عقدت جامعة شريف هداية الله الإسلامية الحكومية بجاكرتا، لقاءً جماهيريًّا لفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد ‏الطيب، شيخ الأزهر الشريف، رئيس مجلس حكماء المسلمين، اليوم الثلاثاء، بمناسبة زيارة فضيلته ‏لإندونيسيا، وذلك بحضور أساتذة الجامعة وباحثيها والطلاب الإندونيسيين من مختلف الجامعات، وعدد من الوزراء والسفراء ‏ورؤساء المؤسسات الدينية، وذلك تحت رعاية السيد جوكو ودودو، رئيس جمهورية إندونيسيا.

شيخ الأزهر يصل إندونيسا في ثالث محطات جولته بجنوب شرق آسيا

وفي كلمته خلال هذا الحفل الجماهيري، والتي جاءت حول «وحدة الأمة في مواجهة التحديات»، أكَّد شيخ الأزهر رئيس مجلس حكماء المسلمين أنَّ أمتنا التي أنارت العالم كله بعد أن أطبقت عليه الظلمات ‏من كل جانب، ‏وصححت بقرآنِها الكريم ورسولِها ‏العظيم مسارَ البشرية، ‏ووضعت الإنسانيَّةَ من جديد على المَحَجَّــةِ ‏البيضاء ‏التي ليلُها ‏كنهارها لا ‏يزيغ عنها ‏إلا هالكٌ ‏- تعاني الآن -كما تعلمون- من ‏أعراض تشبه أعراض الأمراض ‏المتوطنة، لا تكاد ‏تعالج منها عرضا ‏حتى تعيا بعلاج مائة عرض وعرض.‏ والمتأمل في عظمة الحضارة ‏الإسلامية ‏وقوتها التي تأسست على العدل والإنصاف، ‏يعجب كثيرًا وهو ينظر إلى ‏ما آلت إليه الآن، وهي ‏وإن لم تكن قد آلت إلى زوال أو إلى فناء، فإنها ‏باليقين ‏قد آلت إلى شيء من الضعف والانزواء لا تكاد ‏تخطئه عيون ‏أبنائها قبل عيون الآخرين.‏

وأضاف أنَّ من مُدهشاتِ ‏هذه الحضارة أنها -حتى وهي تعاني من الهُزالِ- ‏تبعث الأمل الذي لا ‏حدود له في إعادة ‏التعافي والإحياء والتجديد.‏ إنها تشبه الجمرة المتقدة التي لا تنطفئ رغم ما يتراكم عليها ‏من ‏طبقات الرماد الكثيف بين الحين والحين ‏في تاريخها المشرق الطويل.‏ والناس لا يعلمون -حتى هذه ‏اللحظة- حضارة بقيت وثبتت على ‏وجه الزمان أربعة عشر قرنا رغم ‏الضربات القاتلة التي وجهت وتوجه ‏‏إليها - غير حضارة الإسلام والمسلمين.‏

وتابع فضيلته أنَّ هذه الحضارة ذات التاريخ المجيد تبدلت بها أقدارها اليوم؛ فصارت ‏تتسول من الغرب ‏فلسفتها وثقافتها ‏ومناهجها في التربية والتعليم والاجتماع ‏والاقتصاد، وكأن أهلها أمة همجية قادمة من مقابر ‏التاريخ، لم يكن ‏لهم -‏من قبل- عهد بعلم، ولا أدب، ولا فلسفة، ولا تشريع، ولا تاريخ، ولا ‏فنون، وكأنهم لم ‏يُعلموا الإنسانية ‏كلها، ولم تُظَلِّلها ‏بحضارة راقية في ‏الشرق والغرب قرونا طويلة.‏ إن داء هذه الأمة هو: ‏‏الفرقة والاختلاف والتنازع الداخلي، وهو ‏داء خبيث، طالما شكل نقطة ‏الضعف التي نفذ منها المستعمرون ‏لبلاد المسلمين في القرنين الماضيين، ‏‏وهو هو الداء الخبيث الذي يتسلل منه الاستعمار الغربي من جديد ‏في ‏القرن الواحد والعشرين.‏

