انتصارات الجيش مؤخرا. لها تداعيات على المشهد برمته:
أولا: الداخلي: مؤتمر القاهرة لخص الواقع. ورسم صورة للمستقبل تتمثل في فك الارتباط بين تقزم والشارع. بعد أن طلبت حمايتها من جالية بني وطنها بمصر.
ثاتيا: الإقليمي: أبو أحمد غالبا ما يكون في السودان خوفا من الدعم الأرتري للسودان مؤخرا في محنته الحالية. وكذلك لقطع الطريق على أرتريا من دعم الأمهرا عن طريق السودان.
ثالثا: العالمي: في تقديرنا خروج فرنسا من شباك الغرب الإفريقي ودخول روسيا بالباب في المشهد يحتم على روسيا البحث عن تطوير وحماية الاتحاد الجديد من أمريكا وحلفائها. وليس هناك دولة إقليمية مؤهلة للعب هذا الدور غير السودان. لذا نرى أن روسيا والسودان كل منهما محتاج للآخر. هذا الأمر سوف يدفع السودان بإعطاء قاعدة ونقطة تزود على البحر الأحمر لروسيا مقابل السلاح (واحد بواحد). وقطعا لطريق ذلك التقارب الروسي السوداني دفعت أمريكا بالسعودية لتلعب دور (مرسال الشوق) بينها وبين السودان.
وأظن من أخطاء أمريكا في الملف السوداني أن تركته بعد ثورة فولكر لدول الإقليم العربية والإفريقية. وفات على أمريكا تعقيدات المشهد السوداني بأنها أكبر من قدرات استخبارات تلك الدول. وخلاصة الأمر نجزم بأن التحولات وتقاطع المصالح آنفة الذكر لها ما بعدها من تأثير على المسرح السوداني قريبا. وعلى أقل تقدير إن لم تدعم تلك الدول المناوئة للحكومة السودانية في عملية حسم المرتزقة عسكريا. بلاشك سوف تلتزم الحياد. وذلك خوفا من معادلة (واحد بواحد) التي فرضت نفسها على المشهد السوداني.
د. أحمد عيسى محمود
عيساوي
الثلاثاء ٢٠٢٤/٧/٩
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
الدستور الانتقالي السوداني لعام 2025 ما بين التأسيس الجديد والتحديات الراهنة
في خطوة تعكس طموحات قوى سياسية واجتماعية نحو إعادة تشكيل المشهد الدستوري في السودان، وقعت الأطراف المكونة لتحالف السودان التأسيسي على الدستور الانتقالي لجمهورية السودان لعام 2025. هذا الدستور، الذي يلغي الوثيقة الدستورية لعام 2019 وجميع القوانين والقرارات والمراسيم السابقة، يمثل قطيعة قانونية وسياسية مع تجارب الحوكمة السابقة، ويؤسس لنظام سياسي جديد يقوم على الديمقراطية، العلمانية، واللامركزية، مما يعكس رؤى القوى الموقعة في إعادة هيكلة الدولة على أسس مختلفة عن تلك التي سادت لعقود.
أحد أبرز ملامح هذا الدستور هو تكريسه لمفهوم فصل الدين عن الدولة، وهو طرح ظل مثار جدل كبير في المشهد السوداني الذي ظل تاريخياً متأرجحاً بين الدولة الدينية والمدنية. بالإضافة إلى ذلك، سعى الدستور إلى إزالة الهوية العرقية والجهوية من مؤسسات الحكم، مع التأكيد على أن المواطنة المتساوية هي أساس الحقوق والواجبات. في هذا السياق، يمكن مقارنة هذا النموذج بالنموذج الهندي الذي تبنى دستوراً علمانياً عقب الاستقلال رغم التنوع الديني والعرقي الكبير، ما ساعد في استقرار النظام السياسي على المدى الطويل، على الرغم من التحديات التي واجهته.
أما من حيث نظام الحكم، فقد أقر الدستور الانتقالي اللامركزية السياسية، الإدارية، القانونية، والمالية، حيث أُعيد تقسيم السودان إلى ثمانية أقاليم، لكل منها صلاحيات دستورية دون المساس بوحدة الدولة. ويعكس هذا التوجه مزيجاً بين النموذج الفيدرالي كما هو معمول به في الولايات المتحدة وألمانيا، والنظام اللامركزي كما في بلجيكا، حيث تتعايش الأقاليم المتعددة داخل كيان وطني واحد مع سلطات موسعة. غير أن تحديات التطبيق في السودان تظل معقدة، لا سيما في ظل غياب تقاليد راسخة للحكم اللامركزي، ووجود صراعات عسكرية وجهوية قد تعرقل هذا النموذج.
حدد الدستور الفترة الانتقالية بمرحلتين، تبدأ الأولى من تاريخ سريانه حتى الإعلان الرسمي عن إنهاء الحروب، ثم تعقبها مرحلة انتقالية تأسيسية تمتد لعشر سنوات، وهي مدة طويلة مقارنة بالتجارب الانتقالية في دول ما بعد النزاعات مثل جنوب إفريقيا والبوسنة والهرسك، حيث تراوحت الفترات الانتقالية بين ثلاث إلى خمس سنوات. ويعكس هذا الخيار وعياً بمدى تعقيد المشهد السوداني، إلا أنه يثير تساؤلات حول إمكانية الحفاظ على الاستقرار السياسي طيلة هذه المدة دون نشوب أزمات جديدة.
هياكل السلطة التي نص عليها الدستور تعكس رؤية تتجاوز الأنظمة العسكرية والمدنية الهشة السابقة، إذ تتكون السلطة التشريعية من مجلسين، مجلس الأقاليم ومجلس النواب، مما يعكس محاولة لتحقيق توازن بين التمثيل الشعبي والتمثيل الجهوي. كما تم تحديد نسبة تمثيل النساء بـ 40%، وهو توجه مشابه لما تم تطبيقه في بعض الدول الإفريقية مثل رواندا التي نجحت في تحقيق مشاركة نسائية واسعة في البرلمان، مما أسهم في تحقيق استقرار اجتماعي وسياسي ملحوظ.
في الجانب التنفيذي، نص الدستور على تشكيل مجلس رئاسي يتكون من 15 عضواً يمثلون الأقاليم، مع صلاحيات تعيين وإقالة رئيس الوزراء والقيادات الدستورية. كما أقر بتشكيل حكومة انتقالية بلا محاصصة حزبية، في محاولة للابتعاد عن نظام المحاصصة الذي أثبت فشله في تجارب ما بعد الثورة، كما حدث في العراق ولبنان. غير أن السؤال المطروح هو: هل يمكن فعلاً تجاوز تأثير الأحزاب السياسية في ظل تاريخ طويل من التدخلات السياسية في التعيينات الحكومية؟
أما في ما يتعلق بإعادة هيكلة المؤسسات النظامية، فقد نص الدستور على تأسيس جيش وطني جديد بعقيدة عسكرية غير أيديولوجية، وهو طرح شبيه بالنموذج الجنوب أفريقي بعد نهاية الأبارتيد، حيث تم دمج قوات الفصائل المسلحة السابقة في جيش وطني موحد. لكن تحدي التطبيق في السودان سيكون أكثر تعقيداً بسبب تعدد الفصائل المسلحة واختلاف أجنداتها السياسية. كما نص الدستور على تأسيس قوات شرطة وجهاز أمن جديدين، مع ضمان عدم ولائهما لأي تيارات سياسية أو قبلية، وهو أمر مثالي نظرياً، لكنه في الواقع يتطلب تحولات جوهرية في الثقافة المؤسسية لهذه الأجهزة.
من النقاط المثيرة للجدل في هذا الدستور أنه جعل قوات الدعم السريع والجيش الشعبي لتحرير السودان وحركات الكفاح المسلح نواةً للجيش الجديد، بينما نص على حل مليشيات المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية وجميع المليشيات الأخرى. هذا التوجه يعكس انحيازاً واضحاً لبعض القوى المسلحة دون غيرها، مما قد يؤدي إلى مشكلات تتعلق بالعدالة الانتقالية وتوازن القوى بين الفصائل المختلفة، خصوصاً في ظل تجربة السودان مع الصراعات المسلحة التي غالباً ما يعقبها ظهور حركات تمرد جديدة رداً على الإقصاء.
بالمجمل، فإن هذا الدستور يعكس رؤية طموحة لإعادة هيكلة الدولة السودانية بعيداً عن التجارب السابقة التي اتسمت بالمركزية المفرطة والاضطراب السياسي. لكن نجاحه مرهون بمدى قدرة القوى السياسية والعسكرية على الالتزام بمبادئه، وتجاوز العقبات البنيوية التي حالت دون استقرار السودان في العقود الماضية. كما أن المقارنة مع تجارب دولية مشابهة تشير إلى أن أي مشروع تأسيسي بهذا الحجم يحتاج إلى توافق واسع، وإدارة دقيقة للمرحلة الانتقالية، حتى لا يتحول إلى مجرد وثيقة أخرى تُضاف إلى سجل المحاولات الدستورية الفاشلة في السودان.
zuhair.osman@aol.com