شيخ الأزهر: لا نعلم حضارة بقيت على وجه الزمان 14 قرنًا غير الحضارة الإسلامية
تاريخ النشر: 9th, July 2024 GMT
عقدت جامعة شريف هداية الله الإسلامية الحكومية بجاكرتا، لقاءً جماهيريًّا لفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، رئيس مجلس حكماء المسلمين، اليوم الثلاثاء، بمناسبة زيارة فضيلته لإندونيسيا، وذلك بحضور أساتذة الجامعة وباحثيها والطلاب الإندونيسيين من مختلف الجامعات، وعدد من الوزراء والسفراء ورؤساء المؤسسات الدينية، وذلك تحت رعاية السيد جوكو ودودو، رئيس جمهورية إندونيسيا.
وفي كلمته خلال هذا الحفل الجماهيري، والتي جاءت حول «وحدة الأمة في مواجهة التحديات»، أكَّد شيخ الأزهر رئيس مجلس حكماء المسلمين أنَّ أمتنا التي أنارت العالم كله بعد أن أطبقت عليه الظلمات من كل جانب، وصححت بقرآنِها الكريم ورسولِها العظيم مسارَ البشرية، ووضعت الإنسانيَّةَ من جديد على المَحَجَّــةِ البيضاء التي ليلُها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالكٌ - تعاني الآن -كما تعلمون- من أعراض تشبه أعراض الأمراض المتوطنة، لا تكاد تعالج منها عرضا حتى تعيا بعلاج مائة عرض وعرض. والمتأمل في عظمة الحضارة الإسلامية وقوتها التي تأسست على العدل والإنصاف، يعجب كثيرًا وهو ينظر إلى ما آلت إليه الآن، وهي وإن لم تكن قد آلت إلى زوال أو إلى فناء، فإنها باليقين قد آلت إلى شيء من الضعف والانزواء لا تكاد تخطئه عيون أبنائها قبل عيون الآخرين.
وأضاف أنَّ من مُدهشاتِ هذه الحضارة أنها -حتى وهي تعاني من الهُزالِ- تبعث الأمل الذي لا حدود له في إعادة التعافي والإحياء والتجديد. إنها تشبه الجمرة المتقدة التي لا تنطفئ رغم ما يتراكم عليها من طبقات الرماد الكثيف بين الحين والحين في تاريخها المشرق الطويل. والناس لا يعلمون -حتى هذه اللحظة- حضارة بقيت وثبتت على وجه الزمان أربعة عشر قرنا رغم الضربات القاتلة التي وجهت وتوجه إليها - غير حضارة الإسلام والمسلمين.
وتابع فضيلته أنَّ هذه الحضارة ذات التاريخ المجيد تبدلت بها أقدارها اليوم؛ فصارت تتسول من الغرب فلسفتها وثقافتها ومناهجها في التربية والتعليم والاجتماع والاقتصاد، وكأن أهلها أمة همجية قادمة من مقابر التاريخ، لم يكن لهم -من قبل- عهد بعلم، ولا أدب، ولا فلسفة، ولا تشريع، ولا تاريخ، ولا فنون، وكأنهم لم يُعلموا الإنسانية كلها، ولم تُظَلِّلها بحضارة راقية في الشرق والغرب قرونا طويلة. إن داء هذه الأمة هو: الفرقة والاختلاف والتنازع الداخلي، وهو داء خبيث، طالما شكل نقطة الضعف التي نفذ منها المستعمرون لبلاد المسلمين في القرنين الماضيين، وهو هو الداء الخبيث الذي يتسلل منه الاستعمار الغربي من جديد في القرن الواحد والعشرين.
ونبَّه شيخ الأزهر إلى أنَّ مقولة «فرق تسد»، والتي حفظناها صغارا يعاد توظيفها الآن تحت لافتات صراع الحضارات، والفوضى الخلاقة، والعولمة، ونهاية التاريخ، وغيرها من اللافتات التي ترفع هنا وهناك في بلاد المسلمين ليُقتَلُوا تحتها، أو لِيُقاتِلَ بعضهم بعضا نيابة عن المستعمر الجديد. يحدث هذا والقرآن الكريم الذي نردده صباح مساء، ونتسابق في تحفيظه للأطفال، ونتباهى بقدرة أطفالنا على حفظه واستظهاره، هذا القرآن الكريم يحذر المسلمين ويقرع سمعهم ليل نهار بقوله تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [الأنفال: 46].
