#بلا_رتوش د. #هاشم_غرايبه
سواء اعترف الغرب أو أبى واستكبر، فإن تداعيات موقعة طوفان الأقصى البطولية، عمت كل أرجاء المعمورة، وأثرت بأوضاع الدول جميعها، سواء القريبة من الحدث أو البعيدة.
لو أخذنا الانتخابات الأوروبية التي جرت والتي ستجري، كمثال على ذلك، سنجد انقلابا في الموازين التي كانت سائدة.
فالانتخابات البريطانية الأخيرة كانت نتيجتها طرد المحافظين من الحكم الذي استأثروا به طويلا، وكان ذلك ليس لانجازاتهم بل بسبب فشل حزب العمال المزمن، لذلك فقد كانت عودة حزب العمال واحدة من الارتدادات الزلزالية لطوفان الأقصى، فتأييد حكومة المحافظين اللامحدود للعدوان أفقدها كثيرا من الأصوات التي تمقت الأفعال الاستعمارية للغرب، ورغم ان المسلمين البريطانيين (الذين تبلغ أصواتهم 6 %) لا يصوتون عادة مع المحافظين بسبب تفشي عاهة الاسلاموفوبيا بين صفوفهم، وخاصة زعيم الحزب الهندوسي الأصل المتعصب ضد الإسلام، لكنهم بتصويتهم لمن هم ليسوا من الحزبين: العمال لمواقفه التاريخية الممالئة للكيان اللقيط، والمحافظين لخنوعه وتبعيته للقرار الأمريكي النتصهين، رجحوا كفة حزب العمال.
أما المفاجأة الأكبر فكانت نتائج الانتخابات التشريعية الفرنسية، وفوز اليسار بفارق كبير عن اليمين، خاصة بعد سيطرة اليمين في انتخابات البرلمان الأوروبي، كون النزعة اليمينية (القومية المتعصبة) عند الجمهور الفرنسي غالبة، والتي كانت من أهم افرازاتها العداء للمهاجرين الى أوروبا، فهذه النزعة لها جذور استعمارية مترسخة، لم تفلح ادعاءات التقدم والتحضر في إخفائها، مما يدل على ترسخ ثقافة القطيع لدى الأوروبيين، بل قد تزيدها وطأة تلك النفسية الاستعلائية لديهم التي تسمى تفوق العرق الأبيض، فيعتقد الدهماء الأوروبيون عموما أيضا أن الغرباء هم من يشاركونهم أرزاقهم فينتقصون من رغد عيشهم، رغم أنهم لو استعملوا العقل وليس الغريزة الأنانية لعلموا أن المهاجرين هم من يوفرون الأيدي العاملة الرخيصة، وهم من يؤدون الأعمال التي يأنفون منها، وبالتالي فهم من يوفرون لهم متطلبات الحياة الرغيدة.
صحيح أن هذه النتيجة لا تعني تحولا في وجهات النظر الشعبية، إذ كان من أهم عوامل نجاح تحالف اليسار، هي التحالفات الانتخابية وليس السياسية، فاستعان تيار ماكرون في بعض الدوائر باليسار لاسقاط المرشحين اليمينين، وكان ذلك إحساسا بخطورة اكتساح اليمين للقارة العجوز، مما كان سيعجل في انتهاء أجلها.
لكن تلك النتيجة لا تعني صعودا لليسار الأوروبي، لأن بنية هذا التيار مخترقة من قبل الصهيونية حتى النخاع، وانكشف ذلك باسقاط الحركة الطلابية لديغول عام 1968، فقد أرادت حينذاك الصهيونية المتمكنة من مفاصل اليسار عموما والشيوعيين خصوصا، معاقبة “ديغول” على عدوله عن الدعم الهائل للكيان اللقيط بعد حرب 67 .
في هذه المرة كان الأمر مختلفا، فقد فتحت وقائع العدوان الشنيع على القطاع العيون على البشاعات التي يرتكبها هذا الكيان اللقيط بحق الإنسانية، وسقطت هالة المظلومية التي كانت “معاداة السامية” تغطيه بها فتخفي طبيعته الوحشية.