ونبَّه شيخ الأزهر إلى أنَّ مقولة «فرق تسد»، والتي حفظناها صغارا يعاد توظيفها ‏الآن تحت لافتات صراع ‏الحضارات، ‏والفوضى الخلاقة، والعولمة، ‏ونهاية التاريخ، وغيرها من اللافتات التي ترفع هنا وهناك في بلاد ‏‏المسلمين ‏ ليُقتَلُوا تحتها، أو لِيُقاتِلَ ‏بعضهم بعضا نيابة عن المستعمر الجديد.‏ يحدث هذا والقرآن الكريم الذي ‏نردده صباح مساء، ونتسابق في ‏تحفيظه للأطفال، ونتباهى بقدرة أطفالنا ‏على حفظه واستظهاره، هذا ‏القرآن ‏الكريم يحذر المسلمين ويقرع سمعهم ليل نهار بقوله تعالى: ‏﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ ‏رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ ‏اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [الأنفال: 46].‏

كيف يَتسالَمُ ‏المسلمون ‏فيما بينهم؟

وطرح فضيلة الإمام الأكبر سؤالًا قال إنَّه يفرض نفسه على كل باحث مهموم ‏بهذا الأمر، هو: كيف يَتسالَمُ ‏المسلمون ‏فيما بينهم؟ وقال إن هذا السؤال المؤلم تطرحه الساحة الآن بصورة قاتمة، بل شديدة ‏القتامة.. ‏ويكفي أن نشير فقط إلى أن ‏خطاب الدعوة والدعاة، والذي يناط ‏به جمع الشمل، أصبح في أحيان كثيرة - ‏هو المسؤول الأول عن فرقة ‏‏المسلمين وتمزقهم، وبحيث أصبح بأس شباب المسلمين بينهم شديدا: كم ‏من ‏مذهب في ساحة الدعوة الآن ‏يقف من وراء تباغض شباب المسلمين ‏وتنابذهم وتدابرهم؟ وأين ذهبت قضايا ‏الأمة المصيرية من اهتمامات ‏‏هؤلاء الدعاة الشباب وهؤلاء الداعيات الشابات؟ ألا تستحق هذه القضايا ‏‏الكبرى حلقة واحدة من حلقاتهم ‏التي تكاد تحرم الحلال وتحلل الحرام؟

وتابع فضيلته: هل يعلم شبابنا عن القدس وعن المسجد الأقصى وما يعانيه، مثل ما ‏يعلم من خلافيات ‏الأشعرية والسلفية ‏والصوفية؟ وهل يشغل ذهنه البحث في واقع أمته مثل ما يشغله البحث في ‏قضايا ‏خلافية تافهة ولى زمانها؟ وهل يقبل على مقرراته العلمية الجامعية بمثل ما يقبل به على كتب ‏أو كتيبات ‏لهذا الداعية أو ذاك؟ بل كيف أعرض شبابنا عن فرض محتم لازم؛ هو وحدة المسلمين، ‏وتفرغ لفقه يختلط ‏فيه المندوب بالواجب ‏والمكروه بالمحرم؟

وأشار شيخ الأزهر إلى أن الفروق قد تلاشت أو كادت تتلاشى، بين الأحكام ‏الشرعية الخمسة، وانشغلت ‏الأسرة في ‏المجتمع الإسلامي بقضايا جزئية ‏لا إلزام في فعلها، وأهملت كليا قضايا محورية ذات خطر عظيم ‏في ‏شريعة ‏الإسلام، مثل: بر الوالدين والإحسان إلى الجار، وقيمة العمل ‏وقيمة الوقت والنظافة والرحمة ‏بالناس وغير ‏ذلك من الفروض الأخلاقية ‏والاجتماعية التي تراجعت إلى ذيل القائمة في ترتيب الواجبات ‏الشرعية ‏في ‏هذا الفقه الغريب.‏ وأمر آخر يدفع الأمة إلى هذا الاتجاه البائس؛ ذلكم هو محاولة ‏العبث ‏الواضح بفقه الأئمة الأربعة، وفرض ‏فقه جديد يوجب على الناس ما ‏لا يجب، ولا يعقل أن يجب، مثل: ‏التنفل قبل صلاة المغرب، أو زكاة ‏‏الفطر بنوع واحد من الحبوب لا يجزئ غيره، وهو أمر لم تعرفه جماهير ‏‏الأمة ولم تعتده مساجدهم من قبل، ‏ولم يجر عليه العمل كما يقول فقهاؤنا ‏المعتمدون.‏

