لم يتوقع العديد من المراقبين فوز مسعود بزشكيان أو حتى تأييد أهليته للانتخابات الرئاسية الإيرانية المبكرة من قبل مجلس صيانة الدستور، وذلك بعد أن تم رفض تأييد أهليته لانتخابات مجلس الشورى (البرلمان الإيراني) من قبل المجالس التنفيذية، ليعاد بعد ذلك المصادقة عليها بعد تدخل المرشد الأعلى علي خامنئي.

وكان الرئيس الإيراني المنتخب حصل خلال جولة الإعادة على ما يزيد على 16 مليون صوت بنحو (53.

6% من الأصوات المشاركة)، في مقابل حصل منافسه سعيد جليلي على أكثر من 13 مليون صوت (44.3%).

وبحسب إعلان وزارة الداخلية في إيران، فقد شارك في الجولة الثانية من الانتخابات أكثر من 30 مليون صوت من أصل نحو 61 مليون ناخب يحق لهم التصويت، بنسبة مشاركة بلغت 49.8%، وقد زادت المشاركة الشعبية الانتخابية بنسبة 10% مقارنة بالجولة الأولى من الانتخابات.

كما احتل بزشكيان المرتبة الثانية في مدينة تبريز في الانتخابات البرلمانية التي عقدت في الأول من مارس/آذار 2024 بواقع 8% من مجموع الأصوات المؤهلة للمشاركة في الانتخابات في تلك المدينة.

وعلى الرغم من ذلك، اعتمد بزشكيان على العديد من العوامل والإستراتيجيات للفوز بالانتخابات الرئاسية وهزيمة منافسه الأصولي جليلي.

تقلص أصوات التيار الأصولي

ويعد تقلص القاعدة الانتخابية الأصولية أحد أهم أسباب فوز بزشكيان الإصلاحي بالانتخابات، ففي انتخابات 2021 حصل الرئيس الأصولي السابق إبراهيم رئيسي على 18 مليون صوت، في حين حصل جليلي في الجولة الانتخابية الأولى 2024 على ما يقرب من نصف هذا العدد من الأصوات بما يقارب 9 ملايين صوت.

ومن ناحية أخرى، ففي الانتخابات الرئاسية لعام 2021، بلغ مجموع أصوات الأصوليين (إبراهيم رئيسي ومحسن رضائي وقاضي زاده) 22 مليونا و500 ألف شخص، في حين بلغ مجموع أصوات الأصوليين (جليلي ومحمد قاليباف) في الجولة الأولى لانتخابات 2024 حوالي 12 مليونا و600 ألف صوت، أي أن الأصوليين شهدوا انخفاضا في قاعدتهم الانتخابية تقدّر بـ9 ملايين صوت كحد أدنى.

حتى إن التيار الأصولي بقيادة جليلي لم يكن قادرا على الاستفادة من وفاة إبراهيم رئيسي لتحشيد الجمهور الأصولي للمشاركة في الانتخابات، ويعود هذا التقلص في الكتلة الانتخابية الداعمة للأصوليين إلى عدم قدرة الأصوليين على حل المعضلات الحقيقة للبلاد فيما يتعلق بالاقتصاد والوضع المعيشي والتضخم على الرغم من توحيد السلطات (التشريعية والتنفيذية والقضائية) بيدهم منذ انتهاء مدة ولاية حكومة الرئيس الأسبق حسن روحاني.

بالإضافة إلى ظهور ملفات الفساد الكبرى خلال السنوات الثلاث الماضية وأبرزها قضية فساد "استيراد الشاي" والتي وصل مبلغ الاختلاس فيها إلى نحو 3 مليارات دولار وإصدار حكم ضد وزير الزراعة السابق في حكومة رئيسي بالسجن لمدة 3 سنوات بقضايا فساد.

