هل تفلح التحركات الدبلوماسية الأخيرة في تطويق الأزمة السودانية؟
تاريخ النشر: 10th, July 2024 GMT
الخرطوم- مع اقتراب مرور 15 شهرا على اندلاع الحرب في السودان في أبريل/نيسان من العام الماضي، وتصاعد تداعياتها الإنسانية والأمنية، نشطت تحركات دبلوماسية وسياسية بزيارات مسؤولين من دول مجاورة إلى بورتسودان ودول المنطقة، وأقيمت مؤتمرات للقوى المدنية والسياسية لتقريب مواقفهم باتجاه حل الأزمة التي تعيشها البلاد.
وفي إطار الحراك السياسي لإنهاء الحرب يستضيف الاتحاد الأفريقي بمقره في أديس أبابا، الأربعاء، ولمدة 5 أيام، مؤتمرا تحضيريا للقوى السياسية والمدنية السودانية، وذلك بعد 4 أيام من مؤتمر مماثل في القاهرة جمع فرقاء السودان للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب، لكن الخلافات طغت على بيانه الختامي.
من جهته، أعلن تحالف القوى المدنية الديمقراطية السودانية "تقدم" اليوم اعتذاره عن حضور المؤتمر الأفريقي لعدة أسباب، أبرزها أن التشاور لم يكن كافيا بشأن الأطراف المشاركة المدعوة، كما أن هناك تحفظات من جانب التحالف على أجندة المؤتمر، وإشراك الاتحاد الأفريقي عناصر يعتبرها داعمة لاستمرار الحرب.
في أول زيارة له إلى مدينة بورتسودان في شرق السودان منذ اندلاع المواجهات، أجرى رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، الثلاثاء، محادثات مغلقة مع رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، لبحث الأزمة السودانية وإنهاء الحرب، قبل أن ينضم لهما وزراء ومسؤولون كبار في المخابرات والاستخبارات العسكرية.
وكشفت مصادر في مجلس السيادة للجزيرة نت، أن الجانبين تجاوزا التوتر في العلاقات عقب تصريحات آبي أحمد في يوليو/تموز 2023 عن الفراغ في قيادة السودان، ثم استقباله قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي" في أديس أبابا والاحتفاء به.
وأوضحت المصادر ذاتها أن رئيس الوزراء الإثيوبي عرض لعب دور لتقريب المواقف بين البرهان وحميدتي لاستئناف محادثات السلام، كما أقر الجانبان إجراءات للتعاون والتنسيق الأمني للمحافظة على الاستقرار في حدود البلدين، ولا سيما منع تسلل مسلحين على جانبي الحدود، خصوصا بعد اقتراب المواجهات العسكرية بين الجيش والدعم السريع من الحدود الإثيوبية.
وكان آبي أحمد قد صرح أمام برلمان بلاده في 4 يوليو/تموز الجاري بأن إثيوبيا لم تستغل الصراع الدائر بالسودان "لاستعادة أراضٍ دخلها الجيش السوداني، مستغلا حربنا مع جبهة تحرير تيغراي، لكننا أخلاقيا لن نستغل ظروف الحرب التي يمر بها الشعب السوداني، الذي وقف إلى جانبنا في جميع الأوقات العصيبة، باستضافته للإثيوبيين في أراضيه".
وأكد أن موقفهم من الصراع في السودان محايد، ويتمثل في مساندته لجلب طرفي الصراع إلى طاولة الحوار والسلام وإنهاء الحرب، حيث سبق أن توسط رئيس الوزراء الإثيوبي بين المدنيين والعسكريين بعد سقوط نظام الرئيس المعزول عمر البشير، كما نشط أيضا في جهود السلام المبذولة عبر منظمة الهيئة الحكومية للتنمية في دول شرق أفريقيا "إيغاد".
ومن المنتظر أن يزور بورتسودان أيضا رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت خلال اليومين المقبلين لإجراء مشاورات مع البرهان، حسب مصادر في الخارجية السودانية للجزيرة نت.
إنعاش منبر جدةوبحث البرهان مع نائب وزير الخارجية السعودي وليد بن عبد الكريم الخريجي، الاثنين في مدينة بورتسودان، استئناف مفاوضات جدة لوقف الحرب.
وقال وكيل وزارة الخارجية السوداني حسين عوض، إن المباحثات تناولت الدعوة لاستئنافه، وإن البرهان أكد حرص السودان على إنجاح المنبر، لكنه وفي إطار توسيع دائرة الرعاة أبدى تحفظه على وجود أي طرف يساند الدعم السريع.
