«إن لم تحصل وسائل الإعلام منك على المعلومة ستحصل عليها من غيرك»، تلك كانت أول عبارة ألقاها على أسماعنا أستاذ العلاقات العامة في الجامعة، باعتبار أن الدارسين سيكونون مصدرًا للأخبار من خلال العمل كمسؤولين اتصال ومتحدثين باسم الشركات الكبرى أو الجهات الحكومية، وتقع على عاتقهم مسؤولية توضيح الصورة بشفافية للجمهور في الأزمات دون تضخيم أو استهانة، مع شرح الأسباب وتقديم الحلول بموضوعية.

عندما تتيح المؤسسات والحكومات المعلومات للمواطنين حول أزمة ما وتصارحهم بأبعادها، تقطع بذلك الطريق على تدفق المعلومات غير الرسمية التي لا تعدو في الكثير من الأحيان كونها مجرد تكهنات منقوصة، تتحول إلى كرة من الثلج تتضخم كلما انتشرت وتؤدي إلى اتساع الهوة بين الجمهور والقائم بالاتصال، ويصبح المناخ مهيئًا لانتشار الشائعات والأخبار المغرضة التي تخدم مصالح المنافسين وتحقق أهداف الأعداء والمتربصين.

قبل ثورة 30 يونيو، كان المسؤول عن إدارة مؤسسة أو وزارة تتعامل مع الجمهور ينظر إلى الأزمات كأنها زوبعة في فنجان، ويتعامل معها بمبدأ «أميتوا الباطل بالسكوت عنه»، مع اتخاذ بعض الإجراءات التي تسكن الألم إلى حين، بينما يبقى المرض ينهش في نسيج المجتمع دون أن يعترف أحد بوجوده في الأساس، مثل أزمة الإسكان والاختناق المروري وتهميش الصعيد وازدياد البطالة وانتشار الأمراض المزمنة، والأخيرة بالتحديد كنت شاهدًا على حكايتها.

في أوائل القرن العشرين، انتشرت البلهارسيا في مصر، وخاصة في المناطق الريفية التي اعتاد سكانها على السباحة في الترع والمصارف التي تنقل العدوى، وحصد المرض الكثير من الأرواح، حكى لي جدي أن الرجال في قريتنا كانوا يذهبون إلى الوحدات الصحية لتلقي اللقاح المضاد للمرض الخطير، ويأخذون الجرعة بنفس الإبرة التي تُستخدم في أجساد معظم أهالي القرية، لكن النساء يبقين في المنازل لأن نسبة الإصابة بينهن تكاد لا تذكر، نتيجة عدم تعرضهن للمياه الملوثة بطبيعة البيئة المحيطة التي ترى من العيب نزول المرأة إلى الترعة.

وبعد سنوات قليلة، اختفت البلهارسيا من القرى، لكن نسبة الوفيات ارتفعت بشكل هائل بين الرجال بالتحديد، لا سيما الذين تلقوا لقاح البلهارسيا، كانوا يتساقطون في عز شبابهم دون أن يعرف ذووهم سبًبا منطقيًا لتدهور صحتهم فجأة ثمّ رحيلهم، مرّت الأيام وعرف الناس أن تكرار استخدام الحقن من شخص إلى آخر أدى إلى انتقال فيروس الكبد الوبائي وانتشاره بينهم، وتحول المرض إلى أزمة حقيقية تهدد صحة المصريين، بينما فضلت الحكومات- آنذاك- عدم مصارحة الشعب بمصيره المحتوم، وتجاهلت الأمر حتى لا ترهق نفسها في البحث عن حلول.

ونتيجة لغياب المعلومات الرسمية، انتشرت الأساطير في الصعيد حول أسباب زيادة الوفيات بين الرجال، ونسج الحكاؤون حكايات خيالية عن الجن وغيرته من البشر التي تدفعه إلى لعنتهم بمرض مجهول يقضي عليهم في فترة وجيزة، وكانت السيدات تخبئن مواليدهن بعيدًا عن أعين الغرباء خوفًا عليهم من الحسد، وهن لا يعلمن أن الموت يأتي من نافذة أخرى غير التي أغلقنها بإحكام، وحتى مع تطور الطب واكتشاف المرض، لم يلقَ اهتمامًا من صناع القرار، وكان الأثرياء فقط يستطيعون العلاج في الخارج لارتفاع التكلفة.

إلى أن جاء الرئيس عبد الفتاح السيسي وأدرك حجم الأزمة وقرر كعادته مواجهة الشعب بالخطر المنتشر بينهم، وكحل جذري أطلق في 2018 حملة «100 مليون صحة» لفحص ملايين المواطنين بالمجان للكشف عن مرضى التهاب الكبد (سي)، وطافت الفرق الطبية القرى والنجوع والحارات الشعبية ووصلت إلى كل مكان في ربوع المحروسة، وصرفت العلاج للمرضى دون مقابل، وخلال سنوات معدودة أصبحت مصر خالية من المرض الذي كان ثالث سبب رئيسي للوفاة.

