حكم إنشاء مدارس داخل المساجد.. الإفتاء توضح
تاريخ النشر: 9th, July 2024 GMT
قالت دار الإفتاء المصرية، إن إنشاء مدارس داخل المساجد أمرٌ يرجع إلى الجهات المختصة حسبما تراه محقِّقًا للمصلحة، مع مراعاة عدم خروج المسجد عن دوره الأساسي في كونه محِلًّا للصلاة والعبادة.
فضل المساجد وبيان أهميتها في الإسلامأوضحت الإفتاء، أن الله تعالى جعل المساجد بيوته في أرضه، فهي مَقْصِد العُبَّاد، ومَحَطُّ رِكَاب أولي الألباب، جعلها الله تعالى خالصةً له وحده، فقال تعالى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾ [الجن: 18].
وتابعت الإفتاء: عن عبد اللهبن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «إنَّ بيوت الله في الأرض المساجد، وإنَّ حقًّا على الله أن يُكرِم من زاره فيها» أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير".
ولم يكن دور المسجد قاصرًا على الصلاة والعبادة فحسب، بل كانت له أدوارٌ أخرى، فكان موطن الذكر ومحل حِلَق العلم، ومقر استقبال الوفود، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يُبرِم فيه كل أمرٍ ذي بال.
قال الإمام الزركشي في "إعلام الساجد بأحكام المساجد" (ص: 328، ط. المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية): [يستحب عقد حلق العلم في المساجد، وذكر المواعظ والرقائق ونحوها، والأحاديث الصحيحة في ذلك كثيرة مشهورة] اهـ.
المسجد منذ نشأة الإسلام كان هو المؤسسة التعليمية الأولىممَّا يدل على أنَّ المسجد كان محلًّا لمدارسة العلم ما روي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يومٍ من بعض حجره، فدخل المسجد، فإذا هو بحلقتين، إحداهما يقرؤون القرآن، ويدعون الله، والأخرى يتعلَّمون ويُعَلِّمون، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «كُلٌّ عَلَى خَيْرٍ، هَؤُلَاءِ يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ، وَيَدْعُونَ اللَّهَ، فَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهُمْ، وَإِنْ شَاءَ مَنَعَهُمْ، وَهَؤُلَاءِ يَتَعَلَّمُونَ وَيُعَلِّمُونَ، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ مُعَلِّمًا» فجلس معهم. أخرجه ابن ماجه في "سننه".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ دَخَلَ مَسْجِدَنَا هَذَا لِيَتَعَلَّمَ خَيْرًا أَوْ يُعَلِّمَهُ، كَانَ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَمَنْ دَخَلَهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ كَانَ كَالنَّاظِرِ إِلَى مَا لَيْسَ لَهُ» أخرجه ابن حبان في "صحيحه".
قال العلامة الشوكاني في "نيل الأوطار" : [فيه أيضًا التنويه بشرف تعلم العلم وتعليمه؛ لأنَّه هو الخير الذي لا يُقَادر قدرُه، وهذا إن جُعِلَ تنكير الخير للتعظيم، ويمكن إدراج كلِّ تعلُّم وتعليمٍ لخيرٍ أيِّ خيرٍ كان تحت ذلك، فيدخل كل ما فيه قربة يتعلمها الداخل أو يعلمها غيره، وفيه أيضًا التسوية بين العالم والمتعلم والإرشاد إلى أنَّ التعليم والتعلم في المسجد أفضل من سائر الأمكنة].
وقال العلامة الصاوي في "حاشيته على الشرح الصغير": [وأما قراءة العلم في المساجد فمن السنة القديمة، ولا يرفع المدرس في المسجد صوته فوق الحاجة لقول مالك: وما للعلم ورفع الصوت؟].
والمسجد هو أفضل مواضع التدريس وخير موطن تقام فيه حِلَق العلم، قال ابن الحاج في "المدخل": [لا يخلو موضع التدريس من ثلاثة أحوال: إمَّا أن يكون بيتًا أو مدرسةً أو مسجدًا، وأفضل مواضع التدريس المسجد].
فكان المسجد منذ نشأة الإسلام هو المؤسسة التعليمية الأولى، وكان المركز العلمي الوحيد في أقطار العالم الإسلامي لقرون عديدة، وقد تخرَّج فيه الفقهاء والمحدثون والمفسرون والعلماء في سائر العلوم وشتى الفنون.