كيف يَتسالَمُ المسلمون فيما بينهم؟وطرح فضيلة الإمام الأكبر سؤالًا قال إنَّه يفرض نفسه على كل باحث مهموم بهذا الأمر، هو: كيف يَتسالَمُ المسلمون فيما بينهم؟ وقال إن هذا السؤال المؤلم تطرحه الساحة الآن بصورة قاتمة، بل شديدة القتامة.. ويكفي أن نشير فقط إلى أن خطاب الدعوة والدعاة، والذي يناط به جمع الشمل، أصبح في أحيان كثيرة - هو المسؤول الأول عن فرقة المسلمين وتمزقهم، وبحيث أصبح بأس شباب المسلمين بينهم شديدا: كم من مذهب في ساحة الدعوة الآن يقف من وراء تباغض شباب المسلمين وتنابذهم وتدابرهم؟ وأين ذهبت قضايا الأمة المصيرية من اهتمامات هؤلاء الدعاة الشباب وهؤلاء الداعيات الشابات؟ ألا تستحق هذه القضايا الكبرى حلقة واحدة من حلقاتهم التي تكاد تحرم الحلال وتحلل الحرام؟
وتابع فضيلته: هل يعلم شبابنا عن القدس وعن المسجد الأقصى وما يعانيه، مثل ما يعلم من خلافيات الأشعرية والسلفية والصوفية؟ وهل يشغل ذهنه البحث في واقع أمته مثل ما يشغله البحث في قضايا خلافية تافهة ولى زمانها؟ وهل يقبل على مقرراته العلمية الجامعية بمثل ما يقبل به على كتب أو كتيبات لهذا الداعية أو ذاك؟ بل كيف أعرض شبابنا عن فرض محتم لازم؛ هو وحدة المسلمين، وتفرغ لفقه يختلط فيه المندوب بالواجب والمكروه بالمحرم؟
وأشار شيخ الأزهر إلى أن الفروق قد تلاشت أو كادت تتلاشى، بين الأحكام الشرعية الخمسة، وانشغلت الأسرة في المجتمع الإسلامي بقضايا جزئية لا إلزام في فعلها، وأهملت كليا قضايا محورية ذات خطر عظيم في شريعة الإسلام، مثل: بر الوالدين والإحسان إلى الجار، وقيمة العمل وقيمة الوقت والنظافة والرحمة بالناس وغير ذلك من الفروض الأخلاقية والاجتماعية التي تراجعت إلى ذيل القائمة في ترتيب الواجبات الشرعية في هذا الفقه الغريب. وأمر آخر يدفع الأمة إلى هذا الاتجاه البائس؛ ذلكم هو محاولة العبث الواضح بفقه الأئمة الأربعة، وفرض فقه جديد يوجب على الناس ما لا يجب، ولا يعقل أن يجب، مثل: التنفل قبل صلاة المغرب، أو زكاة الفطر بنوع واحد من الحبوب لا يجزئ غيره، وهو أمر لم تعرفه جماهير الأمة ولم تعتده مساجدهم من قبل، ولم يجر عليه العمل كما يقول فقهاؤنا المعتمدون.
ولفت فضيلته إلى أنَّ مما يجب أن نتوقف أمامه طويلا ظاهرة كفيلة بهدم المجتمع الإسلامي والإتيان عليه من قواعده، لو تركت دون مواجهة بفقه صحيح وعلم خالص صريح، تلكم هي الجرأة على التكفير والتفسيق والتبديع، وما يسوغه هذا العبث من استباحة النفوس والأعراض والأموال. وكيف يستقيم انتشار مثل هذه الأفكار في أمة أجمع علماؤها وأئمتها من المدارس الثلاث على المقولة الذهبية، التي حفظناها في أروقة الأزهر ونحن طلاب صغار؛ مثل: لَا نُكفِّرُ أحدًا من أهلِ القبلةِ، وَنُصلِّي خلفَ كلِّ بَرٍّ وفاجرٍ، وَلا يُخرِجُ مِن الإسلامِ إلَّا جحدُ ما أَدخَله فيه، وغيرها من القواعد التي حفظت للأمة تماسكها ووحدتها عبر التاريخ، وانطلقت في معتقداتها هذه من قول النبي ﷺ في الحديث الصحيح: «من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا، فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله، فلا تخفروا الله في ذمته».
وفي ختام كلمته، دعا فضيلة الإمام الأكبر أبناء الأمة إلى الجد والعمل وأكَّد أنَّ الوقت الآن وقت جد وعمل، وليس وقت خطب ومواعظ، والأمم من حولنا تعمل في صمت مريب، وفي تدبير ومكر شديدين، وقد مللنا من الكلام الذي لا يثمر عملا على أرض الواقع. وأذكركم بالمقولة الذهبية لإمام دار الهجرة وإمامنا الإمام مالك -رضي اللَّه عنه وأرضاهُ- حين قال: أَكرَهُ الكلامَ فيما ليسَ تحتَه عملٌ.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: شيخ الأزهر أحمد الطيب الإمام الأكبر الطلاب الاندونيسيين المؤسسات الدينية جمهورية إندونيسيا وحدة الأمة مواجهة التحديات الأزهر شیخ الأزهر إلى أن
إقرأ أيضاً:
متقاعدو الأرجنتين يتظاهرون ضد تدابير التقشف التي فرضها الرئيس ميلي
تجمع عدد من المتظاهرين، بينهم متقاعدون وأعضاء ومؤيدو الأحزاب المعارضة، في العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس يوم الجمعة للاحتجاج على تدابير التقشف التي فرضها الرئيس خافيير ميلي.
