جريدة الرؤية العمانية:
2025-04-10@01:14:43 GMT

لا حياة لمن تنادي

تاريخ النشر: 9th, July 2024 GMT

لا حياة لمن تنادي

 

 

د. إبراهيم بن سالم السيابي *

قد أسمعت لو ناديت حيًّا *** ولكن لا حياة لمن تنادي

ولو نار نفخت بها أضاءت *** ولكن أنت تنفخ في رماد

هذه الأبيات اشتهر به الشاعر عمرو بن معد يكرب بن ربيعة الزبيدي، الذي عاش في الفترة بين عامي 525-642هـ، والذي تتوافق أبياته لكي تقال فيمن لا فائدة فيه ولا رجاء.

هذه هي حال العرب والمسلمين من أحداث غزة بعد أكثر من 200 يوم من عدوان غاشم يتعرض له هذا القطاع الباسل، هذا العدوان فيه من الفظاعة والقتل والتنكيل ما لم يخطر ربما على بال بشر، إبادة جماعية للمدنيين العزل من أطفال ونساء وشيوخ وتجويعهم وترويعهم وتدمير كامل لأماكن معيشتهم من قرى ومدن ومستشفيات ومدارس وجامعات ودور عبادة وتدمير كامل لكافة البنية التحتية والمرافق.

جريمة مستمرة بشكل يومي ومكتملة الأركان أمام مرأى الناظر وعدسات قنوات العالم بأسره دون أن يهتز لهم طرف أو ترمش لهم عين.

ومُنذ بداية العدوان كتب من كتب، ونادى من نادى، ولكن لا حياة لمن تنادي.

1- قلنا واستجرنا بنخوة الدين والإسلام وأنَّ المسلم أخو المسلم، وكذلك ضرورة الدفاع عن المقدسات الإسلامية وبيت المقدس الذي بارك الله حوله، وأنَّه أولى القبلتين وثالث الحرمين وثالث المساجد التي تشد إليها الرحال، كما قال رسولنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وذكرنا بأنَّ هذا الشعب يدافع عن مقدساته ولكي تبقى كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا هي السفلى، ولكن لا حياة لمن تنادي.

2- قلنا واستجرنا بنخوة العروبة وبأنَّ هؤلا عرب يُقتلون ويُبادون ويهجرون هم أبناء عمومتكم فهم عرب مثلكم في اللغة والتاريخ والمصير، ولكن لا حياة لمن تنادي.

3- قلنا واستجرنا بنخوة الجيرة، فهؤلا هم جيرانكم وما يحل عليهم اليوم قد يحل عليكم غدا وكذلك النبي صلى عليه وسلم أوصى بسابع جار، ولكن لا حياة لمن تنادي.

4- قلنا واستجرنا حتى بحمية الجاهلية وذكرناكم موقعة ذي قار، وهناك مواقع أخرى، من تاريخ العرب في أيامهم الخوالي، وذكرنا على سبيل المثال موقعة ذي قار، عندما أراد ملك الفرس أن يتزوج امرأة عربية غصبًا عن أبيها وقتله غدرًا وعدوانًا، وطلب من إحدى القبائل التي كان قد وضعها أبوها لديهم أمانة تسليمها له فرفضت تلك القبيلة وأعلن عليها الفرس الحرب، وانتفضت قبائل العرب مع تلك القبيلة لمساندتها ضد ظلم وبغي الفرس، في موقعة ذي قار هزم الجيش الفارسي آنذاك ذو القوة في العدد والعتاد؛ فعرب الجاهلية انتفضوا وتوحَّدوا رغم ضعفهم في ذلك الوقت، ووقفوا أمام جيش صنديد لا يُقهر من أجل شرف امراة عربية واحدة، فكيف لم تنتفضوا، أين نخوتكم؟ أين كبرياؤكم؟ وقد تجاوز عدد من قتلوا من النساء من العرب والمسلمات في حرب الإبادة هذه عشرات الآلاف وتجاوز ذلك العدد من الأطفال والشيوخ وأنتم عددكم بالملايين، ولديكم ما لديكم من العدة والعتاد، ولكن لا حياة لمن تنادي.

5- قلنا واستجرنا بضمائر القادة والإرادات السياسية وأحرار هذا العالم، لكي لا تستباح الأخلاق والقيم وتسود روح العدالة؛ فوجدنا دولاً بأسرها باعت الأخلاق والقيم لكي ترضي قيادات سياسية لا حول لها ولا قوة، مسيطر عليها من قبل عصابات الشر والإجرام، وبدلًا من أن تقف هذه الدول مع الحق والعدل وجدناها تُساند هذا الكيان الغاصب المُجرم، وتقف معه وتمده بالمال والسلاح، وكل ما أوتيت من قوة، وتساند وتقف معه كذلك حتى في أضعف الإيمان بأن يدان هذا الكيان بمجرد إدانه بقرارات لا تسمن ولا تغني من جوع في منظمات ما يعرف بمجلس الأمن وغيرها من منظمات تطبِّق أجندات ورغبات دول قوى الشر والبغي؛ وبالتالي لا حياة لمن تنادي لضمائر وأحرار قادات دول العالم.