أسلوب تعامل القيادة السياسية بعد 30 يونيو 2013 مع الأزمات أصبح نموذجًا للمصارحة الموضوعية بحجم التحديات وأسبابها والحلول اللازمة لمواجهتها وموعد انتهائها، احترامًا لحق المواطن في المعرفة، وهو ما ظهر جليًا في خطاب الرئيس السيسي في ذكرى 30 يونيو، عندما صارح الشعب المصري بالتحديات التي واجهتها البلاد، وكفاح الشعب المصري في تحمل الظروف الصعبة لتقف مصر على أرض صلبة، وتمضي على طريق التنمية والنهضة.

ضربت الحكومة الجديدة مثالًا في الشفافية واحترام المواطن، وذلك في البيان الذي ألقاه الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، أمام مجلس النواب، لطرح برنامج عمل حكومته للسنوات الثلاث المقبلة تحت عنوان «معًا نبني مستقبلًا مستدامًا»، وفيه، صارح المصريين بحجم التحديات الراهنة وطريقة التعامل معها، وحدد سقفًا زمنيًا لانتهاء أزمة الكهرباء بلاء رجعة، ووعد بضبط الملف الاقتصادي والحد من ارتفاع الأسعار والتضخم، والسيطرة على الأسواق، واستكمال مسيرة التنمية، والعمل على توفير متطلبات المواطن.

فتحت الحكومة صفحة جديدة مع المصريين، يكون فيها المواطن هو البطل الذي يعمل جميع المسؤولين في الدولة على راحته، وتحقيق أحلامه وطموحاته، وتحويلها إلى واقع ملموس يغير حياته إلى الأفضل.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: 30 يونيو الحكومة

إقرأ أيضاً:

الآلاف يتظاهرون في المجر للمطالبة بمواجهة "الآلة الدعائية" التي تعتمدها الحكومة

احتشد آلاف المجريين خارج مقر التلفزيون الحكومي في البلاد يوم السبت، احتجاجاً على ما وصفوه بـ”الآلة الدعائية“ الحكومية وطالبوا بوجود وسائل إعلام حكومية مستقلة.

اعلان

يقول المحتجون، من حزب "تيسا" المعارض، إن هيئة الإذاعة والتلفزيون الحكومية MTVA تبث دعاية متحيزة، ذلك أنه لا يظهر فيها سوى سياسيين من حزب رئيس الوزراء فيكتور أوربان وحكومته، ومحللين يكررون روايتهم.

ويشكل حزب ”تيسا“ الذي ينتمي إلى يمين الوسط، بقيادة الوافد السياسي الجديد المتمرس في مجال الإعلام، بيتر ماغيار، أكبر تحدٍ لأوربان اليميني القومي منذ أن اكتسح السلطة في عام 2010.

تجمع الآلاف من أنصار ”تيسا“ في بودابست، ملوحين بالعلم الوطني ولافتات مكتوب عليها ”أوقفوا الدعاية“، وهتفوا بعبارات ”لسنا خائفين“ و”لقد طفح الكيل“ في آخر تجمع جماهيري دعا إليه ماغيار.

وتوجّه ماغيار للحشد قائلاً: ”لقد طفح الكيل من الخبث والأكاذيب والدعاية، لقد نفد صبرنا"، مضيفاً: "ما لدينا اليوم كوسائل إعلام في المجر هو فضيحة عالمية، لقد طفح الكيل".

رئيس حزب تيسا المعارض المجري بيتر ماغيار يتحدث خلال مظاهرة الحزب ضد وسائل الإعلام العامة في مقر MTVA في بودابست، المجر، السبت 5 أكتوبر، 2024. Szilard Koszticsak/MTI via AP

ويحظى حزب "تيسا"، الذي يرمز إلى Tisztelet es Szabadsag (الاحترام والحرية)، بتأييد 39% من الناخبين، مقارنة بـ 43% لحزب فيدس الذي يتزعمه أوربان، وفقًا لاستطلاع للرأي نشرته شركة ميديان لاستطلاعات الرأي الشهر الماضي. فيما من المقرر إجراء الانتخابات القادمة في أوائل عام 2026.

وقد وعد ماغيار، مستفيدًا من إحباط الناخبين المتزايد من أوربان، وفي وقت يخرج فيه الاقتصاد من أزمة التضخم، بالقضاء على الفساد وإعادة بناء وسائل الإعلام العامة واستعادة الضوابط والتوازنات الديمقراطية، التي يقول المنتقدون إنها تآكلت في عهد أوربان.

