لجريدة عمان:
2024-12-22@07:26:48 GMT

عن حرية الرأي في العصر الرقمي

تاريخ النشر: 9th, July 2024 GMT

عن حرية الرأي في العصر الرقمي

Your browser does not support the audio element.

يتبنى البعض في العالم العربي، وفي الكثير من بقاع العالم، أطروحة مفادها أن وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت بشكل كبير في كسر القيود التي كانت مفروضة في الكثير من الدول على «حرية الرأي».. لكنّ هذا الرأي رغم أنه يبدو للوهلة الأولى يحمل بعض الوجاهة إلا أنه بكثير من التدقيق يتضح أنه يستند، في عمومه، على لبس واضح في فهم معنى الحرية ومعرفة حدودها؛ ولذلك تختل النتيجة التي يقود لها بشكل واضح.

لا يمكن اليوم ونحن نقترب من منتصف العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين أن نختلف حول حق الإنسان في التعبير عن رأيه، فهو حق إنساني قبل أن يكون حقا سياسيا على الدولة أن تكفله وترعاه وتُسيّج به مجتمعاتها. فحرية الرأي والتفكير شرط أساسي من شروط التقدم البشري والنهضة التكنولوجية التي تعيشها البشرية، يقول جون ستيوارت ميل في كتابه «عن الحرية» إن حرية التعبير هي «شرط ضروري للتقدم الفكري» فهي تشجع على الحوار المفتوح والنقد البناء وتبادل الأفكار وفتح آفاق جديدة قد لا تكون ظاهرة في بيئة يسودها الحصار الفكري.

لكنّ دلالة مصطلح «الحرية» الذي شغل البشرية وشغل مفكريها وفلاسفتها وأدباءها على مرِّ التاريخ ليست هي الدلالة التي يمارسها «البعض» على وسائل التواصل الاجتماعي هذه الأيام؛ فحرية التعبير لم تكن في يوم من الأيام تعني الإساءة وانتهاك الحياة الخاصة والتشهير أو التضليل أو حتى سلب حق الآخرين في طرح وجهات نظرهم أو أفكارهم التي قد لا تتوافق بالضرورة مع الجميع.. أو حتى التنمر على بعض الأطروحات الفكرية.

لا يمكن أن تكون الحرية حرية إذا كانت تسيء إلى الآخرين، ولا يمكن أن تكون حرية التعبير كذلك إذا لم تستطع أن تحترم كرامة الناس وتحفظ حقوقهم، فلا يقوم حق على أنقاض حق آخر.

كان اللبس في فهم حقيقة الحرية وحدودها موجودا من قبل ولكنه أصبح أكثر وضوحا وأكثر تعقيدا في العصر الرقمي الذي نعيشه. ولا بدّ من التأكيد أن تشكل دلالة مصطلح «الحرية» يختلف من مجتمع إلى آخر ومن حاضنة ثقافية وأيديولوجية إلى أخرى.. فما يمكن أن يكون حرية في مجتمع لا يمكن أن يكون كذلك في مجتمع آخر، وهذا طبيعي ومفهوم.

تشير بعض الدراسات المنشورة في الولايات المتحدة الأمريكية وهي دولة تعتبر نفسها الرائدة في الديمقراطية والحرية في العالم إلى أن 41% من الأمريكيين البالغين تعرضوا إلى نوع من أنواع الإساءة على وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت بشكل عام.. وهذه الإحصائية خطيرة جدا وتبرز حجم المشكلة الحاصلة حتى في الدول التي تبلور لديها فهم واضح لحرية التعبير عن الرأي ولا يعانون في المجمل من تضييقه.

