روما ـ "العمانية": تشكل مجموعة "فتيان دمشقيون في نزهة" الصادرة مؤخراً عن "منشورات المتوسط"، حلقة جديدة في المشروع الإبداعي للشاعر السوري نوري الجراح.

ففي هذا العمل الذي يتضمن رسومات للفنان السوري عاصم الباشا، يعثر الجراح على "المفتاح السحري لمدينة الشعر"، فقصائده تجمع بين الملحمي والإنشادي، وبين الدرامي والحكائي، وبين الأسطوري والتاريخي؛ ما يجعل من شعره مسرحاً للأصوات والوجوه والأقنعة، بلغة ثرية تختزن كثافة شعورية عالية، وتفيض بصور مبتكرة وتراكيب مدهشة، وإيقاعات رشيقة.

ووفقاً للناشر، "تشغل دمشق من قصائد الجراح خفقة القلب وآخر ما تريد العين أن ترى، فهي المدينة المفقودة، المدينة المعلقة، كما لغة الشاعر.. (بين أرض لا سماء لها، وسماء بلا زورق).. تسافر إليها المخيلة ولا تستدعيها من الذاكرة".

يبني الشاعر قصيدته ليُظهر فيها الفتية الدمشقيين كشخوص ملاحم وأبطال تراجيديين لم ينفكّوا يبحثون عن أسماء المدينة الكثيرة وعن الضحايا أو الناجين تحت تلك الأسماء، حتى إذا جاء "الغزاة" لن يجدوا أحداً فيها، في تصحيح لقصيدة كافافي "في انتظار البرابرة" المشوبة بالتمييز، كما علّق الشاعر.

وفي الجانب المعرفي، أضاف الشاعر شروحات لبعض قصائده، لتكون تلك الشروحات قصائد أخرى زاخرة بالبعد الثقافي الذي يوضّح حيثيات النص بحيثيات التاريخ. وربما لا جدوى من التساؤل بشأن استحضار التاريخ هنا وهناك: هل أضفى التاريخ على القصائد بعداً أسطورياً، أم أن القصيدة هي التي أضفت على التاريخ ذلك البعد؟ فلا مسافة بينهما، فقد ردم الشاعر، باللغة والمعرفة والدموع، أيّ مسافة محتمَلة.

نقرأ من المجموعة:

"مشينا على ظلال قاماتنا، والأغلالُ في الأيدي..

ومررنا بالبحر ينهضُ ويصرخ بنا.

كنا فتيةً عائدين في مركبٍ، لمّا نزلنا ورأينا اليابسة ترتجف

وخيول السّاسانيّين تنبشُ الأرض..

تلفّتنا ولم نرَ البحر، وها نحن والبحر

في

الأغلال".

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

تعلّم الرومانسيّة ودع عنك التاريخ

قبيل ظهر الجمعة وصلنا إلى قرية «كيبويني»، وهي على بُعد ستة كيلومترات من «المدينة الحجرية» التي سكَنّا فـيها. وكانت وجهتُنا «قصر السعادة» الذي بناه السلطان خليفة بن حارب بن ثويني عام 1915. وفور وصولنا استقبَلَنا الدليل القائم على القصر بامتعاض، لأنّ الوقت الآن غير مناسب للزيارة، فقد اقترب موعد صلاة الجمعة. قلتُ محاولًا التخفـيف من امتعاضه: «اذهب للصلاة، ودع تلك المرأة تشرح لنا». ردّ وقطراتُ ماء الوضوء تقطر منه: «هذه عملها محاسبة فقط».