ولكن رغم هذا الخذلان، ورغم الألم، ورغم وجع الفقد لعزيز أو لدار ظلت تُبنى سنين من تعب وشقى، رغم برد الشتاء وحر الصيف وبأعداد تتجاوز المليونين وهو مشردون بلا مأوى وهو يهيمون في الشوارع ويُقصَفون بلا رحمة بمختلف القذائف من طائرات وسفن ودبابات، وبلا ماء أو طعام لمدة قاربت العشرة أشهر، وارتقع فيها عدد شهدائهم الذين ارتقوا إلى ربهم بعدد اقترب من 39 ألف قتيل وأضعاف من الجرحى والمصابين.

ورغمًا عن ذلك، فإن إرادة الشعب الفلسطيني انتصرتْ بحمدالله، وأصبحت قضيته على كل لسان في هذا العالم، وأصبحت دولة فلسطين واقعًا لا يمكن إنكاره، وأمر تصفية القضية الفلسطينية بمؤمرات وصفقات مخزية أصبح من الماضي، بل إنَّ شعوب العالم انتفضتْ كذلك بفضل الله وصمود هذا الشعب وتضحياته الجسام، وذهبت للتظاهر في الشوارع في المدن والقرى والجامعات، واعترفت هذه الشعوب بدولة فلسطين ورفعت أعلام دولة فلسطين غصبًا عن اتجهات ورغبات قيادتها السياسية في بعض الأحيان.

لقد سجَّل التاريخ شجاعة وقوة إرادة شعب صمد أمام آلة الطغيان بمساندة واضحة وفاضحة من القوى العظمى لمدة أكثر من 200 يوم، دون أن ينكسر رغم أنه قدم سيلا من دماء الشهداء.

وفي الختام.. أيها العرب والمسلمون لقد سنحت لكم الفرصة لكي يُسجل لكم التاريخ هذا الموقف وتقفوا مع إخوانكم في الدين واللغة، لكنكم مع الأسف خذلتموهم فنصرهم الله. وهنا لا يفوتني أن أعبر عن فخري واعتزازي بموقف بلادي الشجاع -حكومة وشعبا- والنابع من قيمها ومبادئها الثابتة، والذي يقف مع الحق والمتمثل أولاً في إنهاء هذا العدوان الغاشم، ومن ثم إنهاء الاحتلال وعودة الأراضي المغتصبة، وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشريف، وكذلك أسجل كلمة شكرا إلى هذا المنبر جريدة "الرؤية " منبر الأحرار والشرفاء الذي تخط فيه أقلامهم من أجل مساندة ومناصرة قضية هذا الشعب المظلوم الذي يطالب بحقه في العيش في أرضه بحرية وكرامة، وأنْ لا تندس مقدساته الدينية الشريفة.

* خبير في الشؤون المالية

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

صفقة ترامب – إيران: فرصة أم فخ؟

#صفقة #ترامب – #إيران: #فرصة أم #فخ؟
بقلم: أ.د. محمد تركي بني سلامة

في لحظة دولية شديدة الحساسية، ومع تصاعد التوترات في المنطقة، خرج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتصريح مثير للانتباه، معلناً عن وجود محادثات مباشرة مع إيران بشأن برنامجها النووي. هذه التصريحات، التي جاءت وسط تطورات إقليمية معقدة، تفتح الباب واسعاً أمام جملة من الأسئلة العميقة حول طبيعة هذه المحادثات، وحدودها، وأهدافها، والأطراف التي قد تدفع ثمنها.

ما يثير القلق في هذا المشهد ليس فقط العودة المحتملة إلى طاولة التفاوض، بل السياق الذي تجري فيه هذه المحادثات. إذ تأتي في وقت باتت فيه إيران أقل رسوخاً في نفوذها الإقليمي، وأقل جرأة في سياساتها التوسعية، مدفوعة بخطاب ديني وشعارات ثورية، لكنها في الجوهر تُحركها عقلية براجماتية انتهازية تضع مصالحها القومية فوق كل اعتبار. لا تتردد إيران في تغيير خطابها وتبديل تحالفاتها إن اقتضت الضرورة، طالما أن النتيجة النهائية تصب في تعزيز نفوذها وتثبيت هيمنتها على مفاصل القرار في عواصم عربية عدة.

