الخرطوم– أنجبت "أمل" مولودها وهي على ظهر شاحنة هربا مع أسرتها من مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار عقب سيطرة قوات الدعم السريع على المدينة قبل 9 أيام. ولا تزال تتلقى العلاج في مستشفى القضارف عاصمة ولاية القضارف في شرقي السودان التي نزح إليها عشرات الآلاف في ظل ظروف مأساوية.

ويحكي "آدم" شقيق "أمل" أنهم خرجوا من سنجة عقب سيطرة الدعم السريع على المدينة يوم 29 يونيو/حزيران الماضي، ولم يجدوا حافلة لنقلهم بسبب هطول الأمطار وصعوبة تحرك الحافلات، فاضطروا إلى استخدام شاحنة صغيرة مع عشرات الفارين نحو القضارف.

ووفق آدم، في حديثه للجزيرة نت، فإن قوات الدعم السريع "نهبت كل ما يملكون، كما نكّلت بالمواطنين وضربتهم، ولم يسلم من بطشها حتى الأطفال والشيوخ، مما دفع غالبية سكان المدينة إلى مغادرتها".

ويضيف أنهم خرجوا من مدينتهم بملابسهم للنجاة وسط وعورة الطرق في ظل هطول الأمطار وعدم توفر الطعام ومياه الشرب والعلاج للمرضى الفارين، حتى أصيب بعضهم بالإعياء جراء الجوع والعطش.

ويقول المتحدث إن شقيقته فاجأها المخاض بمنطقة "أبو رخم" في طريقهم للقضارف، ووجدوا متطوعين ساعدوا في استدعاء "زائرة" (مولّدة) صحية بالمنطقة، لكن صحة الأم تدهورت بعد الولادة ودخلت المستشفى لدى وصولهم إلى القضارف ولا تزال تتلقى العلاج مع مولودها، مؤكدا معاينته لحالات إجهاض ونزيف لنساء حوامل.

اضطر آلاف النازحين من ولاية سنار إلى القضارف للاحتماء بالأشجار في ظل اكتظاظ مراكز الإيواء (الفرنسية) ارتفاع عدد المفقودين

ومنذ سيطرة قوات الدعم السريع على سنجة، تدافع عشرات الآلاف من النازحين صوب القضارف وكسلا والنيل الأزرق بطريقة مأساوية، حيث اضطر بعضهم للسير على الأقدام لساعات طويلة بسبب عدم توفر المركبات، وارتفاع تكاليف أجرتها.

وواصلت قوات الدعم السريع التوسع باتجاه مدن الدندر والسوكي وكركوج والمزموم، مما أدى إلى موجة نزوح واسعة، حيث يعيش آلاف بلا مأوى في القضارف بسبب الزحام داخل دور الإيواء، وعجزت السلطات والمنظمات المحلية والأجنبية عن توفير الحد الأدنى مع دخول موسم الأمطار.

ولا يزال آلاف النازحين من ولاية سنار عالقين على الطريق بين منطقتي "أبو رخم" و"المقرح" بولاية القضارف بسبب وعورة الطريق وهطول الأمطار وتعطل المركبات وعدم توفرها.

كما فقد النازحون التواصل مع ذويهم بسبب نفاد بطاريات الهواتف، في وقت تتداول فيه وسائل التواصل الاجتماعي نداءات من أسر فقدت التواصل مع ذويها منذ سيطرة الدعم السريع على سنجة.

وكشف تقرير نشره المركز السناري لحقوق الإنسان أمس الاثنين عن ارتفاع أعداد المفقودين جراء اجتياح قوات الدعم السريع مدينة سنجة إلى نحو 1300 شخص، متهمًا القوات بارتكاب انتهاكات واسعة ضد المدنيين.

وأوضح التقرير أن انقطاع الاتصالات والكهرباء وانعدام الممرات الآمنة للنزوح بعد سيطرة الدعم السريع على الطرق الحيوية بالمناطق التي يدور فيها القتال، زاد القلق على سلامة المفقودين.