اعلانبعد عام من توليه منصب الرئاسة، اتخذ ميلي سلسلة من الإجراءات المالية الصارمة لمواجهة الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد. شملت هذه الإجراءات تقليص الدعم للطاقة والنقل، وتخفيض الأجور والمعاشات التقاعدية بما يقل عن معدلات التضخم، بالإضافة إلى تسريح عشرات الآلاف من موظفي الحكومة وتعليق مشروعات البنية التحتية العامة.
أحد المشاركين في الاحتجاج، ماريا روزا ريفيرو (75 عامًا)، أكدت أن معاشها التقاعدي لا يكفي لتغطية احتياجاتها اليومية، مشيرة إلى صعوبة التنقل بسبب تكاليف وسائل النقل العامة المرتفعة.
وأضافت: "الأوضاع الاقتصادية سيئة بالنسبة لي. لا أستطيع السفر لأن المال غير كافٍ، وهذا سبب مشاركتي في الاحتجاج".
الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي يغني في فعالية ترويجية لكتابه الجديد في بوينس آيرس، الأرجنتين، 22 مايو 2024Gustavo Garello/APRelatedقرار حكومي يشعل غضب المتقاعدين في الأرجنتين ويدفعهم إلى الشوارعطلاب الأرجنتين يحتجون في بوينس آيرس ضد فيتو الرئيس ميلي على تمويل الجامعات العامةسياسات التقشف تشعل غضب العاملين في القطاع الصحي بالأرجنتينالأرجنتين تحتفل بتقاليدها.. تكريم للأجداد وفرسان الريف وتشبثّ بالقيم النبيلةتعتبر هذه الاحتجاجات رمزًا للمعاناة التي يواجهها العديد من المتقاعدين في الأرجنتين نتيجة الإجراءات التي فرضتها الحكومة، والتي شملت خفض قيمة المعاشات التقاعدية.
متظاهرون للحكومة يشتبكون مع الشرطة خارج الكونغرس بينما يناقش المشرعون مشروع قانون الإصلاح الذي يروج له الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي في بوينس آيرس، الأرجنتين، 12 يونيو 2024Gustavo Garello/APفي الوقت نفسه، أظهرت بعض المؤشرات الاقتصادية تحسنًا طفيفًا في البلاد، حيث انخفض التضخم الشهري، وزادت قيمة السندات، وتقلص الفارق بين الدولار في السوق السوداء والسعر الرسمي بنحو 44%.
فيما يخص المخاوف من الأزمة الاقتصادية، وصل مؤشر مخاطر الدولة في الأرجنتين إلى أدنى مستوياته خلال خمس سنوات، مما يشير إلى تحسن نسبي في الأوضاع المالية.
المصادر الإضافية • أب
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية بارنييه يكشف خارطة طريق مالية تتضمن ضرائب أكبر على الأثرياء وتأجيل مكاسب المتقاعدين شاهد: اشتباكات بين قوات الأمن والمتقاعدين العسكريين في بيروت الجزائر ترفع الأجور ومعاشات المتقاعدين ومنح البطالة الأرجنتينسن التقاعدالحركة والتنقلمظاهراتأزمة اقتصاديةتضخماعلاناخترنا لك يعرض الآن Next عاجل. صاروخ باليستي من اليمن يسقط في تل أبيب ويصيب 16 شخصاً بجروح طفيفة يعرض الآن Next لازاريني: قرار السويد بوقف الدعم الأساسي يعمق معاناة اللاجئين الفلسطينيين في وقت حساس يعرض الآن Next مجلس الشيوخ الأمريكي يمرر مشروع زيادة مدفوعات الضمان الاجتماعي للمتقاعدين في القطاع العام يعرض الآن Next إسرائيل تتوغل جنوبا في العمق السوري.. فما هو "حوض اليرموك" ولماذا يمثل هدفًا استراتيجيًا لتل أبيب؟ يعرض الآن Next استدعاء للسفراء وإصدار مذكرات اعتقال.. ما الذي يحدث بين بولندا والمجر؟ اعلانالاكثر قراءة القيادة المركزية الأمريكية تعلن عن تصفية "أبو يوسف" زعيم داعش في سوريا آيتان على سقف قصر السيسي ومُلْك فرعون الذي لا يفنى.. صورة الرئيس المصري تشعل مواقع التواصل ألمانيا: قتيلان على الأقل وعشرات الجرحى في عملية دهس بسوق عيد الميلاد واعتقال مشتبه به سعودي الجنسية إصابة شاب بنيران الجيش الإسرائيلي خلال مظاهرة في ريف درعا السورية بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية.. هل تعلم أن للأسد 348 اسمًا؟ اعلانLoaderSearchابحث مفاتيح اليومهيئة تحرير الشام ضحايابشار الأسدسورياأبو محمد الجولاني الحرب في سوريااعتداء إسرائيلقطاع غزةعيد الميلادألمانياإسرائيلالصراع الإسرائيلي الفلسطيني الموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactPress officeWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2024