يبدو أن الحرب العالمية الثالثة لن تكون بالشكل المعتاد التي كانت عليه الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية، حيث تحولت المواجهات العسكرية الشاملة حول العالم بين قوات دول المحور مع دول التحالف، إلى معارك متفرقة حول العالم تتحرك القوى العظمى بها من الخلف، وكما هو الوضع في أوكرانيا، يبدو أن هذا السيناريو يعاد تطبيقه داخل القارة الأفريقية، ووفقا لما آلت إليه الأحداث، فإن النيجر أصبحت المرشح الأقوى للقيام بالدور الأوكراني كبؤرة للمعارك العسكرية، وذلك مع بدء إرهاصات الحرب.

وبالنظر إلى تفاصيل الأحداث المتسارعة خلال الأسبوع الماضي، يتضح أن الحرب أصبحت الخيار الأقرب لحل أزمة النيجر، مع تمسك جميع الأطراف بمواقفها، بل وبدء الجميع في تحضير جبهته لحرب قد تكون طويلة الأمد، وأطراف الحرب الأوكرانية هم الفاعلون في تحركات معركة النيجر المحتملة، فهنا فاجنر تمثل الدب الروسي داخل النيجر بدعم من مالي وبوركينا فاسو، في مقابل دول الغرب، وعلى رأسها فرنسا تدفع بدول تحالف مجموعة غرب إفريقية الاقتصادية "إيكواس" لتخوض جيوشهم تلك الحرب، ومع انتهاء مهلة الأسبوع أصبحت ساعة الصفر تنتظر موقف الاتحاد الأفريقي بالأسبوع المقبل. 

 

انقلاب ومهلة منتهية .. وأخرى لتأجيل التحرك العسكري 

هز استيلاء الجيش على السلطة في النيجر منطقة الساحل الأفريقي، وهو ما دفع كبار مسؤولي الدفاع في دول إيكواس في 30 يوليو، إلى الاتفاق على اتخاذ إجراء عسكري، بما في ذلك تحديد موعد ومكان التدخل، إذا لم يتم الإفراج عن رئيس النيجر المحتجز محمد بازوم وإعادته إلى منصبه، وتلك هي المهلة المنتهية بعد انقضاء الأسبوع المحدد مساء أمس الأحد، ومن المنتظر أن يصدر بيان مساء اليوم من دول المجموعة، الأرجح أن يتم تأجيل التحرك العسكري للتواكب مع مهلة الاتحاد الأفريقي التي لا تزال سارية للأسبوع المقبل.  

ودعا الاتحاد الأفريقي جيش النيجر للعودة إلى ثكناته وإعادة السلطات الدستورية، خلال 15 يوما، بعدما نفذ العسكريون انقلابا على السلطات، وتضمن بيان لمجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي أنه "يطالب العسكريين بالعودة الفورية وغير المشروطة إلى ثكناتهم وإعادة السلطات الدستورية، خلال مهلة أقصاها 15 يوما تنتهى في منتصف شهر أغسطس الجاري".

 

الجبهة الداخلية على قلب رجل واحد .. 

وفيما يخص الجبهة الداخلية، ومع انتهاء المهلة المحددة من قبل إيكواس، قام قادة المجلس العسكري بالنيجر بإغلاق المجال الجوي للبلاد، وذلك حتى إشعار آخر، وجاء هذا القرار في إطار الاستعداد لسيناريو الحرب بعد التهديد بتدخل عسكري من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا(إيكواس)، وجاء هذا القرار بعد أن أكد قادة الانقلاب التراجع عن قرارهم مع انتهاء المهلة التي منحتها لهم مجموعة غرب أفريقيا لإعادة الرئيس المخلوع إلى منصبه

وفي إشارة واضحة لوحدة الجبهة الداخلية داخل البلاد، توافد أمس الأحد الآلاف من أنصار المجلس العسكري على استاد رياضي في العاصمة نيامي للتعبير عن ترحيبهم بقرار عدم الإذعان للضغوط الخارجية والتراجع عن الانقلاب في أعقاب سيطرة المجلس العسكري على السلطة في 26 يوليو، وقاد المنظمون هتافات تحيا النيجر وبدا أن الكثير من المشاعر معادية لإيكواس وفرنسا، القوة الاستعمارية السابقة التي قالت يوم السبت إنها ستدعم جهود إحباط الانقلاب دون تحديد ما إذا كان ذلك يتضمن المساعدة العسكرية

