الجزيرة:
2024-11-23@04:23:05 GMT

أردوغان والأسد.. ترميم علاقات أم إكراهات سياسية؟

تاريخ النشر: 9th, July 2024 GMT

أردوغان والأسد.. ترميم علاقات أم إكراهات سياسية؟

تتواصل تداعيات تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشأن سعيه لترميم العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري، وإشارته إلى أنه سيوجّه قريبا دعوته للرئيس السوري بشار الأسد، فقد أثارت غضبا وجدلا على المستويين الرسمي والشعبي.

وكان الرئيس التركي أعلن في تصريحه في 28 يونيو/حزيران الماضي عن أنّه عقد في السابق لقاءات عائلية مع الأسد، "ولا يستبعد تجدد هذه اللقاءات في المستقبل".

وأوضح أردوغان أنه "لا يوجد أي سبب لعدم إقامة علاقات بين تركيا وسوريا"، مؤكدا في الوقت ذاته أنّه لا يمكن أن يكون لدى تركيا أي نية أو هدف بالتدخل في شؤون سوريا الداخلية.

مواقف متشددة

وبدت الانعطافة في الموقف التركي حادة للمتابعين، خصوصا أن جميع التصريحات السابقة لأردوغان كانت تؤكد رفضه القاطع إعادة العلاقات مع النظام السوري، بل تجاوزت ذلك إلى تحذير العالم من خطورة بشار الأسد ونظامه، والتشديد على "دعم الشعب السوري ليتخلص من الدكتاتور".

ومن ذلك ما ورد في خطاب أردوغان في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2014، حين قال إن "بشار الأسد مجرم وإرهابي ويمثل خطرا أكثر من تنظيم الدولة"، متسائلا "كيف يمكننا أن نتطلع إلى المستقبل مع رئيس سوري قتل قرابة مليون من مواطنيه؟".

وسبقه تصريح في 26 يونيو/حزيران 2012، حين أشار أردوغان بوضوح إلى "أن أمن الأناضول يبدأ من دمشق، وأن كل عسكري سوري يقترب من الحدود التركية سيعامل على أنه عدو، فالنظام السوري لم يعد يشكل خطرا على شعبه فقط، وإنما على تركيا والدول المجاورة".

سياق التغيير

وبحسب مراقبين، فإن التغيّر في الموقف التركي لم يأتِ منفصلا عن السياق، وإنما جاء في غمرة أحداث متسارعة داخليا وخارجيا، وبعد سلسلة من المواجهات السياسية بين أنقرة والفواعل الإقليمية والدولية، وحلفاء النظام السوري طوال الأعوام الماضية.

كما أثرت ملفات عدة في الموقف التركي؛ منها إصرار الولايات المتحدة على دعم المشروع الكردي في سوريا، بالإضافة إلى الضغوط الروسية والإيرانية والعربية الأخيرة التي تدفع تجاه إعادة تأهيل النظام السوري.

وعلى الصعيد التركي الداخلي، فقد تراجعت شعبية حزب العدالة والتنمية الحاكم وخسر الانتخابات المحلية، إثر تجييش أحزاب المعارضة ضده، إزاء موقفه من الحراك السوري واللاجئين السوريين في بلاده.

فبحسب دراسة أصدرها مركز الجزيرة للدراسات بعنوان "بين أستانا وجنيف.. أفق الأجندات المتضاربة في الأزمة السورية"، تم التأكيد على أنّ أنقرة بعد سقوط حلب في سبتمبر/أيلول 2015، بدأت تعيد تعريف مصالحها وعلاقاتها بالقوى الفاعلة في المسألة السورية.

وكان ذلك في ضوء المواقف السياسية من المحاولة الانقلابية الفاشلة التي استهدفت الإطاحة بحكم حزب العدالة والتنمية في يوليو/تموز 2016، والتي أسفرت عن إنهاء الأزمة السياسية في العلاقات التركية الروسية، خاصة أن روسيا كان لها دور مهم في تقديم معلومات أمنية ساعدت على إفشال الانقلاب، بحسب المصادر التركية.

