د. يحيى بن ربيع النهدي

(الأستاذ الجامعي - 1)

كنت جالسا مع أحد الأصدقاء الأكاديميين -الذين شقوا طريقهم بكفاح؛ ليكونوا أكفاء في العمل الأكاديمي- وقد سرد لي قصته؛ ليصل إلى أستاذ له أهميته في مؤسسته الأكاديمية، قائلا: "عندما كنت طالب دكتوراه في إحدى جامعات الدول المتقدمة كان طموحي وهدفي الأساسي من تكملة دراساتي العليا الالتحاق بسلك التدريس بمؤسسات التعليم العالي في الوطن، وعليه أردت أن أرقى لهذا المستوى بالجمع بين الشهادة والمهارات الأكاديمية؛ فطلبت من مشرفي أن أكون مساعده في محاضراته؛ فرفض طلبي قائلا لي: "أنت تفتقر إلى المهارات التدريسية، وإن كنت في طريقك للحصول على المؤهل"، فسألته عن الحل، فأجاب بأن ألتحق بدبلوم إعداد المدرسين لمدة عام كامل أو إحدى الشهادات التي تؤهل الشخص لأن يكون أكاديميا- وهي متوفرة في تلك الدولة- هذا كله فقط لأحضر محاضراته وأساعده في إعطاء بعض الدروس العامة.

وفعلا التحقت بأحد هذه البرامج في الفترة المسائية- مع التزامي بإنهاء متطلبات دراسة الدكتوراه في الفترة الصباحية -وبعد أن أنهيت هذا البرنامج جئته- وأنا سعيد بأن أبدأ مرحلة التدريس- لكنه- مع الأسف- فاجأني بأمر جديد قائلا: التدريس الجامعي مبني على البحث العلمي؛ فإن لم يكن لديك قاعدة بحثية فلن تنجح، فسألته مرة أخرى: ما الحل؟ قال: أن نشتغل في ورقة أكاديمية بحثية، على أن تُقبل وتُقدَّم هذه الورقة في مؤتمر دولي، وهذا عندهم ليس بالأمر السهل؛ فمرحلة كتابة الورقة البحثية بطريقة علمية، والبحث عن مؤتمر وقبول الورقة فيه يستغرق وقتًا لا يقل عن عام كامل. قبلت الأمر، وبدأت بكتابة ورقة بحثية لمدة 4 أشهر، وبحث هو عن مؤتمر للمشاركة بهذه الورقة، وكان في إسبانيا، وبعد قبول الورقة ذهبنا معا، ولله الحمد قدَّمت الورقة في مؤتمرٍ شارك فيه قرابة 500 أكاديمي من مختلف الجامعات حول العالم، ووُفِّقت في عرضها بالطريقة التي أقنعت مشرفي "ستيفن" بأن أصبح أستاذًا جامعيًّا". أدرجت هذه القصة؛ لنرى أن منهج "ستيفن" هو الأساس لكل من فكَّر أن يكون أكاديميا ناجحا.