Relatedبعد تهديد المجر بنقل المهاجرين إلى بروكسل.. المفوضية الأوروبية: خرقٌ لقانون الاتحاد الأوروبيبعد رفض إسبانيا العرض المجري لشراء شركة "تالجو".. بروكسل تبدي تأييداً ضمنياً للخطوة الإسبانيةقطاع الصناعة في المجر يواجه أسوأ أداء لعام 2024 مع انخفاض بنسبة 6.4٪ في يوليو

وفي حين أن وسائل الإعلام العامة تعمل في المقام الأول كناطقة باسم الحكومة، فإن وسائل الإعلام الخاصة يسيطر عليها إلى حد كبير حلفاء حزب فيدس الذي يتزعمه أوربان. وقد نفت الحكومة تقويض حرية الصحافة.

وقد أشارت مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بحرية الرأي والتعبير إيرين خان إلى أن هناك ”بيئة إعلامية مشوهة في المجر حيث يجري التشكيك في تعددية وسائل الإعلام وتنوعها واستقلاليتها“.

شارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية النمسا على خطى المجر وجمهورية التشيك.. انتخابات برلمانية الأحد وتوقعات بفوز اليمين الشعبوي مستشار أوربان يثير الجدل بقوله إن المجر كانت ستفكر مرتين قبل الدفاع عن نفسها ضد روسيا ارتفاع منسوب الفيضانات في المجر يتسببّب بإغلاق الطرق وتعليق بعض خدمات النقل المجر السياسة الأوروبية فيكتور أوربان أوروبا اقتصاد ديمقراطية اعلاناخترنا لك يعرض الآن Next عاجل. حرب مستمرة: 365 يوماً من القصف على غزة ومواجهات مستعرة في الشمال وإسرائيل تتهيأ للرد على إيران يعرض الآن Next واشنطن بوست: جنديات إسرائيليات يؤكدن "نحن غير محميات" وهذا يشكل خطرًا على مهامنا يعرض الآن Next من "الأم الحنون الحامية إلى دور المتفرج".. كيف فقدت فرنسا نفوذها في لبنان؟ يعرض الآن Next هايتي: عصابة "غراند غريف" تقتل 70 شخصاً وتُجبر الآلاف على الفرار يعرض الآن Next فيضانات مفاجئة تجتاح البوسنة: تدمير واسع للبنية التحتية ومقتل 21 شخصا على الأقل اعلانالاكثر قراءة ناشطون يهاجمون مقر جامعة الدول العربية في تونس احتجاجا على موقفها من الحرب على فلسطين ولبنان الكونغو.. انقلاب قارب يسفر عن مقتل العشرات صدمة في النمسا.. رجل يبتر قضيبه بعد تناول فطر السيلوسيبين المخدر بين الشيعة والسنة :الفروق و المحددات حسب المصادر بوريس جونسون يتهم نتنياهو بزراعة أجهزة تنصت في حمامه الشخصي اعلان

LoaderSearchابحث مفاتيح اليومالصراع الإسرائيلي الفلسطيني إسرائيلحركة حماسحزب اللهفيضانات - سيوللبنانقطاع غزةأمطارالبوسنة والهرسكاعتداء إسرائيلمحكمةفرنسا Themes My Europeالعالمالأعمالالسياسة الأوروبيةGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامج Services مباشرنشرة الأخبارالطقسجدول زمنيتابعوناAppsMessaging appsWidgets & ServicesAfricanews Job offers from Amply عرض المزيد About EuronewsCommercial Servicesتقارير أوروبيةTerms and ConditionsCookie Policyتعديل خيارات ملفات الارتباطسياسة الخصوصيةContactPress OfficeWork at Euronewsتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2024

مقالات مشابهة

  • د. محمود الهباش يكتب: صمود الشعب الفلسطيني
  • كاتب صحفي: نصر أكتوبر شهد تضحيات غير مسبوقة من المصريين
  • مرصد بيئي: الحكومة العراقية أهملت الطائر الذي يعد رمزها الوطني
  • «ترانسفير ماركت» يكشف عن صفقة جديدة تقترب من صفوف الأهلي.. وقرار مفاجئ من سيراميكا بعد أزمة أحمد قندوسي
  • الآلاف يتظاهرون في المجر للمطالبة بمواجهة "الآلة الدعائية" التي تعتمدها الحكومة
  • كريم وزيري يكتب: طبق العشاء الذي أشعل حرب أكتوبر
  • ننشر تصريحات رئيس مجلس النواب فى جلسة افتتاح دور الانعقاد الخامس
  • البابا تواضروس: نصر أكتوبر صفحة مضيئة تجلت فيها إرادة وعزيمة المصريين
  • أهم تصريحات رئيس النواب بمناسبة افتتاح دور الانعقاد الخامس للمجلس
  • عضو بـ«النواب»: ننتظر تقدم الحكومة بمشروع قانون يحل أزمة الإيجار القديم