وكانت الوساطة السعودية الأميركية في منبر جدة قد علقت التفاوض في 3 ديسمبر/كانون الأول 2023، بعد تبادل اتهامات بين الجيش السوداني والدعم السريع بعدم تنفيذ إجراءات بناء الثقة وإنهاء الوجود العسكري للدعم السريع في المدن الرئيسية والمرافق المدنية.
وفي جيبوتي استقبل سكرتير منظمة "إيغاد" ورقني قبيهو، المبعوث الأميركي الخاص للقرن الأفريقي مايك هامر، وبحثا الوضع الراهن في الإقليم مع التركيز على السودان، وشددا على ضرورة تسريع عملية السلام.
كما دعت الأمم المتحدة الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إلى مفاوضات غير مباشرة نهاية الأسبوع الجاري في جنيف السويسرية، لبحث تسهيل وصول المساعدات للمتضررين من القتال وحماية المدنيين.
فشل الوكلاءيعتقد المحلل السياسي والمتحدث باسم وزارة الخارجية السابق العبيد أحمد مروح، أن الولايات المتحدة اقتنعت بأن "تقديرات وكلائها لنتائج حرب السودان أتت بما لا يشتهون، وأن إدارة بايدن تريد نهاية للحرب قبل الانتخابات الأميركية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل".
ورغم أن الشأن الخارجي لا يشكل إلا جزءا بسيطا من اهتمامات الناخب الأميركي، فإن المحلل يرى في حديث للجزيرة نت، أن فشل الإدارة الأميركية في تحقيق أي إنجاز لصالح السلم الدولي، كما في حالتي أوكرانيا وغزة، يجعلها ترى في مشروع وقف الحرب في السودان حافزا لتحسين صورتها، وضمان استمرار تأييد الأميركيين من أصول أفريقية، ومجموعات الضغط الأخرى المهتمة بإقليم دارفور.
ويضيف المتحدث أن المعنيين بالملف السوداني من الدول الكبرى والإقليمية يرغبون في تسوية النزاع السوداني في أقرب وقت، ليتفرغوا لقضايا ونزاعات أخرى تؤثر عليهم وعلى مستقبل المنطقة، لكنه لا يتوقع تسوية نهائية قريبا، بسبب عمق الخلاف بين الفرقاء السودانية.
وفي الوقت نفسه، لا يستبعد الوصول إلى تسوية وتحديد موعد لوقف إطلاق النار وتمرير المساعدات الإنسانية خلال الشهرين المقبلين، في حال استمر الزخم الدولي والإقليمي.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي خالد سعد، أن التحركات السياسية الأخيرة مدفوعة برؤية المجتمع الدولي والإقليمي، بأن الوضع في السودان كارثي ومربك، وقد يصل إلى حافة الهاوية، وأن الحرب يمكن أن تستكمل دورتها وتجرف معها المصالح الدولية والإقليمية.
وحسب المحلل للجزيرة نت، فإن تجاهل الحرب في المرحلة السابقة كان مقصودا لإنهاك طرفي الحرب، لكن المصالح المتناقضة زادت من تأزيم الوضع، وبدأ القلق يتنامى بعد اقتراب الخرطوم من موسكو، وارتفاع الهواجس بشأن أمن البحر الأحمر، فضلاً عن مخاوف من نشوء جماعات متطرفة مستغلة الأوضاع الأمنية في السودان.
ويرى المتحدث أن مؤتمر القاهرة للقوى السودانية ثم مؤتمر أديس أبابا محاولات لرأب الصدع بين الفرقاء لإنهاء الأزمة، لأن استمرار الانقسام السياسي يسهم في إطالة أمد الحرب.
غير أنه يعتقد أن الدوافع المختلطة لرعاة المؤتمرات قد تعقّد الحل الشامل للأزمة، مما يتطلب إرادة أكثر استقلالية من الفرقاء لتخفيف وطأة الضغوط الدولية الساعية لوقف الحرب من دون حلول جذرية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات فی السودان للجزیرة نت
إقرأ أيضاً:
السلطات السودانية تفرج عن اثنين من رموز نظام البشير لدواعٍ صحية
كشفت مصادر سودانية مطلعة النقاب عن أنه تم الإفراج عن بكري حسن صالح ويوسف عبد الفتاح وهما من قيادات حكومة الإنقاذ بعد أن أبلغهما مسؤول عسكري بأن السلطات قررت إطلاق سراحهما بسبب تدهور حالتهما الصحية.
وكان صالح وعبد الفتاح قد خضعا للمحاكمة بتهم تتعلق بالانقلاب العسكري الذي أطاح بالحكومة المنتخبة في عام 1989، ولكن الحرب الدائرة في البلاد منذ أكثر من عام قد عطلت سير المحاكمة.