وتحدث التقرير عن وقوع عشرات الوفيات نتيجة السير على الأقدام لمسافات طويلة وخاصة الأشخاص المصابين بالأمراض المزمنة وكبار السن، كاشفا عن توثيقه وفاة أشخاص غرقًا بالنيل الأزرق أثناء محاولتهم الفرار من مدينتي سنجة وأبو حجار، غالبيتهم من النساء والأطفال.

ووفقا لسلطات ولاية سنار، فإن محليات سنار وسنجة والدندر كانت تستضيف حوالي 286 ألف نازح من الخرطوم والجزيرة، وذلك قبل تصاعد المعارك مؤخرا، وأن آلاف النازحين قد يعانون من النزوح للمرة الثانية أو الثالثة.

مطابخ متحركة

وفي القضارف كشفت غرفة طوارئ الولاية عن انتشار النازحين من ولاية سنار في 30 موقعا بالمدينة، في حين اضطر أكثر من 300 شخص للاحتماء بمظلات داخل المقابر.

وبحسب إحصائيات من مبادرات تطوعية، فإن عدد النازحين الذين وصلوا من ولاية سنار إلى مدينة القضارف يتجاوز 60 ألفا بما يفوق الطاقة الاستيعابية للمدينة.

وسيّرت مبادرة "القضارف للخلاص" التطوعية مطبخا متحركا لإغاثة النازحين العالقين في الطريق من المقرح وأبو رخم إلى القضارف. ويقول عضو المبادرة نور الدين محمد الشيخ، للجزيرة نت، إنهم تمكنوا من توزيع آلاف الوجبات التي أنقذت المئات من المرضى والأطفال وكبار السن خاصة، مستعينين بمسعفين وأدوية.

ويبين محمد الشيخ أن احتياجات النازحين العالقين في الطريق تتمثل في الأدوية والغذاء وبطاريات الهواتف المحمولة أو الشواحن من أجل ربطهم بذويهم خاصة أن معظمهم الآن في عداد المفقودين بالنسبة لذويهم.

وأطلقت مفوضية العون الإنساني في القضارف (حكومية) نداءً إلى المنظمات للمساعدة لتوفير الخيام والمساعدات الإنسانية للنازحين من سنار بعدما عجزت دور الإيواء عن استيعابهم، وأعلنت حكومة ولاية القضارف، في بيان رسمي، عن استقبالها أكثر من 120 ألف نازح من الفارين من القتال بولاية سنّار، بالإضافة إلى النازحين السابقين من ولاية الجزيرة.

ويقول الناشط في العمل الطوعي بالقضارف سليمان الأحمر، للجزيرة نت، إن عدد مراكز الإيواء بولاية القضارف هو 275 مركزا موزعة على محليات الولاية الـ12 ما عدا محلية البطانة.

ويضيف الناشط أن هناك حاجة ملحة للأدوية والخيام في ظل موسم الخريف ومخاوف من تفشي أمراض الملاريا وحمى الضنك، وحذر من كارثة كبيرة يمكن أن تؤدي إلى وفيات في حال عدم التدخل العاجل.

شكوى المتطوعين

كما يعيش النازحون من مدينة سنجة ومناطق ولاية سنار الأخرى، الذين وصلوا إلى إقليم النيل الأزرق المجاور لولايتهم، أوضاعا إنسانية سيئة، حيث يقيم بعضهم في طرقات المدن وتحت ظلال الأشجار، وسط نقص حاد في الغذاء مع تدخلات إغاثية متواضعة من متطوعي غرف الطوارئ وبعض المنظمات، حسب علي الطاهر الناشط في العمل الطوعي في الدمازين عاصمة الإقليم.

ويشتكي الطاهر، في تصريح للجزيرة نت، من تقييد حركتهم بسبب قرارات الطوارئ وحظر التجوال في مدن الإقليم من السادسة مساء وحتى السادسة صباحا، وأنهم في ظل هذه الظروف لا يستطيعون خدمة النازحين في مراكز الإيواء المختلفة، مشددا على أنه ينبغي استثناؤهم من هذه الإجراءات.

