الأول من أغسطس ٢٠٢٣

فرنسي من اصول مالية او شادية لا اعلم بالضبط، كان أحد أصدقاء الأسافير، على الأقل حتى ليلة البارحة. محلل اخباري مهندم ومثقف.. كثيرا ما تستضيفه الفرنسية ٢٤ في شئون جنوب الصحراء، كما أنه لا يخفي ولاءً في دعمه لفاكت التي تتربص بإنجمينا من الشمال.
ما صدمني فيه، رغم أنه من عرب جنوب الصحراء، ويبدو كرجل مثقف ومتعلم وينشط في صفحته ضد الإستعمار الفرنسي.

. لكن للمفارقة ألجمتني الدهشة حينما وجدت أن صفحته قد أصبحت مُسَخّرةً عن بكرة أبيها، لدعم غزو عرب البادية الجنجويد للخرطوم. فهو ضد الاستعمار الأوروبي الغربي الذي يسلب افريقيا مواردها، لكنه على النقيض من ذلك مساند متشدد في نفس الوقت ومحرِّض للعدوان ولغزوات عرب البادية ضد الأبرياء، وهي تفتك بالأهالي في المدن والحواكير لتقتل اهلها وتسبي نساءها، وتخرج الناس من ديارهم.. وفي ذلك بلاء من ربكم عظيم.
والله إن الأمر لينعقد له اللسان أن تصادف رجلا مثقفا ومتعلما في القرن الحادي والعشرين، يمتلك الجرأة أن يجهر بمساندة غير مشروطة لأكبر جريمة نهب وسلب وتنكيل وسفكٍ للدماء، تهجير قسريّ لمئات الآلاف من المدنيين العُزًل ليس في الخرطوم ودارفور وحدهما وإنما في كافة المدن جنوبي الصحراء، في الجزائر وفي باماكو، في واقادوقو وفي بانقيه، يحدث كل ذلك العنف البدويّ والعالم في القرن الأول من الألفية الثالثة. عنفا همجياً لم يشهد الناس له مثيلا إلا في حملات الفايكينغز المتوحشين على الممالك الأوروبية، أو في غارات البرابرة والحشاشين، إبّان القرون الوسطى. الشئ الذي تمخض آخر الأمر عن إنهيار الإمبراطورية الرومانية لتغرق بعدها أوروبا في ظلام دامس.. لماذا يسعى متعلمون متأنقون بربطات عنق وبذلات أفرنجية من هذه الشاكلة، لتحويل أفريقيا الناهضة لإمبراطورية أخرى من الظلام؟!
أجبرني هذا النفاق والإزدواجية والتطفيف، والكيل بالف مكيال، لحظر الرجل، والتخلص من المنشورات التي تُروِّج في صفحته، للعدوان البربري وللجرائم المنافية للأخلاق وللإنسانية. كائنُ بهذه الإنتقائية والتطفيف لجدير بنسفه إسفيريا كعِجلِ السامريّ، رغم صداقة جمعتنا ودامت بيننا لثلاث سنوات كالحاتٍ عجاف، ليتها لم تدم ولا لليلة واحدة.
هذا الرجل ليس نسيج وحده.. لكنه نموذج لموقف الكثيرين من المثقفين العرب المجاهرين منهم والكاظمين الغيظ والعدوان، موقفهم من حريق الخرطوم ومن التنكيل بأهلها واتخاذ أهلها عبيدا وسبايا في أسواق نخاسة أقامها أوغاد في نواحي نيالا والجنينة. هذا نموذج لما يحمله العرب نحو بلادنا وأهلينا، حضرا مستنيرين كانوا، أم كانوا أجلافا غارقين في الغي والعدوان. سيّان، كانوا في افريقيا أو كانوا هناك في جزيرة العرب..
لقد كنا لغبائنا نعتقد أن ماحدث في دارفور وما يحدث اليوم في الخرطوم لا يعدو انها جريرة تولى كِبرَها بدو الصحراء من ذرارى جهينة وبذورها لما بهم من تيهٍ ومن عزلة حضارية وفظاظة حرمتهم عن فضائل الإنسانية ومابها من رافة ودماثة.. لكن يبدو انهم جميعا كعرب لا يهم متعلمين كانوا أم جهلاء، حضرا كانوا أم كانوا بدوا جوابو آفاق، اكثرهم مساندون لهذه الغزوات البربرية الجائرة، وللتنكيل الذي يتعرض له أهل السودان.
القرينة في ذلك مانراه من عجز كل دولهم، تنظيماتهم في الجامعة العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي والمجلس العالمي لعلماء المسلمين، إذ فشلوا جميعا في الجهر بتعاطفهم ومساندتهم للسودانيين في محنتهم الراهنة.. ناهيك عن إدانتهم لما يتعرض له السودان من الإجتياح والعدوان.
ربما كانت هذه السانحة على بؤسها، درسا ذي ثمن فادح كيما يتعلم الناس بعد جهل وأن يَعُوا بعد غفلة بدا أنها قد دامت طويلا، أن غزو الناس وهم آمنين في ديارهم، سلب ثرواتهم ومواردهم، الفتك بهم وإخراجهم من ديارهم واتخاذهم عبيدا وإماء إنما هو عدوان فادح لا يعتمد ذلك على ديانة المعتدين او الضحايا ولا على اعراقهم واختلاف ألسنتهم وألوانهم.. ألا ان لعنة الله على الظالمين..
كم هو مؤسف ان نُسرِفَ في الغفلة حتى اللحظة التي تُدركُ فيها النيران اطراف خيمتنا، لنكتشف كم كنا بسطاء ومغفلين ونحن ننحت من التماثيل والنُصُب، ونخط من السرديات الطويلة والقوافي، ما نمجد به غزاةً معتدين قاموا عبر التاريخ بالتنكيل بالآمنين في شتى رِقَاعِ الأرض، سلبهم بساتينهم وثرواتهم، وإخراج الناس من ديارهم واتخاذهم عبيدا وسبايا، إحراقهم واعينهم مفتوحة. كم مجدنا في تاريخنا من الغزاة والنخاسين.
إنتهى..
nagibabiker@gmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