وربما كان الاستغراق الرسمي الغربي في الدعم اللا محدود لهذا العدوان وبتجاوز وقح لكل القوانين والأعراف الدولية، كل ذلك أدى الى كشف خطيئة إلغاء تصنيف الصهيونية بأنها حركة فصل عنصري منافية لكل المعايير الإنسانية، فخرجت التظاهرات العارمة في كل أرجاء أوروبا وملحقاتها (امريكا الشمالية وأستراليا)، وكان عمادها طلاب الجامعات، كما انخرط فيها عدد من اليساريين والشيوعيين نكاية بالسياسة الأمريكية (الامبريالية) أكثر مما هو تعاطف مع الحق الفلسطيني.
لا يتوقع استعادة اليسار الغربي لعافيته، والسبب نكوصه عن الشعارات التي كان يرفعها بمعاداة الإمبريالية والانتصار لحق الشعوب في تقرير مصيره، أما اليسار العربي فقد كان سقوطه متأخرا عنه، اذ ما انكشف ذلك النكوص إلا بعد اصطفافه مع الأنظمة العربية التي اسقطتها أو كادت، الثورات العربية عام 2011 ، وذلك بدافع من (الاسلاموفوبيا)، فنزع ذلك الثقة الشعبية به، لأن هذا التحالف مع الأنظمة العميلة للغرب أثبت تغليبه المصالح على المبادئ.
الارتداد الزلزالي المدمر لليسار العربي كان موقفه من طوفان الأقصى، فلأن المقاومة إسلامية، فقد كان يأمل كما الأنظمة بالقضاء عليها، لكن الزخم الشعبي الهائل لها لم يكن يدع له من فرصة للتشكيك المعتاد بقادتها، فسكت مرغما.
لكن السؤال يبقى في ذهن المواطن العربي: أين (مناضلو) اليسار براياتهم الحمراء الذين كانوا يملأون الساحات صخبا؟، لماذا لم نجد مقاتلين في غزة منهم!؟.
مقالات ذات صلة مصطلحات اسلامية: الفتح 2024/07/08
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: التی کان
إقرأ أيضاً:
محيطات الأرض بالكامل كانت خضراء يوما ما
في دراسة نشرتها دورية "نيتشر إيكولوجي آند إيفولوشن"، قدّم باحثون يابانيون حُجة دامغة على أن محيطات الأرض التي تبدو اليوم زرقاء، كانت في الماضي السحيق ذات لون أخضر.
ويعتقد الباحثون أن ذلك حصل في العصر الأريكي، وهو من العصور الجيولوجية السحيقة، حيث امتد من 4031 إلى 2500 مليون سنة مضت، وهي فترة خلت فيها أجواء الأرض ومحيطاتها من غاز الأكسجين، وظهرت فيها أيضًا أولى الكائنات الحية التي تُولّد الطاقة من ضوء الشمس، والتي استخدمت عملية التمثيل الضوئي اللاهوائي، مما جعلها قادرة على القيام بذلك في غياب الأكسجين.
ويقول البروفيسور سيدريك جون، أستاذ ورئيس قسم علوم البيانات للبيئة والاستدامة، جامعة كوين ماري في لندن، في تصريحاته الخاصة للجزيرة نت: "يعود سبب ظهور المحيط باللون الأزرق، في الوقت الحالي، إلى تفاعل ضوء الشمس مع الماء..
ويضيف جون أنه "من المعروف أن ضوء الشمس يحتوي على جميع الألوان، وعند وصوله إلى المحيط يمتص الماء الألوان المختلفة بشكل مختلف، على سبيل المثال، يمتص الماء الألوان الأحمر والبرتقالي والأصفر بسرعة أكبر، وعند الغوص في المحيط يتغلغل الضوء الأزرق في أعماق المحيط ويتشتت، وبالتالي فإن تشتت الضوء الأزرق الذي يعود إلى أعيننا هو ما يجعله أزرق".
إعلانويقول المؤلف الرئيسي للدراسة تارو ماتسيو، الباحث من جامعة ناغويا في اليابان في تصريح خاص للجزيرة نت "منذ ظهور البكتيريا الزرقاء، ازدادت أكسدة بيئة سطح الأرض تدريجيا، بما فيها المحيطات".