سعيد جليلي يصوت في مركز اقتراع في الانتخابات الرئاسية الإيرانية (رويترز) الانقسام الأصولي.. معركة خلف الصناديق

أظهرت الانتخابات الأخيرة بوضوح الصراع الداخلي داخل الطيف الأصولي، حيث تبادل أنصار جليلي وقاليباف الاتهامات بشأن خسارتهم أمام الإصلاحيين بقيادة بزشكيان، وأصدر أنصار قاليباف (وهو رئيس البرلمان ومرشح سابق) بيانا ألقوا فيه باللوم على الثاني في هزيمة الأصوليين، وقالوا إنه "لو استقال جليلي قبل الجولة الأولى لما هُزمت الجبهة الثورية".

وانتقد معسكر قاليباف جليلي مدعيا أن آراءه المتطرفة أدت إلى تنفير "الطبقة الرمادية" المحورية من الناخبين، مما دفع العديد ممن كانوا غير مهتمين في البداية بالتصويت إلى الإدلاء بأصواتهم لصالح بزشكيان خوفا من أفكار جليلي واتجاهاته السياسية، وقالوا إن "هذا الاستقطاب أضر بقضيتهم".

وردا على ذلك، قال أنصار جليلي إن مؤشر القبول الأعلى الذي حصل عليه مرشحهم -والذي تجلى في حصوله على 3 أضعاف الأصوات التي حصل عليها قاليباف- برر استمراره في الجولة الثانية.

وعلى الرغم من تأييد قاليباف لجليلي خلال جولة الإعادة، لاحظ المراقبون أن جزءا كبيرا من الثلاثة ملايين صوت التي حصل عليها قاليباف في الجولة الأولى تحولت إلى المرشح الإصلاحي بزشكيان.

وعلى الرغم من اعتماد بزشكيان بشكل كبير على الخطابات العامة المشابهة لخطاباته البرلمانية وافتقاره إلى خطط انتخابية واضحة، فإنه تمكن من جذب المجموعات الشعبية التقليدية وذلك من خلال التمسك بالظهور بشخصية نصف أصولية ونصف إصلاحية ونفيه في أكثر من مرة انتمائه لحزب معين.

بل ركّز بشكل كبير على الإبقاء على الخطابة الدينية المستندة إلى نهج البلاغة والتركيز على الانصياع لأوامر المرشد علي خامنئي والاستمرار في البرامج التنموية الموجودة بالفعل بدلا من كتابة برامج جديدة، وقد ساعدته هذه الإستراتيجية في تأمين قاعدة دعم أوسع في الطيف الأصولي.

قاليباف يخاطب حشدا من الناس خلال تجمع حاشد أثناء الانتخابات الرئاسية (الأناضول) الأصوات العرقية عامل مهم في الفوز

ويؤكد أمير حسين ثابتي، عضو البرلمان وكبير مستشاري سعيد جليلي، بأنّ فوز بزشكيان في السباق الرئاسي كان بسبب أصوات القومية التركية الإيرانية في المحافظات الرئيسية الأربع ذات الغالبية التركية (أردبيل وأذربيجان الشرقية وأذربيجان الغربية وزنجان)، ولعبت هذه المناطق والتي تشكل الهوية العرقية قضية حاسمة فيها دورا محوريا في تعزيز قاعدة ناخبيه.

وبناء عليه، ركّزت حملة بزشكيان اهتمامها بشكل رئيسي على رفع نسبة المشاركة في هذه المحافظات، ففي جولة الإعادة ارتفعت نسبة المشاركة في محافظة أذربيجان الشرقية من 44% إلى 62% وحصل بزشكيان على مليون و672 ألف صوت مقابل 292 ألف صوت حصل عليها جليلي.

أما في أذربيجان الغربية حصل المرشح الإصلاحي على مليون و114 ألف صوت مقابل 191 ألف رأي لجليلي. وفي أردبيل حصل بزشكيان على 556 ألف صوت مقابل 110 لجليلي، وكذلك في محافظة زنجان حيث حصل بزشكيان على 296 ألف صوت مقابل 184 صوتا لجليلي.

وبحسب ثابتي، فإن الفارق بين أصوات بزشكيان وجليلي في هذه المحافظات الأربع بلغ "مليونين و956 ألف صوت، بينما بلغ الفارق الإجمالي في جميع المحافظات نحو مليونين و850 ألف صوت!".

