زهير سوكاح*

 

في سنة 2023، طرحت مجلّة Memory Studies Review المُتخصّصة في دراسات الذاكرة سؤالًا مفتوحًا حول إمكانية أن يكون الذكاء الاصطناعي هو المستقبل المحتمل للذاكرة الثقافية، حيث شهد عالمنا المُعاصر تحوّلًا هائلًا نحو رقمنة المعلومات واستخدام الذكاء الاصطناعي في جميع مناحي الحياة الإنسانية التي تمكن معاينتها حتى ضمن مجال الذاكرة، سواء في بُعديها الفردي أو الجمعي.

ويبدو أنّ لهذا التحوّل آثاراً عميقة على الذاكرات الثقافية من خلال قدرة الذكاء الاصطناعي غير المسبوقة على جمع وتنظيم كمّيات هائلة من البيانات الضخمة ومعالجتها وإنشاء سجلّات رقمية وتخزينها لوقت الحاجة؛ فعلى سبيل المثال، جرى في الولايات المتّحدة، عقب جائحة كورونا، اللجوء إلى الذكاء الاصطناعي لإنشاء نصب تذكاري افتراضي لضحايا الوباء. ونظرًا لكون جمْع صور جميع الضحايا كان شبه مستحيل، فقد جرى استخدم الذكاء الاصطناعي في مشروع واعد لإنشاء صور تمثيلية لكلّ ضحية بناءً على بياناتها الشخصية المتاحة.

وفي هذا السياق، يتطلّع المؤرّخ وولف كانستينر إلى ظهور ما يسمّيه GPThistory، على غرار برنامج الذكاء الاصطناعي الشهير GPT، ليصبح في نظره مُساعدًا فعليًا لإنتاج المعرفة التاريخية. وهذا ما يجعلنا نتساءل: إلى أيّ مدى يُمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي المستجدّة والتعلّم الآلي الواعد أن تساعد العلوم الإنسانية والاجتماعية في التغلّب على بعض الثغرات المنهجية التي تُواجهها هذه العلوم عند محاولتها فهم ظواهر الذاكرة الاجتماعية والثقافية واستكشاف دينامياتها؟

من المهمّ استخدام هذه الأدوات بمسؤولية والاعتراف بحدودها

ومع ذلك، فمن المهمّ استخدام هذه الأدوات بمسؤولية والاعتراف بحدودها، لا سيما تجاه مجال الخصوصية الفردية؛ ذلك أنّ الذكاء الاصطناعي والتعلّم الآلي يتعلّمان من البيانات التي يجرى تدريبهما عليها. وإذا كان جزء من هذه البيانات مُعيبة سياسيًا أو أخلاقيًا، فقد يُؤدّي هذا إلى التوصّل أيضًا بنتائج مُضلّلة. وهنا يتّضح أيضًا حجم التحدّيات الأخلاقية التي تُثيرها التطوّرات الحالية والمتسارعة للذكاء الاصطناعي في مجال الذاكرة الثقافية. لذا، فليس من المستغرب أنّ عددًا كبيرًا من الأبحاث قد ركّز على هذه الأبعاد الأخلاقية، كما لو أنّها نابعة من التخوّف من تحوّل الذاكرة الثقافية إلى ذاكرة خوارزمية أو آلية بالمعنى الحقيقي وليس المجازي للكلمة.