على أن الأمر أخذ بعدا آخر أكثر خطورة وهو تحول وسائل التواصل الاجتماعي التي يعتبرها البعض مساحة ذهبية للحرية إلى أداة لقمع الحرية نفسها، ناهيك عن أنها مساحة تكثر فيها الإساءة للأفراد والجماعات ونشر بعض خطابات الكراهية والاستقطاب. لقد ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في صناعة الصوت الواحد وقولبة الناس على رأي واحد، بل إنها جعلت الكثيرين يعيشون فيما يمكن تسميته بـ «غرف الصدى» التي لا يسمع فيها إلا صوت واحد وآلاف الأصوات الأخرى التي هي صدى ذلك الصوت.

ووسط هذا المشهد انزوت الكثير من الأصوات الأخرى التي كان يمكن أن تثري المشهد في وسائل التواصل الاجتماعي إما طلبا للسلامة من سيل الإساءات والتسفيه أو بعدا عن الدخول في حوارات سطحية وعقيمة. ورغم أن هذا الأمر يحتاج إلى نقاش أوسع إلا أنه يكشف كيف تحولت مساحة الحرية في وسائل التواصل الاجتماعي إلى مساحة لوأدها وتكريس رأي واحد ليس هو الحقيقة بالضرورة.

إن حرية الرأي والتعبير ليست ترفا بل هي حق أصيل للجميع لكن على الأفراد أن يفرقوا بينها وبين الإساءة حتى لا يقعوا في المحظور، والمحظور هنا إنساني قبل أن يكون سياسيا أو قانونيا، فليس للإنسان الذي يطالب بحرية الرأي والتعبير أن يستخدم ذلك الحق في انتهاك حق إنساني آخر.

وفي هذا السياق من المهم الحديث عن أهمية وجود ميثاق أخلاقي ينظم الكتابة والتعبير في وسائل التواصل الاجتماعي ويتضمن أهم المبادئ المعروفة التي تعتمدها وسائل الإعلام التقليدية وفي مقدمتها المصداقية واحترام الكرامة الإنسانية وتجنب اللغة المهينة وتشجيع النقاش القائم على تعدد الأصوات وليس على صوت واحد.

لا يمكن فصل حرية الرأي عن المسؤولية، ولا بديل عن الموازنة بين حرية التعبير والاحترام المتبادل في العصر الرقمي وهذا كله يحتاج إلى معايير ومواثيق.. ولكن قبل ذلك يحتاج إلى تربية حقيقية على المفهوم الحقيقي لمعنى الحرية التي نريدها.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: وسائل التواصل الاجتماعی حریة التعبیر حریة الرأی أن یکون یمکن أن لا یمکن

إقرأ أيضاً:

حصاد دار الإفتاء المصرية خلال 2024.. نجاحات بارزة على مواقع التواصل الاجتماعي

استمرَّت دار الإفتاء المصرية خلال عام 2024 في تعزيز وجودها الرقمي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، محققة إنجازاتٍ بارزةً في تقديم خدماتها الإفتائية والدينية. وَسَعَتِ الدارُ للاستفادة من الأدوات التكنولوجية الحديثة والذكاء الاصطناعي، إلى جانب إمكانيات السوشيال ميديا، لتوسيع قاعدة متابعيها، وبناء الوعي المجتمعي، وتصحيح المفاهيم، وَفق منهجية علمية وسطية لمواجهة الغلو والتطرف، ومعالجة الظواهر والمشكلات الاجتماعية.

وتمتلك دار الإفتاء المصرية حضورًا قويًّا عبر 22 صفحة على موقع "فيس بوك" بلُغات مختلفة، بالإضافة إلى حساباتها على منصات مثل: X (تويتر سابقًا)، إنستجرام، وتيك توك، يوتيوب، تليجرام، وساوند كلاود، وقناة خاصة على واتس آب.

وقد وصل إجمالي عدد المتابعين لجميع المنصات إلى أكثر من 15.5 مليون متابع، منهم أكثر من 13.7 مليون على صفحتها الرسمية على فيس بوك. وبلغت نسبة التفاعل على مختلف المنصات خلال عام 2024 أكثر من 180 مليون تفاعل.