وما سبق أنتج بدوره مسار أستانا في 23 يناير/كانون الثاني 2017، الذي قوّض مسار جنيف السياسي وحدّد رؤيته وفق الرؤية الروسية، حيث تولى حينها الطرف التركي في مسار أستانا مهمة ضمان مشاركة المعارضة السورية، في مقابل ضمان الروس -الحليف الأقوى لبشار الأسد- مشاركة النظام السوري والتزامه بشروط التهدئة، وجرى -بحسب دراسة مركز الجزيرة- ضم إيران لاحقا خوفا من أن تمارس دورا تخريبيا يؤدي إلى إفشال مسار أستانا السياسي.

قيام كيان كردي

ويؤكد الباحث والمحلل السياسي الدكتور مروان قبلان أنّ الموقف التركي تجاه الحراك السوري تغيّر منذ التدخل الروسي والانخراط في مسار أستانا، وزيادة الضغوط الداخلية والخارجية على تركيا.

وأضاف قبلان -في تصريحه للجزيرة نت- أن مخاوف تركيا من قيام كيان كردي انفصالي على حدودها مع سوريا يُعَد "أحد أهم دوافع انقلاب الموقف التركي"، فهناك شكوك بأنّ أميركا تسعى لدعم تأسيس كيان كردي، قد لا يكون بالضرورة انفصاليا أو مستقلا، لكن مجرّد تشكيله قد يكون خطوة لإنشاء هذا الكيان، لذلك تتجه تركيا اليوم نحو الروس والتطبيع مع النظام السوري.

وبناء على ما سبق، وبحسب مركز الجزيرة للدراسات، فقد استفاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من التغير الحاصل في البيئة الإقليمية للملف السوري، وعلى رأسها الموقف التركي، ونجح في تغيير ملامح رؤية الحل السوري وقواعد اللعبة الدولية والتخلي عن التعاون مع الولايات المتحدة، وراح يرتّب الفواعل السياسية انطلاقا من مصالح القوى الإقليمية لا الدولية، مستغلا تجاهل الطرف الأميركي -لسبب ما- لهذه المساعي الروسية.

ويعتقد الصحفي والكاتب السياسي أحمد كامل -في حديثه للجزيرة نت- أنّ تصريح أردوغان وتلويحه بالتطبيع مع الأسد "له علاقة مباشرة بتحركات الانفصاليين (الأكراد)، وتحديدا انتخابات الإدارة الذاتية المزمع عقدها الشهر المقبل"، مضيفا أن تصريح أردوغان "غالبا هو وسيلة ضغط لتخويف أصحاب المشروع الانفصالي الكردي وداعميه، ومن جهة أخرى يسعى أردوغان بذلك إلى تحسين العلاقات مع العراق، لا سيما أن الكل اليوم موافق على مثل هذه الخطوة ما عدا قطر والمغرب والكويت".

وفي ضوء التحركات السياسية، استضافت موسكو في بداية أبريل/نيسان الماضي اجتماعا رباعيا ضمّ نواب وزراء خارجية تركيا وروسيا وإيران وسوريا، حيث أكّد النظام السوري على ضرورة إنهاء الوجود التركي على الأراضي السورية، وتجنّب التدخل في الشؤون الداخلية السورية، ومكافحة الإرهاب بكافة أشكاله.

وأوضح البيان الختامي لهذا الاجتماع، بحسب وكالة الأناضول، أنّ الأطراف اتفقت على "ضمان عودة السوريين إلى وطنهم الأم بشكل طوعي وآمن ومشرف"، وعلى "إعداد خارطة طريق للنهوض بالعلاقات التركية السورية، والتنسيق مع وزراء الدفاع والاستخبارات للدول الأربع"، في حين أكّد الوزراء "التزامهم بسيادة سوريا ومكافحة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره، وفقا لقرار مجلس الأمن 2254، والبيانات الرسمية الصادرة في إطار مسار أستانا".

