلم الكلام، وعلم الفقه، وعلم التفسير، ورغم ذلك لا نجد نفس الإقبال عليهم، فما العوامل التي قد تفسر هذه الظاهرة؟.

وقال عضو هيئة كبار العلماء ومفتي مصر الأسبق، خلال بودكاست "مع نور الدين"، المذاع على قناة الناس، اليوم الخميس، أن علاج ظاهرة شيوع المتكلمين في الدين عبر وسائل التواصل الاجتماعي يتطلب الغوص في أسبابها وتاريخها، لافتا إلى أن هذا يحتاج إلى استعراض الخلفية التاريخية لهذه الظاهرة التي ارتبطت بالفترة التي شهدت الاحتلال الإنجليزي لمصر في أوائل القرن العشرين، في تلك الفترة كان هناك هم كبير لدى العلماء لحل مشكلة الإسلام والخلافة التي كانت على وشك الانهيار، وظهر في هذا المقام العديد من العلماء مثل جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وغيرهم، الذين حملوا هم الأمة الإسلامية في تلك الفترة التاريخية الحرجة.

وأشار الدكتور علي جمعة إلى أن السلطان عبد الحميد انتهى عام 1908، بينما كان الإنجليز في مصر والفرنسيون في الجزائر، والعراق محتل من قبل الإنجليز، وسوريا ولبنان محتلين من قبل فرنسا، موضحا أن الاستعمار كان يعتبر حالة مقيدة، حيث يشعر الإنسان أنه محتل من قِبل الغير، وهذا وضع غير مقبول على كافة الأصعدة سواء دولياً أو قانونياً أو دينياً أو اجتماعياً، وأن هذا الشعور بالاحتلال كان يدفع الشعوب إلى إعادة ترتيب أولوياتها، وكان الهدف الأول في تلك المرحلة هو التخلص من الاستعمار، قبل أي شيء آخر.

وتابع الدكتور علي جمعة أنه في عام 1919 حدثت ثورة في مصر، وكذلك في عام 1916 وقعت الثورة العربية الكبرى، حيث حاول الشريف حسين تصحيح أوضاع الدولة التركية، مضيفا أن في عام 1924 حدث انهيار الخلافة العثمانية، فبدأت محاولات جديدة في مصر لإحياء الخلافة مرة أخرى. وعُقد مؤتمر الخلافة في عام 1925 في مصر، وكان الهدف منه أن تكون مصر هي التي تحمل الخلافة، ولكن التدخلات الأجنبية قد أثرت بشكل سلبي في هذه المحاولات، وبالتالي فشلت تلك المبادرات، وهذه الأوضاع المشحونة جعلت الناس يبحثون عن حلول بديلة لا علاقة لها بالعلم الشرعي، بل تركزت جهودهم في التخلص من الاحتلال.

وأوضح أن مؤتمر الخلافة الذي عقد في الهند عام 1926، حيث حضر فيه علماء من جميع أنحاء العالم الإسلامي لم يتناول الموضوعات الحقيقية التي كانت تؤرق الأمة في تلك الفترة، بل كان يركز على ما لا علاقة له بالمصائب التي كانت الأمة تمر بها، مثل انهيار الدولة العثمانية وتفتتها، بل بدأ تطبيق اتفاقية سايكس بيكو في عام 1916 بشكل تدريجي، مما أسفر عن تغييرات جذرية في شكل النظام السياسي للدول العربية، وأن هذه التحولات أدت إلى حالة من الفوضى الفكرية في الأمة الإسلامية، حيث كان التركيز في تلك الفترة على التخلص من الاستعمار بشكل مباشر دون الاهتمام الحقيقي بالعلم.

وأشار الدكتور علي جمعة إلى دور الشيخ محمد رشيد رضا في إنشاء معهد المنار في ذلك الوقت، الذي كان يهدف إلى تدريب الدعاة على مواجهة الاحتلال، ولكن هذا المعهد جذب إليه أفرادًا لم يتلقوا التعليم الأزهرى التقليدي أو الأكاديمي المعتمد، مما أدى إلى ظهور فكر غير علمي في بعض الأحيان، حيث بدأ يتصدر بعض هؤلاء الدعاة العلم وهم بعيدون عن المناهج العلمية الأزهرية الرصينة التي كانت تأخذ وقتًا طويلًا وتلتزم بمنهجية دقيقة، مؤكدا أن هذا التدريس السريع دون اهتمام بالأبعاد العلمية السليمة أنتج جيلًا من المتصدرين للعلم دون تأصيل علمي حقيقي.

وأضاف الدكتور علي جمعة أن هذه المحاولات من الشيخ رشيد رضا لتدريب الدعاة في فترة قصيرة وبدون اهتمام كافٍ بالجوانب العلمية أثرت بشكل سلبي على الفكر الديني، حيث لم تكن هذه المحاولات تركز على تعليم المتلقين بشكل عميق وإنما كانت تهدف إلى تعليمهم كيفية مقاومة الاحتلال وتحفيزهم بشكل سريع، ولكن ذلك تم على حساب الدراسات الأزهرية الرصينة التي كانت تأخذ وقتًا طويلاً في التحصيل وتتميز بالدقة والتمحيص العلمي.

وتابع أن هذه المحاولات لتدريب الأفراد على التدريس والحديث على المنابر في فترة قصيرة عبر "التيك أوي" أنتجت أفكارًا غريبة غير علمية، مثل تلك التي ظهرت من محمد أبو زيد الدمنهوري الذي ألف كتابًا بعنوان "العرفان في تفسير القرآن"، والذي أنكر فيه المعجزات والميراث والحدود وغيرها من الأمور الدينية الأساسية، مضيفا أن هذه الكتب كان لها تأثير ضار على الفكر الديني السليم، وأن الشيخ الذهبي في كتابه "التفسير والمفسرون" تحدث عن هذا الكتاب بشكل خاص واعتبره تفسيرًا ملحدًا للقرآن.

وأخيرًا، أشار الدكتور علي جمعة إلى أن محمد أبو زيد كان قد تعرض للعديد من القضايا القانونية نتيجة أفكاره الغريبة، حيث تم سحب الكتاب من الأسواق ولم يعد له أي وجود إلا في دار الكتب المصرية، واعتبر أنه مثال على التفسير غير الصحيح للقرآن، الذي ينقض كل الأسس التي قام عليها فهم الشريعة الإسلامية.

مقالات مشابهة

  • بعد نجاحه بدور العرض.. عمرو يوسف يوجه رسالة لصناع فيلم «6 أيام»
  • جمهوره ده حماه.. محمد الشناوي يتغنى بجمهور الأهلي
  • “الأكل العاطفي”.. كيف يتحول الطعام إلى وسيلة لمواجهة المشاعر؟
  • مكة المكرمة.. حراك اقتصادي وطفرة عمرانية غير مسبوقة
  • مكة المكرمة.. حراك اقتصادي وطفرة عمرانية غير مسبوقة خلال العقد الحالي
  • السبب وراء تصدُّر شيوخ السوشيال ميديا المشهد الديني.. الدكتور علي جمعة يُوضح
  • الأهلي يتوصل لاتفاق نهائي لتجديد تعاقد الشناوي
  • البابا تواضروس يعلن توقف الاجتماع الأسبوعي خلال فترة الـ 50 المقدسة
  • البابا تواضروس الثاني يعلن توقف الاجتماع الأسبوعي خلال فترة الخمسين المقدسة
  • البابا تواضروس يعلن توقف الاجتماع الأسبوعي خلال فترة الخمسين المقدسة