نازحو سنار السودانية.. أطفال يولدون بالشاحنات وعائلات تحتمي بالأشجار
تاريخ النشر: 9th, July 2024 GMT
الخرطوم– أنجبت "أمل" مولودها وهي على ظهر شاحنة هربا مع أسرتها من مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار عقب سيطرة قوات الدعم السريع على المدينة قبل 9 أيام. ولا تزال تتلقى العلاج في مستشفى القضارف عاصمة ولاية القضارف في شرقي السودان التي نزح إليها عشرات الآلاف في ظل ظروف مأساوية.
ويحكي "آدم" شقيق "أمل" أنهم خرجوا من سنجة عقب سيطرة الدعم السريع على المدينة يوم 29 يونيو/حزيران الماضي، ولم يجدوا حافلة لنقلهم بسبب هطول الأمطار وصعوبة تحرك الحافلات، فاضطروا إلى استخدام شاحنة صغيرة مع عشرات الفارين نحو القضارف.
ووفق آدم، في حديثه للجزيرة نت، فإن قوات الدعم السريع "نهبت كل ما يملكون، كما نكّلت بالمواطنين وضربتهم، ولم يسلم من بطشها حتى الأطفال والشيوخ، مما دفع غالبية سكان المدينة إلى مغادرتها".
ويضيف أنهم خرجوا من مدينتهم بملابسهم للنجاة وسط وعورة الطرق في ظل هطول الأمطار وعدم توفر الطعام ومياه الشرب والعلاج للمرضى الفارين، حتى أصيب بعضهم بالإعياء جراء الجوع والعطش.
ويقول المتحدث إن شقيقته فاجأها المخاض بمنطقة "أبو رخم" في طريقهم للقضارف، ووجدوا متطوعين ساعدوا في استدعاء "زائرة" (مولّدة) صحية بالمنطقة، لكن صحة الأم تدهورت بعد الولادة ودخلت المستشفى لدى وصولهم إلى القضارف ولا تزال تتلقى العلاج مع مولودها، مؤكدا معاينته لحالات إجهاض ونزيف لنساء حوامل.
ومنذ سيطرة قوات الدعم السريع على سنجة، تدافع عشرات الآلاف من النازحين صوب القضارف وكسلا والنيل الأزرق بطريقة مأساوية، حيث اضطر بعضهم للسير على الأقدام لساعات طويلة بسبب عدم توفر المركبات، وارتفاع تكاليف أجرتها.
وواصلت قوات الدعم السريع التوسع باتجاه مدن الدندر والسوكي وكركوج والمزموم، مما أدى إلى موجة نزوح واسعة، حيث يعيش آلاف بلا مأوى في القضارف بسبب الزحام داخل دور الإيواء، وعجزت السلطات والمنظمات المحلية والأجنبية عن توفير الحد الأدنى مع دخول موسم الأمطار.
ولا يزال آلاف النازحين من ولاية سنار عالقين على الطريق بين منطقتي "أبو رخم" و"المقرح" بولاية القضارف بسبب وعورة الطريق وهطول الأمطار وتعطل المركبات وعدم توفرها.
كما فقد النازحون التواصل مع ذويهم بسبب نفاد بطاريات الهواتف، في وقت تتداول فيه وسائل التواصل الاجتماعي نداءات من أسر فقدت التواصل مع ذويها منذ سيطرة الدعم السريع على سنجة.
وكشف تقرير نشره المركز السناري لحقوق الإنسان أمس الاثنين عن ارتفاع أعداد المفقودين جراء اجتياح قوات الدعم السريع مدينة سنجة إلى نحو 1300 شخص، متهمًا القوات بارتكاب انتهاكات واسعة ضد المدنيين.
وأوضح التقرير أن انقطاع الاتصالات والكهرباء وانعدام الممرات الآمنة للنزوح بعد سيطرة الدعم السريع على الطرق الحيوية بالمناطق التي يدور فيها القتال، زاد القلق على سلامة المفقودين.
وتحدث التقرير عن وقوع عشرات الوفيات نتيجة السير على الأقدام لمسافات طويلة وخاصة الأشخاص المصابين بالأمراض المزمنة وكبار السن، كاشفا عن توثيقه وفاة أشخاص غرقًا بالنيل الأزرق أثناء محاولتهم الفرار من مدينتي سنجة وأبو حجار، غالبيتهم من النساء والأطفال.
ووفقا لسلطات ولاية سنار، فإن محليات سنار وسنجة والدندر كانت تستضيف حوالي 286 ألف نازح من الخرطوم والجزيرة، وذلك قبل تصاعد المعارك مؤخرا، وأن آلاف النازحين قد يعانون من النزوح للمرة الثانية أو الثالثة.
مطابخ متحركة
وفي القضارف كشفت غرفة طوارئ الولاية عن انتشار النازحين من ولاية سنار في 30 موقعا بالمدينة، في حين اضطر أكثر من 300 شخص للاحتماء بمظلات داخل المقابر.