ولفت فضيلته إلى أنَّ مما يجب أن نتوقف أمامه طويلا ظاهرة كفيلة بهدم المجتمع ‏الإسلامي والإتيان عليه ‏من قواعده، لو تركت ‏دون مواجهة بفقه صحيح ‏وعلم خالص صريح، تلكم هي الجرأة على التكفير والتفسيق ‏والتبديع، وما ‏يسوغه ‏هذا العبث من استباحة النفوس والأعراض والأموال.‏ وكيف يستقيم انتشار مثل هذه ‏الأفكار في أمة أجمع علماؤها وأئمتها ‏من المدارس الثلاث على المقولة ‏الذهبية، التي حفظناها في أروقة ‏الأزهر ‏ونحن طلاب صغار؛ مثل: لَا نُكفِّرُ أحدًا من أهلِ القبلةِ، وَنُصلِّي خلفَ كلِّ بَرٍّ وفاجرٍ، وَلا يُخرِجُ ‏مِن ‏الإسلامِ إلَّا جحدُ ما أَدخَله فيه، وغيرها ‏من القواعد التي ‏حفظت للأمة تماسكها ووحدتها عبر التاريخ، ‏وانطلقت ‏في معتقداتها هذه من قول النبي ﷺ في الحديث ‏الصحيح: «من صلى ‏صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ‏ذبيحتنا، فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة ‏رسوله، فلا ‏تخفروا الله في ذمته».‏

وفي ختام كلمته، دعا فضيلة الإمام الأكبر أبناء الأمة إلى الجد والعمل وأكَّد أنَّ الوقت الآن وقت جد وعمل، ‏وليس وقت خطب ومواعظ، والأمم من ‏حولنا تعمل في صمت مريب، وفي ‏تدبير ومكر شديدين، وقد مللنا ‏من ‏الكلام الذي لا يثمر عملا على أرض الواقع.‏ وأذكركم بالمقولة الذهبية لإمام دار الهجرة وإمامنا الإمام ‏مالك ‏-رضي اللَّه عنه وأرضاهُ- حين قال: أَكرَهُ الكلامَ فيما ليسَ تحتَه عملٌ.‏

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: شيخ الأزهر أحمد الطيب الإمام الأكبر الطلاب الاندونيسيين المؤسسات الدينية جمهورية إندونيسيا وحدة الأمة مواجهة التحديات الأزهر شیخ الأزهر إلى أن

إقرأ أيضاً:

معبد أتريبس بسوهاج.. يجسد روعة الحضارة المصرية القديمة

معبد أتربيس يقع عند سفح الجبل الغربي، على الضفة الغربية لنهر النيل، وهو على بعد حوالي 7 كيلو مترات جنوب غرب مدينة سوهاج، والتي كانت قديمًا إحدى المدن التابعة للإقليم التاسع من أقاليم مصر العليا وهو الإقليم الذي كانت عاصمته أخميم الواقعة بمواجهة أتريبس مباشرة على الضفة الشرقية لنهر النيل، ويمتد الموقع الأثري على مساحة حوالي 300 ألف متر مربع، وقد استمرت فترة بناء وزخرفة معبد أتريبس لأكثر من 200 عام، إذ بدأ تشييده وتزيين حجراته الداخلية في عهد الملك بطليموس الثاني عشر (81-58 و55-51 ق.م)، وهو أحد آخر ملوك أسرة البطالمة ووالد الملكة كليوباترا السابعة. في حين ترجع زخرفة الأروقة والأعمدة والجدران الخارجية المحيطة إلى عهود الملوك الأباطرة الرومان تيبريوس (14-37م)، وكاليجولا (37-41م) وكلاوديوس (41-54م)، حيث انتشرت ألقابهم ومناظرهم في مناظر المعبد، كما عُثر أيضًا – ولكن بشكل أقل- على ألقاب عدد آخر من الملوك الأباطرة الرومان، وهم فيسباسيان (69-79م)، وتيتوس (79-81م)، ودوميتيان (81-96م)، وهادريان (117-138 ق.م).

ومع انتشار الديانة المسيحية في نهاية القرن الرابع الميلادي، ودخول مرسوم الإمبراطور الروماني ثيودوسيوس الأول وجراتيان وفالنتينيان الثاني حيز التنفيذ في عام 380 قبل الميلاد، توقفت كافة طقوس العبادة في المعابد المصرية ومن بينها معبد أتريبس الذي بني إلى جواره دير للراهبات، ومن ثم أعيد استخدام بعض حجراته لتصبح بعضها ورش عمل مخصصة لصبغ المنسوجات، وفي حجرات أخرى تم العثور على أواني تخزين مطمورة في الأرضية، كما استغلت بعض المواضع الأخرى كحظائر للحيوانات أو كأماكن لأفران الفخار، بالإضافة إلى ذلك، تم في فترة لاحقة، بناء كنيسة أمام مدخل المعبد مباشرة.