ويخلص مستشار جليلي إلى أن "الميزة الرئيسية والمهمة لبزشكيان في هذه الانتخابات لم تكن خطابه أو نهجه السياسي بل القاعدة الانتخابية العرقية التي حظي بها في المحافظات ذات الغالبية التركية".

وهذه الحجة، التي طرحها العديد من حسابات مناصري جليلي في شبكات التواصل الاجتماعي وحتى المعارضين للنظام الإيراني في الخارج، تعرضت لانتقادات واسعة النطاق من الشخصيات الأصولية، ومن بينهم علي رضا زاكاني رئيس بلدية طهران والمرشح السابق للانتخابات الرئاسية، حيث قال إن "التفسيرات العرقية لأصوات الناخبين هي إضعاف للديمقراطية الدينية وهي إهانة لقدرة الاختيار والتمييز للأمة البصيرة والرشيدة الإيرانية".

كما اعتبر ياسر جبرائيلي، الرئيس السابق لمركز التقييم والرصد الإستراتيجي التابع لأمانة مجمع تشخيص مصلحة النظام، والذي دعم سعيد جليلي في الانتخابات، أن "التحليل العرقي والقومي" لنتيجة الانتخابات "خاطئ وبعيد عن الواقع".

وعلى الرغم من ذلك، فإنه لا يمكن اعتباره السبب الوحيد لانتصار الرئيس في السباق الانتخابي، وذلك لأننا إذا قمنا بحذف أصوات المحافظات ذات الأكثرية التركية من العدد الإجمالي لأصوات بزشكيان سيكون الناتج 12 مليونا و746 ألف صوت، وإذا ما قمنا بحذف أصوات كل من محافظات خراسان الجنوبية والشمالية وخراسان رضوي -معقل رأس جليلي والتي صوتت له بكثافة- سيكون الناتج 11 مليونا و369 ألفا، وعليه فسيبقى بزشكيان منتصرا أيضا في هذه الحالة.

تعبئة المهمشين والأقليات

ومن جهة أخرى، أظهر فريق بزشكيان الانتخابي فهما عميقا للنظام الانتخابي الإيراني، مدركا أن مفتاح النصر يكمن في تأمين التصويت الشعبي، على عكس نموذج "المجمع الانتخابي" كما هو الحال في الولايات المتحدة. وقد وجهت هذه الرؤية إستراتيجيتهم المزدوجة "التركيز على المراكز الحضرية المكتظة بالسكان والتواصل مع الأقليات الدينية والعرقية الساخطة".

وكان بزشكيان زار مدينة سنندج، وهي مدينة ذات أغلبية كردية، حيث ألقى خطابا كان له صدى عميق لدى السكان المحليين، ولم تكن كلماته مجرد خطابة سياسية، بل كانت خطوة إستراتيجية لحشد قاعدة كبيرة من الناخبين الذين شعروا بالتهميش والإهمال.

وفي الوقت نفسه، سافر جواد ظريف -الحليف الرئيسي في الحملة- إلى خوزستان، وهي مقاطعة بها عدد كبير من السكان العرب. وكان وجود ظريف هناك حاسما في تعبئة الأقلية العربية، وتعزيز التزام بزشكيان بالشمولية والمساواة، وشددت خطاباته على أهمية المشاركة العربية في السياسة الوطنية وحددت الإصلاحات الاقتصادية المصممة لتحسين نوعية الحياة في المحافظة ذات الثروات النفطية والغازية والمائية.

كما تضمنت إستراتيجية حملة الرئيس الإيراني بيانا قويا تناول حرمان الشخصيات التركمانية والكردية والبلوشية والتالاشية، الذين تم تهميشهم تاريخيا بسبب اختلافاتهم الدينية والعرقية، ومن خلال الاعتراف بهذه المظالم والتعهد بتصحيحها، ضرب بزشكيان على وتر حساس لدى هذه المجتمعات، وحصل على دعم كبير في محافظات خوزستان وسيستان وبلوشستان وكردستان.