من تتح له الفرصة للتدريس بمؤسسات التعليم العالي في الدول المتقدمة أو حتى الدراسة كطالب بإحداها؛ سيدرك- وبكل وضوح- معنى جودة "الأستاذ الجامعي"؛ فالأكاديمي في تلك البيئة التعليمية تجده في كثير من الأحيان- يصل إلى درجة "العالم" في مجاله؛ فنجد منهم من كان له السبق في براءة اختراع أوصله إلى جائزة نوبل، أو صاحب نظرية علمية تدرَّس على مستوى الجامعات أو- على الأقل- صاحب كتاب يكون المصدر الرئيس لمناهج التعليم العالي في جامعات العالم. وكلنا يتذكر الأسماء الكبيرة التي ارتبط اسمها بمناهج تدريسية، وأشهرها "نعوم تشومسكي" العالم والبروفيسور الأمريكي الذي تُعدُّ كتبه مصدرًا للكثير من مناهج كليات اللغات والآداب. في هذه الدول تظهر جودة الأستاذ الجامعي بما يمتلك من قدرات عالية في التأليف والنشر والبحث عن الجديد حول العالم، كلُّ ذلك مقرونٌ بقدرات ومهارات فردية تساعده في نقل المعرفة بطريقة فاعلة مبتكرة تسهم بشكل كبير في توسيع مَلكة الفهم لدى الطالب وتطوير مهاراته الإداركية والنقدية، وهو بعيدٌ كلَّ البعد عن مفهوم "الإملاء وحشو المعلومات والحفظ"، وهذا يعكس الانتقائية العالية في اختيار الأكاديميين في جامعات تلك الدول، فأن تكون أستاذًا جامعيًّا في تلك الجامعات ليس بالأمر السهل المنال. ففي اليابان- على سبيل المثال- هناك جامعة طوكيو، أرقى الجامعات على مستوى العالم، وهي حلم كلِّ من لديه طموح في أن يكون أكاديميا، إلا إنَّ الشروط الصعبة تحول بينهم وبين ما يشتهون. وإذا ما أراد الطامح قوي الإرادة منهم أن ينافس؛ ليكون له موطئ قدم في هذه الجامعة، عليه أن يستعد مبكرا ومنذ سنوات دراسته المتوسطة، كالرجوع إلى امتحانات القبول السابقة ومراجعتها مراجعة مستفيضة، وأن يكون مستعدا ذهنيا ومعرفيا للاختبارات عند الحصول على الثانوية، ولن ينجح في ذلك إلا القليل! لذلك فهي جامعة تقدم الجودة في التعليم بكل معانيها (البلاغ: https://mail.balagh.com/article/pdf/2247) نموذج جامعة طوكيو وأسلوبها في إختيار الاكاديمين الذي ينتج عنه غالبا بروفوسورات من أمثال " نعوم تشومسكي" قليلة في واقعنا التعليمي، فالأكاديمي في بعض جامعاتنا لا يتعدى أن يكون ناقلا للمعرفة، محدود الإنتاج البحثي والفكري.

إنَّ أسباب ضعف الأستاذ الجامعي في الدول العربية -كما أراها- كثيرة، أبرزها: العبء التدريسي الذي يُكلَّف به الأستاذ الجامعي في مؤسساتنا التعليمية، فتجده مثقلًا بالمحاضرات من الطلوع إلى الغروب، وما تبقى من وقته يذهب إلى ما يصاحب هذه المحاضرات من واجبات تعليمية كالتحضير، إعداد الامتحانات، التصحيح، وغيرها؛ ولهذا فإن كان لديه الطموح والحافز للتطوير؛ فسيرجع هذا الطموح إلى الوضع العادي ويتوقف عن فكرة التغريد خارج السرب؛ ليصبح كما يمسي، ويمسي كما يصبح أستاذا جامعيا يكفيه من الأمر الاسم فقط.

والسبب الآخر يعود إلى آليات اختيار الأساتذة الجامعيين في جامعات هذه الدول، فالطريقة الأولى تنطوي على اختيار معيدين من أوائل دفعات الخريجين في التخصص إلا أنه ليس كلُّ مَن حصل على معدلات عليا مناسبًا للتدريس في الجامعات؛ فالأستاذ الجامعي مصدر إلهام للطالب وسنده خلال وجوده على مقاعد الدراسة وبعد تركها، وكثيرون ممن وصلوا إلى نجاحات، يعود الفضل في نجاحاتهم -بعد الله- إلى أساتذتهم في الجامعة. تقول ياسمين نصر (2020): "الأستاذ الجامعي هو وسط مثلث، ضلعه الأول التعليم (تدريس الطلبة وتوفير المعلومة لهم)، والثاني التعلم (القراءة والاستفادة المستمرة من خبرة الأقران)، والثالث البحث العلمي (استثمار خبرتك وتطويرها في هيئة أبحاث علمية تفيد الآخرين)". ومن المعروف أنَّ هذه الأضلاع الثلاثة لا تنتهي، ويكمل بعضها بعضًا من خلال استخدام إستراتيجيات تعليمية فعالة، وتطويرها للوصول إلى طلبة هذا الجيل، والاستفادة القصوى من التطور التكنولوجي العالمي. وبالإمكان إثراء الخبرة العلمية والعملية من خلال التواصل العلمي على مستوى العالم عن طريق المؤتمرات والأبحاث العلمية ومجال البحث العلمي".