أبرز خدمات دار الإفتاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي خلال العام 2024

البث المباشر اليومي:

خصَّصت دار الإفتاء على مدار العام 2024 خدمة يومية يظهر فيها أحد علمائها للإجابة عن أسئلة المتابعين مباشرة لمدة ساعة يوميًّا وَفْقَ جدول محدد، مع الردود المكتوبة على الأسئلة لتعزيز الفائدة.

الإرشاد الأسري:

كما قدَّمت الدارُ خدمةَ البثِّ المباشر بمشاركة متخصصين في الإرشاد النفسي والاجتماعي، إلى جانب العلماء الشرعيين، لحلِّ المشكلات الأسرية والحفاظ على استقرار الأسرة المصرية، خاصة في قضايا الطلاق، باستخدام وسائل توعوية مبتكرة تجمع بين البُعد النفسي والشرعي.

تصميمات جرافيك وأفلام موشن جرافيك:

نشرت دارُ الإفتاء أكثر من 20 منشورًا يوميًّا على صفحتها الرسمية على فيس بوك، تضمنت فتاوى قصيرة، حملات توعوية، مقاطع فيديو مصورة، ومحتوًى موجهًا لتصحيح الأفكار المغلوطة.

الحملات التفاعلية

أطلقت دارُ الإفتاء المصرية خلال عام 2024 العديد من الحملات التفاعلية التي لاقت صدى واسعًا لدى المتابعين، مثل:

•  حملة "بداية جديدة لبناء الإنسان"، استجابةً للمبادرة الرئاسية، والتي تفاعل معها عدد كبير من المستخدمين.

•  حملة "خُلُق يبني"، للمساهمة في مواجهة السيولة الأخلاقية وإعادة منظومة القيم الأخلاقية في المجتمع.

•  حملة "لو كنت على نهر جارٍ"، التي جاءت للتوعية بأهمية الحفاظ على المياه من الهدر ومن التلوث.

•  حملة "هدفنا الوعي والتنوير"، والتي اهتمَّت بنشر كل ما من شأنه بناء وعي الإنسان المصري والمحافظة عليه.

تفاعل كبير على المنصات

شهدتِ الصفحةُ الرسمية لدار الإفتاء على فيس بوك تطورًا ملحوظًا خلال العام، حيث زاد عدد المتابعين بمقدار 1.200 مليون مشترك ليصل إلى أكثر من 13.7 مليون متابع، فيما بلغ عدد الأشخاص الذين وصلت إليهم منشورات الصفحة حوالي 70 مليون شخص، مما يعكس تأثير الدار المتزايد على المجتمع الرقمي.

وتؤكِّد دار الإفتاء المصرية أنها ستواصل جهودَها في استخدام التكنولوجيا الحديثة ومنصَّات التواصل الاجتماعي لتقديم خدماتها بكفاءة أعلى، وتعزيز وعي المجتمع، وتحقيق الاستقرار الأسري والمجتمعي.

مقالات مشابهة

  • علي الدين هلال: وحدة المجتمع تبنى من خلال حرية التعبير عن الرأي
  • ألبانيا تحظر تطبيق تيك توك لمدة عام بعد مقتل مراهق
  • حظر تيك توك بعد مقتل مراهق
  • الرياض.. ضبط شخص لترويجه المخدرات عبر مواقع التواصل الاجتماعي
  • السيسي: البعض يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي في تزييف الوعي ونشر الأكاذيب والشائعات
  • “حريات العمل الإسلامي” تطالب بالإفراج عن كافة معتقلي قضايا حرية الرأي والتعبير وفعاليات دعم المقاومة
  • حصاد دار الإفتاء المصرية خلال 2024.. نجاحات بارزة على مواقع التواصل الاجتماعي
  • صورة مسربة من زفاف رونالدو وجورجينا تشعل مواقع التواصل الاجتماعي .. مالقصة؟
  • بيع سيارات شيري بالتقسيط .. الشركة تُحذّر
  • هل يمكن تعديل أماكن حجز شقق الإسكان الاجتماعي بعد التسجيل على الموقع؟