جريدة الرؤية العمانية:
2025-03-26@03:17:12 GMT

أعوذ بالله من كلمة "أنا"

تاريخ النشر: 9th, July 2024 GMT

أعوذ بالله من كلمة 'أنا'

 

 

زكريا الحسني

من الملاحظ كثيراً أن كلمة "أنا" عندما تأتي على ألسن بعض الناس، يعقبونها فورا بجملة: "أعوذ بالله من كلمة أنا"، وكأنهم بذلك قد نطقوا بشيء سيئ جدا، ولعل هذا الشعور نابع مما نقله القرآن الكريم عن لسان امرأة العزيز: "وَمَآ أُبَرِّئُ نَفْسِىٓ إِنَّ ٱلنَّفْسَ لَأَمَّارَةٌۢ بِالسُّوٓءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّىٓ إِنَّ رَبِّى غَفُورٌ رَّحِيمٌ".

فهذه الآية ليست فقط تتحدث عن: "إِنَّ ٱلنَّفْسَ لَأَمَّارَةٌۢ بِٱلسُّوٓءِ"، وإنما تذكر كذلك: "إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّىٓ إِنَّ رَبِّى غَفُورٌ رَّحِيمٌ"؛ أي أن الرحمة الإلهية تعمل على تنظيف النفوس من دعوتها للأعمال السيئة.

يذكُر القرآن الكريم "الأنا" في موارد مكروهً كما في قوله تعالى: "أَنَا۠ رَبُّكُمُ ٱلْأَعْلَىٰ"، وفي قوله عز وجل: "قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ"، ولكن ذُكرت "الأنا" في إطار مُحبذ أيضا، كما في قوله عز من قائل: "إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ". "لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ".

ومن أعظم الموارد التي يتم فيها ذكر "الأنا" هو في كلمة التوحيد؛ حيث نقول بتعليم القرآن الكريم لنا: "إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ". إذن؛ ليست "الأنا" مُستنكرة وقبيحة دائمًا؛ بحيث يتطلب كلما قال المرءُ "أنا" وجب أن يتعوذ منها مباشرة، أو أن لا يتم توظيفها في الحديث والكلام، فهذا يتنافى طبيعة الإنسان ورغبته الفطرية في الإشارة إلى ذاته عندما يريد أن ينسب الفعل إلى نفسه، أو أن يشير إلى أمر يتعلق به. ولو تخلينا عن "الأنا" فقد يتوجب علينا أن نتواصل بطرق وأساليب أخرى مثل التخاطر!

وفي الأحاديث النبوية لكلمة "الأنا" ذكرٌ أيضا، ففي الخبر الذي يرويه البخاري، قوله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ أَتْقَاكُمْ وَأَعْلَمَكُمْ بِاللَّهِ أَنَا"، وقوله عليه الصلاة والسلام الذي يرويه الإمام أحمد وصححه الألباني: "أَنَا أَتْقَاكُمْ لِلَّهِ ، وَأَعْلَمُكُمْ بِحُدُودِ اللهِ"، وقال أيضًا: "أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" (رواه مسلم: 2278).

و‎يقول أهل العلم إنَّ "الأنا" إذا أتت في الكلام على نحو التواضع أو كما لو قالها في مقام التواضع والانكسار لله، أو الاعتراف بالذنب، أو إبداء الفقر والحاجة إلى رب العالمين، كما في الدعاء الذي يرويه مسلم: "اللهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَنْتَ رَبِّي، وَأَنَا عَبْدُكَ، ظَلَمْتُ نَفْسِي، وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا، إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ". وبصورة عامة، كل ذكر وحديث فيه "الأنا" يخلو من العظمة والغرور والعجرفة، ففي هذه الحالة لا ضرر من ذكر "الأنا" في الحديث.