من جانبه، يقول رئيس اللجنة العليا للطوارئ الإنسانية في حكومة إقليم النيل الأزرق عبد الغني خليفة للجزيرة نت إن الإقليم يستضيف 770 ألف نازح، وتم إنشاء 29 مركز إيواء جديد، بالإضافة إلى 34 مركزا سابقا تؤوي النازحين من ولايتي الخرطوم والجزيرة.

ويناشد خليفة المنظمات الإنسانية الأجنبية والوطنية زيادة المساعدات للنازحين الذين وصلوا بعد معاناة ويحتاجون للغذاء والعلاج، لأن بينهم كبار سن وأطفالا يحتاجون إلى رعاية خاصة.

وحسب إحصائيات لمنظمة الهجرة الدولية أعلنت الأسبوع الماضي، فإن أكثر من 136 ألف نازح فروا من ولاية سنار إلى ولايتي كسلا والقضارف وإقليم النيل الأزرق.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات قوات الدعم السریع الدعم السریع على ولایة القضارف من ولایة سنار النازحین من للجزیرة نت ألف نازح

إقرأ أيضاً:

تدهور مريع في الأوضاع الإنسانية في السودانية وتزايد الانتهاكات

سكاي نيوز عربية – أبوظبي/ حذرت الأمم المتحدة ومجموعات طوعية تعمل على تقديم الخدمات للسكان العالقين بمناطق القتال والنازحين في مختلف المدن السودانية من تدهور مريع للأوضاع الإنسانية في البلاد، وارتفاع حاد في معدلات الجوع والمرض وشح كبير في الخدمات، فيما أشارت منظمات حقوقية إلى تزايد كبير في الانتهاكات ضد المدنيين.

وأشارت الأمم المتحدة إلى نقص بمقدار 96 في المئة لمواجهة الأعمال الإغاثية. وقالت في بيان السبت إن الكارثة الإنسانية في السودان تحتاج إلى 6 مليار دولار لمواجهتها، لكن لم يجمع منها حتى الآن سوى 252.6 مليون دولار فقط "نحو 4.2% فقط"

كارثة ضخمة
وفقا لبيانات صادرة عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "اوشا"، فإن أكثر من 30 مليون سوداني يحتاجون لمساعدات عاجلة، و24.6 مليون شخص معرضين لمستوى عالي من انعدام الأمن الغذائي منهم 3.7 مليون طفل تحت سن الخامسة ونساء حوامل ومرضعات يحتاجون للعلاج من سوء التغذية الحاد.

وأشار البيان إلى تفشي الأمراض والأوبئة، في حين لا يزال 17 مليون طفل خارج الدراسة.

وقال محمود عبدالله وهو يعمل ضمن مجموعة شبابية تقدم خدمات العلاج والغذاء للعالقين في غرب أم درمان، إن أزمة الجوع تتزايد بشكل ملحوظ، مشيرا إلى أن 4 من كل 5 أسر تعتمد على الوجبات اليومية التي تقدمها المطابخ الخيرية "التكايا" التي تقلصت معدلات الوجبات التي تقدمها بأكثر من 70 في المئة بسبب نقص التمويل وارتفاع أسعار السلع الغذائية بنحو 40 في المئة منذ بداية رمضان بعد ارتفاعها بأكثر من 300 في المئة منذ اندلاع القتال في منتصف أبريل 2023.

وأوضح عبدالله لموقع سكاي نيوز عربية "بات مشهد طوابير الأواني الفارغة مفزعا جدا في ظل تقلص قدرة المطابخ الخيرية على تغطية كل المحتاجين الذين تتزايد اعدادهم يوما بعد الآخر".

تدهور صحي
وأدى التدهور الصحي والبيئي الكبير الذي تعيشه معظم مناطق البلاد إلى زيادة حادة في معدلات الوفيات الناجمة عن الأمراض.

وأشارت بيانات إلى تسجيل أكثر من 5 آلاف حالة ملاريا خلال الفترة ما بين يناير وفبراير في العاصمة الخرطوم، ما يعني تجاوز المرض الحد الوبائي.

