البوابة نيوز:
2024-07-23@14:00:26 GMT

الغارمون وأولويات السياسات العامة!

تاريخ النشر: 9th, July 2024 GMT

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

لابد أن أعترف أني لم أكن على حقٍّ في موضوع الغارمين/ات؛ كنت أتبادل الآراء في هذه القضية مع زملاء وأصدقاء، جميعهم يرفضون مساعدة الغارمين؛ في تلك المرحلة، كنت أعمل مستشارة إعلامية لوزيرة التضامن الاجتماعي، غادة والي، وكان يُعرضُ عليَّ مشكلات كثيرة جدًا سببها تورط الأهالي في تجهيز بناتهم بأكثر من قدرتهم والنتيجة التعثر في سداد الدين والتهديد بالحبس.

وكان البعض يلجأ إلى "التضامن" للبحث عن حل، عادة قبل موعد الجلسة أمام القاضي. محاولاتي بشكل مؤسسي أو من خلال حلول فردية غالبا ما كانت تفشل. لم أستوعب حينئذ جيدا أسباب الفشل بل شعرت أحيانا بالخذلان وقبلتُ اعتذار البعض عن المساعدة. هناك من قالوا لي بصراحة: "الناس عارفين أن مصيرهم الحبس ومع ذلك يتداينون ويكتبون إيصالات أمانة!". 

وأعترف الآن أني لم أكن على حق، فما خفي في هذه المشكلة أكبر مما ظهر. ومن الضروري التأكد من متلقي الدعم وأنهم الأكثر استحقاقا له، وتلك مسؤولية تُلقى عادة على المتبرع، بينما هي إحدى حلقات مشكلة علاج الفقر، خاصة المتعدد الأبعاد، وهي مهمة السياسات العامة التي تضعها الحكومة؛ هي ليست "حسنة" تُلقى للفقير ولكنها حقه. وهي مهمة معقدة فيما يتعلق بقياس الفقر وتحديد الفقراء. وماتزال الدول النامية ومنها مصر في بداية الطريق لضبط تلك السياسات وجعلها ناجعة حتى تذهب المساعدات والدعم وكل وسائل الحماية والرعاية لمستحقيها. 

أذكر ذات مرة لجوئي لوكيل الوزارة، كمال الشريف، رحمه الله. أطلعته على حالة التعثر لسيدة في الستين من عمرها، وعليها دين تجاوز المائة ألف جنيه، بالإضافة لقيمة مماثلة بالإيصالات يستخدمها الدائن عادة لتهديد المدين على الدفع. وعندما قرأنا قائمة تجهيزات العروس المسجلة في المديونية أصابتنا صدمة. طبعا صدمتي مضاعفة نظرا لفرق الخبرة. ضمت القائمة ثلاجة وديب فريزر وبوتاجاز ومايكروييف، وشنطة أدوات مائدة وغسالتين، واحدة أوتوماتيك والأخرى عادية للأطفال، وعدد أربع وعشرين طقم ملايات سرير، وسجاجيد، ونجف، وتكييف ومروحتين، وكاتش ماشين وطقم حلل ستنالستيل. 

استغربنا من كل هذه المشتريات، خاصة أن بعض التجهيزات تدخل في باب الرفاهيات. وردت الخالة، التي حضرت نيابة عن الأم "المختفية" هروبًا من ملاحقات الدائن، بأنها أصبحت أساسيات لتفرح "العروسة" مثل بقية البنات، و"تشريفها" أمام أهل العريس.

الأمر يستدعي من المصلحين تغيير العقلية السائدة لدى البعض واهتمامهم بنظرة من حولهم، وهي نظرة طبقية عنصرية الجميع ضحايا لها. ذكرت إحدى الغارمات بأنها إذا ما جهزت ابنتها بأقل من هذه المستلزمات فلن يلتفت إليها أحد من شباب العائلة أو المنطقة. وإذا علمنا بالكمّ الهائل من قضايا الطلاق وما يسودها من خلافات ومعارك حول الجهاز يتضح أن المجتمع في هاوية. إن الاختيار مبني غالبًا على الماديات وليس على سواها، وتنجرُّ العائلات وراء المظاهر، دون مراعاة لاختيار الشريك الأفضل، علما وعملا وأخلاقا، ويكون مصير الأهل السجن، ومع ذلك لا يتراجعون عن الجهاز المرهق ماديا. ربما يكون ذلك أيضًا تحت إلحاح من الأبناء ونزولًا عند رغبتهم؛ لكنْ قد يختفي هؤلاء الأبناء عندما يواجه الآباء السجن؟! 