أمَّا عن الطريقة الثانية في الاختيار -والتي أراها كذلك لا تخدم جودة التعليم- فهي أن تقوم بعض مؤسَّسات التعليم العالي باستقطاب أصحاب المهن- من غير المتمرسين بمهنة التدريس- ليكونوا أساتذة جامعيين، هذه الفئة- غالبا- تعمل بالنظام الجزئي أو الكامل إن كانت من المتقاعدين، وأمَّا إن كانت من أصحاب المؤهلات فإنها- وكما يقال- الشهادة تشهد بأنَّك متعلم ولا تشهد بأنَّك عارف؛ فالعمل الأكاديمي مبني على المعرفة مع تجديدها وإبعادها عن مستوى الركود، مع ما يصاحب ذلك من مهارات التدريس التي يجب أن يمتلكها مَن هو في أروقة الجامعات؛ فكيف لعامل قضى عشرين سنة في مهنة غير مهنة التدريس أن يأتي بين عشية وضحاها ويرتقي مدرجات الجامعة، وهو لا يمتلك أدنى ما تتطلبه مهنة التدريس من مهارات!

والطريقة الثالثة في الاختيار التي تسلكها مؤسسات التعليم العالي -التي أجدها كذلك ليست بالطريقة المثلى- هي أن تقوم بعض هذه المؤسسات بالتعاقد مع محاضرين من جنسيات أخرى غير العمانيين، وبقدرات أكاديمية متواضعة- أحسبهم أكاديميين على الورق، ولكن عمليًّا هم بعيدون كل البعد من أن يصلوا إلى مستوى الأستاذ الجامعي الناجح-، والسبب في وجود مثل هذه الفئة، هو العشوائية في الاختيار، والبحث عن الرخيص من قبل بعض هذه المؤسسات التي تهدف إلى تعظيم الربح؛ كونها مؤسسات ربحية في المقام الأول؛ فترى الأولى أن تضحِّي بالجودة مقابل رفع العائد المادي.

في مقالي القادم، سوف أتطرق إلى الحلول التي سوف أقترحها والتي ربما تُسهم في وجود أكاديمي من النوعية التي اقترحها "ستيفن".

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

26 جامعة مصرية في تصنيف التايمز العالمي لعام 2026.. نواب: شهادة دولية على نهضة التعليم العالي

حصدت 26 جامعة مصرية مكانًا في تصنيف "التايمز" العالمي لعام 2026، لتؤكد المكانة المتقدمة التي باتت تحتلها الجامعات المصرية على الساحة الدولية.

وأشاد عدد من النواب بهذا الإنجاز، مؤكدين أنه يعكس رؤية القيادة السياسية في بناء منظومة تعليمية حديثة ترتكز على البحث العلمي والابتكار، وتعزز من قدرة الجامعات المصرية على المنافسة عالميًا، في ظل استراتيجية وطنية تهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة وبناء مجتمع المعرفة.

وأشاد النائب عادل زيدان، عضو مجلس الشيوخ، بإدراج 26 جامعة مصرية في تصنيف "التايمز" العالمي لعام 2026، معتبرًا أن هذا الإنجاز يعكس حجم التطور الكبير الذي تشهده منظومة التعليم العالي والبحث العلمي في مصر خلال السنوات الأخيرة، بفضل دعم القيادة السياسية وحرصها على بناء مجتمع المعرفة.

وأكد "زيدان" في تصريحات خاصة أن هذا التقدم لم يأتِ من فراغ، بل هو نتاج استراتيجيات واضحة تبنتها الدولة لتحديث البنية التحتية للجامعات، ورفع كفاءة منظومة التعليم الجامعي، وربط البحث العلمي باحتياجات التنمية الوطنية.

وأشار عضو مجلس الشيوخ إلى أن اهتمام الدولة بالبحث العلمي والابتكار يتكامل مع جهودها في دعم الطلاب من مختلف الفئات، خاصة من ذوي الهمم، من خلال مبادرات مثل المبادرة الرئاسية "تمكين"، التي تجسد رؤية القيادة السياسية في تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص داخل الجامعات المصرية.

