الاتحاد الافريقي والقوى المدنية السودانية
تاريخ النشر: 7th, August 2023 GMT
منذ اللحظات الأولى التي صارت فيها قضية الحرب في السودان من ضمن جدول أعمال الاتحاد الأفريقي، ظلت ترشح أنباء بأن الاتحاد يفكر في دعوة مجموعة كبيرة من السودانيين إلى إجتماع يعقد في العاصمة الإثيوبية، أديس أبابا، تحقيقا لمبدأ إشراك القوى المدنية السودانية في جهود وقف الحرب عبر إنطلاق العملية السياسية. وفي الأسبوع الأخير من شهر يوليو/تموز المنصرم صارت الدعوة أكثر تحديدا عندما جاء على لسان أحد العاملين في قيادة الاتحاد الأفريقي بأن الاجتماع سيكون بتاريخ 25 أغسطس/آب الجاري، وسيشارك فيه عدد كبير من السودانيين.
وأفادت مصادر أخرى أن عدد المشاركين قد يصل إلى مئة أو مئتين، ومؤخرا قيل إن إجتماعا تحضيريا من أربعين مشاركا سيسبق ذلك الاجتماع الكبير. ومنذ اللحظة الأولى لفكرة الإجتماع وحتى التحديد الأخير، ظلت تتردد في أذهاننا مجموعة من الأسئلة المصحوبة بعلامات التعجب حول هذا الإجتماع: هل هو من بنات أفكار الاتحاد الأفريقي، أم هو نتاج تشاور مع مجموعة من السودانيين، وفي هذه الحالة من هم هؤلاء السودانيون وماذا ومن يمثلون؟
ما هي أسس ومعايير إختيار المشاركين في الاجتماع، اجتماع المئتين أو إجتماع الأربعين؟ هل هو إجتماع لبحث مساهمة القوى المدنية في وقف الحرب وبالتالي تشارك فيه القوى الرافضة للحرب وليس التي تؤجج نيرانها، أم هو إجتماع «هردبيس» على شاكلة لقاء فندق السلام روتانا في 8 يونيو/حزيران 2022 الذي مات وهو في المهد، وشاكلة مؤتمر الحوار الوطني، 2015، الذي دعت له الإنقاذ ولم ينقذها من غضب الشعب، أم هو على شاكلة الحوارات الفاشلة التي سعى الاتحاد الأفريقي لتنظيمها على أيام «نداء السودان» 2015؟ وإذا كانت هنالك إجابات لكل هذه الأسئلة وغيرها، فلماذا التعتيم وعدم الشفافية؟
صحيح أن القوى المدنية في السودان هي صاحبة الصوت الأعلى الرافض للحرب والمطالب بوقفها، وعلى عاتقها يقع جزء كبير من عبء المساهمة في تحقيق تلك المطالبة، وحتى يكون لمساهمتها هذه معنى وفعلا عمليا، فإن الخطوة الأولى والأولوية القصوى، هي جمع كل أطراف القوى المدنية والسياسية السودانية الرافضة للحرب في منبر واحد، جبهة مدنية واسعة، من أجل وقف الحرب وإنطلاق العملية السياسية بهدف استعادة مسار ثورة ديسمبر/كانون الأول وتحقيق ما طالبت به. لكن، في تقديري، أن المنهج الذي يتبعه الاتحاد الأفريقي حاليا لن يحقق إطلاق أي عملية سياسية، بل سيصيبها بالشلل، وأن هذا الاجتماع الذي يدعو له الاتحاد الأفريقي، مصيره الفشل، إما بمقاطعة أطراف عديدة له، أو بإنفجاره من الداخل بمجرد إنعقاده. ثم أن هذا المنهج الذي يتم من خلاله هندسة لقاء القوى المدنية السودانية، دون الأخذ في الإعتبار ودون مراعاة التعقيدات الشائكة التي تكتنف العلاقات بين هذه القوى، وبما في ذلك تحديد الأطراف المشاركة وتحديد تاريخ اللقاء، ودون أي تحضيرات مسبقة بل يفاجأ المدعوون بالدعوة في بريدهم، هو منهج يجعل الحديث عن توصيف العملية السياسية المطروحة بأنها عملية سودانية وبقيادة سودانية، مجرد ذر للرماد في العيون، أي مجرد تمويه ومغالطة وإلباس الحق بالباطل.