وبحسب إحصائيات من مبادرات تطوعية، فإن عدد النازحين الذين وصلوا من ولاية سنار إلى مدينة القضارف يتجاوز 60 ألفا بما يفوق الطاقة الاستيعابية للمدينة.
وسيّرت مبادرة "القضارف للخلاص" التطوعية مطبخا متحركا لإغاثة النازحين العالقين في الطريق من المقرح وأبو رخم إلى القضارف. ويقول عضو المبادرة نور الدين محمد الشيخ، للجزيرة نت، إنهم تمكنوا من توزيع آلاف الوجبات التي أنقذت المئات من المرضى والأطفال وكبار السن خاصة، مستعينين بمسعفين وأدوية.
ويبين محمد الشيخ أن احتياجات النازحين العالقين في الطريق تتمثل في الأدوية والغذاء وبطاريات الهواتف المحمولة أو الشواحن من أجل ربطهم بذويهم خاصة أن معظمهم الآن في عداد المفقودين بالنسبة لذويهم.
وأطلقت مفوضية العون الإنساني في القضارف (حكومية) نداءً إلى المنظمات للمساعدة لتوفير الخيام والمساعدات الإنسانية للنازحين من سنار بعدما عجزت دور الإيواء عن استيعابهم، وأعلنت حكومة ولاية القضارف، في بيان رسمي، عن استقبالها أكثر من 120 ألف نازح من الفارين من القتال بولاية سنّار، بالإضافة إلى النازحين السابقين من ولاية الجزيرة.
ويقول الناشط في العمل الطوعي بالقضارف سليمان الأحمر، للجزيرة نت، إن عدد مراكز الإيواء بولاية القضارف هو 275 مركزا موزعة على محليات الولاية الـ12 ما عدا محلية البطانة.
ويضيف الناشط أن هناك حاجة ملحة للأدوية والخيام في ظل موسم الخريف ومخاوف من تفشي أمراض الملاريا وحمى الضنك، وحذر من كارثة كبيرة يمكن أن تؤدي إلى وفيات في حال عدم التدخل العاجل.
شكوى المتطوعين
كما يعيش النازحون من مدينة سنجة ومناطق ولاية سنار الأخرى، الذين وصلوا إلى إقليم النيل الأزرق المجاور لولايتهم، أوضاعا إنسانية سيئة، حيث يقيم بعضهم في طرقات المدن وتحت ظلال الأشجار، وسط نقص حاد في الغذاء مع تدخلات إغاثية متواضعة من متطوعي غرف الطوارئ وبعض المنظمات، حسب علي الطاهر الناشط في العمل الطوعي في الدمازين عاصمة الإقليم.
ويشتكي الطاهر، في تصريح للجزيرة نت، من تقييد حركتهم بسبب قرارات الطوارئ وحظر التجوال في مدن الإقليم من السادسة مساء وحتى السادسة صباحا، وأنهم في ظل هذه الظروف لا يستطيعون خدمة النازحين في مراكز الإيواء المختلفة، مشددا على أنه ينبغي استثناؤهم من هذه الإجراءات.
من جانبه، يقول رئيس اللجنة العليا للطوارئ الإنسانية في حكومة إقليم النيل الأزرق عبد الغني خليفة للجزيرة نت إن الإقليم يستضيف 770 ألف نازح، وتم إنشاء 29 مركز إيواء جديد، بالإضافة إلى 34 مركزا سابقا تؤوي النازحين من ولايتي الخرطوم والجزيرة.
ويناشد خليفة المنظمات الإنسانية الأجنبية والوطنية زيادة المساعدات للنازحين الذين وصلوا بعد معاناة ويحتاجون للغذاء والعلاج، لأن بينهم كبار سن وأطفالا يحتاجون إلى رعاية خاصة.
وحسب إحصائيات لمنظمة الهجرة الدولية أعلنت الأسبوع الماضي، فإن أكثر من 136 ألف نازح فروا من ولاية سنار إلى ولايتي كسلا والقضارف وإقليم النيل الأزرق.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات قوات الدعم السریع الدعم السریع على ولایة القضارف من ولایة سنار النازحین من للجزیرة نت ألف نازح
إقرأ أيضاً:
الدعم السريع ترقص في احتفال على الجماجم والأشلاء
تحصد آلة القتل الفتاكة لمليشيا الدعم السريع أرواح الأبرياء من المدنيين والأهالي البسطاء في قرى ولاية النيل الأبيض بوسط السودان وتُسيل دماءَهم بالرصاص والقذائف المضادة للدروع التي يطلقها عليهم بصورة عشوائية جنودُ مليشيا الدعم السريع بلا رحمة وبلا تفريق بين كبار السنّ والنساء والأطفال والمرضى وذوي الاحتياجات الخاصة.
ويقول بيانٌ صادرٌ من وزارة الخارجية السودانية الثلاثاء 18 فبراير/ شباط، إن 433 مدنيًا، بينهم أطفال رضّع لقوا مصرعهم في هجمات لمليشيا الدعم السريع على قرى بولاية النيل الأبيض، فيما وصفته (بأسلوب المليشيا المعتاد في الانتقام من المدنيين العزّل في القرى والبلدات الصغيرة).