 

هناك تحركات ضدنا.. استراتيجية التعبئة لمعركة طويلة 

ويبدو أن خيارات المجلس العسكري بالنيجر ثابتة وبدء تنفيذ استراتيجية التعبئة الشعبية لمواجهة معركة طويلة المدى سواء عسكرية، أو اقتصادية، وبالتزامن مع التحركات الشعبية، خرج ممثل للمجلس العسكري بالنيجر في بيان بثه التلفزيون الرسمي مساء أمس الأحد، وأعلن عن استعداد بلاده لمواجهة تهديد التدخل الذي أصبح أكثر وضوحا المجال الجوي للنيجر مغلق اعتبارا من اليوم، وبدون ذكر التفاصيل، قال القائد العسكري بالنيجر، إن هناك انتشار مسبق للقوات في بلدين بوسط أفريقيا استعدادا لتدخل، وأضاف "قوات النيجر المسلحة وكافة دفاعاتنا وقواتنا الأمنية، بمساندة الدعم الراسخ من شعبنا، مستعدة للدفاع عن وحدة أراضينا. 

فيما قال المتقاعد أمادو أدامو لقد فهم شعب النيجر أن هؤلاء الإمبرياليين يريدون زوالنا، وإن شاء الله، ستكون المعاناة من نصيبهم، فيما تضمنت برامج تلفزيونية جرى بثها أمس مناقشة حول مائدة مستديرة بهدف حشد التضامن في مواجهة عقوبات إيكواس التي تلوح في الأفق والتي أدت إلى انقطاع التيار الكهربائي وارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية.

 

مالي وبوركينا تدعم النجير .. فاجنر توحد جبهات 3 دول 

وعلى غرار معارك أوكرانيا، تشكلت الجبهة الروسية في تحالف 3 دول تشرف على تحركها مليشيات فاجنر الروسية، وقد كشفت تقارير عن وجود عناصر من مجموعة "فاغنر" العسكرية الروسية الخاصة في عاصمة النيجر نيامي، بهدف توفير الدعم العسكري لقادة الانقلاب في النيجر، وذلك بعد إعلان إيكواس عن تهديده العسكري، وأشار موقع "إل إس آي أفريكا"، إلى وجود "مدربين" من مجموعة "فاغنر" العسكرية الروسية الخاصة في نيامي، حيث ستوفر الدعم اللوجستي لقادة الانقلاب بهدف "تعزيز" سلطتهم.

ومن جهتها ‏كانت أنباء قد كشفت عن وصول "وحدة روسية كبيرة" مجهزة بأسلحة متطورة، إلى مالي، ليلة الجمعة، لنشرها مع القوات المسلحة المالية على حدود النيجر، وفق ما كشف الصحفي المالي المقرب من السلطة عبدول نيانغ، ووفقا لجهات أمنية سيتم تغطية قطاع "لبزانغا" وحدة مشتركة بين مالي وروسيا ستكون مستعدة للتدخل في حالة قيام المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا بعمل عسكري ضد النيجر، وبالطبع مع وجود بوركينا فاسو في الصورة، بعد أن هددت بالدخول في المعركة مع النيجر إذا ما هاجمتها قوات إيكواس.

وكان المجلس العسكري الجديد في النيجر قد طلب المساعدة من مجموعة "فاغنر" الروسية مع اقتراب الموعد النهائي للإفراج عن رئيس البلاد محمد بازوم أو مواجهة التدخل العسكري المحتمل من قبل الكتلة الإقليمية لدول غرب إفريقيا، بحسب أحد المحللين، حيث جاء الطلب خلال زيارة قام بها أحد قادة الانقلاب، وهو الجنرال ساليفو مودي، إلى مالي المجاورة، حيث تواصل مع شخص من فاغنر، وفقا لما للأسوشيتد برس.