وعقب الفتح الإسلامي لمصر عام 642م، تغيرت الأنشطة رويدًا رويدًا وهُجر الدير وتحولت حجرات المعبد إلى مواضع لإلقاء المخلفات، وهي المخلفات التي عثر من بينها على بقايا فخارية وزجاجية، إلى جانب بقايا حصائر وسلال ومنسوجات وأدوات وحلي، بالإضافة إلى كتابات على أجزاء من البردي. كما تم استخدام العديد من الحجرات كحظائر للأغنام والماعز، وهو ما تم الاستدلال عليه اعتمادًا على التركيز الكبير للفضلات في طبقات معينة أثناء الحفر، وفي أواخر العصر الروماني، تم بناء حظيرتين من الطوب اللبن في الفناء الغربي وفرن للخبز في الرواق الشرقي. وربما تعرض المعبد، أو على الأقل أجزاء منه، لحريق كبير حيث توجد آثاره على جدران بعض الحجرات، وفي القرون التالية امتلأ المعبد بالحطام والأحجار المتساقطة من الأسقف وأعلى الجدران والأعمدة، حتى عمق 3 أمتار في بعض الأماكن، بالإضافة إلى ذلك، تم الكشف عن قدر هائل من كسرات الحجر الجيري التي لا تعد ولا تحصى، ناتجة عن أعمال تدمير خلال فترة العصور الوسطى، إذ تم إعادة تدوير لعدد من تلك الأحجار المتساقطة، عبر إعادة النحت والتقسيم طبقًا لاحتياجات استخداماتها في مواضع جديدة.

جدير بالذكر أنه لا يوجد تاريخ محدد يمكن من خلاله أن تحديد بداية الكشف عن معالم أتربيس، لكن ربما بدأ ذلك مبكرًا، على سبيل المثال عمل بالموقع جاردنر ويلكينسون (في عام 1825م)، وونيستور لوت (1839م) والبعثة الروسية بقيادة كارل ريتشارد لِبسيوس (1845م)، إلا أن تلك الحفائر لم تكن منظمة أبدًا، إذ كانت أول حفائر عملية منظمة لمعابد أتريبس كانت بقيادة عالم الآثار الإنجليزي فلِندرز بتري واستمرت 6 أسابيع بموسم (1906م-1907م) والذي استطاع خلالها الكشف عن المعبد الرئيسي، وذلك كجزء من مشاريع المدرسة البريطانية للآثار في مصر (BSAE)، وكان هدفه هو وضع تصور لتخطيط المعبد، وهو ما نجح في تنفيذه على الرغم من قصر مدة العمل، وتم نشر النتائج التي توصل إليها في تقارير الـ(BSAE)، وبعد انتهاء الحفائر، أعاد بتري ردم المعبد للحفاظ عليه من التدهور بسبب عوامل التعرية المتعددة، وتوقف العمل بالمنطقة لسنوات كثيرة إلى أن تولى المجلس الأعلى للآثار، بقيادة المرحوم أ.د يحيى المصري، مدير عام آثار سوهاج آنذاك، مهام استكمال أعمال الحفائر للكشف عن باقي عناصر المعبد الرئيسي من عام 1981م إلى عام 1996م، وخلال تلك المدة تم إعادة حفر ثلثي المعبد فقط.