عضّ أصابع

وعزا قبلان عرقلة هذه المفاوضات الرباعية إلى تصلّب الأطراف، وقال إنّ "الطرفين لم يقبلا بشروط بعضهما، فالنظام كان يريد الانسحاب التركي والوقف الفوري لدعم الفصائل العسكرية، لكن تركيا رفضت، لاعتقادها الجازم أن النظام السوري أضعف من أن يسيطر على المناطق التي من الممكن أن تنسحب منها".

لكن في الفترة الأخيرة -بحسب قبلان- نلاحظ مرونة واضحة في مواقف الطرفين، حيث "لم يعد النظام يطالب بالانسحاب التركي، بل يطلب تعهدا بالانسحاب فقط، في المقابل بدأ الأتراك الحديث عن إمكانية التطبيع مع النظام بشروط عامة أكثر من كونها محددة، مثل الحديث عن المصالحة بين أطراف النظام والمعارضة على سبيل المثال".

ليبقى السؤال المهم: هل تستطيع الحكومة السورية حقا استقبال المهجّرين، والحفاظ على الأمن القومي التركي من خلال إدارة الفوضى السياسية في مناطق الإدارة الذاتية والشمال السوري الخارجة عن سيطرتها؟! ولا سيما أنّ قضية اللاجئين تعتبر مُحددا أساسيا لرسم علاقة حزب العدالة والتنمية بالشارع، لدرجة أنّ هناك إجماعا تركيّا اليوم على ضروة حلّ هذه القضية ولو اقتضت التواصل مع النظام السوري ذاته، لأن أنقرة فقدت الأمل بأي تغيير سياسي في سوريا بالصورة التي كانت ترغب بها في السنوات الأولى من الثورة السورية، بحسب قبلان.

الظرف الدولي

وعن مدى الارتباط بين التغييرات الطارئة على طبيعة الموقف التركي وتوقيته ومستجدات الظروف الدولية واحتمالية وصول الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى السلطة، يرجّح الدكتور رائد الحلبي المقرّب من صُنّاع القرار الروسي -في حديثه للجزيرة نت- أنّ قدوم ترامب سيكون له تأثير مباشر في الموقف التركي وتوقيته، "لأنّ تركيا تعلم أنّ ترامب سيضغط على إيران، ويسعى إلى الانسحاب الأميركي من العراق ثمّ سوريا، وهذا بطبيعة الحال سينهي أمل الحركات الكردية التي تعتمد دوما على المجهول في تأسيس كيان انفصالي عن محيطه الجغرافي".

في حين يرى أحمد كامل أنّ ترامب "إذا ربح، فهذا يعني أنّ من المحتمل أن يسمح لتركيا بتوسيع المحرر (مناطق المعارضة السورية) ووصله وقضم جزء منه وهو منبج، لأن حصول تركيا على قطعة إضافية يحتاج موافقة روسيا دوما بجانب الموافقة الأميركية"، لكنّ حصول تركيا على أكثر من المذكور أمر يستحيل أن توافق عليه الأطراف، مما يعني أنّه لن تكون هناك ضرورة للتطبيع التركي مع النظام السوري، الذي يستخدم هذه الورقة فزاعة سياسية لا أكثر.

في المقابل، استبعد قبلان أن يكون لنجاح ترامب تأثير مباشر على الموقف التركي اليوم، فحتى "لو فاز (الرئيس الأميركي) جو بايدن، فإن دوافع تطبيع تركيا مع النظام السوري ستكون أكثر ضرورة، لأنها تخشى سياسات الإدارة الحالية، خاصة منهجية التعاطي لدى مسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأميركي بريت ماكغوك، المعروف بعلاقاته الوثيقة مع القوى الكردية سواء في سوريا أو العراق".