بينما تحدث هذه المشاهد المأساوية الموغلة في القتامة والبشاعة والفظاعة والفظاظة والغلظة والقسوة، يبدو مشهد سوداني آخر نقيضًا لذاك المشهد المأساوي، تدور أحداثه على خشبة مسرح آخر خارج حدود الدولة السودانية المثخنة بجراح حرب ضروس، أوقعت عشرات الآلاف من القتلى ومئات الآلاف من المصابين والمفقودين، وملايين النازحين داخل السودان، ومثلهم من اللاجئين خارج السودان.
المشهد الآخر الذي تتزامن أحداثه مع تلك الأحداث الدرامية الدامية في ولاية النيل الأبيض، هو مشهد ثُلة من السياسيين وزعماء أحزاب سودانية في منافيهم الاختيارية خارج البلاد من الموالين لمليشيا الدعم السريع والمناصرين لها سياسيًا بزعامة (حمدوك)، وهم يرقصون داخل إحدى قاعات المؤتمرات الأنيقة في كينيا، وهم مبتهجون ويهتفون فرحين بشعارات وأهازيج تمجد قائد مليشيا الدعم السريع المعروف بحميدتي الذي ارتكبت قواته تلك المجازر البشعة، وتسببت في أسوأ حرب شهدها السودان في تاريخه الحديث، من أجل الوصول إلى السلطة.
إعلانيرقص هؤلاء ويتمايلون على أنغام وألحان وأغانٍ تنبعث من بين أركان القاعة الأنيقة فرحًا واحتفاءً بما يرونه إنجازًا تحقق تتويجًا لثلاثة وعشرين شهرًا من القتل وسفك الدماء وانتهاك الأعراض والتهجير القسري وتدمير البنى التحتية، التي ارتكبت بحق مواطنيهم وأهليهم بيد حليفهم العسكري؛ الدعم السريع.
إنه (الميثاق السياسي) المحتفى به والإنجاز الذي كان مهرُه عشراتِ آلاف الجماجم والأشلاء وأنهارًا من الدم المسفوح ظلمًا بغير حق، وأحزانًا متراكبة بعضها فوق بعض تئن بها صدور ذوي الضحايا من الثكالى والأرامل واليتامى والحرائر اللاتي فقدن أغلى ما يملكن على أيدي وحوش وذئاب في ثياب بشر أتوا كما قالوا كذبًا وزورًا من أجل جلب الديمقراطية والحكم المدني بزعمهم.
الميثاق السياسي المحتفى به والذي تأجلت مراسم التوقيع عليه، سيصبح أساسًا ومرجعية لتشكيل حكومة موازية للحكومة القائمة التي عجزوا عن إزاحتها ونزع الشرعية عنها بقوة السلاح طوال أشهر الحرب، وهذا هو مبعث فرحهم وابتهاجه.
فبعد أن كان الهدف حكم السودان كله من شرقه إلى غربه، ومن شماله إلى جنوبه، انكمش هذا الهدف وتقلص ليصير مجرد حكومة افتراضية كل وزرائها خارج حدود السودان، حكومة (جوالة) بلا أرض وبلا جماهير، حكومة وزراؤها بلا أعباء حقيقية، أيديهم ملطخة بدماء الضحايا، ولا تستطيع أقدامهم أن تطأ أرض السودان خوفًا وخشية ورهبة من مصير معلوم.
حكومة موازية بلا مقاعد في المحافل الإقليمية والدولية ولا تحمل هوية ولا تاريخًا ولا ثقافة، حكومة مصنوعة وسياساتها معلّبة تخدم مصالح صانعيها ولا شأن لها بمصالح السودان وشعب السودان.
إنها متلازمة حبّ السلطة حتى وإن أتت على الجماجم والأشلاء وأنين الضحايا، لا يهم ما دامت أنها تأتي، حتى وإن جاءت محمولة على أكف أيادٍ أجنبية مردت وتمرّست على نشر الخراب والدمار والموت حيثما حلّت، فأصبح ذاك شغلها الشاغل ومهنتها التي تدفع في سبيل مزاولتها أموالًا طائلة كان يمكن أن توجّه نحو الإعمار والتنمية والبناء والازدهار، فتقوى بها صلات القربى وتوثّق عُرى الأخوّة وروابط حسن الجوار .
إعلانإن أكثر الأسئلة إلحاحًا وإلحافًا والتي تدور في أذهان السودانيين الذين تلاحقت عليهم الأرزاء، وتكالبت عليهم المصائب والمحن جراء هذه الحرب المصنوعة القادمة من وراء الحدود، ولا يجدون لها جوابًا، هي: لماذا كل ذلك؟ .. ولا جواب.
ما هي الجناية التي اقترفتها أيديهم في حق أولئك الذين يصدرون لهم الموت والدمار والخراب؟
هل من المعقول أن يكون كل ذلك من أجل التسلية؟
هل من المعقول أن يكون كل ذلك من أجل (لا شيء)؟!
ولا جواب..
ولربما الفاعل نفسه لا يعرف الجواب.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline