لجريدة عمان:
2025-01-15@23:55:54 GMT

مخاطر الشبكة العنكبوتية المُظلِمة

تاريخ النشر: 9th, July 2024 GMT

مفهوم الشبكة العنكبوتية المُظلمة (أو السوداء) ليس مألوفًا لدى كثير من الناس في عالمنا العربي ممن ليست لهم معرفة وثيقة بالتكنولوجيا الرقمية (وأنا واحد منهم)، ولكنه ترجمة حرفية لمصطلح Darknet، وهو مصطلح متداول ومتعارف عليه منذ عقود، وإن كنت قد سمعت به وتعرفت عليه مؤخرًا من خلال صديقة مثقفة على دراية بما يجري في عالم الإنترنت.

أذهلني ما سمعت منها وعرفت عن هذا العالم الافتراضي الجديد على عالمنا العربي: فعلى الرغم من أن هذا العالم الافتراضي ينتمي إلى الشبكة العنكبوتية التي لها منافع عديدة لا غنى عنها، فإنه في الوقت ذاته يمثل الجانب السلبي لهذه الشبكة التي يمكن أن تنقل لنا عوالم من الشر المخيفة والموبقات التي تثير الجزع في النفوس على نحو لا يجافي الأخلاق وحدها، وإنما يجافي أيضًا الطبيعة الإنسانية ذاتها.

تتطلب الشبكة العنكبوتية المُظلمة أجهزة كومبيوتر مبرمجة لكي تتلقى الرسائل فقط دون إمكانية الرد عليها، أي أن محتواها يتطلب «سوفت وير» خاص، وبذلك فإنها تبقى غير مرئية قابعة في الظلام. والأصل في هذه الشبكة أنها كانت مصممة لأجل الاستخدامات العسكرية والأمنية؛ ولكن مجال استخدامها قد اتسع باعتبارها شبكة معلومات موازية تتطلب بروتوكولًا خاصًا لكي تسمح للمستخدم بالدخول عليها. هذا الجانب المظلم من شبكة المعلومات قد اتسع مجاله بحيث أصبح يشكل مسرحًا لكل ما لا يمكن أو ما لا يجب رؤيته في العلن باعتباره مسرحًا للأنشطة الإجرامية من قبيل: الاتجار في المخدرات وأساليب تداولها وتعاطيها، وممارسة العنف بكل أشكاله، بما في ذلك جرائم الاغتصاب، والقتل المدبَّر بصورة وحشية تبلغ حد التمثيل بجثث القتلى! وبطبيعة الحال فإن هذا المحتوى الإجرامي لمواقع الشبكة العنكبوتية المظلمة هو مادة مثيرة للنوازع الشريرة والفضولية لدى البشر، وبذلك أصبح هذا المحتوى مادة للمتاجرة بكل أنواع الجرائم والبضائع غير المشروعة التي يطلب العارضون لها أموالًا باهظة من المواقع التي تقوم بدورها بعرضها على المستخدمين مقابل مبلغ معين. والخطورة هنا أن مستخدمي هذه المواقع يمكن أن يخضعوا للملاحقة القضائية أو للاتصال بالمنظمات الإجرامية والوقوع في شراكها.

بدأنا نعي الآن خطورة هذه الشبكة العنكبوتية حينما وصلت إلينا آثارها الكارثية في حياتنا. لم يعد ذلك بعيد عنا، ومن ذلك تلك الحادثة المروعة التي نشرت تفاصيلها جريدة المصري اليوم بتاريخ 2/7/2024، والتي عُرِفت باعتبارها جريمة «الدارك ويب» التي أفضت إلى قتل طفل شبرا الخيمة والتمثيل بجثته. وخلاصة هذه القصة المروعة أن طفلًا مصريًّا يقيم مع والده في دولة الكويت قد أوعز إلى آخر يعمل في مقهى بحي شبرا الخيمة بأن يقتل طفلًا آخر بوحشية، فيقوم بشق صدره واقتلاع أحشائه والتمثيل بجثته، وتصوير هذه العملية من خلال الفيديو، بهدف إذاعتها على «الدارك ويب» نظير أرباح مادية هائلة. انهار والدي الطفل القتيل عند رؤيتهما المجرمين اللذين تم جلبهما إلى محكمة جنايات شبرا الخيمة، ولم يحتملا تذكر مشاهد جثة ابنيهما منزوعة الأحشاء. وبطبيعة الحال، فإن هذه الجريمة ليست الوحيدة التي تحدث في مصر، ولا هي تحدث في مصر وحدها؛ فمن المؤكد أن جرائم هذه الشبكة العنكبوتية تحدث الآن في البلدان العربية بأشكال مختلفة.