 

زيادة العقوبات وانتظار الشرعية الدولية يؤجل بدء المعركة 

وبحسب مصادر نقل عنها مراسل أجنبى في دولة نيجيريا التي تقود دول إيكواس، فإن هناك بحثا عن شرعية أي تحرك عسكري من خلال الاتحاد الأفريقي، وهو ما يرجح التأجيل لأسبوع، مع استمرار الضغوط الاقتصادية عبر زيادة العقوبات الاقتصادية، وهي الأنباء التي دغمها تصريح رئيس وزراء النيجر بحكومة الرئيس المعزول حمودو محمدو، والتي قال فيها إن الحكومة المعزولة لا تزال تعتقد بإمكانية التوصل إلى اتفاق في اللحظة الأخيرة

وبعد انقضاء المهلة التي حددتها دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقية "إيكواس"، كشف أيضا قائد كبير من إحدى دول إيكواس أن جيوش المنطقة بحاجة إلى مزيد من الوقت للاستعداد قبل أن يتمكنوا من دخول النيجر، وقال القائد لصحيفة "وول ستريت جورنال" مساء، أمس الأحد: "في الوقت الحالي، نحتاج إلى تعزيز قوة وحداتنا قبل المشاركة في مثل هذا العمل العسكري"، وأضاف أن "نجاح أي عمل عسكري يعتمد على الاستعداد الجيد"

كما أشار القائد العسكري إلى أن مجموعة "إيكواس" ستواصل الضغط على المجلس العسكري في "نيامي" عاصمة النيجر، من خلال العقوبات الاقتصادية والمالية التي فرضتها الأسبوع الماضي، وستسعى للحصول على دعم للحظر التجاري من هيئات دولية أخرى مثل الاتحاد الإفريقي، فيما قالت الحكومة الإيطالية أمس الأحد إنها طلبت من دول إيكواس التريث قبل التحرك العسكرى.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الاتحاد الأفریقی العسکری بالنیجر الحرب العالمیة المجلس العسکری دول إیکواس فی النیجر أمس الأحد لدول غرب

إقرأ أيضاً:

اليمن.. عقدة الجغرافيا التي قصمت ظهر الهيمنة: تفكيك خيوط المؤامرة الكبرى

 

مثّلت الحرب الشاملة التي شُنّت على اليمن في مارس 2015، التدشين العملي والأخطر لمؤامرة دولية مركبة، حيكت خيوطها بعناية فائقة في الغرف المظلمة بين واشنطن وتل أبيب؛ فالموقع الجيوسياسي لليمن، الحاكم على رئة العالم في باب المندب، جعل منه هدفاً دائماً لأطماع قوى الاستكبار التي ترى في استقلال هذا البلد تهديداً وجودياً لمشاريعها في المنطقة، ولعل المتأمل في مسار الأحداث يدرك بيقين أن ما يجري هو عقاب جماعي لشعب قرر الخروج من عباءة الوصاية.

إن القراءة المتأنية للرؤية الأمريكية والإسرائيلية تجاه اليمن تكشف تحولاً جذرياً في التعامل مع هذا الملف، فمنذ نجاح الثورة الشعبية في الحادي والعشرين من سبتمبر 2014، أدرك العقل الاستراتيجي في البيت الأبيض والكيان الصهيوني أن اليمن قد غادر مربع التبعية التي كرسها “سفراء الدول العشر” لسنوات طويلة، وأن القرار اليمني لم يعد يصاغ في السفارات الأجنبية. لقد كانت تلك اللحظة بمثابة زلزال سياسي دفع بنيامين نتنياهو مبكراً للتحذير من أن سيطرة القوى الثورية الوطنية على باب المندب تشكل خطراً يفوق الخطر النووي، وهو ما يفسر الجنون الهستيري الذي طبع العدوان لاحقاً. وقد تجلت هذه الرؤية بوضوح صارخ في المرحلة الحالية، وتحديداً مع انخراط اليمن في معركة “الفتح الموعود والجهاد المقدس”، حيث سقطت الأقنعة تماماً، وانتقلت أمريكا من إدارة الحرب عبر وكلائها الإقليميين إلى المواجهة المباشرة بالأساطيل وحاملات الطائرات، بعد أن أدركت أن أدواتها في المنطقة عجزت عن كبح جماح المارد اليمني الذي بات يهدد شريان الحياة للاقتصاد الصهيوني.

وعند النظر إلى الخارطة العملياتية للمؤامرة، نجد أن العدو اعتمد استراتيجية خبيثة تقوم على تقسيم الجغرافيا اليمنية وظيفياً، والتعامل مع كل جزء بأسلوب مختلف يحقق غاية واحدة هي “التدمير والإنهاك”. ففي المناطق والمحافظات الحرة التي رفضت الخضوع، لجأ التحالف الأمريكي إلى استراتيجية “الخنق والتجويع” كبديل عن الحسم العسكري المستحيل؛ فكان قرار نقل وظائف البنك المركزي في سبتمبر 2016 الضربة الاقتصادية الأخطر التي هدفت لضرب العملة الوطنية وتجفيف السيولة، مترافقة مع حصار مطبق على الموانئ والمطارات، في محاولة بائسة لكسر الإرادة الشعبية عبر لقمة العيش، ومؤخراً محاولة عزل البنوك اليمنية عن النظام المالي العالمي، وهي ورقة ضغط أخيرة تم إحراقها بفضل معادلات الردع الصارمة التي فرضتها صنعاء.