في النهاية، لا اتفاق على التفاصيل، وما زال الحديث في إطار الملامح العامة التي تؤسس لضبط العلاقة بين الأطراف، وتصريحات ومواقف الرئيس التركي الأخيرة -رغم وضوحها- ما زالت تحمل غموضا في كيفية التطبيق والتنفيذ، لأنّ الطرف التركي ما زال ينظر إلى المتغيرات بحذر، ويتخوّف من عدم جدّية الحكومة السورية في إعادة المهجّرين، أو عدم قدرتها على تقويض المشروع الانفصالي للإدارة الذاتية، لا سيما أنّ الطرف التركي يدرك أنّ النظام السوري تحوّل إلى هيكل هش يحاول حلفاؤه إحياءه.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات فی الموقف الترکی مع النظام السوری مسار أستانا

إقرأ أيضاً:

عقيدة التوحش.. إعادة إعمار سوريا تبدأ بـحافظ الأسد

لا تبدأ عملية إعادة الإعمار بالنسبة للنظام السوري بتبديد آثار ما دمرته الحرب طوال السنوات الماضية، على صعيد تشييد المباني مجددا أو حتى إعادة السكان إلى قراهم ومدنهم الأصلية التي تحولت إلى خراب، بل على العكس يتخذ المسار منحى استثنائيا، يستند على عقيدة تقوم على "التوحش" ونصب التماثيل، كي لا يتمكن المنكوبون من السير مترا واحدا دون رؤية حافظ الأسد.

قبل يومين أسدل النظام الستار عن تمثالٍ للأسد الأب وسط خان شيخون المدمّرة، الواقعة في ريف محافظة إدلب، ورغم أن هذه الخطوة سبقها سلوكيات مشابهة في مناطق أخرى في أنحاء البلاد، اعتبرها سكان عبر مواقع التواصل استفزازية، بناء على ما شهدته المدينة في عام 2017.

وكانت خان شيخون تعرضت قبل 7 سنوات لهجوم بغاز السارين، أسفر عن مقتل 91 مدنيا بينهم 32 طفلا و23 سيدة خنقا، وإصابة قرابة 520 شخص. وبعد أشهر من المجزرة أكد تقرير دولي أعدته "آلية التحقيق المشتركة" مسؤولية النظام عن القصف.

علاوة على المجزرة، لا يزال سكان المدينة المذكورة ينظرون إليها من على الأطلال على الطرف الآخر الذي تسيطر عليه فصائل المعارضة، وليس ذلك فحسب فمن سمح لهم بالعودة يعانون الآن من ظروف خدمية ومعيشية صعبة، سبق أن ذكرتها صحيفة "البعث"، مطلع العام الحالي، مشيرة إلى عدم وجود خط دائم لشبكة الكهرباء فيها.

وقبل نصب تمثال الأسد الأب مجددا في خان شيخون، أعاد النظام تمثالا أخرا إلى وسط مدينة دير الزور شرقي البلاد، في أكتوبر 2018، وفي شهر أغسطس من ذات العام جدد تمثالا ثالثا في مدينة حمص وسط البلاد، بعدما أن تعرض في مطلع أحداث الثورة لرصاصات اخترقت ظهر جسده البرونزي.

مدينة حماة أيضا التي دمرت، وارتكبت فيها فظائع في عهد حافظ الأسد بثمانينيات القرن الماضي أسدل الستار فيها عام 2017 عن تمثال للأخير في مدخلها الجنوبي. وجاء ذلك بعد أن أزيل في 2011 (مطلع أحداث الثورة) بأوامر مباشرة من هشام بختيار (المقتول في حادثة تفجير خلية الأزمة)، وفقا لمواقع إخبارية محلية.

"إعادة إعمار حافظ الأسد"

وتقول الأمم المتحدة إن تكلفة إعادة إعمار البنية التحتية في سوريا تصل إلى 400 مليار دولار. وهذا الرقم يشمل حجم الدمار فقط، ولا يشمل الخسائر البشرية، والمقصود بها الأشخاص الذين قتلوا خلال المعارك، والأشخاص الذين نزحوا وهجّروا من منازلهم.

وأشار إلى هذه الإحصائية بشار الأسد بنفسه، في مارس 2023، بقوله إن التقديرات للحرب تفوق 400 مليار دولار، مضيفا أنه "رقم تقريبي وقد يكون أكبر، حيث إن بعض المناطق لا تزال خارج سيطرة الدولة السورية"، حسب تعبيره.

بعد إعادته إلى الجامعة العربية عزف النظام كثيرا على وتر إعادة الإعمار، وبينما كان يطلق تصريحاته المتعلقة بذلك ردا على الدعوات الموجهة له بضرورة إعادة اللاجئين في الخارج إلى البلاد سارت خطواته على الأرض باتجاه مختلف.