وقد أوضح عضو هيئة الدفاع عن المتهمين، محمد الحسن الأمين، في تصريحات نقلتها صحيفة "سودان تربيون" أن هذا القرار قد أُبلغ له من قبل عقيد في الاستخبارات العسكرية. كما ذكر الحسن أن الإفراج عن صالح وعبد الفتاح يأتي بعد تدهور حالتهما الصحية، حيث ستُجرى عملية جراحية ليوسف عبد الفتاح الأسبوع المقبل، في حين من المتوقع أن يغادر بكري حسن صالح مستشفى مروي بعد تعافيه في يوم السبت المقبل.
ويضيف الحسن أن السلطات قد رفعت مستوى الحراسة المفروضة على صالح وعبد الفتاح، إلا أنها أبقت على مرافق واحد فقط لكل منهما.
وبكري حسن صالح ويوسف عبد الفتاح هما شخصيتان بارزتان في النظام السوداني السابق، حيث شغلا مناصب رفيعة في الحكومة والمجتمع العسكري. بعد سقوط نظام البشير في 2019، تم اعتقالهم ووجهت إليهم تهم تتعلق بالفساد والانقلاب العسكري، وظلوا تحت الاحتجاز في ظروف قانونية وسياسية معقدة نتيجة للأزمة السياسية في السودان.
وجاء القرار بعد سلسلة من الأحداث التي أثرت على سير الإجراءات القانونية المتعلقة بمحاكمة كبار قادة نظام البشير. ففي سبتمبر 2024، تم نقل صالح وعبد الفتاح، بالإضافة إلى الرئيس المخلوع عمر البشير ووزير الدفاع الأسبق عبد الرحيم محمد حسين، من منطقة وادي سيدنا العسكرية في أم درمان إلى مستشفى مروي بالولاية الشمالية بعد تقارير طبية أظهرت تدهور صحتهم بشكل ملحوظ.
كما تسببت الحرب التي اندلعت بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في تعطيل المحاكمات، حيث فرّ قادة النظام السابق من سجن كوبر ضمن آلاف السجناء بعد اندلاع الحرب، مما فاقم من تعقيد الوضع الأمني والسياسي في البلاد.
واندلعت الحرب في السودان في أبريل 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، مما أدى إلى تدهور الأوضاع الأمنية والإنسانية في البلاد. هذا النزاع أعاق بشكل كبير سير الإجراءات القضائية ضد الرئيس المخلوع عمر البشير، ونائبه بكري حسن صالح، وعدد من كبار قادة النظام السابق، الذين كانوا يواجهون محاكمات تتعلق بانقلاب 1989 وتهم فساد أخرى.
وقد عانت البلاد من تداعيات هذه الحرب على جميع الأصعدة، بما في ذلك النظام القضائي، الذي أصبح في حالة من الجمود بسبب الظروف الأمنية والسياسية الصعبة. في هذا السياق، تأتي خطوة الإفراج عن صالح وعبد الفتاح لتزيد من تعقيد المشهد السياسي، حيث يتساءل البعض عن مغزى هذا القرار في ظل الوضع المتأزم الذي تشهده البلاد.
ويتوقع مراقبون أن تثير هذه التطورات المزيد من التساؤلات حول الإجراءات القانونية المتخذة بحق رموز النظام السابق، وكذلك حول كيفية تأثير الحرب على سير العدالة في السودان في ظل الظروف الراهنة.
وأواخر مارس / آذار الماضي عاد رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان عبد الفتاح البرهان، إلى القصر الرئاسي في العاصمة، وأعلن "الخرطوم حرة"، فيما حاولت قوات "الدعم السريع" التقليل من أهمية هذه الخطوة.
وظهر البرهان، وهو أيضا قائد الجيش، في القصر الرئاسي وسط عشرات الجنود، وقال: "انتهى الأمر.. الخرطوم حرة".
وفي الفترة الأخيرة تسارعت وتيرة تراجع قوات "الدعم السريع" في ولايات عدة، منها الخرطوم والجزيرة والنيل الأبيض وشمال كردفان وسنار والنيل الأزرق.
ومن أصل 18 ولاية، تسيطر قوات "الدعم السريع" فقط على جيوب غرب وجنوب مدينة أم درمان غربي الخرطوم، وأجزاء من ولايتي شمال كردفان وغرب كردفان.
كما تسيطر "الدعم السريع" على 4 ولايات في إقليم دارفور (عرب)، بينما يسيطر الجيش على الفاشر عاصمة شمال دارفور الولاية الخامسة في الإقليم.
ويخوص الجيش و"الدعم السريع" منذ أبريل 2023 حربا أسفرت عن مقتل أكثر من 20 ألف شخص ونزوح ولجوء حوالي 15 مليونا آخرين، وفق الأمم المتحدة والسلطات المحلية، بينما قدرت دراسة أجرتها جامعات أمريكية عدد القتلى بنحو 130 ألفا.