دائما ما تكمن دلالة في أي من الأصوات يعد صالحا وأيها غير ذلك، أيها «تكتيكي» وأيها يُعبّر عن «مخاوف مشروعة»، وأيها محض أصوات «طائفية». يجري بالفعل النظر إلى المرشحين الأربعة المستقلين الذين فازوا في انتخابات الأسبوع الماضي لاستغلالهم إحباطات غزة باعتبارها علامة مثيرة للقلق على نشوء سياسات طائفية. والمعنى الضمني هنا هو أن المسلمين وحدهم هم الذين يكترثون لأمر غزة، وأن اكتراثهم بها يأتي على حساب اهتماماتهم وولاءاتهم المحلية.

وحقيقة الأمر هي أن أصداء غزة تتردد عبر مختلف الفئات الديموغرافية. ويرتبط ذلك وينجم عن مظالم سياسية أخرى، وبات تعبيرا عن شيء جعله مناخنا السياسي صعب القبول، وهو أن يكون لدى ناخبينا مبادئ يكترثون لأمرها دون أن يعد ذلك مؤشرا على تطرف أو انشغال بما لا يجب الانشغال به.

وانظروا إلى إلفورد نورث، حيث اقتربت ليان محمد من الإطاحة بـ(ويس ستريتنج). لا تصح هنا فكرة أن المسلمين خرجوا في تصويت جماعي. فالمسلمون لا يشكلون إلا ربع الناخبين في الدائرة. ولو كانت ليان محمد قد حصلت على جميع أصواتهم، لحققت فوزا مريحا. ربما صوّت لصالحها عدد ضخم، لكنّ آخرين صوتوا للعمال والمحافظين والخضر، ومنهم من لم يصوتوا على الإطلاق. لقد انخفض الإقبال على التصويت بنسبة 9% بين عموم المصوتين. ومثل ذلك ينطبق على مقعد بير بار في بريمنجاهم، حيث حصل الفائز على عدد من الأصوات يقل كثيرا عن عدد الناخبين المسلمين الصالحين للتصويت في الدائرة. وكان الإقبال على التصويت أقل بـ10%. فالقصة تتعلق بتصويت مزيد من المسلمين لمرشحين مستقلين، وأن عددا أقل من الناس هم الذين قاموا بالتصويت أصلا. والصورة الأكبر هي صورة غير مدهشة لانتخابات نفَّرت كثيرا من الناخبين، سواء المسلمين أم غير المسلمين، فضلا عن قضية حفّزت الناخبين، وكثير منهم مسلمون وبعضهم لم يكونوا كذلك.

ليس هناك تقسيم للناخبين وفقا للخطوط العرقية أو الدينية، لكن هناك علامات على أن فوز المستقلين لم يأت فقط على أكتاف كتلة تصويتية واحدة. وتمثل خسارة جورج جالاواي حالة شاذة تدلنا على أن أمثال أولئك المرشحين كانوا بحاجة إلى قابلية أكبر تضمن لهم الفوز. فقد أوجد تصويت المسلمين موضعا يمكن للآخرين أن يتحلقوا حوله. ولو أننا تناولنا مقطعا عرضيا لاستطلاعات الرأي على مستوى البلد بشأن غزة وتنوع المظاهرات الكبيرة في جميع أنحاء البلد، لتبين لنا أن غزة ليست شاغلا لدى مجتمع ديموغرافي واحد.

وليس صحيحا أيضا أن هذه القضية منفصلة عن إحباطات أوسع من حزب العمال. فخلال الشهور التي قضيتها أكتب عن كيفية قيام غزة بدور في سياسات محلية، لم أسمع قط إشارة لها تعزلها عن قضايا أخرى. فقد أصبحت طريقة تعرف بها المجتمعات المختلفة أنها غير مسموعة لدى الساسة، وأنها متروكة وشأنها. كان التعبير عنها يجعلها إشارة إلى أن الحزب، في تعامله أثناء الحرب، قد أظهر افتقاره إلى سمة أخلاقية أساسية. والثقافة السياسية الراكدة التي باتت تتعامل مع القضايا المبدئية باعتبارها قضايا أيديولوجية لم توفر سبيلا يذكر إلى فهم أو معالجة هذا الفقدان للإيمان.