جاء في "آثار ابن باديس": [المسجد والتعليم صنوان في الإسلام من يوم ظهر الإسلام، فما بنى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم استقر في دار الإسلام بيته حتى بنى المسجد، ولما بنى المسجد كان يقيم الصلاة فيه ويجلس لتعليم أصحابه، فارتبط المسجد بالتعليم كارتباطه بالصلاة... ثم مضى المسلمون على هذه السنة في أمصار الإسلام يقفون الأوقاف على المساجد للصلاة والتعليم، ومن أظهر ذلك وأشهره اليوم: الجامع الأزهر وجامع الزيتونة وجامع القرويين].
ولما تقدَّم الزمان، واستقرت أحوال البلاد بعد اتساع الفتوحات، وتفرَّغ كثيرٌ من الناس لأعمال الحضارة من الزراعة والصناعة والتجارة والعمران، ازداد مع ذلك عددُ طلبة العلم؛ إذ العلم وقود الحضارة وعمادها، وكان من نتائج ذلك أن ضاقت المساجد عن استيعاب هذه الأعداد كلها -مع ما تضطلع به من إقامة الشعائر والعبادات-، وكذلك مع ظهور الشعب العلمية الكثيرة بجانب علوم الشرع، فكانت الحاجةُ ماسَّةً إلى إنشاء مدارس مستقلة تكون وظيفتها الأولى نشر العلم وتدريسه، تحتوي بين جنباتها الطلبة والشيوخ والكتب، ويكون لها نظام مستقل في النفقات والوظائف والأعمال المتصلة بالعلوم النظرية والتجريبية من الآلات والمعامل ونحو ذلك، وتكون تحت إشراف الدولة ورعايتها، فظهرت في بادئ الأمر المدارس النظامية ببغداد ونيسابور بشكلٍ مستقلٍّ عن المساجد، ورُتِّبت فيها لوائح التلاميذ والشيوخ وما يتعلق بالعملية التعليمية، ثم تتابع إنشاؤها بعد ذلك في سائر الأقطار الإسلامية، وتنافست البلاد والعواصمُ الكبرى في تكثيرها والعناية بها حتى صارت المدارس والمعاهد والمراصد من أبرز معايير الرفعة والوجاهة لأي بلدةٍ أو إمارة في رحاب الدولة الواسعة.
قال العلامة المقريزي في "المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار": [والمدارس مما حدث في الإسلام، ولم تكن تعرف في زمن الصحابة ولا التابعين، وإنما حدث عملها بعد الأربعمائة من سني الهجرة، وأوَّل من حفظ عنه أنه بنى مدرسة في الإسلام أهل نيسابور، فبنيت بها المدرسة البيهقية، وبنى بها أيضًا الأمير نصر بن سبكتكين مدرسة، وبنى بها أخو السلطان محمود بن سبكتكين مدرسة، وبنى بها أيضًا المدرسة السعيدية، وبنى بها أيضًا مدرسة رابعة، وأشهر ما بني في القديم المدرسة النظامية ببغداد، لأنَّها أوَّل مدرسة قرِّر بها للفقهاء معاليم، وهي منسوبة إلى الوزير نظام الملك أبي عليٍّ الحسن بن عليِّ بن إسحاق بن العباس الطوسيِّ، وزير ملك شاه بن ألب أرسلان بن داود بن ميكال بن سلجوق في مدينة بغداد، وشرع في بنائها في سنة سبعٍ وخمسين وأربعمائة، وفرغت في ذي القعدة سنة تسعٍ وخمسين وأربعمائة].
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الإفتاء المساجد الجهات المختصة المسجد العبادة النبی صلى الله علیه وآله وسلم فی الإسلام
إقرأ أيضاً:
استخدام المساجد للتعليم.. الرئيس يدعو والخبراء التربويون يؤيدون المقترح.. ويستعرضون المزايا ودوره في زيادة وعي الشباب
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
في ضوء حديث الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال حفل تخريج الدفعة الثانية من أئمة وزارة الأوقاف بالأكاديمية العسكرية المصرية، دعا لاستخدام المساجد في تعليم الأطفال والاستفادة منها في هذا الصدد.
قال الرئيس عبد الفتاح السيسي، إنه يتمنى من المصريين أن يكونوا على قلب رجل واحد في بناء الإنسان على كل المستويات، موضحًا أنه هناك مساجد كثيرة جدًا، وحجم قليل من المدارس.