واستكمل المشروع مرة أخرى في عام 2003، وذلك عندما أطلقت جامعة توبنجن الألمانية مشروع حفائر وتوثيق وترميم لمعبد أتريبس بالاشتراك مع المجلس الأعلى للآثار، وبالاشتراك مع الألماني أ.د كريستيان لايتس، رئيس قسم المصريات بجامعة توبنجن، وكان الهدف من المشروع في جوهره هو تنفيذ حفائر أثرية، ودراسة لغوية لمعبد أتريبس وتاريخه، والذي استخدم منذ العصر البطلمي مرورًا بالعصر القبطي وصولًا للعصر الإسلامي، لذلك ركز المشروع على إعداد بحث كامل وشامل يتضمن حفظ ونشر للمناظر والنصوص المكتوبة ومراحل بناء المعبد الكبير، وهو المعبد الذي تم تكريسه للإله “مين رع” وزوجته “ربيت” وابنهما الطفل “كولنتيس”، وقد تشكل فريق العمل من عدد من المتخصصين، سواء في علم المصريات أو الصيانة والترميم أو المعماريين، من ألمانيا ومصر وبولندا وفرنسا، وكان التحدي الأكبر في ذلك الوقت هو التعامل مع ما يقرب من 400 كتلة حجرية متساقطة من الأسقف وأعلى الأعمدة والجدران، والتي يصل وزن الواحد منها لعدة أطنان، وكان لابد من نقلها خارج المعبد لاستكمال أعمال الحفائر، لذلك تم الاستعانة بفريق الإدارة الهندسية بتفتيش آثار الأقصر بقيادة الريس جمال الغصاب وفريقه، والذي نجح في رفع الكتل من المعبد، من خلال الاعتماد على المزج بين طرق الرفع التقليدية وتكنولوجيا الوسادات الهوائية. وبعد أن رفعت الكتل تم توثيقها ودراستها وتخزينها بالقرب من المعبد، وبمجرد نقلها، استأنفت أعمال الحفائر بشكل جدي في عام 2012م، وهي الأعمال التي استمرت حتى موسم 2020م وأسفرت عن الكشف عن كافة عناصر المعبد الرئيسي ومهدت لافتتاحه أمام الزوار، كما قامت البعثة المصرية الألمانية المشتركة بإعداد المعبد للزيارة عقب الانتهاء من كافة أعمال الحفائر والتوثيق والترميم. وزودته بلوحات شارحة اشتملت على تقنية الـQR. 

جدران وأسقف المعبدة مزينة بالكثير من النصوص الهيروغليفية المتميزة والمتنوعة، والتي يصل عددها حوالي 1300 نص مصاحب لمناظر المعبد الدينية والطقسية، والعديد من هذه النصوص ليس له مثيل في أي معبد آخر، ومن ثم فالأمر مفيد جدًا للمهتمين باللغة وبالديانة المصرية في تلك الفترة المتأخرة، مما يعد إضافة قوية إلى علم المصريات.

ومن بين هذه النصوص ذلك الخاص بالمعبود “مين” والموجود في رواق الأعمدة الشرقي، إذ يتألف من 110 سطرًا، ويمتد على الجدار بطول 21 مترًا، وهو في حالة حفظ أفضل من النسخ الأقدم التي ترجع إلى عصر الرعامسة، كما أن نصوص المعبد موزعة على 34 حجرة منفذة بشكل جمالي بالنقش البارز في الأماكن الداخلية والمغطاة، بالنقش الغائر في الأماكن الخارجية المفتوحة. وأضيفت طبقة من الطلاء على النقوش، سواء كانت مناظر أو كتابات هيروغليفية، حيث تم استخدام ستة ألوان أساسية؛ الأبيض (من المستخلصات النباتية) والأسود (من الصدأ) والأحمر والأصفر والأخضر والأزرق (جميعها من المستخلصات المعدنية).

وتم تكريس المعبد لثالوث أتريبس وهم “مين رع”، وزوجته “ربيت” وابنهم الطفل “كولنتيس”. عُبِد “مين رع” أيضًا في إقليم أخميم، وكان ممثلًا للخصوبة، ومن ثم يُصوَّر في هيئة بشرية ذات قضيب منتصب، فوق رأسه تاج يتألف من قاعدة تعلوها ريشتان طويلتان، وترتفع إحدى يديه إلى أعلى. أما عن “ربيت” معبودة أتريبس، فقد تمثلت في هيئة بشرية برأس أنثى الأسد، إذ عُبِدت في هذا المعبد بوصفها ابنة رع وإلهة الشمس، مثلها مثل الإلهات الأخرى المعروفة بهيئة أنثى الأسد، على سبيل المثال “سخمت”، على رأسها قرص الشمس، بالإضافة إلى حية الكوبرا التي تقوم بدور الحماية. يُصوَّر “كولنتيس” عادةً كطفل جالس وإصبعه على فمه، وشعره على النمط التقليدي لمرحلة ما قبل البلوغ (خصلة الشعر الجانبية).