إن الذين احتدمت مشاعرهم حيال غزة ورفضوا التصويت للعمال بناء على هذا إنما فعلوا ذلك لأن القضية تعني لهم ما هو أكبر؛ إذ أوضحت أن تجديد حزب العمال إنما انتزع منه عموده الفقري الأخلاقي. عندما يقول كير ستارمر إنه سوف يحكم «بغير عقيدة» فهو لا يدرك أن الوسطية محليا و«الواقعية التقدمية» خارجيا عقيدة، وهي عقيدة تُقصي التعاطف والتضامن وكلاهما يعني الكثير لآخرين. لكم أن تتفقوا مع نهج العمال أو تختلفوا، لكن سيكون من الحزبية (وأتجاسر وأقول «من الطائفية») ألا ندرك أن ذلك قائم على أيديولوجية تُقصي الكثيرين، وليس أسلوبا محايدا في الحكم لا يمكن أن يتقبله إلا غير العقلانيين.

قد يتمخّض ذلك كله عن لا شيء، وقد يذهب البعض إلى أنه تمخضّ بالفعل عن لا شيء؛ فقد اكتسح حزب العمال، وفاز بسباق يعفيه من مخاطر الانتخابات القادمة، ولعل هذا تمرين على التنبؤ. لكن المهم الآن هو الطريقة التي نتكلم بها ونفكر فيما يشكل الديمقراطية الصحيحة، وكيفية الحديث عن الناخبين، وكيفية تحديد حقوقهم في التعبير عن إحباطاتهم السياسية من خلال صندوق الاقتراع، حتى لو لم نشاركهم في مشاعرهم فالبلد بلدهم أيضا. وفي ما يتعلق بغزة، فإننا إزاء واقعة تاريخية من وقائع المشاركة السياسية، رأينا فيها كيف أن الحشد حينما يتم خارج ويستمنستر ويقوض تسويات سياسية مستقرة يجري التعامل معه بتحيز وعدم اهتمام.

في حقبة ما بعد المحافظين، يمكننا أن نختار محاولة فهم هذا باعتباره تعددية قطبية سياسية يمكن أن يتبناها حزب العمال بأقصى قوّته. ويمكننا أن نرفضها ونعدها من جملة الأمراض. وحين نفعل ذلك، فإننا نأتي إلى ما صدّرته غزة إلى الواجهة وتحوّله إلى حالة من السخط الذي يؤدي إلى انخفاض المشاركة وانخفاض الثقة السياسية والاستغلال السام للأمرين، ولكل التوترات التي سوف تستمر في التكوّن ما لم تجر معالجتها. إن الأغلبية هي التي تَمنح السلطة السياسية، لكن الأقليات يمكنها أيضا أن تمنح التوافق السياسي، ويشهد الله أننا بحاجة إلى ذلك.

نسرين مالك من كتاب الرأي في الجارديان

عن الجارديان البريطانية

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: حزب العمال

إقرأ أيضاً:

جماعة الإخوان المسلمين تبارك للشعب والمقاومة الفلسطينية.. هذا استحقاق غزة حاليا

هنأت جماعة الإخوان المسلمين في مصر "الشعبِ الفلسطيني البطل ومقاومتِه الأبيَّة الباسلة على هذا الإنجازِ العظيم" بعد الإعلان عن التوصل لوقف إطلاق النار في غزة.

جاء ذلك خلال كلمة متلفزة لصلاح عبد الحق القائم بأعمال المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين.

وقال عبد الحق، إن "هذا يومٌ من أيامِ الله.. يومٌ أُجبر العدوُّ على القَبول بشروط المقاومة وأقول، إن هذا اليوم هو ثمرةُ بلاء المقاومين في ميادين القتال وثمرةُ إسناد شعبٍ أبيٍّ صامد رغم الشّدة واللأواء فلله دَرُّهم جميعًا أولئك الأبطال".