وتلك الخطوات كان لافتا أنها بدأت بإعادة تماثيل الأسد الأب إلى ساحات المدن المدمرة التي أعاد السيطرة عليها، وتدشينها في أجواء احتفالية، كما الحال الذي عاشته خان شيخون قبل يومين.

ولا يعتبر نصب التماثيل الخاصة بالأسد الأب في سوريا أمرا جديدا، لكنها دخلت بعد عام 2011 في محطة فاصلة، تمثلت بإقدام المحتجين المطالبين بالحرية على تحطيمها تباعا في الشوارع والساحات، في عموم المحافظات السورية.

كان فعل التحطيم يذهب باتجاه فرض حالة جديدة وخروج من أخرى، لطالما تخللتها أعين مسلطة من فوق وتراقب السوريين في الجامعات والساحات العامة، وحتى داخل المؤسسات الرسمية والحكومية.

ويقول الكاتب والناشط السياسي، حافظ قرقوط: "تاريخيا كانت تماثيل حافظ الأسد منثورة في كل مكان في سوريا، كنوع من الترهيب والتذكير بأن الدولة الأمنية قائمة".

وغالبا من كان يشعر الشخص الذي يمر بجوارها أو بالقرب منها بالمراقبة وأنه يوجد في محيطه "مخبر".

ويعتبر قرقوط في حديثه لموقع "الحرة" أن تماثيل الأسد الأب "كانت أفرع أمن بحد ذاتها وتصب عيناها بنوع من الحقد على البشر"، مضيفا: "لم يكن فيها أي نوع من الفن الذي يمكن أن يظل في ذاكرة الإنسان بشكل هادئ وجميل".

ومع اتجاه النظام السوري لإعادتها بالتدريج يرى قرقوط أنه يريد القول للجمهور المحلي "إننا هنا"، وإن "السطوة الأمنية قائمة وقادرة على فهل أي شيء"، وإن "النظام الذي حاولتهم إسقاطه بقي!".

"هي عملية بمثابة إعادة نشر السجون المعنوية للناس. النظام حاقد والحقد يشكل حالة انتقامية له. وهذه أهم حالات الانتقام"، على حد تعبير الكاتب والناشط السياسي.

"فلسفة التوحش"

في مقال له على صحيفة "ذا أتلانتيك" نشر عام 2019 يقول الصحفي، سامر داغر وهو مؤلف كتاب "الأسد أو نحرق البلد" إن "حكم سوريا شأن عائلي إلى حد كبير".

وبينما كان الأمر كذلك منذ ما يقرب من خمسة عقود، سوف يظل كذلك فيما يتصل بآل الأسد، بحسب ما ورد في مقالته.

ويعتقد داغر أن إعادة التماثيل واللوحات الإعلانية طريقة الأسد لإخبار المجتمعات المتمردة ذات يوم بأن أي مقاومة أخرى لن تجدي نفعا، كما يرى أن إعادتها تؤكد رسالة مفادها أن "عائلة الأسد انتصرت على الرغم من التكلفة الهائلة".

وتشير إحصائيات تقريبة إلى مقتل أكثر من نصف مليون شخص في سوريا خلال السنوات الـ13 الماضية، ويضاف إلى ذلك الدمار الهائل ونزوح السكان، فضلا عن الاقتصاد الممزق، والمجتمع كذلك.

ورغم أن الأسد ظلّ على كرسي الحكم لا تزال العزلة تحكم مشهد قصره ونظامه، مع محاولته الآن الخروج منها، بذات السيناريو التدريجي الذي لعبه مع عدة دول عربية.

وبوجهة نظر الكاتب، الناشط السياسي السوري، حسن النيفي تحيل تماثيل الأسد الأب "إلى تأبيد الفرد الحاكم، وفقا لفلسفة التوحش".

ويقول لموقع "الحرة" إنها "تستمدّ مضامينها من شعور الحاكم بأنه باق ومخلّد ومُستثنى من نواميس الفناء، فضلا عن كونها تتماهى مع شعار (إلى الأبد يا حافظ الأسد)".