العمل على استئناف عملية انتقال سياسي ذات مصداقية وشاملة، تأخذ في الاعتبار الدور المساهم لجميع الفاعلين السياسيين والاجتماعيين السودانيين، وكذلك الموقعين على اتفاقية جوبا للسلام، تفضي إلى قيام حكومة ديمقراطية
لا يُفهم من كلامي هذا أنني أرفض أي دور للاتحاد الأفريقي في حل قضية الحرب في السودان، بل على العكس أشدد على أهمية هذا الدور وأرحب به. وكنت في مقالات سابقة قد أعلنت تأييدي التام للستة عناصر التي تضمنتها خارطة الطريق التي تبناها الاتحاد الأفريقي حول الأزمة السودانية، ومن بينها النقطة التي تقرأ: « العمل على استئناف عملية انتقال سياسي ذات مصداقية وشاملة، تأخذ في الاعتبار الدور المساهم لجميع الفاعلين السياسيين والاجتماعيين السودانيين، وكذلك الموقعين على اتفاقية جوبا للسلام، تفضي إلى قيام حكومة ديمقراطية بقيادة مدنية.
أيضا شدد البيان على «الأهمية القصوى لعملية سلام واحدة وشاملة وموحدة من أجل السودان، بالتنسيق مع، وتحت رعاية مشتركة من الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (الإيقاد) وجامعة الدول العربية والأمم المتحدة، جنبا إلى جنب مع الشركاء ذوي التفكير المماثل، مع ملاحظة أن تعدد وانتشار الوساطة والمبادرات لن تخدم الإرادة الجماعية للشعب السوداني». لكني في الوقت ذاته، أشرت آنذاك وأكرر إشارتي الآن أيضا إلى أن هنالك ملاحظات سالبة عند السودانيين تجاه أداء الاتحاد الأفريقي أيام الإنقاذ في مجال التوسط في الأزمة السودانية، وهي ملاحظات جدية وتستوجب أن يبدأ الاتحاد الأفريقي بتقييم تجاربه السابقة قبل الشروع في تجربة جديدة تجاه قضية الحرب في السودان، وأن يتعامل بجدية مع الملاحظات السالبة التي يراها السودانيون تجاه هذه التجارب ولماذا فشلت في تحقيق أهدافها.
أما بالنسبة للقوى المدنية والسياسية السودانية، فمع ضرورة استخلاصها الدروس وتلافي أخطاء وعثرات أي تجارب سابقة خاصة بلم شملها وتوحيدها في منبر موحد، هناك أسس وعوامل مفتاحية رئيسية لابد من التقيد بها عند بنائها لهذا المنبر اليوم، وإلا سيكون مصيره الفشل.
والأسس والعوامل المفتاحية هذه تشمل: القاسم المشترك بالنسبة للإنضمام إلى هذا المنبر أو الجبهة المدنية، هو رفض الحرب. ومن هنا حتمية الشمول وعدم إقصاء أي مجموعة، غض النظر عن أي مواقف سياسية سابقة لها، مادامت هي الآن تقف ضد الحرب.
تمتع المجموعات المشاركة بالشرعية والتفويض، الآن وليس استدعاء لشرعية أو تفويض في مرحلة سابقة، بمعنى استنادها إلى قاعدة ملموسة تعمل على الأرض.
وفي هذه الصدد، أكرر قناعتي بأن الجبهة النقابية المكونة من قيادات النقابات والاتحادات المنتخبة ولجان التسيير، هي أنسب نواة تأسيسية لهذا العمل.
الشفافية في كل خطوات العمل، والتي يجب أن تكون بعيدة عن أي مؤثرات دولية أو إقليمية. *أما النقطة الرئيسية والمفصلية في نجاح أو فشل هذا الجهد، فهي التحضير له من خلال لجنة تحضيرية مكونة من كل الأطراف.
نقلا عن القدس العربي
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الاتحاد الأفریقی فی السودان
إقرأ أيضاً:
الشاهد جيل ثورة ديسمبر الذي هزم انقلاب 25 أكتوبر 2021 بلا انحناء
فاطمة غزالي
نعيش في دوحة المبادئ السامية والقيم العليا التي غرستها ثورة ديسمبر المجيدة، لا تزال المنقوشة على جدران الوطن وتحتل أعماق الوجدان السوداني رغم الابتلاء بالحرب فالثورة حاضرة في أذهان الشرفاء والإيمان باستمرارها مسيطر على أفئدة وعقول جيلها من الشابات والشباب الذين قدموا أعظم نماذج التضحيات فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ما بدلوا تبديلا.ديسمبرثورة جيل وثقت شجاعته بنادق القناصة، وسياط الجلادين، وأدوات التعذيب لم يتراجع ظل صامداً كالأجيال السابقة في درب النضال السلمي من أجل الحرية والسلام والعدالة في أكتوبر وأبريل وجميع ثورات التحرر من الظلم والقهر. ثورة ديسمبر المجيدة ليست لحظة عابرة في حياة الشعب السوداني ولن تكون فعل ماضي نتباكى عليه بل هي فعل مستمر تختلف الأساليب والآليات والأدوات مع اختلاف الظروف لأن الالتزام بتحقيق مبادئها عهد قطعته القوى المدنية والسياسية المؤمنة بالسلام والحرية والعدالة. الشاهد جيل ثورة ديسمبر هزم انقلاب 25 أكتوبر2021، وفشل الإنقلابيون في إعادة النظام البائد إلى السلطة بسبب الحراك الثوري والمليونيات التي أكدت تمسك الشعب بالحكم المدني الديمقراطي، ومارس جيل ثورة ديسمبر شعائر ثورته بقداسة السلمية، وهو مؤمن بأنها الطريق إلى الخلاص من طغيان الحركة الإسلامية السودانية التي وظفت المؤسسة العسكرية لمصلحة مشروعها، ونفذت عبرها انقلاب 30 يونيو 1989م، وانقلاب 25 أكتوبر2021م إلا أنها أي الحركة الإسلامية حينما فشلت بعد ألانقلاب الأخير في السيطرة التامة على مقاليد الحكم وإعادة إنتاج مشروعها بتشكيل حكومة إسلاسية كاملة الدسم استحضرت منهجها لأيديولوجي الشيطاني القائم على إراقة الدماء في إدارة صراعاتها مع القُوَى السياسية والشاهد على تنفيذ الشعار استباحة الدماء في سبيل الوصول إلى السلطة بدعوى أنها الحارس لدين الله في الأرض (فليعُد للدين مجده أو تُرق منا الدماء… أو تُرق منهم دماء.أو تُرق كل الدماء). فكرة حرب 15 أبريل 2023 م لم تأت من فراغ بل هي تنفيذ للشعار (أو تُرق كل الدماء) حينما أدرك الإسلاميون أنهم خارج منظومة إدارة السودان بعد تجربة الثلاثين عاماً من الدمار. معلوم لدى الكثيرين أن تراجيديا الحرب الكارثية سيناريو كتبته الحركة إسلامية الخبيثة استخدمت الجيش والدعم السريع لتنفيذه من أجل القضاء على ثورة ديسمبر ووئد أي محاولة للعودة بالبلاد إلى الحكم المدني الديمقراطي وإن كان الثمن إبادة كل الشعب السوداني (أو تُرق كل الدماء) وهي الحقيقة التي يحاول البعض غض البصر عنها (لشيء في نفس يُوسُف).
لا شك في أن قيادات الحركة الإسلامية المدنية والعسكرية التي مسيطرة على القرارات داخل مؤسسة الجيش ولا يريدون السلام لأنه يعني عودة جيل الثورة إلى الميادين من أجل تحقيق شعار ثورة ديسمبر (حرية وسلام وعدالة). الإسلاميون يعلمون أن جبروت الحرب لم يفلح في نزع الثورية من نفوس الثوار أو كسر إرادتهم في التغيير بالرغم من محاولات شق صف لجان المقاومة بالاستنفار واستهداف بعضهم بالاعتقالات واتهامهم بالعمالة. الثوار الشرفاء جددوا عهدهم وتمسكوا بثوريتهم فغيروا مؤشر الحراك الثوري من الميادين والطرقات التي سيطرت عليها القوى العسكرية إلى معسكرات النزوح والتكاياعبر لجان الطواري ووجهوا طاقاتهم وإمكانيتهم لخدمة المدنيين الأبرياء والسعي إلى تلبية احتياجاتهم في معسكرات النزوح ومراكز الإيواء والتكايا بالتعاون مع المنظمات والمؤسسات العاملة في مجال العمل الإنساني وأهل الخير من أجل اطعام الجِياع وسقاية العطشى وعلاج المرضى… يعملون ليل نهار لإنقاذ أرواح المدنيين الذين أصبحوا بين مطرقة الجيش وسندان الدعم السريع.
شعار (فليعُد للدين مجده أو تُرق منا… أو تُرق منهم دماء… أو تُرق كل الدماء) يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن أهل السودان لن ولم يكونوا بخير وفي أمن و سلام ما لم تُقبر الحركة الإسلامية السودانية لأنها محور الشر، أس وأساس المعاناة، مصدر العذاب والقهر ومنبع العنف والدمار. تجربة قيادات الحركة الإسلامية في الحكم لمدة ثلاثين عاماً قضتها في تصفية الحسابات مع معارضيها من القوى السياسية والمدنية بجانب الفساد السياسي والاقتصادي والأخلاقي والإبادة الجماعية دارفور التي تسببت في ملاحقة الرئيس المخلوع جنائياً عمر البشير عبر المحكمة الجنائية الدولية، ولم تسلم العديد من مناطق السودان من الحروب كل هذه السياسات الديكتاتورية تؤكد أن جُرم الحرب جُرمهم وأن مسؤوليتها الكبرى تقع على قياداتها التي حرضت وتوعدت بالحرب الذي فتح أبواب الحجيم على الكل فكانت الممارسات السادية الإجرامية في التي مورست ومازال تمارس على الأبرياء من قبل طرفي الحرب. فلول النظام البائد يتلذذون بعذاب الشعب الذي يواجه القتل والتشريد والمعاناة في رحلة النزوح واللجوء والرعب في ميدان المعارك حيث تدور وَسْط الأحياء السكنية وفي قلب القرى والمدن والفرقان والكارثة الأعظم هي إغلاق منافذ السلام الذي يتشوق إليه المدنيين من أجل استعادة كرامتهم المسلوبة وطنهم المفقود.المؤسف أن تطلعات الشعب إلى السلام تصطدم بالعقبة الكؤود الذي وضعتها مليشيات الكيزان(كتائب البراء) في طريق السلام بدعوى حرب الكرامة وهي كلمة الحق الذي اريد به باطل. كرامة الشعب هي أن يشعر بالأمن والسلام والاستقرار، كرامة السودانيين ستعود إليهم عندما تتحقق آمالهم التي تعبر عنها كلمات الشاعر طارق الأمين:-
( كل آمالي نا..
السلام يملاها.. يطلع من هنا..
والحمام يتشابى
تقدل طفلة حلوة وبين إيديها كتابا
وحبوبة تمسح بالحنين أكوابا
والقمرية تصدح.. تستريح دبابة)
لاشك أن المعاني الجميلة للسلام الذي يعبر عن الحياة السودانية الجميلة التي وردت في كلمات الشاعر طارق الأمين تتناسب تناسباً عكسياً مع أهداف الإسلاميين وقياداتهم في الجيش والدليل على ذلك تصريحات الفريق عبد الفتاح البرهان قائد الجيش الذي يتمسك بخيار الحرب بالرغم من أهوال الحرب الذي يشيب لها الولدان وفي ذات الطريق يسير ياسرالعطا وهو يصرخ ويهدد ويتوعد ويغلق الباب أمام السلام ويؤكد عدم رغبة الإسلاميين في السلام ومقولته الشهيرة “لا سلام ولا هدنة وإن استمرت الحرب لمائة عام “… مئة عام تُراق فيها كل الدماء يا هذا؟ كم تعشقون الدماء! أولم يكفيكم إفساد حياة السودانيين بالحرب الذي دمر الوطن وشعبه وببنيته التحتية ومؤسساته الخدمية والمدنية وليس فحسب بل أفعالكم التي تغذي تقسيم المجتمع السوداني الذي وحدته ثورة ديسمبر بشعاراتها (سلمية… سلمية ضد الحرامية، حرية سلام وعدالة، يا عنصري يا مغرور كل البلد دارفور).
الإسلاميون عشاق الانفصال يسعون إلى تقسيم البلاد ولكن هيهات لَمَّا يخططوا. لسان حال قيادات النظام البائد كأنه يقول إن الشعب السوداني رهينة في أيديهم ولا قرار له وعليه أن يخضع لسياساتهم المدمرة كما خضع لإرادتهم في تجربة فصل الجَنُوب مع اختلاف المعطيات والظروف إلا أن النتيجة التي يسعى إليها الإسلاميين واحدة هي تفكيك البلاد إلى دويلات. قصدوا في تجربة الجنوب ألّا تكون الوحدة جاذبة وعملوا لتحقيق ذلك الانفصالين من الجنوب حتى تكون النتيجة لمصلحة الانفصال. بشأن الحديث المتداول عن التقسيم القائم على إرادة قوة الحرب هناك تساؤلات كثيرة تطرح نفسها هل محاولة شيطنة القوى السياسية والهجوم على(تقدم وقحت) محاولة لعزل القوى السياسية والمدنية لتنفيذ مخطط التقسيم كما حدث في اتفاقية نيفاشا وقعوا على تقرير المصير مع الحركة الشعبية إنابة عن الشماليين دون تفويض من الشعب؟ … نعم دون تفويض من الشعب ومعلوم أن الإنقاذ سرقت الديمقراطية و فرضت نفسها على الشعب السوداني بقوة الدبابة ولم تشهد البلاد انتخابات حرة ونزيهة في عهدها البائد. على أي أساس يتم فصل غرب السودان من بقية أطراف على أساس جهوي أم قبلي وإثني؟ وماهي الحدود الجغرافية التي يتم على أساسها التقسيم، هل يكون هناك استفتاء لولايتي الجزيرة والنيل بشأن تقرير مصيرهم هل يذهبون مع كردفان ودارفور أم إلى الشمال الجديد الذي يرسم البرهان وحاضنته السياسية (الكيزان) خريطته؟ .لا يختلف اثنان في أن الإسلاميين فصلوا الجَنُوب لأسباب دينية وعنصرية، هل الآن يحاولون إعادة ذات السيناريو بزج البلاد في دوامة التشظي لأسباب عنصرية؟ هل يريدون أن يدفع كل السودان فاتورة صراعاتهم مع الدعم السريع من أجل السلطة؟ وماهي القوى الإقليمية التي تغذي الانقسام لتحقيق مصالحها؟ هل يظل الشعب السوداني أسير لأمزجة القوة التي تحمل السلاح (الجيش والدعم السريع) وتسيطر على الأرض والإعلام والفعل السياسي؟ ماهو مصير المشتركة التي تقاتل بجانب الجيش؟ حتى متى تظل القُوَى السياسية والمدنية بعيدة عن مسرح الأحداث التي خلقت قُوَى الحرب واقعها، وهل يسمح الشعب السوداني بأن يكون تقسيم السودان بقوة السلاح؟ وماذا عن علاقات المصاهرة واالأخوة والصداقات العميقة بين الأسر السودانية؟ هل فكر الانفصاليون في ماذا يعني التقسيم؟ … حقيقة لسنا بحاجة إلى فلم جديد بعنوان(وداعاً عائشة أو مريم أو فاطمة) تكفينا جراحات فيلم (وداعاً جوليا)..
بالرغم من الحملات العنصرية التي تديرها الغرف الإعلامية عبر وسائل التواصل الاجتماعي لقوى الحرب التي تستغل حالة الغبن الشعبي من الانتهاكات والفظائع ضد المدنيين بلا استثناء ومازال تحدث نتيجة للحرب ،إلا أن العلاقات التي تربط بين السودانيين أقوى من أن تعصف بها تفاهات العنصريين التي تتعاطى معها سلطة الأمر الواقع في بورتسودان) قانون الوجوه الغربية) الذي يستهدف المواطنين بدوافع جهوية وقبلية وسياسية مثلاً لهذه العنصرية وحملة الاتهامات والاعتقالات والقتل والتعذيب الذي يتعرض له بعض المواطنين من قبل طرفي الحرب (الجيش والدعم السريع) لأسباب جهوية وقبيلة وسياسة أيضاً جميعها ممارسات ترفع درجة حرارة الغبن في النفوس وتزيد رصيد العنصريين ما لم تقف القوى المدنية والشرفاء من الكنداكات والثوار وقفة إنسان واحد لمواجهة التحديات الكبيرة التي تتعلق بمصير ما تبقى من السودان المهدد كيانه ووحدته. السودانيون يمرون بتجربة قاسية وامتحان صعب بيد أنهم قادرون على تجاوز الصعاب شريطة أن تشَكَّل القوى السياسية والمدنية الديمقراطية رافعة قوية بأفعال تخرج السودانيين من حالة الاصطفاف الجهوي والقبلي وهذا لا يتحقق إلا بالسمو فوق الخلافات والعمل بالحد ألأدنى من التلاقي والتنسيق حتى لا يترك مصير السودان للقوى الذي يحمل السلاح فقط.السودان بالرغم من تنوعه القبيلي والجهوي والديني والثقافي فإن الرابطة الإنسانية والوطنية بين السودانيين أقوى من يجرفها طوفان الحرب الذي أخرج عقارب وثعابين العنصرية التي تنفث سمها في الموطنيين الأبرياء في مناطق الحرب والسلم .قطعاً طول أمد الحرب ليس في صالح النسيج الاجتماعي الذي تعبث به أيادي الانفصاليين إلا أن الأمل كبير في جيل ثورة ديسمبر الذي مازال رافعاً رايتها لتضميد جراحات الوطن الذي أنهكته الحرب.ألم يأن للسودانيين أن يعيشوا في سلام؟.
لا للحرب… نعم للسلام