وقد شاهدت مواقف مماثلة، عندما تكون الابنة يتيمة الأب، وتحضر الأم لوزارة التضامن وتطلب المساعدة التي تمنحها عادة لهذه الفئات التي تحتاج للحماية. وتقتضي الإجراءات إحضار عقد الزواج كدليل على الجدية، كما يُشترط إجراء بحث اجتماعي عن الأسرة للاطمئنان لكونها مستحقة للمساعدة. ولا أنسى كلمات إحدى الأمهات، وهي غاضبة من هذا الشرط، قائلة: "أنتم بتذلونا وتجرسونا وسط الناس". نفس هذه الأم كشف البحث الاجتماعي أنها حصلت على أكثر من جهاز لابنتها من خلال الذهاب لعدة جمعيات، وربما باعت بعضها بأبخس الأثمان. 

وكنت قد لاحظت تكرار هذا السلوك أيضا من أشخاص يأتون للحصول على مساعدات بدعوى المرض، لم تكن إلا مبررات، لدرجةٍ أن شخصًا تكررت طلباته للحصول على المساعدة وكان قد جلب مرة والده وحمله ليصعد به أربعة أدوار، حتى وصلنا للأستاذ كمال الذي أعطاه ورقة ليكتب عليها طلب المساعدة، على أن يعود مرة أخرى بعد دراسة الحالة. وقبل أن أنصرف، ناداني الأستاذ كمال وأشار من شباكه المطلّ على الشارع، إلى الشخص الذي قد حضر منذ قليل وكان محمولًا على ظهر ابنه، وكيف كان يجري ويرتع بمجرد أن غادر المكان!

 وإذا كنتُ أروي هذه القصص فليس بقصد إنكار الظروف شديدة الصعوبة أمام العائلات لتجهيز أبنائهم، حيث ارتفعت بالفعل أسعار كل شيء، وهذا وضع أصبح يعاني منه الميسورون، فما بالنا بضعاف الحال. لكن الهدف هو إعادة النظر في كيفية علاج هذه المشكلة وغيرها من المشكلات التي تخص الفئات الأولى بالرعاية. 

ولا يعني وجود محترفي الاحتيال أن جميع المتعثرين من هذه النوعية، بل هناك من يستحقون المساعدة وبشدة، وهؤلاء نبلاء يتعففون ولا يمكن الوصول إليهم بسهولة. وهذه قضية تخص جميع أشكال الدعم التي تحتاج حلولا غير تقليدية من السياسات العامة حتى يحصل الفقراء على حقوقهم التي نص عليها الدستور ولا يتحول الدعم إلى "سبوبة" وهي تحديات ظلت قائمة أمام الحكومات المتعاقبة، وهي على قمة أولويات حكومة مدبولي الجديدة! 

 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: الغارمين الغارمات

إقرأ أيضاً:

رحيل من الباب الضيق.. نهاية بايدن المذلة

انسحب غير مأسوف عليه، ذلك العجوز الذي لم يردعه سنه ولا ضميره، عن المشاركة في الإبادة الجماعية التي ترتكب في فلسطين منذ 7 أكتوبر 2023، وتقترب من الشهر العاشر للعملية العسكرية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة.

بايدن الذي جاء إلى سدة الحكم واستبشر الناس به -وأنا واحد منهم- بأنه لن يسير على درب سلفه المتهور -دونالد ترامب- الذي اتضح بعدها أنه كان «نِسمة» مقارنة بما ارتكبه العجوز الحالي، من جرائم إنسانية يندى لها الجبين، شارك في قتل نحو 40 ألف فلسطيني، حتى هذه الساعة معظمهم من الأطفال والنساء، وإصابة نحو 100 ألف أو أكثر إذا ما أخذنا بالحسبان وجود آلاف الجثث أسفل أنقاض المنازل المدمرة في القطاع، التي تعجز عن الوصول إليها الأطقم الصحية في القطاع.

الرجل الذي يعيش «أرذل العمر» ببلوغه السنة الأولى بعد الثمانين، لم يترك فرصة في أن يصب العذاب صبَّا على المدنيين العزل في القطاع، إلا وأمسك بها، ولم يفلتها مرة واحدة مراعاة لإنسانية ولا لعمر ولا لضمير ولا إجماع عالمي مناهض للحرب، بل كان أسرع من الريح في التوقيع على صفقات أشد الأسلحة وأفتكها إلى الكيان المحتل، ليس ليقاتل بها جيشا نظاميا مدججا بأحدث الأسلحة والعتاد، ولكن ليقصف بها مربعات سكنية مكتظة بمئات العائلات التي تتوارى في شقق ضيقة خوفا من العمليات العسكرية.

لم يكن العجوز الذي انسحب من الانتخابات الرئاسية لأكبر دولة في العالم، غير مأسوف على انسحابه، كما كان وديعا في الدعاية الانتخابية قبل الفوز بمقعد الرئيس الـ46 للولايات المتحدة، فقد اتضح القناع الدموي الذي أخفاه، واسبتداله بقناع القائد العالمي الذي يرفض العنف ويدعو إلى عالم متسامح.