قال ابن القيم رحمه الله "وَلْيَحْذَرْ كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ طُغْيَانِ "أَنَا"، "وَلِي"، "وَعِنْدِي"، فَإِنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ الثَّلَاثَةَ ابْتُلِيَ بِهَا إِبْلِيسُ وفرعون، وقارون، "فَأَنَا خَيْرٌ مِنْهُ" لِإِبْلِيسَ، وَ"لِي مُلْكُ مِصْرَ" لفرعون، وَ"إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي" لقارون، وَأَحْسَنُ مَا وُضِعَتْ "أَنَا" فِي قَوْلِ الْعَبْدِ: أَنَا الْعَبْدُ الْمُذْنِبُ، الْمُخْطِئُ، الْمُسْتَغْفِرُ، الْمُعْتَرِفُ...وَنَحْوِهِ: "لِي"، فِي قَوْلِهِ: لِيَ الذَّنْبُ، وَلِيَ الْجُرْمُ، وَلِيَ الْمَسْكَنَةُ، وَلِيَ الْفَقْرُ، وَالذُّلُّ، و"َعِنْدِي"، فِي قَوْلِهِ: "اغْفِرْ لِي جِدِّي، وَهَزْلِي، وَخَطَئِي، وَعَمْدِي، وَكُلَّ ذَلِكَ عِنْدِي" انتهى من "زاد المعاد" (2/434-435)، ويُنظر: "معجم المناهي اللفظية" للشيخ بكر أبو زيد رحمه الله.

بعد هذه التوضيحات، يتبيَّن المسار الصحيح الذي ينبغي فيه ذكر "الأنا" دون الحاجة إلى التعقيب بقولنا: "أعوذ بالله من الأنا"، أو اتهام الآخر إن ذكر "الأنا" في كلامه دون أن يعقب بجملة "أعوذ بالله من الأنا" باتهامات غير لائقة، وإلا فكم من معقب بهذه الجملة وهو لا يزال يتحدث بنفخة عالية عن ذاته وعن "الأنا" الطاغية لديه بحيث أن جملة "أعوذ بالله من الأنا" التي عقب بها لم تكن إلا لقلقة لسان.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

سهيل بن عمرو.. خطيب قريش الذي تحول إلى داعية للإسلام

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

في بدايات الدعوة الإسلامية، وقفت قريش بكل قوتها ضد النبي محمد ﷺ، وكان من بين رجالها أشد المعادين للإسلام، أبو سفيان بن حرب، وصفوان بن أمية، وعكرمة بن أبي جهل، وسهيل بن عمرو، وقد استخدم هؤلاء نفوذهم وقوتهم لمعارضة الدين الجديد، ولكن رغم عدائهم الشديد، لم يقابلهم النبي ﷺ إلا بالحلم والرحمة، وعند فتح مكة عام 8 هـ، أعلن العفو العام عنهم، فكان لهذا الموقف النبيل أثر بالغ في نفوسهم، فدخلوا في الإسلام بصدق، وتحولوا إلى مدافعين عنه، مشاركين في الفتوحات ونشر الدين الذي حاربوه يومًا.

وكان سهيل بن عمرو أحد أبرز زعماء قريش وخطبائها المفوهين، اشتهر بقوة منطقه وحكمته، وكان من أشد المعارضين للإسلام في بداياته، وكان دوره السياسي والاجتماعي في قريش كبيرًا، حيث مثلها في العديد من المواقف، وأهمها صلح الحديبية، الذي جرى بين المسلمين وقريش عام 6 هـ. 

سهيل بن عمرو قبل الإسلام

كان سهيل بن عمرو من أشراف قريش، وعُرف ببلاغته وفصاحته، مما جعله المتحدث الرسمي باسم قريش في كثير من المحافل، وكان شديد العداء للإسلام، ووقف في وجه الدعوة بكل ما أوتي من قوة، مستخدمًا لسانه وسلطته لمعارضة النبي محمد ﷺ.

وكان أحد أبرز أدواره قبل إسلامه، في صلح الحديبية، حيث جاء مندوبًا عن قريش للتفاوض مع النبي ﷺ، وكان هو من أصر على حذف عبارة "رسول الله" من الوثيقة، واستبدالها بـ"محمد بن عبد الله"، وهو ما أثار اعتراض الصحابة، لكن النبي ﷺ وافق من أجل تحقيق المصلحة الكبرى، كما كان لسهيل دور في إقناع قريش بالتصدي للإسلام في مراحله الأولى.