إن تجربة العرب مع إيران منذ الغزو الامريكي _البريطاني للعراق عام ٢٠٠٣ وحتى اليوم لم تكن سوى سلسلة من التدخلات والانقلابات والتمددات الطائفية، بدءاً من العراق الذي بات مسرحاً للميليشيات الموالية لها، مروراً بسوريا حيث دعمت نظاماً قمعياً ضد شعبه، ووصولاً إلى اليمن ولبنان، حيث تلعب طهران دوراً مباشراً في تفكيك مؤسسات الدولة لصالح أذرعها المسلحة.

مقالات ذات صلة الاحتلال يصدر أوامر بإغلاق مدارس الأونروا بمخيم شعفاط / فيديو 2025/04/08

في ضوء هذه التجربة المريرة، فإن أي صفقة قد تبرم بين واشنطن وطهران يجب أن تُقرأ بحذر شديد. لا يمكن الوثوق بأن طهران، في لحظة ما، ستتخلى عن مشروعها الإقليمي مقابل رفع بعض العقوبات أو الإفراج عن أموال مجمدة. فالتجربة أثبتت أن إيران تعرف كيف تشتري الوقت، وتُراوغ، وتُوقع ثم تُخالف، دون أن تدفع ثمناً حقيقياً.

ومن هنا، فإن التخوف المشروع لدى الدول العربية، والخليجية خصوصاً، هو أن تكون هذه الصفقة الجديدة – إن تمت – مجرد “تفاهم نووي” ضيق يُغفل عن قصد الأبعاد الأوسع للنفوذ الإيراني. وهو ما يعني إعطاء طهران مساحة إضافية للتحرك، وتخفيف الضغط عنها في لحظة مفصلية، وربما إعادة إنتاج السيناريو الكارثي الذي أفرزته اتفاقية 2015 المعروفة بخطة العمل الشاملة المشتركة.

ومع إدراكنا لطبيعة شخصية دونالد ترامب، الذي يدير السياسة الدولية بمنطق “الصفقة” و”الربح والخسارة”، فإن علينا أن نتوقع أن تكون أي تسوية مقبلة مع طهران محكومة بهذا المنطق، وليس بمنظور طويل الأمد يأخذ في الحسبان الأمن القومي العربي أو الاستقرار الإقليمي. وقد يذهب ترامب – كما فعل من قبل – إلى عقد اتفاق لا يأخذ في الحسبان إلا المصالح الأمريكية الآنية، تاركاً المنطقة من جديد عرضة للاشتعال والانقسام.

لكن وفي المقابل، يمكن لهذه اللحظة أن تتحول إلى فرصة، إن أحسن العرب قراءتها والتعامل معها. فقد تكون بداية أفول الهيمنة الإيرانية إذا ما نجحت القوى العربية في فرض حضورها على طاولة التفاوض – ولو بشكل غير مباشر – عبر أدوات الضغط الدبلوماسي والتحالفات الاستراتيجية، ومخاطبة الرأي العام العالمي بملف الجرائم والانتهاكات التي تُرتكب باسم النفوذ الإيراني.

إن صمت العرب في لحظات الحسم التاريخية كلفهم كثيراً. واليوم، نحن بحاجة إلى موقف عربي موحد، لا يُعوّل فقط على مواقف واشنطن أو غيرها، بل يبني قراره على رؤية استراتيجية، واضحة، وشجاعة، تحمي المصالح العربية وتتصدى للمشاريع العابرة للحدود.

في نهاية المطاف، لسنا ضد أي تسوية تعزز الاستقرار وتقلل من التوترات، لكننا نرفض أن تكون هذه التسوية على حساب العرب، سيادتهم، وأمنهم. فصفقة جديدة مع إيران يجب أن تعني – أولاً – كبح تمددها، لا تمكينه. ويجب أن تكون مدخلاً لتفكيك أدواتها التخريبية، لا تعزيزها.

فهل ستكون صفقة ترامب – إن تمت – فرصة لتصحيح المسار؟ أم فخاً جديداً في نفق إقليمي مظلم؟
الجواب، كما العادة، رهن بالموقف العربي.

مقالات مشابهة

  • حزب الله يثير الجدل: مستعدون للتخلي عن سلاحنا ولكن بشروط
  • حروب أوروبا ضد الجلابة في عموم أفريقا القرن التاسع عشر
  • علامات حُسن الخاتمة .. تظهر في حياة الميت ووقت الغُسل
  • صفقة ترامب – إيران: فرصة أم فخ؟
  • النظام ساقط… ولكن الظل قائم: في طقوس الإنكار وانفجارات الكذب الوجودي عند إبراهيم محمود
  • المحامي الصبيحي يكتب .. لغز هذا أم سحر مسّ العرب؟
  • المحامي الصبيحي يكتب .. لغز هذا أم ؤ؟
  • اسعار النفط تربك موازنة العراق.. رواتب الموظفين "مؤمنة" ولكن!
  • أحمد فؤاد: منتخب مصر يسير بخطوات ثابتة نحو المونديال ولكن!
  • العالم العربي.. "وعي مُزيف" و"واقع" غير مُكتشف