رحيل الرجل الذي حرج من أضيق أبواب التاريخ، جاءت بسبب الصدع الذي بدأ يطفوا على السطح نتيجة الانقسام الجلي الواضح في الحزب الديمقراطي -ورمزه «الحمار»- على خلفية إخفاقه في المناظرة التي جمعته مع المرشح عن الحزب الجمهوري -ورمزه «الفيل»- دونالد ترامب منذ أيام، ما دعا شخصيات بارزة في الحزب ومنها نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب السابقة، إلى مطالبة الرئيس الحالي بإعلان انسحابه، وترك الفرصة أمام نائبته كاميلا هاريس، لخوض السباق.


كما جاءت دعوات المطالبة بانسحابه، ليس لأنه «خَرَّف» أو لأن المنافس ترامب قوي أمامه، ولكن لما سببه من انقسام داخلي حاد في البلاد، فقد خرجت التظاهرات المناهضة لدوره المشين في أزمة غزة، ودعمه غير المسبوق للكيان في حربه على القطاع، وكان أبطال تلك التظاهرات الشباب الذين خرجوا بأرقام ضخمة في شوارع الولايات وميادينها الرئيسية، من مختلف الأيدلوجيات والعرقيات، فضلا عن افتراشهم ساحات الجامعات وتنظيمهم اعتصامات الأمر الذي لم يعجب السلطات فاستدعت الشرطة التي استخدمت العنف مع الطلاب.

بيد أن الرئيس الذي اشتهر بذلاته الغريبة وتصرفاته المريبة، التي شكلت حملات سخرية منه، تسبب في نفور داخلي من سياسته، فيرى الأمريكيون أن بلادهم تحت عباءة ذلك الرجل، وصلت لمرحلة سيئة السمعة أمام العالم، فإضافة لدورها في مد الكيان بالأسلحة الفتاكة لتدمير قطاع غزة، فقد عرقلت كل قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، لوقف الحرب الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين، وكان من الفجاجة والقبح أن أصدر الكونجرس الأمريكي تشريعا يسمح للولايات المتحدة باعتقال أفراد المحكمة الجنائية الدولية، على خلفية توصية المدعي العام لها كريم خان، بإصدار قرارات اعتقال بحق رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يواف جالانت، ما اعتبرته واشنطن اعتداء على حلفائها.

أضف إلى ذلك الانخراط الأمريكي في الحرب الروسية الأمريكية، ذلك التدخل الذى بدا واضحا بشكل لم يسبق له مثيل منذ الحرب العالمية الثانية، ودعم بايدن صراحة لأوكرانيا ومدها بجميع أنواع الأسلحة والمال، لإلحاق الهزيمة -بعيدة المنال- بروسيا، وسماحه علانية باستخدام الأسلحة الأمريكية لضرب أهداف روسية، ما رآه البعض جر العالم إلى حرب عالمية ثالثة، ستأكل الأخضر واليابس بسبب سياسة «جو» المتهورة.

ناهيك عن تصاعد الأزمات الاقتصادية الداخلية، وعلى رأسها زيادة نسبة البطالة، فضلا عن ملفات المهاجرين وارتفاع مؤشرات الجريمة وغيرها من الأمور التي رآها المجتمع الداخلي سوء إدارة من رجل فقد السيطرة على عقله.

على كل فقد وضع بايدن نهاية لمسيرته في البيت الأبيض، بإعلانه عدم ترشحه أمام ترامب -الذي بالكاد لن يكون الحمل الوديع-، ليخرج من الباب الضيق للتاريخ البشري، يجر أذيال الخيبة والخذلان، وتلاحقه دماء الآلاف من القتلى ودعوات المكلومين والأمهات الثكالى، ليفسح المجال أمام رئيس آخر يأتي ليسير على النهج نفسه، في زيادة جراح الفلسطينيين الذين لم يعرف التاريخ أسوأ فترة احتلال من التي يعيشوها.

 

مقالات مشابهة

  • ‎شرطة أبوظبي تنقذ سائقًا تعطل مثبت سرعة مركبته عند منتصف الليل .. فيديو
  • أحمد صبور: تراجع الدين الخارجي في مصر يعكس نجاح السياسات الاقتصادية للدولة
  • دليل شقق المصيف في مرسى مطروح وأسعارها في صيف 2024
  • محمد فائق وزير إعلام ثورة يوليو يحكي سيرة ثورة آمنت بالشعب فأخلص لها الشعب
  • بايدن ثاني رؤساء أمريكا انسحابا من الترشح لولاية جديدة.. من سبقه؟‏
  • رحيل من الباب الضيق.. نهاية بايدن المذلة
  • ابتعد عنها فورا.. جمال شعبان يفجر مفاجأة بشأن عادة بسيطة تؤدي إلى الوفاة في سن صغير
  • بعد انسحاب بايدن.. ما تأثير الرئيس الأمريكي على سياسات حزبه؟
  • “الأعلى للإعلام” يهنئ الإعلاميين بعيد التليفزيون المصري
  • "موديز" ترفع التصنيف الائتماني لتركيا لأول مرة منذ 10 سنوات