الإصلاحيون في المراكز الحضرية

بالتوازي مع هذه الجهود، أجرى الإصلاحيون، بقيادة ظريف، جولات دعم قوية في المراكز الحضرية الكبرى، ويجب التذكير هنا بأنّ كلا المرشحين حققا نصرا في مسقط رأسيهما، ولكن أحد أهم عوامل انتصار بزشيكان كان مجموع الآراء التي استطاع أن يحصل عليها في مناطق تعتبر المعقل الرئيسي للأصوليين، وعلى رأسهم جليلي مثل أصفهان وخراسان رضوي، حيث شاركت الطبقة المتوسطة والناخبون الرماديون المترددون بشكل كبير وصنعت له جسر الفوز في الانتخابات.

وقد أثمرت هذه الجهود، حيث شهد بزشكيان زيادة كبيرة في الأصوات من هذه المناطق، ففي أصفهان، ارتفع عدد أصواته بنسبة مثيرة للإعجاب بلغت 270 ألف صوت مقارنة بالجولة الأولى، بينما ارتفع عدد أصواته في خراسان رضوي بمقدار 419 ألف صوت.

وشوهدت نجاحات مماثلة في مازندران، حيث حصل على 667 ألف صوت، وفي جيلان، حيث حصل على 555 ألف صوت. وتكررت هذه المكاسب في محافظات فارس، والبرز، وإيلام، مما أظهر الجاذبية الواسعة النطاق لحملة بزشكيان.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الانتخابات الرئاسیة حصل بزشکیان على فی الانتخابات الجولة الأولى على الرغم من سعید جلیلی فی الجولة ملیون صوت حصل علیها جلیلی فی فی هذه

إقرأ أيضاً:

إسلام عفيفي: أحداث ديسمبر تعيد للأذهان مشهد الربيع العربي

قال إسلام عفيفي، رئيس مجلس إدارة مؤسسة أخبار اليوم، إن أحداث ديسمبر 2024 تعيد للأذهان مشهد الربيع العربي بنسخة جديدة، كما أوضح أن التدخلات الإقليمية والدولية التي تفرض أجندات معينة على سوريا، متسائلًا عن مدى شفافية هذه التدخلات في تشكيل الحكومة والحقائب الوزارية.

أضاف عفيفي، خلال لقائه مع الإعلامية عزة مصطفى ببرنامج الساعة 6 على "الحياة"، أن الجيش السوري تعرض للتدمير، وكذلك مخازن السلاح والمعدات الثقيلة، مشيرًا إلى أن دخول نتنياهو إلى مقربة من دمشق لعقد اجتماع هناك يعد حدثًا تاريخيًا وانتهاكًا لسيادة الدول العربية.

وأكد أن مصر تدعم المقاومة، لكنها ترفض أن تلعب دورًا سياسيًا وظيفيًا لخدمة أجندات إقليمية لدول تبحث عن مصالحها، واصفًا ذلك بأنه كارثة كبرى، كما أشار إلى أن ما يجري الآن في سوريا هو نتيجة لهذه التدخلات.

مقالات مشابهة

  • إسلام عفيفي: أحداث ديسمبر تعيد للأذهان مشهد الربيع العربي
  • فين الساتر؟.. تعليق ناري من أحمد موسى على أكاذيب «الإرهابية» حول القصر الرئاسي بالعاصمة الإدارية
  • كيف خدع الأسد مساعديه في القصر الجمهوري قبل فراره إلى روسيا؟
  • تفاصيل جديدة عن الأيام الأخيرة للأسد في سوريا
  • الدقائق الأخيرة لبشار الأسد داخل القصر الرئاسي.. ماذا كان يفعل؟
  • بزشكيان يفجر مفاجأة: اختفاء 20 مليون لتر من المحروقات يوميا
  • تصريح للسيسي بعد جدل حول القصر الرئاسي بالعاصمة الإدارية.. ماذا قال؟
  • إيران تنفي استقالة رئيسها مسعود بزشكيان
  • حكومة الإطار ترسل للبرلمان التعديل الرابع لقانون الانتخابات لتكريس الحكم الإيراني في العراق
  • دي صورة مصر.. بكري عن القصر الرئاسي بالعاصمة الإدارية: الرئيس مش هياخد حاجة