“سي إن إن”: لماذا ستكون الحرب بين حزب الله و”إسرائيل” أكثر خطورة من السابق؟

الجديد برس:

نشرت شبكة “سي إن إن” الأمريكية تقريراً مطولاً يتناول مخاطر اندلاع الحرب الشاملة بين “إسرائيل” وحزب الله في لبنان، متناولةً الأسباب التي تجعل قيامها في الوقت الحالي أكثر خطورةً مما كان عليه في السابق.

وفي التقرير الذي أعده مراسل الشبكة في القدس المحتلة، بن ويدمان، أوضح أن “إسرئيل تخطط لتكرار المباراة منذ حربها غير الحاسمة في عام 2006، بينما كان حزب الله يستعد منذ فترة طويلة للحرب”.

بالإضافة إلى أسلحته، يمكن لحزب الله “على الأرجح نشر ما بين 40 – 50 ألف مقاتل، اكتسب عدد منهم خبرةً قتاليةً” في أثناء الحرب في سوريا، بحسب ما أوردته “سي إن إن”.

وأكدت الشبكة أن مقاتلي حزب الله “مدربون تدريباً عالياً ومنضبطاً، على عكس العديد من المنظمات الأخرى التي تخوض حروب العصابات”. وتحدث معدّ التقرير عمّا شاهده خلال حرب تموز، مشدّداً على أن المقاومين كانوا “غير معنيّين بالتبجح والتباهي، وأصروا على المغادرة على الفور من أجل سلامتنا”.

وإذ أشار التقرير إلى أن “إسرائيل” شنت ضربات خلال السنوات الماضية على أهداف مرتبطة بحزب الله في سوريا، فإنه أكد أن هذه الاستهدافات لم تستِطع تحقيق مبتغاها.

“سي إن إن” أشارت أيضاً إلى تقرير أصدرته  جامعة “ريخمان” الإسرائيلية في وقت سابق من هذا العام، عنوانه “النار الدم: الواقع المخيف الذي يواجه إسرائيل في حرب مع حزب الله”.

