الذكاء الاصطناعي.. هل هو مستقبَل الذاكرة الثقافية؟
تاريخ النشر: 9th, July 2024 GMT
زهير سوكاح*
في سنة 2023، طرحت مجلّة Memory Studies Review المُتخصّصة في دراسات الذاكرة سؤالًا مفتوحًا حول إمكانية أن يكون الذكاء الاصطناعي هو المستقبل المحتمل للذاكرة الثقافية، حيث شهد عالمنا المُعاصر تحوّلًا هائلًا نحو رقمنة المعلومات واستخدام الذكاء الاصطناعي في جميع مناحي الحياة الإنسانية التي تمكن معاينتها حتى ضمن مجال الذاكرة، سواء في بُعديها الفردي أو الجمعي.
ويبدو أنّ لهذا التحوّل آثاراً عميقة على الذاكرات الثقافية من خلال قدرة الذكاء الاصطناعي غير المسبوقة على جمع وتنظيم كمّيات هائلة من البيانات الضخمة ومعالجتها وإنشاء سجلّات رقمية وتخزينها لوقت الحاجة؛ فعلى سبيل المثال، جرى في الولايات المتّحدة، عقب جائحة كورونا، اللجوء إلى الذكاء الاصطناعي لإنشاء نصب تذكاري افتراضي لضحايا الوباء. ونظرًا لكون جمْع صور جميع الضحايا كان شبه مستحيل، فقد جرى استخدم الذكاء الاصطناعي في مشروع واعد لإنشاء صور تمثيلية لكلّ ضحية بناءً على بياناتها الشخصية المتاحة.
وفي هذا السياق، يتطلّع المؤرّخ وولف كانستينر إلى ظهور ما يسمّيه GPThistory، على غرار برنامج الذكاء الاصطناعي الشهير GPT، ليصبح في نظره مُساعدًا فعليًا لإنتاج المعرفة التاريخية. وهذا ما يجعلنا نتساءل: إلى أيّ مدى يُمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي المستجدّة والتعلّم الآلي الواعد أن تساعد العلوم الإنسانية والاجتماعية في التغلّب على بعض الثغرات المنهجية التي تُواجهها هذه العلوم عند محاولتها فهم ظواهر الذاكرة الاجتماعية والثقافية واستكشاف دينامياتها؟
من المهمّ استخدام هذه الأدوات بمسؤولية والاعتراف بحدودها
ومع ذلك، فمن المهمّ استخدام هذه الأدوات بمسؤولية والاعتراف بحدودها، لا سيما تجاه مجال الخصوصية الفردية؛ ذلك أنّ الذكاء الاصطناعي والتعلّم الآلي يتعلّمان من البيانات التي يجرى تدريبهما عليها. وإذا كان جزء من هذه البيانات مُعيبة سياسيًا أو أخلاقيًا، فقد يُؤدّي هذا إلى التوصّل أيضًا بنتائج مُضلّلة. وهنا يتّضح أيضًا حجم التحدّيات الأخلاقية التي تُثيرها التطوّرات الحالية والمتسارعة للذكاء الاصطناعي في مجال الذاكرة الثقافية. لذا، فليس من المستغرب أنّ عددًا كبيرًا من الأبحاث قد ركّز على هذه الأبعاد الأخلاقية، كما لو أنّها نابعة من التخوّف من تحوّل الذاكرة الثقافية إلى ذاكرة خوارزمية أو آلية بالمعنى الحقيقي وليس المجازي للكلمة.
وبشكل عام، يُمكن للذكاء الاصطناعي أن يلعب دورًا مهمًّا في الحفاظ على الذاكرات الثقافية للشعوب وتعزيزها، كما يُتوقع في السنوات القادمة القليلة. لكن في نفس الوقت، يتعيّن أن نكون على دراية بالتحدّيات الأخلاقية الحالية والقادمة لاستخدام الذكاء الاصطناعي في هذا المجال، حيث إنّ أدواته تُستخدم أيضًا لتشويه الذاكرة الثقافية من خلال التركيز على محتويات ذاكرية معيّنة دون غيرها، أو من خلال التحيّز الثقافي، الذي يُعتبر حاليًا من أكبر مُشكلات الذكاء الاصطناعي؛ فذاكرة الذكاء الاصطناعي تظلّ، رغم كلّ شيء، غير كاملة وغير متوازنة، وذلك لأنّ البيانات التي يجرى استخدامها لتدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي لها زمنها ومكانها المخصوصان بها. وكلّما رجعنا إلى الماضي أو ذهبنا إلى مناطق فقيرة البيانات في العالم، قلّت البيانات المتاحة لتدريب هذه الأنظمة. وبعبارة أُخرى، فأنظمة الذكاء الاصطناعي ما هي إلّا انعكاس للبيانات التي يجرى تدريبها عليها، وإذا كانت هذه البيانات غير متوازنة، فإنّ النظام الناتج سيكون أيضًا غير متوازن.