دفعنا الرسوم المقررة بعد السؤال التقليدي الذي يتكرر فـي كلِّ مكان نذهب إليه: «هل أنتم ضيوف؟»، وتأتي الإجابة ذاتُها فـي كلِّ مرة: «نعم. نحن ضيوف». وأظن أنهم يكررون لنا السؤال دائمًا لأنهم لا يستطيعون أن يجزموا هل نحن من زنجبار أو من عُمان، خاصةً أننا نتحدّث لغتهم. أخذَنا الدليل إلى أقسام «قصر السعادة» المختلفة؛ والذي تبدو حالته جيدة بعد أعمال الصيانة التي أجريت له. أخبرنا أنّ الحكومة الزنجبارية استخدمت القصر فـي بعض المراسم الرئاسية، وجعلت منه مقرًّا لسكن رئيس الوزراء فـي سنة 1986 لفترةٍ وجيزة؛ ثم حُوِّلَ إلى متحفٍ وطني يستقبل الزوار ابتداءً من عام 2022م. أخبرَنا أيضًا أنّ القصر كان استراحة السلطان خليفة بن حارب فـي عطلات نهاية الأسبوع، بعيدًا عن ضوضاء المدينة. وما لم يخبرنا به أنه بعد أحداث عام 1964، استولى الانقلابيون على القصر واستخدموه مقرًّا لاجتماعاتهم الرسمية، وبعد سنواتٍ من الإهمال أقدمت حكومة زنجبار على ترميمه. تساءلتُ فـي قرارة نفسي: تُرى كيف هو شعور أحفاد السلطان خليفة بن حارب وهم يرون أموالهم وبيوتهم تُسرَق من أمام أعينهم وهم بلا حول ولا حيلة ولا قوة؟! ثُمَّ وسّعتُ التساؤل: بِمَ يُحِسّ يا تُرى أولئك الذين نُهبت أموالهم بغير حقّ من العُمانيين واليمنيين والهنود؟! مثل هذه المآسي تحدُث عادةً عندما تقلم أظافر العدالة التي أمر بها الله عز وجل فـي كتابه الكريم، إنها تخلِّف فـي الحلق طعمًا أمرَّ من العلقم، غير أنّ المظالم الفادحة ستظلّ كتابًا مفتوحًا يُقرأ على رؤوس الأشهاد فـي ذلك اليوم الذي لا ينفع فـيه مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. وفـي ظلِّ هذه المظالم هناك من أعيد لهم بعض ممتلكاتهم بعد جهد جهيد. وقد حكى لي أحد هؤلاء أنّ الانقلابيين استولوا على عقار يعود لجدته، واستحلّوه سنين طويلة بغير وجه حقّ، وعندما أعيد لهم بعد ذلك الجهد، استغرق الأمر سنوات أخرى لبيعه (مضطرين) لأنّ العقار أصبح من حقِّ عشرات الورثة. والعقار حاليًّا يرمم من قبل المشتري الهندي ليصير فندقًا. ونستطيع أن نقيس هذا الأمر على أناس آخرين تعرضوا للنهب، وحين عادت ممتلكاتهم المنهوبة لم يستطيعوا الاستفادة منها بسبب التقادم؛ وهناك كثيرون استسلموا للأمر الواقع، مؤثرين الراحة بدلًا من صداع الرأس والجري هنا وهناك، لا سيما وأنّ الدلائل والشواهد تشير إلى أنّه لا أمل فـي عودة حقهم المسلوب. وقد قادني التساؤلات إلى أن أسأل نفسي: لماذا لا يشتري أحفاد السلطان خليفة بن حارب هذا القصر، طالما أنّ كلَّ شيء قابلٌ للبيع الآن؟!

فـي استراحة السعادة، شاهدنا المقتنيات الشخصية للسلطان خليفة وكامل الأثاث من أسرّة وكراسٍ وطاولات، وسمح لنا القائم عليها أن نلتقط صورة تذكارية فـي الكرسي السلطاني (كرسي العرش) الذي كان يترأس فـيه السلطان الاجتماعات، وبه شعاره الخاص. وكعادته استغل سيف الموقف فصوّر لقطات فـيديو نشرها فـيما بعد فـي حسابه فـي «إنستجرام» وفـي «تيك توك»، وكان لسليمان -كعادته أيضًا- تعليقاته اللطيفة واللماحة؛ فعندما رأى كرسيًّا خاصًّا مصممًا لشخصين يجلسان عليه متقابلين، بعدما وصفه الدليل بأنه «كرسي المحبة»، صرخ سليمان: «يا زاهر تعلّم الرومانسية وخلي عنك التاريخ».

أخبرني الباحث ناصر الريامي أنّ الأثاث الموجود فـي الاستراحة حاليًّا ليس هو الأثاث الأصلي للقصر، إذ إنّ معظم الأثاث الحالي منقول من «بيت العجائب» و«بيت الساحل»، بعدما تقرر غلقهما وحجب جمهور العامة عنهما منذ ما يربو على الثلاث سنوات؛ مخافةَ الانهيار بالكامل، بعد أن انهار جزء من «بيت العجائب»، ليعقب ذلك نقل أغلب أثاثهما إلى متحف استراحة السعادة (قصر كيبويني). وعليه؛ فإنّ هذا الوضع قد يُحدِث لبسًا لزوار المتحف، فـيظنون خطأً أنّ الأثاث المعروض هو ذاته الذي تزينت به الاستراحة فـي فترة السلطان المؤسس لها، ومن جلس على عرش زنجبار من بعده. وأنا شخصيًّا وقعتُ فـي الفخ، فظننتُ أنّ هذا أثاثُ القصر؛ لأنّ المرشد لم يشر إلى الموضوع، لا من قريب ولا بعيد.