واختتم النائب عادل زيدان تصريحاته مؤكدًا أن إدراج الجامعات المصرية في التصنيفات الدولية المرموقة لم يعد مجرد إنجاز رمزي، بل هو شهادة دولية على نجاح الدولة في بناء منظومة تعليمية حديثة قادرة على المنافسة عالميًا.

ثمّن النائب الدكتور هشام حسين، عضو مجلس النواب، ما أعلنه الدكتور أيمن عاشور، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، خلال اجتماع المجلس الأعلى للجامعات بجامعة الإسكندرية، من إنجازات تعكس التطور المستمر في منظومة التعليم العالي والبحث العلمي في مصر، مؤكدًا أن إدراج 26 جامعة مصرية في تصنيف "التايمز" العالمي لعام 2026 يُعد إنجازًا نوعيًا يبرهن على الجهود المبذولة لتطوير التعليم والبحث العلمي وفقًا للمعايير الدولية.

وأكد "حسين" في تصريحاته أن الدولة المصرية تسير بخطى ثابتة نحو تعزيز مكانة التعليم والبحث العلمي كقاطرة للتنمية، وهو ما يتجلى في انضمام مصر إلى برنامج "هورايزون أوروبا" للبحث والابتكار، كأول دولة عربية وثاني دولة إفريقية تنضم إلى هذا البرنامج الأوروبي الرائد، مشيرًا إلى أن هذه الخطوة تعزز من قدرة الباحثين المصريين على المشاركة في المشاريع البحثية العالمية ونقل الخبرات والمعرفة.

وأعرب عضو مجلس النواب عن تقديره لإطلاق المبادرة الرئاسية "تمكين" لدعم الطلاب ذوي الإعاقة خلال العام الدراسي 2025–2026، معتبرًا أنها تجسيد عملي لرؤية القيادة السياسية في بناء مجتمع شامل يحقق المساواة وتكافؤ الفرص داخل الجامعات المصرية.

وأكد "حسين" أهمية الأنشطة الثقافية التي تنظمها الجامعات المصرية، موضحًا أنها تُسهم في ترسيخ قيم الانتماء والوعي الوطني لدى الطلاب، من خلال استضافة رموز الفكر والثقافة والإعلام والأمن القومي في فعاليات تثري الوعي العام وتربط الأجيال الجديدة بتاريخها الوطني.

واختتم النائب الدكتور هشام حسين تصريحه بالتأكيد على أن ما تشهده الجامعات المصرية اليوم من تطوير شامل في البنية التحتية وجودة التعليم والبحث العلمي يمثل أحد أهم ركائز بناء الجمهورية الجديدة، داعيًا إلى استمرار دعم الدولة للجامعات، وتشجيع الشراكات الدولية، وربط مخرجات البحث العلمي بخطط التنمية الوطنية.

طباعة شارك تصنيف التايمز العالمي البحث العلمي الجامعات المصرية مجلس الشيوخ إدراج 26 جامعة مصرية

مقالات مشابهة

  • تجديد ندب كريم همام مستشارًا لوزير التعليم العالي للأنشطة الطلابية
  • وزير التعليم العالي يترأس اجتماع مجلس الجامعات الأهلية بالعاصمة الإدارية
  • عاشور: الجامعات الأهلية رافد أساسي لمنظومة التعليم العالي في مصر
  • قطاع التعليم العالي ينظم لقاءً موسعاً لمدراء الأنشطة الطلابية بالجامعات والكليات
  • مدبولي: الجامعات الأهلية الجديدة أحدثت نقلة نوعية في تطوير التعليم الجامعي..نواب: بوابة مصر نحو المستقبل.. وركيزة أساسية لمواكبة سوق العمل
  • مدبولي: الجامعات الأهلية الجديدة نقلة نوعية في تطوير التعليم الجامعي بمصر
  • مدبولي: إنشاء الجامعات الأهلية الجديدة نقلة نوعية في تطوير التعليم الجامعي
  • استقرار معدل هجرة الكفاءات من خريجي التعليم العالي في تركيا
  • 26 جامعة مصرية في تصنيف التايمز العالمي لعام 2026.. نواب: شهادة دولية على نهضة التعليم العالي
  • وزير التعليم العالي يترأس اجتماع المجلس الأعلى للجامعات بجامعة الإسكندرية