كلُّ هذه التعقيدات تطرح على الساحة الفكرية والثقافية مجموعة من الأسئلة المفتوحة التي لا تزال قيد البحث والدراسة. ومن بين هذه الأسئلة: هل ظهور الذكاء الاصطناعي واستخداماته الاجتماعية والثقافية ستُغيّر طبيعة وعمل الذاكرة الثقافية والثقافة ذاتها؟ وبالتالي: هل الذكاء الاصطناعي مؤشّر على الذاكرة الثقافية أم مُنْتِج لها؟ أمّا السؤال الأكثر إلحاحًا بالنظر إلى سياقنا العربي الجمعي: هل تمتلك الذاكرات الثقافية العربية المرونة الكافية للتكيّف مع التحوّلات السريعة التي يفرضها الذكاء الاصطناعي وخوارزمياته المتطوّرة، وذلك من خلال مؤسّساتها وأطرها الفكرية الحالية؟
باحث مغربي مقيم في ألمانيا
المصدر: الوحدة نيوز
كلمات دلالية: الامم المتحدة الجزائر الحديدة الدكتور عبدالعزيز المقالح السودان الصين العالم العربي العدوان العدوان على اليمن المجلس السياسي الأعلى المجلس السياسي الاعلى الوحدة نيوز الولايات المتحدة الامريكية اليمن امريكا انصار الله في العراق ايران تونس روسيا سوريا شهداء تعز صنعاء عاصم السادة عبدالعزيز بن حبتور عبدالله صبري فلسطين لبنان ليفربول مجلس الشورى مجلس الوزراء مصر نائب رئيس المجلس السياسي نبيل الصوفي الذکاء الاصطناعی الاصطناعی فی من خلال
إقرأ أيضاً:
الذكاء الاصطناعي يهدد شركات الأزياء
آخر تحديث: 21 نونبر 2024 - 11:01 صبغداد/ شبكة أخبار العراق- لجأت شركة الأزياء الإسبانية مانغو في حملتها الإعلانية الصيفية الموجهة للشباب، إلى عارضة أزياء رقمية اصطناعية في يوليو الماضي، فماذا كان رد فعل المشاهدين؟،أشار استطلاع للرأي أجراه معهد “أبينيو” لأبحاث السوق، إلى أن نحو 72 بالمئة من بين ألف مشارك في الاستطلاع، اعتقدوا أن العارضة والملابس في الصورة حقيقية.ويقول مايكل بيرغر المدير التنفيذي “لاستديو بيوند”، وهو مجموعة تصميم تعتمد إلى حد كبير على الذكاء الاصطناعي في إنتاج الصور: “نحن نستخدم الذكاء الاصطناعي لعملائنا كل يوم، دون أن يلحظوا ذلك”.وقد لا يكون ذلك مثيرا للدهشة حيث يتيح الذكاء الاصطناعي الكثير من المزايا للشركات، فلم تعد هناك حاجة إلى السفر إلى أماكن مختلفة من العالم لالتقاط الصور المطلوبة، لأن المسألة صارت سهلة وتحتاج فقط إلى إنشاء خلفية رقمية للصورة، الأمر الذي يوفر الوقت والمال كما يساعد على حماية البيئة. وبالنسبة للعملاء سيكون من الأوفر لهم، عدم دفع أموال مقابل استخدام عارضة أزياء من البشر.ومع ذلك فإنه لا تزال هناك في الوقت الحالي حاجة، لتصوير الملابس والإكسسوارات على جسم العارضة البشرية، حيث لا يستطيع الذكاء الاصطناعي تصويرها بشكل صحيح.وهذا يؤدي بشكل متزايد إلى استخدام ما يسمى بأجسام العارضات، حيث يتم تصوير الملابس على أجسامهن ثم استبدال رؤوسهن في وقت لاحق بشكل رقمي، ولا تزال هذه العملية مكلفة ماليا، ويقول بيرغر: “بمجرد أن يتمكن الذكاء الاصطناعي من تنفيذ هذه العملية رقميا ستصبح التكلفة أقل”. وفي كثير من الدول أصبح عالم الأزياء، يميل بشكل متزايد إلى استخدام الذكاء الاصطناعي، مثل مجموعة أوتو الألمانية، التي قالت إنها تلجأ لعارضات أنشئن عن طريق الذكاء الاصطناعي، للقيام بعروض منتجات الأزياء منذ ربيع عام 2024.وفيما إذا كانت هذه التطورات ستؤدي إلى الاستغناء عن العارضات والمصورين، يقول نوربرت هانسن رئيس مجلس إدارة رابطة وكالات عروض الأزياء المرخصة، هناك أوقات قاتمة تنتظر نشاط عروض الأزياء.ويوضح هانسن أن كثيرا من المتاجر الإلكترونية تقوم بتصوير عدد لا يحصى من الملابس كل يوم، مع التركيز على المنتج وليس على العارضة، ويقول “هذه الأفكار والعناصر يمكن أن يحل محلها الذكاء الاصطناعي بالكامل على المدى الطويل”.غير أن ماركو سينيرفو، وهو رئيس إحدى أكبر وكالات عروض الأزياء في ألمانيا، لا يتفق مع هذا الرأي، ويقول إن “الذكاء الاصطناعي خال من الجاذبية والسحر”.ويضيف أن استخدام الصور الرمزية المولدة بالذكاء الاصطناعي، يعد خطوة إلى الوراء أكثر من كونه ابتكارا، ويؤكد أنه “في عالم تشوبه السطحية وسريع الخطى بشكل متزايد، يحتاج الناس إلى صور واقعية بعيدة عن الخيال”، ويرى أن عارضات الأزياء التي يتم تصميمها إليكترونيا، توحي “بصورة للجمال بعيدة تماما عن الطابع الإنساني”.