وبشكل عام، يُمكن للذكاء الاصطناعي أن يلعب دورًا مهمًّا في الحفاظ على الذاكرات الثقافية للشعوب وتعزيزها، كما يُتوقع في السنوات القادمة القليلة. لكن في نفس الوقت، يتعيّن أن نكون على دراية بالتحدّيات الأخلاقية الحالية والقادمة لاستخدام الذكاء الاصطناعي في هذا المجال، حيث إنّ أدواته تُستخدم أيضًا لتشويه الذاكرة الثقافية من خلال التركيز على محتويات ذاكرية معيّنة دون غيرها، أو من خلال التحيّز الثقافي، الذي يُعتبر حاليًا من أكبر مُشكلات الذكاء الاصطناعي؛ فذاكرة الذكاء الاصطناعي تظلّ، رغم كلّ شيء، غير كاملة وغير متوازنة، وذلك لأنّ البيانات التي يجرى استخدامها لتدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي لها زمنها ومكانها المخصوصان بها. وكلّما رجعنا إلى الماضي أو ذهبنا إلى مناطق فقيرة البيانات في العالم، قلّت البيانات المتاحة لتدريب هذه الأنظمة. وبعبارة أُخرى، فأنظمة الذكاء الاصطناعي ما هي إلّا انعكاس للبيانات التي يجرى تدريبها عليها، وإذا كانت هذه البيانات غير متوازنة، فإنّ النظام الناتج سيكون أيضًا غير متوازن.

كلُّ هذه التعقيدات تطرح على الساحة الفكرية والثقافية مجموعة من الأسئلة المفتوحة التي لا تزال قيد البحث والدراسة. ومن بين هذه الأسئلة: هل ظهور الذكاء الاصطناعي واستخداماته الاجتماعية والثقافية ستُغيّر طبيعة وعمل الذاكرة الثقافية والثقافة ذاتها؟ وبالتالي: هل الذكاء الاصطناعي مؤشّر على الذاكرة الثقافية أم مُنْتِج لها؟ أمّا السؤال الأكثر إلحاحًا بالنظر إلى سياقنا العربي الجمعي: هل تمتلك الذاكرات الثقافية العربية المرونة الكافية للتكيّف مع التحوّلات السريعة التي يفرضها الذكاء الاصطناعي وخوارزمياته المتطوّرة، وذلك من خلال مؤسّساتها وأطرها الفكرية الحالية؟

 

باحث مغربي مقيم في ألمانيا

 

 

المصدر: الوحدة نيوز

كلمات دلالية: الامم المتحدة الجزائر الحديدة الدكتور عبدالعزيز المقالح السودان الصين العالم العربي العدوان العدوان على اليمن المجلس السياسي الأعلى المجلس السياسي الاعلى الوحدة نيوز الولايات المتحدة الامريكية اليمن امريكا انصار الله في العراق ايران تونس روسيا سوريا شهداء تعز صنعاء عاصم السادة عبدالعزيز بن حبتور عبدالله صبري فلسطين لبنان ليفربول مجلس الشورى مجلس الوزراء مصر نائب رئيس المجلس السياسي نبيل الصوفي الذکاء الاصطناعی الاصطناعی فی من خلال

إقرأ أيضاً:

تقرير لـ «جي 42» و«إيكونوميست إمباكت» يسلّط الضوء على جاهزية الذكاء الاصطناعي

 