ولفتت الشبكة إلى أن التقرير طرح سيناريو قاتماً، يطلق فيه حزب الله ما بين 2,500 إلى 3,000 صاروخ وقذيفة يومياً ولمدة أسابيع، تستهدف مواقع عسكريةً إسرائيليةً ومستوطناتٍ مكتظة بالإسرائيليين.

في السياق نفسه، ذكرت الشبكة بأن طائرات الاحتلال الحربية قصفت مطار بيروت الدولي في الـ13 من يوليو عام 2006، بعد أقل من 24 ساعةً على بدء الحرب، متوقعةً أن يكون المطار مرةً أخرى أحد أهداف “إسرائيل” في حال اندلاع الحرب على نطاق واسع.

لكن الأمر المختلف في حال وقوع هذه الحرب هو أن حزب الله سيتمكن أيضاً من ضرب مطار “بن غوريون” في “تل أبيب”، بحسب “سي إن إن”.

وفي حين كانت حيفا المحتلة في مرمى صواريخ حزب الله في عام 2006، فمن المتوقع أن تصل صواريخه في حرب مقبلة إلى عمق أكبر بكثير في “إسرائيل”، وفقاً لها.

وفيما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط، فإن التوازن الاستراتيجي، الذي “لطالما جعل إسرائيل تتفوّق، آخذ في التغيّر”، بحسب “سي إن إن”، التي أكدت أن قوى المقاومة تضع المصالح الأمريكية والغربية في المنطقة في مرماها، نظراً لدور الولايات المتحدة ودول الغرب في دعم “إسرائيل”.

في هذا الإطار، أشارت الشبكة إلى تأكيد واشنطن لـ”إسرائيل” أنها تدعمها في حال نشوب حرب واسعة النطاق مع حزب الله، ولفتت أيضاً إلى مواصلة قوات (الحوثيين) استهداف السفن المرتبطة بالاحتلال وتلك الأمريكية والبريطانية، على الرغم من وجود أسطول بقيادة الولايات المتحدة قبالة شواطئه.

وعلى الرغم من أن المقاومة الإسلامية في العراق أوقفت استهدافاتها ضدّ القواعد الأمريكية في سوريا والعراق بعد الضربة التي أدت إلى مقتل 3 جنود أمريكيين في قاعدة “البرج 22” في الأردن، فإن هذا الأمر “قد يتغيّر إذا دخلت إسرائيل وحزب الله في حرب”.

أما فيما يتعلق بإيران، فمن المرجح أن تتدخل أيضاً في حال اندلاع الحرب ضد حزب الله، وفقاً لما رأته “سي إن إن”. وأوضحت الشبكة أن الخشية من أن تغلق طهران مضيق هرمز، الذي يمثّل نقطة الدخول إلى منطقة الخليج، قد تتحقّق، مؤكدةً أن هذه “الخطوة من شأنها أن تؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط العالمية”.

مقالات مشابهة

  • البرلمان العربي: قرار الاحتلال “شرعنة” بؤر استيطانية بالضفة الغربية انتهاك جسيم للقانون الدولي
  • دعوة ملغومة للحلفاء العرب
  • “الألكسو” تعقد ندوة علمية حول التعاون في التربية والتعليم في المجالين العربي والأفريقي
  • السفير عُمَر عبد الحميد عَدِيْل “من نبلاء الدبلوماسية السُّودانية”
  • تأملات في مواقف “تقدم” (٢)
  • “سي إن إن”: لماذا ستكون الحرب بين حزب الله و”إسرائيل” أكثر خطورة من السابق؟
  • النيابة العامة تقيم دورة “الحماية الجنائية للبيئة” لعدد من أعضاء جمعية النواب العموم العرب
  • تأجيل جديد يطال محاكمة شبكة “إسكوبار الصحراء”
  • أحلام تعلّق على إحراج أنغام: “اسمي ليس إساءة”
  • من هو “المليونير” الذي اختاره ترامب نائباً له؟