هناك مقطع مصوّر يعرض نزول السلطان عبدالله بن خليفة بن حارب السُلّم وخلفه أخوه السيد حارب بن عبدالله، بينما يصطف بجانب السلّم ثلة من الشرطة تحية للسلطان. هذا المقطع لم أكن أعلم أنه مأخوذٌ من هذا القصر إلا بعد أن قرأتُ سلسلة المقالات التي كتبها الباحث ناصر الريامي عن القصور السلطانية فـي زنجبار، وإلا لكنتُ أخبرت سيف أن يلتقط لنا صورًا فـي السلّم نفسه للذكرى.

تجولنا فـي الاستراحة التي تتكون من ثلاثة طوابق. الطابق الأرضي به عدد من الغرف، خُصصت لمن يرافق السلطان من أفراد الأسرة المالكة، كما يشغلها الضيوف أحيانًا، وتوجد بجوار السُلّم غرفة للحارس مزودة بجهاز اتصال هاتفـي من النوع الكلاسيكي العتيق؛ فإذا ما قرر السلطان زيارة الاستراحة يجري الاتصال بالحارس وتنقل إليه التعليمات بتجهيزها لاستقبال جلالته وضيوفه. ومتى ما وصل السلطان يرفرف علم الدولة الأحمر على منارتها مربعة الشكل. أما عن المساحة الإجمالية لقصر السعادة فـيُقدِّرها الباحث محمد بن حمد العريمي ما بين ألفـين إلى ثلاثة آلاف متر مربع. ويعلّق العريمي على طريقة بنائه فـي مقال له فـي صحيفة «أثير» الإلكترونية بالقول: إنه «وعلى الرغم من عدم وجود المساحات الكبيرة التي تميّز القصور عادةً بسبب كونه قصرًا خاصًّا لاستراحة السلطان وقضاء إجازاته، إلا أنّ مكوناته وطريقة بنائه تنم عن ذوقٍ عالٍ فـي التصميم، وتشير إلى التقدم الحضاري الذي وصلت إليه زنجبار فـي تلك الفترة، ومسايرةِ حكامها للتطور الحاصل فـي العمارة والبناء. وقد اختير المكان بعناية حيث إنه مبنيٌّ على حافة الجبل ويطل بشكلٍ كامل على البحر».

هذه الإطلالة على البحر هي ما يجعل قصر السعادة من أجمل الأماكن التي تهفو النفوس لزيارتها أكثر من مرة، خصوصًا مع هدوء المكان، والمساحة الخضراء التي تحيط به من كلِّ جانب.

على كل حال، تركنا القائم على المتحف أو القصر أو الاستراحة ليلتحق بما تبقى من خطبة صلاة الجمعة، وواصلنا مسيرنا إلى «بيت المرهوبي» لنشاهد معلمًا آخر من معالم التاريخ العُماني فـي الشرق الأفريقي.

زاهر المحروقي كاتب عُماني مهتم بالشأن العربي ومؤلف كتاب «الطريق إلى القدس»

مقالات مشابهة

  • ميدو: لم تحًدث أي مشادات بيني وبين زيزو.. وتهرب مني أثناء المفاوضات
  • مى القاضي تكشف حقيقة وجود خلاف بينها وبين هدى الإتربي
  • تطوّرات دعوى شيرين عبد الوهاب ضد منتج استولى على حساباتها
  • تعلّم الرومانسيّة ودع عنك التاريخ
  • السوداني يرعى مراسم توقيع 3 مذكرات تفاهم في مجال الكهرباء وبين غرفتي التجارة العراقية والأمريكية
  • تسوية أمريكية كويتية في فضيحة اختلاس من وزارة دفاع الأخيرة
  • تاس: استدعاء السفير السوري لدى روسيا إلى دمشق وتغييره
  • وفد من سفارتي سويسرا في بيروت وعمان برفقة مدير الشؤون الاجتماعية والعمل في إدلب فراس كردوش يطلع على واقع عدد من مخيمات الشمال السوري
  • بعد التئام أول اجتماع للحكومة الجديدة.. أهالي دمشق يتحدثون عن أولوياتهم وأهم المشاريع العاجلة
  • المغرب وتونس إلى مونديال قطر تحت 17 سنة ومصر في الملحق