كما ارتفعت حصيلة وفيات وباء الكوليرا الذي اجتاح مدينة كوستي في ولاية النيل الأبيض خلال الأسبوعين الماضيين إلى أكثر من 100.

وتفرض الأوضاع الأمنية المتدهورة ضغطا إضافيا على الخدمات الطبية، وتعيق وصول أدوية الطوارئ والأمراض المزمنة.

ويشير على حسن الذي يعمل مع مجموعة شبابية تقدم الدعم الطبي للسكان في منطقة الخرطوم بحري، إلى مخاطر كبيرة تواجه أصحاب الأمراض المزمنة بسبب النقص الحاد في الأدوية والرعاية الصحية.

ويقول لموقع سكاي نيوز عربية "يعاني كبار السن من مشكلة حقيقية في الحصول على الأدوية والمعينات العلاجية (...)يتوزع الشباب في رحلات طويلة ومحفوفة بالمخاطر للبحث عن الانسولين وأدوية الضغط لهم، لكنهم في معظم الأحيان يعودون بمحصلة صفرية بسبب النقص الحاد في الصيدليات".

ومنذ اندلاع القتال وحتى الآن خرجت نحو 80 في المئة من مؤسسات القطاع الصحي عن البلاد.

واتهمت نقابة أطباء السودان جهات أمنية باعاقة تقديم الخدمات الطبية، وقالت في بيان إن عدد من الأطباء والكوادر الصحية يتعرضون للاعتقال. وحذرت النقابة من أن الاعتقالات والانتهاكات التي ترتكب في حق الأطباء تؤثر على تقديم الخدمات الطبية للسكان الذين يعانون من ويلات الحرب وانهيار القطاع الصحي.

انتهاكات مستمرة
تتزايد الأوضاع سوءا في ظل المخاطر الكبيرة التي تواجه السكان المدنيين، بسبب الانتهاكات التي يتعرضون لها. وحتى نهاية الأسبوع الأول من مارس رصدت رحاب مبارك عضو المكتب التنفيذي لمحامي الطوارئ والشبكة السودانية لحقوق الإنسان 1890 انتهاكا ضد المدنيين شملت تصفيات وقتل جماعي بالقصف الجوي والمدفعي وإخفاء قسري واعتقالات.

وأكدت رحاب مبارك لموقع سكاي نيوز عربية أن آلاف المدنيين راحوا ضحية أعمال ارتكبها طرفا الحرب تندرج تحت طائلة الانتهاكات الصريحة للقانون الدولي.

وتوضح "يتعرض المدنيون لاعتداءات مستمرة حيث يتواصل القصف في المناطق السكنية في عدد من المدن من بينها مدينة الأبيض والتي قتل فيها 5 اشخاص يوم الأحد، وفي مدينة مدني تتواصل الاعتقالات التي طالت عدد من الأطباء والناشطين المدنيين وسط تقارير تشير إلى أوضاع سيئة في المعتقلات، كما تشهد الأحياء السكنية في عدد من احياء الخرطوم بحري عمليات نهب وانتهاكات كبيرة في حق السكان".  

مقالات مشابهة

  • مئات آلاف النازحين يعودون إلى ديارهم في السودان  
  • هذا هو الفشل الأكبر لـالدعم السريع
  • عقار : لا يوجد ما يمنع جلوسنا مع الدعــم السـريــع لكن بشرط
  • تدهور مريع في الأوضاع الإنسانية في السودانية وتزايد الانتهاكات
  • السودان.. مقتل وإصابة 30 مدنياً بقصف لقوات الدعم السريع استهدف مدينة إستراتيجية
  • قتلى وجرحى في هجوم الدعم السريع على الخوي
  • مناوي: قائد الدعم السريع هدد بإحراق الخرطوم قبل اندلاع الحرب
  • أي دور للإمارات في حرب السودان بين الجيش و”الدعم السريع”؟
  • معتقلون يكشفون عن إعدامات وتعذيب على أيدي الدعم السريع السودانية
  • العراق.. تسمم 4 أطفال بسبب “بيضة”