وشعار الأبدية له دلالات عديدة، أبرزها تأبيد الطاغية ودوام سلطته، وكذلك له دلالة أخرى ذات صلة بمفهوم الإبادة التي اتخذها نظام الأسد كمنهج لتثبيت سلطته وقهر معارضيه أو خصومه، بحسب الناشط السياسي.

ويضيف أن إعادة نشر التماثيل وزرعها، سواء في خان شيخون أو سواها من المدن والبلدات السورية، "تجسّد انتصار الأسد على خصومه. هذا الانتصار الذي يختزله النظام بحيازة السلطة فحسب، بعيدا عن أي منجز آخر".

"عقيدة وسياسة الحذاء"

ووفقا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أُجبر أكثر من 14 مليون سوري على الفرار من ديارهم منذ 2011. ولا يزال هناك نحو 6.8 مليون نازح سوري في الداخل حيث يعيش 90 في المئة من السكان تحت خط الفقر.

وتعطي سياسة نصب التماثيل التي يعمد النظام السوري على تكريسها من جديد مؤشرا على أن سياسته الأمنية لم تتغير وكذلك الأمر بالنسبة لنظرته للمعارضين، مما يجعل أي عائد للبلاد عرضة للاعتقال والقتل، بناء على الموقف.

ويقول ستيفن هايدمان، مدير برنامج دراسات الشرق الأوسط في كلية سميث والخبير البارز في الشؤون السورية في تعليقه على إعادة نصب تماثيل الأسد الأب: "الرسالة واضحة للغاية: لقد عدنا".

كما يصف هايدمان إعادة نصب التماثيل بأنها "تعبير عن الانتصار من جانب النظام" وهو ما كان "مُحبطا للغاية" لمعارضيه، مضيفا: "إنها استراتيجية قوية للغاية ومؤثرة للغاية".

مناف طلاس، صديق طفولة بشار الأسد، الجنرال السابق في الحرس الجمهوري الذي انشق في عام 2012 كان له رأيه الخاص في إعادة التماثيل أيضا، ونقل عنه الصحفي داغر في 2019 قوله إن "بشار يعرف في قرارة نفسه أنه لم يفز حقا.. والتماثيل هي وسيلة لإقناع نفسه بخلاف ذلك".

وأشار أحد سكان العاصمة السورية دمشق وفق مقال "ذا أتلانتيك" إلى أن "التماثيل دليل على أن النظام عازم على مواصلة حكمنا بحذاء عسكري فوق رؤوسنا"، وهو ما أكده حديث طلاس، قائلا إن بشار الأسد كان يقول لأصدقائه سابقا إن "السوريين لا يمكن أن يحكموا إلا بالحذاء فوق رؤوسهم".

ولا يهم الأسد ولا يعنيه أحد من السوريين وكذلك لا يعنيه كيف يعيش الناس وهو أيضا غير معني بحاجات المواطنين أو قبولهم أو رفضهم لما يجري، كما يرى الناشط السياسي، حسن النيفي.

ويقول: "ما يعنيه فقط هو بقاؤه كشخص حاكم على رأس السلطة مُجسّدا بالتمثال، فهو المعادل الحقيقي للبلاد (سوريا الأسد)". ويضيف أن "اختزال البلاد السورية بشخص الحاكم باتت عقيدة لدى النظام وليست مجرد سلوك سياسي شاذ".

"غير قابل للتغيير"

ولا يعتبر استخدام التماثيل كتعبير عن القوة والسيطرة والهيمنة أمرا فريدا في سوريا؛ فهو ركيزة أساسية لجميع الأنظمة الاستبدادية تقريبا، بما في ذلك الاتحاد السوفييتي السابق، وكوريا الشمالية، والعديد من جمهوريات آسيا الوسطى.

لكن، وعند النظر إلى سوريا تختلف الصورة وتكاد تكون "استثنائية"، بحسب الكاتب والناشط السياسي، قرقوط.