كلمة متلفزة للدكتور صلاح عبد الحق القائم بأعمال فضيلة المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمون بخصوص إعلان اتفاق وقف إطلاق النار الدائم في قطاع غزة. pic.twitter.com/zxLuyGW6fy — الإخوان المسلمون (@ikhwansocial) January 15, 2025

وأضاف، أن "هذا اليوم كله لشعبِ فلسطينَ الأبِيّ.. بورك الشعب وبُوركت تضحياتُه الجِسام وبُوركت حركةُ المقاومةِ الإسلاميةِ.. حماس وبُوركت سواعدُ أبنائِها قَدمت صفوةَ قادتِها فداءً لفلسطين والمسجدِ الأقصى وضَربتْ أروعَ المَثل على التضحيةِ والفداء وبُوركت كلُّ حركاتِ المقاومةِ الفلسطينيةِ الباسلةِ المجاهِدة وبُوركت كلُّ يدٍ ساعدت في الداخل أو دَعَّمت من الخارج وبُورك صاحبُ قرارِ عمليةِ طوفان الأقصى الذي أعاد القضيةَ الفلسطينيةَ إلى الصَّدارة وأوقفَ قطارًا سعى إلى جعل هذا الكيان -في خاصرة أمتِنا- كيانًا طبيعيًّا وقضى على أُسطورة عدوٍ ظنَّ أنه لا يُقهر".

وأردف، "اليوم.. نحنُ على موعدٍ بتحرير الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال مبادلة بأسرى عملية طوفان الأقصى".



وأكد عبد الحق، أن "جماعةُ الإخوانِ المسلمين تؤكد ما سَبق وأكدتْه مرارًا وتكرارًا أنَّ قضيةَ فلسطين هي قضيةُ الأمةِ الإسلامية جمعاء وأنَّها أعدلُ القضايا بموجَب الشرائع السماوية والأعراف والقوانين الدولية وستظلُّ جماعةُ الإخوانِ تدعم وتساند القضيةَ؛ حتى تتحرَّرَ فلسطينُ كل فلسطين ويتحرَّرَ المسجدُ الأقصى".

كما أشار إلى "إنَّنا اليوم والأمةُ الإسلامية جمعاء، بل والعالمُ أجمع نقفُ أمامَ استحقاق واجبٍ جديد، هو إعادةُ إعمارِ غزةَ المدمرة وإعادةُ بناء مرافقها: مستشفياتِها ومدارسِها وجامعاتِها وإعادةُ بناء الإنسان الذي أنهكته الحربُ لأكثر من 16 شهرًا نحنُ والعالمُ كذلك أمامَ تحدي مواصلةِ الدَّعم القانوني والسياسي لملاحقةِ مجرمي الحرب الذين ارتكبُوا جرائمَ إبادةٍ جماعية وجرائمَ ضد الإنسانية أولئك الذين انتَهكُوا كلَّ الحُرمات والمُقدسات".

وتابع، "إنَّنا في هذا اليوم ننحنِي لتضحياتِ شعبِنا الفلسطيني البطل إكبارًا واحترامًا وتقديرًا ونقول: إنَّ الأرواح التي أُزهقت في سبيلِ الله، هى في جنبِ الله قليل، فقد ذهبتْ انتصارًا للحق وأداءً للواجب وقد نالتْ في معركةِ تحريرِ المسجدِ الأقصى شرفَ الفداء".

مقالات مشابهة

  • تظاهرات في مدن يمنية دعما لفلسطين واحتفالا بالصفقة
  • مفتي الجمهورية: الفكر التكفيري من أخطر ما يواجه أوطان المسلمين
  • علي جمعة: القدس رمزًا ا للهوية الإسلامية ولوجود المسلمين في العالم
  • تسوية شكوى تمييز ضد المسلمين والفلسطينيين في جامعة أمريكية
  • رئيس مجلس الوزراء السيد محمد شياع السوداني يغادر العاصمة البريطانية لندن متوجها إلى بغداد بعد اختتام زيارته الرسمية إلى المملكة المتحدة، التي تضمنت ما يأتي:
  • الطيور المغردة تتحدث مع بعضها أثناء هجراتها الليلية
  • مجلس حكماء المسلمين يرحب بإعلان وقف إطلاق النار في غزة
  • الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يرحب بوقف العدوان.. ويوجه رسائل في عدة اتجاهات
  • جماعة الإخوان المسلمين تبارك للشعب والمقاومة الفلسطينية.. هذا استحقاق غزة حاليا
  • «حلب» تناقش مع المستشارة السياسية البريطانية سبل تعزيز تمكين المرأة في الانتخابات