تابع الرئيس السيسي: "كان أيام النبي كانت المساجد تستخدم لكل شئون الدنيا، طب النهاردة مش بنستفيد من المساجد دي، انه يكون في بعض المساجد التي تصلح لذلك أن يتم تعليم أولادنا فيها، حد يقولك طب نعمل مدرسة ولا نعمل جامع؟.. طب مانا ممكن أعمل الجامع وتكون جواه مدرسة.. أنا بتناقش معاكم".
حظى حديث الرئيس السيسي، بتأييد كبير من قبل عدد من الخبراء التربويين، مؤكدين أهمية الاستفادة من المساجد في تأهيل وتعليم الأجيال القادمة.
المساجد منارة للعبادة والعلمبدورها، تقول داليا الحزاوي، مؤسس ائتلاف أولياء أمور مصر، الخبيرة الأسرية، إن دعوة الرئيس السيسي بضرورة استخدام المساجد في تقديم الخدمات التعليمية للطلاب، إلى جانب كونها أماكن للعبادة لتكون منارة للعلم وغرس القيم في نفوس الشباب، وهذا يعكس مدي اهتمام الرئيس السيسي ببناء الإنسان المصري على القيم والأخلاق والانتماء.
زيادة الوعي الديني للشبابوتابعت الخبيرة الأسرية، أن تفعيل دور المسجد سيساهم في زيادة الوعي الديني لدي الشباب وتشجيعهم على التحلي بالأخلاق الكريمة، خصوصًا أن هناك تدني في الأخلاق وانتشار السلوكيات غير المنضبطة من عنف وتنمر وخلافة،
بالإضافة إلى تنشئة الأجيال علي الفهم الصحيح للدين وتصحيح المعلومات المغلوطة لتحصينهم ضد التطرف الديني
قائلة دور العبادة بيئة آمنة يمكننا ان نترك أولادنا بداخلها بدون خوف وقلق ليتعلموا أمور دينهم ودنياهم.
كما يوضح الدكتور عاصم حجازي، أستاذ علم النفس التربوي المساعد بكلية الدراسات العليا للتربية بجامعة القاهرة، أن دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي للاستفادة من المساجد في دعم العملية التعليمية تمثل خطوة استراتيجية تعيد للمسجد دوره التاريخي كمؤسسة تربوية شاملة.
أهداف تربوية واجتماعيةيستكمل "حجازي"، أن هذه المبادرة تسعى إلى تحقيق جملة من الأهداف التربوية والاجتماعية المهمة، يأتي في مقدمتها استعادة الدور الشامل للمسجد، كما كان في عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، حيث لم يكن المسجد فقط مكانًا للعبادة، بل مركزًا للتعلم وبناء الإنسان.
التكامل بين المؤسسات التعليمية والدينيةيتابع، أن هذه الخطوة تُعد حلقة من حلقات التكامل بين المؤسسات التعليمية والدينية، موضحًا أن المسجد يُعد مؤسسة تربوية فاعلة ينبغي أن تسهم بشكل مباشر في دعم التعليم، لا سيما في ظل التحديات التي تواجه العملية التعليمية مثل الكثافة الطلابية داخل الفصول.
تعزيز السلوك الأخلاقي والوجدانيأشار إلى أن تفعيل الدور التربوي للمساجد سيسهم في تعزيز السلوك الأخلاقي والوجداني لدى الطلاب، من خلال تعزيز ارتباطهم بالمساجد، وغرس القيم الإيجابية في نفوسهم، ما من شأنه تقوية الانتماء والهوية الدينية في إطار من الوعي والحوار.
وأضاف أن إدخال المسجد في المنظومة التعليمية يسهم في تقديم نموذج تطبيقي يربط الدين بالحياة الواقعية، حيث يرى الطلاب في المسجد مكانًا للتعلم والثقافة والإعداد للحياة، وليس فقط لأداء الشعائر، مما يعزز وعيهم بأهمية الدين في مواجهة التحديات اليومية.
واختتم الدكتور عاصم حجازي بالتأكيد على أن هذه الدعوة من شأنها رفع مستوى التربية الوجدانية لدى الطلاب، وهي إحدى الركائز الأساسية للعملية التعليمية، موضحًا أن تفعيل هذا الدور يعزز فعالية التعليم ويرسخ قيم الانضباط والاحترام والمسؤولية