ويقول: "إعادة إعمار سوريا تبدأ بإعادة التماثيل هي استهزاء بتضحيات الناس"، ورغم أن هذا السلوك ليس جديدا على الأنظمة الديكتاتورية يضيف يعتبر قرقوط أنه "لا شبيه للأسد في التاريخ القديم والحاضر".

ويتابع: "الديكتاتورية شابها عزة نفس في بعض الحالات.. لكن النظام ليس لديه ذلك، ويصر على الانحطاط بتصرفاته".

وبعد تسلمه الحكم في سوريا عام 2000 انتشرت صور الأسد الابن (بشار) في كل مكان بسوريا، دون أن يشمل ذلك نصب التماثيل الكبيرة، كما حالة أبيه.

وانكسرت تلك الحالة في 2023 عندما أسدل الستار عن تمثال كبير له في منطقة بلقسة التابعة لمحافظة حمص، وسط البلاد.

ويعتبر الأكاديمي والناشط السياسي السوري، فايز قنطار أن "تماثيل الأسد وإعادة نصبها دلالة على القهر وإحكام القبضة الحديدية"، وتقف ورائها رسائل أيضا عن "وجود استمرارية لم تتغير بالرغم من تغير الظروف ومعطيات العصر. وحتى بالرغم من الثورة".

كما تدل بعمق أن "النظام غير قابل للتغيير والتعديل ولا يمكن أن يستمر في حكم سوريا إلا عن طريق القبضة الأمنية".

ورغم أن إعادة تشييد التماثيل شملت مناطق عدة في عموم المناطق المدمرة لم يتكرس ذلك محافظة السويداء، التي كانت حطمت تمثال الأسد الأب في 2015 ولم يجرؤ النظام على إعادته من جديد حتى الآن، وفق حديث قنطار لموقع "الحرة".

وعلاوة على ذلك كان المحتجون في المحافظة ذات الغالبية الدرزية قد أزالوا على مدى عام جميع الرموز المتعلقة بالنظام وحزب "البعث"، وتماثيل الأسد الأب وابنه باسل.

ويرى الناشط السياسي، قرقوط أن ما يكرسه الأسد الابن الآن له شق يتعلق بـ"الانتقام" أيضا.

ويوضح أن هذا الانتقام (بإعادة نصب التماثيل) يستهدف عوائل المشردين والمسجونين، ويقول: "عندما سينظرون للتمثال سينقطع لديهم الأمل ويظّل اليأس بأن ذكرى أبنائنا انتهت وذهبت".

أما بالنسبة للمهجرين فتأخذ إعادة إعمار تماثيل حافظ الأسد دلالة مفادها "نحن هنا ولا عودة لكم مهما صدرت البيانات والدعوات لإعادتهم.. وعقدت القمم".

كما لا يستبعد قرقوط أن تكون التماثيل الجديدة رسالة لحاضنة النظام السوري، من أجل إعطاء أفرادها دعما معنويا بأنهم "انتصروا معه على بقية السوريين"، ولكي يذكرهم "بغياب البديل عنه ولذلك يجب ألا ينفكوا عنه".

مقالات مشابهة

  • أردوغان: نمضي بخطى ثابتة نحو استقلال تركيا في قطاع الطاقة
  • أردوغان: مستعدون لما سيخلقه انسحاب أمريكا من سوريا
  • أول رد للرئيس التركي ”أردوغان” على القرار الخطير لنظيره الروسي ”بوتين” بالمرسوم النووي
  • لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الأمة التركي توافق على مذكرة التفاهم بين تركيا وليبيا
  • أردوغان: مستعدون للتعامل مع الوضع الجديد بعد الانسحاب الأمريكي المحتمل من سوريا
  • ضربة تدمر.. أرقام النظام السوري تتحدث عن عشرات القتلى
  • المرصد السوري: 11 قتيلا في غارات للاحتلال على وسط سوريا
  • عقيدة التوحش.. إعادة إعمار سوريا تبدأ بـحافظ الأسد
  • أردوغان: نجري محادثات مع روسيا لإعادة بناء الوضع في سوريا
  • أردوغان: تركيا مستعدة للوضع الجديد في سوريا