وكشفت عمليات المحاكاة الحاسوبية التي قام بها الباحثون في جامعة ناغويا، أن الأكسجين المُنبعث من عملية التمثيل الضوئي المبكرة أدى إلى تركيز عالٍ من جزيئات الحديد المؤكسد بما يكفي لتحويل مياه السطح إلى اللون الأخضر.
وجاء اكتشاف اخضرار المحيطات في الماضي السحيق، من خلال ملاحظة المياه المحيطة بجزيرة إيو جيما البركانية اليابانية، والتي تتميز بصبغة خضراء مرتبطة بنوع من الحديد المؤكسد، كما تزدهر الطحالب الخضراء المزرقة في المياه الخضراء المحيطة بالجزيرة.
وذكرت الدراسة أنه وقبل ظهور عملية البناء الضوئي والأكسجين، احتوت محيطات الأرض على الحديد المُذاب المُختزل (الحديد المُترسب في غياب الأكسجين)، حيث أدى الأكسجين المُنطلق من ظهور عملية البناء الضوئي في العصر الأريكي إلى تأكسد الحديد في مياه البحر.
ويقول جون في تصريح خاص للجزيرة نت "إن السبب الرئيسي الذي أدى الى أن تأخذ مياه المحيطات اللون الأخضر، يعود إلى وجود أشكال مختلفة من الحديد المؤكسد، إذ إن وجود مواد كيميائية مختلفة، مثل الحديد، يُغير طيف امتصاص الماء".
ويقول ماتسيو "بعد ظهور البكتيريا الزرقاء، وهي من أقدم الكائنات الحية على كوكب الأرض، وتتميز بقدرتها على إجراء التمثيل الضوئي، كما تلعب دورًا رئيسيًا في إنتاج الأكسجين في الغلاف الجوي وتحسين جودة المياه، بدأت المياه الضحلة بالتأكسد خلال العصر الأريكي، محولةً الحديد المؤين إلى هيدروكسيد الحديد، الذي ترسّب بعد ذلك".
إعلانوعندما يبقى هيدروكسيد الحديد عالقًا في المياه السطحية، فإنه يمتص كلًّا من الأطوال الموجية الزرقاء والحمراء (بواسطة هيدروكسيد الحديد والماء، على التوالي)، بينما يُشتّت الضوء الأخضر بكفاءة، ونتيجة لذلك، بدت المحيطات خضراء خلال هذه الفترة الانتقالية بين حالتي الاختزال والتأكسد.
هل يمكن أن يتغير لون المحيطات مجددًا؟ويقول جون "إذا تغيرت التركيبة الكيميائية للمحيط، فسيتغير لونه أيضًا، لكن من غير المرجح أن يحدث هذا قريبًا"
ويعلق ماتسيو "وفقًا لدراسة نُشرت في دورية "نيتشر" عام 2023، يمكن أن يتغير لون المحيطات تدريجيًا على مدار فترات زمنية جيولوجية، بالإضافة إلى ذلك، قد تتكرر تفاعلات الأكسدة والاختزال استجابة للتغيرات البيئية، حيث إنه معروف أن ظواهر محلية مثل "المد الأزرق" تُحفزها عمليات الأكسدة والاختزال هذه.
علاوة على ذلك، تشير دراسة أخرى نُشرت في "نيتشر جيوساينس" إلى أن حالة أكسدة سطح الأرض قد تنخفض خلال الـ5 مليارات سنة القادمة بسبب زيادة الإشعاع الشمسي، مما قد يُحفز تفاعلات أكسدة واختزال واسعة النطاق -وبالتالي، تغيرات في لون المحيط – مرة أخرى.
ويقول البروفيسور سيدريك جون "إذا تغيرت التركيبة الكيميائية للمحيط، فسيتغير لونه أيضًا، لكن من غير المرجح أن يحدث هذا قريبًا، فالتركيب الكيميائي للمحيطات مستقر نسبيًا، لذا يتطلب حدوث بعض التغييرات المهمة".