أما في الجانب الآخر من المشهد، وتحديداً في المحافظات الجنوبية والمناطق المحتلة، فتتجلى المؤامرة في أبشع صورها عبر استراتيجية “الفوضى والنهب”، حيث يعمل المحتل على هندسة واقع سياسي وعسكري ممزق يمنع قيام أي دولة قوية؛ فمن عسكرة الجزر الاستراتيجية وتحويل “سقطرى” إلى قاعدة استخباراتية متقدمة للموساد وأبو ظبي، وبناء المدارج العسكرية في جزيرة “ميون” للتحكم بمضيق باب المندب، إلى النهب الممنهج لثروات الشعب من النفط والغاز في شبوة وحضرموت، بينما يكتوي المواطن هناك بنار الغلاء وانعدام الخدمات. إنهم يريدون جنوباً مفككاً تتنازعه الميليشيات المتناحرة، ليبقى مسرحاً مفتوحاً للمطامع الاستعمارية دون أي سيادة وطنية.

وأمام هذا الطوفان من التآمر، لم يقف اليمن مكتوف الأيدي، بل اجترح معجزة الصمود وبناء القوة، مستنداً إلى استراتيجية “الحماية والمواجهة” التي رسمتها القيادة الثورية بحكمة واقتدار. لقد تحول اليمن في زمن قياسي من وضع الدفاع وتلقي الضربات إلى موقع الهجوم وصناعة المعادلات، عبر بناء ترسانة عسكرية رادعة من الصواريخ الباليستية والفرط صوتية والطائرات المسيرة التي وصلت إلى عمق عواصم العدوان، بل وتجاوزتها لتدك “أم الرشراش” وتفرض حصاراً بحرياً تاريخياً على الكيان الصهيوني، مسقطة بذلك هيبة الردع الأمريكية في البحر الأحمر. هذا المسار العسكري وازاه مسار اقتصادي يرفع شعار الاكتفاء الذاتي والتوجه نحو الزراعة لكسر سلاح التجويع، ومسار تحصين الجبهة الداخلية عبر ترسيخ الهوية الإيمانية التي كانت السد المنيع أمام الحرب الناعمة.

خلاصة المشهد، أن اليمن اليوم، وبعد سنوات من العدوان والحصار، لم يعد ذلك “الحديقة الخلفية” لأحد، بل أصبح رقماً صعباً ولاعباً إقليمياً ودولياً يغير موازين القوى، وأن المؤامرة التي أرادت دفن هذا البلد تحت ركام الحرب، هي نفسها التي أحيت فيه روح المجد، ليصبح اليمن اليوم في طليعة محور الجهاد والمقاومة، شاهداً على أن إرادة الشعوب الحرة أقوى من ترسانات الإمبراطوريات.

 

مقالات مشابهة

  • اليمن.. عقدة الجغرافيا التي قصمت ظهر الهيمنة: تفكيك خيوط المؤامرة الكبرى
  • ترامب يدعو لتغيير القيادة الأوكرانية ويصف روسيا بالتفوق العسكري
  • ليبيا تحتل المرتبة الثالثة عربيًا في ترتيب الدول التي يعاني مواطنيها من الاكتئاب
  • «الاتحاد الأفريقي»: تحقيق مكاسب ملموسة ضد حركة «الشباب»
  • كاميلا زاريتا: أوروبا بحاجة لإستراتيجية واضحة في مواجهة التحديات الاقتصادية مع الصين
  • مستشارة الاتحاد الأوروبي والناتو: أوروبا بحاجة لاستراتيجية واضحة في مواجهة التحديات الاقتصادية مع الصين
  • الاتحاد الأفريقي يجدد دعمه لفلسطين خلال زيارة وزيرة خارجيتها
  • على ماذا يعوّل .. لماذا يصر الجيش السوداني على الحسم العسكري
  • الاتحاد الإفريقي يدين بشدة محاولة الانقلاب العسكري في بنين
  • وزير الخارجية يلتقي مبعوثة الاتحاد الأوروبي للقرن الأفريقي