إسلام ولديه قبله: عبد الله وأبو جندل

ورغم معاداة سهيل للإسلام، إلا أن ولديه عبد الله وأبو جندل أسلما قبله، وكانا من أوائل المؤمنين بالدعوة، وقد تعرض أبو جندل لتعذيب شديد من قريش، وأبقاه والده سجينًا لفترة طويلة لمنعه من اللحاق بالمسلمين، وعند صلح الحديبية، حاول الهروب والانضمام للمسلمين، لكنه أُعيد إلى قريش وفقًا لشروط الصلح، مما أثار حزن الصحابة، لكن النبي ﷺ وعده بأن الفرج قريب، وقد فرّ أبو جندل لاحقًا ولجأ إلى منطقة الساحل، حيث انضم إليه بعض المسلمين المضطهدين، حتى انتهى الأمر باندماجهم في صفوف المسلمين بعد فتح مكة.

إسلام سهيل بن عمرو بعد الفتح

بعد فتح مكة عام 8 هـ، خشي سهيل على نفسه من انتقام المسلمين بسبب موقفه السابق وما ناله من رسول الله بلسانه، لكنه وجد أن النبي ﷺ قد أعلن العفو العام، فتأثر بموقفه وأسلم بعد تفكير عميق، وكان إسلام سهيل تحولًا حقيقيًا، حيث أصبح من أكثر الصحابة إخلاصًا، وساهم في نشر الإسلام والدفاع عنه.

سهيل بعد الإسلام: دور جديد في الدعوة

بعد فتح مكة، خشي بعض الصحابة من مكر قريش، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه من بين هؤلاء، خاصة تجاه سهيل بن عمرو، الذي كان من أشد المعادين للإسلام، فقال عمر للنبي ﷺ: "دعني أنزع ثنيتيه فلا يقوم عليك خطيبًا بعد اليوم"، أي حتى لا يستطيع التحريض ضد المسلمين كما كان يفعل سابقًا، لكن النبي ﷺ رفض وقال: "دعه يا عمر، فلعله يقف موقفًا يسرك". وبالفعل، بعد وفاة النبي ﷺ، عندما كاد بعض أهل مكة يرتدون، وقف سهيل خطيبًا، بثبات وقوة، يدعوهم للتمسك بالإسلام، فكان موقفه مشرفًا كما توقع النبي ﷺ، فبعد إسلامه، بدأ سهيل يعمل على تعويض ما فاته، فكان من الذين ثبّتوا أهل مكة على الإسلام بعد وفاة النبي ﷺ، عندما كاد بعضهم يرتدّ، وقد خطب فيهم ببلاغته المعهودة، مؤكدًا أن الإسلام ليس مرتبطًا بشخص النبي ﷺ، بل هو دين الله.

كما شارك سهيل في الفتوحات الإسلامية، وكان له دور بارز في معركة اليرموك ضد الروم، حيث قاتل بشجاعة، رغم تقدمه في السن، وعاش بعد ذلك بقية حياته في العبادة والجهاد، حتى توفي في الشام، تاركًا إرثًا من البلاغة والجهاد في سبيل الله.

مقالات مشابهة

  • من أجمل ما قرأت
  • عبد الله حمدوك.. المدني الذي آثر السلامة فدفعه الجيش إلى الهامش
  • 30 كلمة في القرآن يفهمها الناس خطأ.. اعرف معناها الصحيح
  • سهيل بن عمرو.. خطيب قريش الذي تحول إلى داعية للإسلام
  • وزير الأوقاف: التدبر في النعم يولّد بالقلب وعيا للسير في طريق الله
  • هذا الذي يدور في اليمن‬ .. ‫وهذا القادم‬ !
  • ‏ (مَا رَمَيْتَ إذ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ)
  • درس التراويح بالجامع الأزهر: حسن الظن بالله من أعظم العبادات القلبية
  • دعاء ليلة القدر 23 رمضان.. 13 كلمة اغتنم بها ثاني الليالي الوترية
  • ما الذي تريده واشنطن من إملاء الشروط؟