أبوظبي (الاتحاد)
أصدرت «جي 42»، بالشراكة مع مجلة إيكونوميست إمباكت، تقريراً بحثياً جديداً بعنوان «استعد، انطلق، الذكاء الاصطناعي».
ويبحث التقرير في جاهزية الأسواق الناشئة مثل أذربيجان ومصر والهند وإندونيسيا وكازاخستان وكينيا وتركيا لتبني تقنيات الذكاء الاصطناعي، كما يسلّط الضوء على الفجوات الحالية التي تعيق تبني الذكاء الاصطناعي في هذه الأسواق، ويستكشف الفرص الاجتماعية والاقتصادية الواعدة، لا سيما في المناطق التي تعاني من نقص في الخدمات.
وبحسب التقرير، تُبدي الأسواق الناشئة رغبةً كبيرة في مواكبة التطورات المتسارعة في مجال الذكاء الاصطناعي، ومع ذلك، تواجه العديد من هذه الدول تحديات كبيرة تعيق تقدمها، مثل نقص البنية التحتية المناسبة وقلة المواهب الماهرة، علاوة على ذلك، تُشكّل العوامل السياسية والاقتصادية، بما في ذلك تقلّب العملات، وعدم اليقين التنظيمي، وحالات عدم الاستقرار السياسي، عوائق رئيسية أمام جذب الاستثمار واسع النطاق في العديد من الأسواق التي شملها التقرير.
وقال بينج شياو، الرئيس التنفيذي لمجموعة «جي 42»: على غرار التحوّل الذي أحدثه اختراع الكهرباء، فإن الذكاء الاصطناعي يعد بإعادة تشكيل الاقتصادات والمجتمعات بأكملها، لكن، كما كانت الكهرباء في الماضي بعيدة المنال عن الكثيرين، فإن الذكاء الاصطناعي اليوم غير متاح للكثيرين، في جي 42، نؤمن أنه مع تحوّل الذكاء إلى خدمة أساسية من خلال الذكاء الاصطناعي، فإن مسؤوليتنا المشتركة تكمن في ضمان وصوله بشكل عادل إلى الجميع.
وأضاف: تساعدنا الأبحاث الأخيرة على فهم احتياجات الأسواق الناشئة، والفرص المتاحة في كل منها، والعقبات التي تمنع تلك الأسواق من الاستفادة من الذكاء الاصطناعي بطريقة مفيدة.
ويكشف التقرير الجديد عن تباين كبير في مدى جاهزية قادة الأعمال لتبني الذكاء الاصطناعي في الأسواق المشمولة بالاستطلاع.
واستناداً إلى آراء 700 مدير ومدير تنفيذي مشارك في اتخاذ القرارات المتعلّقة بنشر تقنيات الذكاء الاصطناعي داخل الشركات المتوسطة والكبيرة، أظهرت النتائج أن نقص البنية التحتية المناسبة يمثّل العائق الأكبر أمام التبني واسع النطاق لهذه التقنيات.
وفقاً للتقرير، أشار 20% من المشاركين في الاستطلاع إلى أن بنيتهم التحتية ليست مهيأة بالكامل لاحتضان تقنيات الذكاء الاصطناعي، على الرغم من توفّر أسس تكنولوجيا المعلومات الأساسية، فعلى سبيل المثال، أفاد 70% من المستجيبين بوجود اتصال إنترنت ثابت ومستقر، وهو عامل حيوي لتشغيل أنظمة الذكاء الاصطناعي، ومع ذلك، برزت تحديات أخرى، أهمها الوصول إلى بيانات عالية الجودة، فقد أشار 81% من المشاركين إلى محدودية أو انعدام الوصول إلى بيانات التدريب، بينما أكد 84% منهم افتقارهم إلى أنظمة الحوسبة عالية السعة الضرورية لتغذية وتشغيل أنظمة الذكاء الاصطناعي بفعالية.

مقالات مشابهة

  • الذكاء الاصطناعي يُشعل الخلاف بين ترامب وإلون ماسك
  • أول علاج للسرطان وأمراض القلب مطور من قبل الذكاء الاصطناعي
  • عبر الذكاء الاصطناعي.. "أدنوك" تخفض الانبعاثات في حقل شاه النفطي
  • سامسونج تعلن عن One UI 7.. تصميم جديد يناسب عصر الذكاء الاصطناعي
  • سامسونج تعلن عن محرك البيانات الشخصية للحفاظ على الخصوصية في عصر الذكاء الاصطناعي
  • برنامج يناقش دمج الذكاء الاصطناعي في الإعلام
  • سامسونج Galaxy S25 Ultra.. الريادة في الذكاء الاصطناعي ومستقبل الهواتف الذكية
  • الذكاء الاصطناعي في المسرح
  • تقرير لـ «جي 42» و«إيكونوميست إمباكت» يسلّط الضوء على جاهزية الذكاء الاصطناعي
  • سعر iPhone SE 4.. أرخص آيفون يدعم الذكاء الاصطناعي