كيف نتعامل مع الوسوسة؟
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد.
فالوسوسة هي ما يلقيه الشيطان في القلب من الخطرات الرديئة وعمل الشر، فيحرص الشيطان ـ قاتله الله ـ على أن يلقي الشكوك في قلب المسلم تجاه ربه جل جلاله ونبيه صلى الله عليه وسلم وكتابه الكريم؛ تارة بصور رديئة وأخرى بألفاظ خبيثة؛ حتى إن المرء ليقع في حيرة من أمره أهو مؤمن حقاً؟ أم في إيمانه شك؟ ولا بد أن يعلم الناس أنه ليس في الأمر جديد؛ فقد شكا الصحابة رضي الله عنهم وهم أبر هذه الأمة قلوباً وأعمقها هدياً وأقلها تكلفاً من مثل هذا؛ فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به؟ قال {وقد وجدتموه؟} قالوا: نعم، قال {ذاك صريح الإيمان} وأحياناً تكون الوسوسة في قضية الخلق، هل للعالم خالق؟ فمن خلق الخالق؟
وهذه أيضاً يعاني منها الناس من قديم، وقد أرشدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المخرج منها، روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال: هذا خلق الله الخلق، فمن خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئاً فليقل: آمنت بالله} والسلف الصالحون رضي الله عنهم كانوا يهوِّنون من شأن خواطر السوء هذه، ويعدونها أمراً عادياً لا تستحق الوقوف عندها؛ فقد سأل أبو زحيل عبدَ الله بنَ عباس رضي الله عنهما فقال: ما شيء أجده في صدري؟ قال: ما هو؟ قلت: والله ما أتكلم به، قال: فقال لي: أشيءٌ من شك؟ قال: وضحك، قال: ما نجا من ذلك أحد، قال: حتى أنزل الله عز وجل {فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الكِتَابَ مِن قَبْلِك} فقال لي: إذا وجدت من نفسك شيئاً فقل {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}.
واعلمي ـ بُنيتي ـ أن الوسوسة لا يؤاخذك الله بها؛ لأنها بسبب خارج عن إرادتك؛ وقد قال الله تعالى {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} وقال {لا نكلف الله نفساً إلا وسعها} وقال {لا تكلف نفس إلا وسعها} وقال {لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها} وقال {فاتقوا الله ما استطعتم} وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال {إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تكلم} وهذا في الحالات العادية فكيف بالمبتلى بالوسواس، الذي لا يملك له دفعاً إلا أن يشاء الله رب العالمين. فلا يهولنك ما تجدين في نفسك، واعلمي بأن الوسواس ما تسلط عليك إلا لكونك مؤمنة بالله واليوم الآخر.
وعليك ـ بُنيتي ـ أن تكثري من ذكر الله وتلاوة القرآن والمشاركة في المجالس الطيبة ومعاشرة الصالحين من عباد الله، والجئي إلى الله بالدعاء ليعافيك مما أنت فيه، وأسأل الله تعالى لك شفاء عاجلاً غير آجل.
الشيخ عبدالحي يوسف
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: صلى الله علیه وسلم رضی الله
إقرأ أيضاً:
عضو مركز الأزهر العالمي للفتوى: العبادة يجب أن تكون في حدود القدرة دون تحميل
قال الشيخ السيد عرفة، عضو مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، إن الشخص إذا لم يكن معتادًا على التسبيح مائة مرة يوميًا، فقد يجد صعوبة في الاستمرار عليه، حيث يبدأ بحماس في البداية، ثم يفقد قدرته على المواصلة، لذلك، من الأفضل أن يبدأ المسلم تدريجيًا بأذكار قليلة ثم يزيدها مع الوقت، بدلًا من أن يبدأ بكم كبير لا يستطيع الاستمرار عليه.
وأضاف السيد عرفة خلال حواره ببرنامج صباح البلد المذاع على قناة صدى البلد، إذا لم يكن الإنسان معتادًا على قراءته يوميًا، فمن الأفضل أن يبدأ بقراءة صفحة أو بضع صفحات بتدبر وفهم، بدلًا من أن يحمل نفسه قراءة أجزاء كبيرة قد لا يستطيع الالتزام بها على المدى الطويل.
واستشهد بحديث النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: "أكلفوا من العمل ما تطيقون"، ليؤكد أن الإسلام لا يدعو إلى التشدد في العبادات، بل إلى الالتزام بما يمكن للإنسان المواظبة عليه دون مشقة.
وتحدث عن موقف من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم حين دخل المسجد ذات يوم، فوجد حبلًا مربوطًا بين ساريتين، فسأل عنه، فقيل له إنه للسيدة زينب، حيث كانت تمسك به أثناء الصلاة حتى لا تسقط من شدة التعب، فطلب النبي فكّه، وقال:"ليصلِّ أحدكم نشاطه، فإذا فتر فليجلس وليذكر الله"، في إشارة إلى أن العبادة يجب أن تكون في حدود الطاقة والقدرة، دون تحميل النفس ما لا تحتمل.