كل ذلك يستدعي التساؤل عن مسألة بالغة الأهمية وتتجاوز حدود الشبكة المظلمة إلى المجال الأكثر اتساعًا الذي تنتمي إليه، أعني: التساؤل عن دور التكنولوجيا في حياتنا وموقفنا منها. وبطبيعة الحال، فإننا هنا لا نقصد طرح التساؤل عن التكنولوجيا على طريقة هيدجر العويصة، الذي رأى أن التكنولوجيا تؤدي إلى اغتراب الوجود الإنساني في عالم استخدام الأدوات ووسائط الاتصال؛ وبالتالي تحجبه عن اللقاء المباشر بالوجود نفسه. والحقيقة أن هيدجر يطرح مسألة مخاطر التكنولوجيا من خلال رؤية بالغة العمق تتعلق بالوضع الوجودي للإنسان في عالم تتحكم فيه التكنولوجيا، وتلك مسألة تستحق مقالًا خاصًا، بل عدة مقالات. ولكننا هنا نطرح تساؤلنا عن التكنولوجيا على نحو أكثر بساطة ومباشرة، أعني: من حيث صلة التكنولوجيا بالأخلاق، وهي مسألة قد فرضها الواقع الراهن، وما آلت إليه التكنولوجيا واستخداماتها في حياتنا الراهنة. ولقد رأينا في المقالين السابقين بعنوان «الفن والذكاء الاصطناعي» و «أخلاقيات الذكاء الاصطناعي» كيف أتاحت التكنولوجيا مجالًا لاستخدام أدواتها وإمكانياتها في تزوير الأعمال الفنية. ومع ذلك، فإن التكنولوجيا لا غنى عنها رغم كل مخاطرها، وهي تظل برهانًا على تطور المعرفة الإنسانية وتقدمها؛ لأنها أصبحت تتدخل في كل مناحي الأنشطة الإنسانية، ولكنها تظل أيضًا أداة ممكنة لدمار المرء بل لدمار العالم نفسه، فما العاصم من هذا المآل ومن ذلك المصير؟ ويمكن أن نصوغ هذا التساؤل بشكل آخر: كيف ينبغي لنا كأفراد وكدول التعامل مع تلك الأداة المحايدة التي نسميها التكنولوجيا؟ ذلك تساؤل يستدعي أسئلة أخرى عديدة، ويعبر عن ضرورة ملحة في أن يعكف المتخصصون على دراسة الظواهر التي تتجلى فيها مخاطر التكنولوجيا، لنقف على أسبابها وسبل مواجهتها والتعامل معها؛ فليست «الشبكة العنكبوتية المظلمة» سوى ظاهرة من تلك الظواهر.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الشبکة العنکبوتیة هذه الشبکة

إقرأ أيضاً:

بدعم من سيمنس: تشغيل وحدة غازية جديدة بمحطة كهرباء السرير لتعزيز كفاءة الشبكة العامة

ليبيا – الشركة العامة للكهرباء: دخول الوحدة الغازية الثانية بمحطة السرير على الشبكة

أعلنت الشركة العامة للكهرباء عن دخول الوحدة الغازية الثانية في محطة كهرباء السرير إلى الخدمة، مما يعزز دعم الشبكة الكهربائية.

تفاصيل عملية الإدخال

وأفادت الشركة، عبر مكتبها الإعلامي، أن تشغيل الوحدة جاء بعد الانتهاء من أعمال العمرة الجسيمة التي نفذها مهندسو وفنيو الشركة بالتعاون مع شركة سيمنس الألمانية. وأوضحت أن هذه الجهود تأتي ضمن خطة الشركة لدعم الشبكة الكهربائية وضمان كفاءة عمل وحدات الإنتاج.

أهمية الخطوة

تشكل هذه الخطوة جزءًا من الجهود المستمرة التي تشرف عليها إدارة الشركة العامة للكهرباء، بهدف تحسين كفاءة الشبكة وضمان استقرار الإمدادات الكهربائية في البلاد.

 

 

مقالات مشابهة

  • نتنياهو : الإعلان عن الصفقة في غزة مسألة أيام أو ساعات
  • نتنياهو لأهالي الأسرى الإسرائيليين: صفقة التبادل مسألة أيام أو ساعات
  • نتنياهو لعائلات الرهائن: مسألة الصفقة تتعلق بأيام أو ساعات ومستعد لوقف إطلاق نار دائم
  • ترحيل المهاجرين.. رئيس الوزراء الفرنسي يخرج عن صمته ويتخذ هذا القرار
  • هل سيشتري إيلون ماسك الشبكة الاجتماعية تيك توك؟
  • الجوية الجزائرية: إستلام طائرات جديدة وتوسعة الشبكة الداخلية والدولية
  • بدعم من سيمنس: تشغيل وحدة غازية جديدة بمحطة كهرباء السرير لتعزيز كفاءة الشبكة العامة
  • ميدفيديف يحطم مضربه وكاميرا الشبكة قبل الفوز على سامريج
  • كهرباء ميسان تعلن إضافة 3430 مشتركًا إلى الشبكة خلال عام
  • نائب محافظ بني سويف يناقش خطوات إعداد ملف ترشيح إحدى المدن ضمن الشبكة الإبداعية باليونيسكو