وواجهة المعبد الأمامية (A) تتكون من ستة أعمدة حتحورية مدمرة الآن ولم يتبق منها إلا القليل، وكان لكل عمود من أعلى أربعة وجوه للمعبودة حتحور، كل وجه يتجه نحو واحد من الاتجاهات الأربعة، ومن أسفل كانت هناك ستائر معمارية أو جدران قصيرة تربط الأعمدة. ومن المفترض أن تكون الصالة الثانية (B) الواقعة خلف الصالة الأمامية هي صالة الأعمدة Hypostyle، لكن أعمال الحفائر لم تثبت ما يؤيد ذلك الافتراض، كما توجد صالة القرابين (C1)، وتتزين جدرانها بنقوش تظهر الإله الثور “منيفس” الذي حضر إلى المذبح. خلف ذلك توجد قاعة تاسوع الآلهة المقد (C2)، ومنها يمكن الدخول إلى قلب المعبد، حيث حجرات قدس الأقداس الثلاث (D1-D3)  والتي ترتبط كل واحدة منها بأحد معبودات ثالوث أتريبس المكرس له المعبد، ويحيط بقدس الأقداس D3 حجرات صغيرة تستخدم كمخازن لأدوات المعبد. ففي مخزن المواد (E4) كان يتم إيداع الملابس والزيوت المخصصة لطقوس العبادة .

وفي حجرة بلاد بونت وما يسمى بحجرة أرض الآلهة، نقشت مناظر لأشجار البخور والمر، وهو المكان الوحيد الذي تم العثور فيه على مثل هذه النقوش من مصر القديمة بأكملها. وتصف النصوص المصاحبة كيفية استخراج المر والبخور والزيت والخشب من الأشجار المختلفة وتقييم الجودة النسبية والتناسق والرائحة ومكان المنشأ، بالإضافة إلى وصف استخداماتها وأكثر من ذلك بكثير. لذا كانت تسمى حجرة بونت والحجرات المجاورة باسم المعمل أو المختبر، والتي وصفت في نقش على النحو التالي: “قام -أي بطليموس الثاني عشر- ببناء حجرة بونت، المزينة بالكامل بأشجار المر، لأمه العظيمة، ربيت، عين حورس في الغرب. قام بتزويد المعمل بعدد لا يحصى من الأخشاب الكبيرة ذات الرائحة الحلوة لوالده أي الإله مين رع..”.

ينفرد المعبد بوجود ميزة معمارية أخرى، تتمثل في مجموعة من ثلاث مقاصير ذات مداخل ناحية الشمال وهي K1-K3، جميعها محاط برواق الأعمدة (L1-L3)، الذي يتألف من 26 عمودًا ذات تيجان نباتية رائعة، فنحن انتهينا الآن من أعمال الكشف عن المعبد الرئيسي، وتصل أبعاده إلى 75×45 مترًا، بينما لا يزال هناك معبدان آخران تحت الرديم، لكن خلال الفترة المقبلة تستكمل البعثة أعمالها في الصيانة الدورية للمعبد وتنظيف المنطقة المحيطة به وخاصة منطقة مساكن الكهنة، وذلك بالتعاون مع مرممي وزارة الآثار في مصر.

مقالات مشابهة

  • منتدى كوالالمبور: طوفان الأقصى شرارة نهضة للأمة الإسلامية
  • دراسة: نصف السعرات الحرارية التي يحصل عليها الأطفال مصدرها الأطعمة المصنعة
  • الآلاف يتظاهرون في المجر للمطالبة بمواجهة "الآلة الدعائية" التي تعتمدها الحكومة
  • مجمع البحوث الإسلامية يطلق حملة بعنوان «أكتوبر إرادة الماضي ووعي المستقبل»
  • معبد أتريبس بسوهاج.. يجسد روعة الحضارة المصرية القديمة
  • صعدة تشهد 26 مسيرة تحت شعار “وفاء لشهيد المسلمين..ونصرة لغزة ولبنان”
  • طوفان مليوني في صنعاء وفاء (لشهيد المسلمين) ودعما لغزة ولبنان
  • بالفيديو.. إيران تعرض الصواريخ التي قصفت إسرائيل وخامنئي: ما قمنا به الحدّ الأدنى من العقاب
  • كلية الإعلام بنات جامعة الأزهر تكرم الأمين العام لرابطة الجامعات الإسلامية
  • مسيرات في 26 ساحة بصعدة وفاء لشهيد المسلمين ونصرة لغزة ولبنان