تواجه الحكومات المنتخبة حديثا في أوروبا -وخاصة في فرنسا والمملكة المتحدة- ارتفاعا في الدين العام والعجز، وهو ما يخلق بيئة مليئة بالتحديات لأجنداتها الطموحة.

وقالت صحيفة وول ستريت جورنال إن الانتخابات الأخيرة منحت هؤلاء القادة ولاية صعبة، حيث يتوقع الناخبون حدوث تغيير كبير وسط القيود المالية والركود الاقتصادي.

ارتفاع الديون والعجز

ووصل الدين العام إلى أعلى مستوياته منذ عدة عقود في كل من فرنسا والمملكة المتحدة وفقا لوول ستريت جورنال.

ففي فرنسا، يبلغ الدين الوطني 112% من الناتج المحلي الإجمالي، ارتفاعا من 97% في عام 2019. وشهدت المملكة المتحدة زيادة مماثلة مع ارتفاع الدين العام إلى 104% من الناتج المحلي الإجمالي من 86% في عام 2019 وفقا للمصدر ذاته.

وتثير هذه الأرقام القلق مقارنة بمستويات ما قبل جائحة كوفيد 19، وهي تعكس اتجاها أوسع عبر الاقتصادات المتقدمة، حيث زاد عجز الموازنة بشكل كبير.

وتقول وول ستريت جورنال إنه في كلا البلدين يظل الإنفاق الحكومي وعجز الميزانية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي أعلى بكثير من مستويات ما قبل الوباء.

وأفاد صندوق النقد الدولي أن عجز الميزانية في الاقتصادات المتقدمة الكبرى ارتفع بنسبة 3 نقاط مئوية عما كان عليه قبل الوباء.

التحدي المالي الذي تواجهه فرنسا

وتواجه فرنسا تحديات مالية خطيرة مع تحقيق حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف والجبهة الشعبية الجديدة اليسارية مكاسب كبيرة، حيث تشير نتائج الانتخابات إلى أن حزب التجمع الوطني أصبح ثالث أكبر كتلة في البرلمان، حيث يدعو إلى تخفيضات ضريبية واسعة النطاق وإلغاء إصلاحات نظام التقاعد التي أقرها الرئيس إيمانويل ماكرون.

ومن ناحية أخرى، تقترح الجبهة الشعبية الجديدة التي فازت بأكبر عدد من المقاعد، تجميد الأسعار وزيادة الحد الأدنى للأجور بشكل كبير، وهو ما يستلزم زيادة الإعانات والرواتب، في حين تخسر عائدات الضرائب.

ولم يتناول أي حزب في فرنسا الحاجة إلى خفض العجز العام الذي يقدر بنحو 5% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام وفقا لما ذكرته الصحيفة. وأدى ذلك إلى اتخاذ الاتحاد الأوروبي إجراءات تأديبية.

وفي الآونة الأخيرة، ارتفعت عائدات السندات الحكومية الفرنسية، مع خفض وكالة ستاندرد آند بورز تصنيف الديون السيادية الفرنسية إلى "إيه إيه سالب" في مايو/أيار الماضي.

المشاكل الاقتصادية في المملكة المتحدة

وفي المملكة المتحدة، تعهد حزب العمال المنتصر بقيادة رئيس الوزراء كير ستارمر، بزيادة الإنفاق على الخدمات العامة، بما في ذلك خدمة الصحة الوطنية.

ومع ذلك، فإن معهد الدراسات المالية البريطاني ينتقد جميع الأحزاب الرئيسية لتجنبها الخيارات المالية الصعبة في بياناتها الرسمية.

وحذرت كبيرة الباحثين الاقتصاديين في المعهد إيزابيل ستوكتون في حديث لوول ستريت جورنال، من أن "النمو من المتوقع أن يكون مخيبا للآمال تماما، ومن المتوقع أن تظل الفائدة على الديون مرتفعة. وهذا المزيج من الأشياء يبدو أسوأ من أي برلمان آخر في تاريخ المملكة المتحدة بعد الحرب".

وارتفع الدين العام في المملكة المتحدة، حيث أعلن صندوق النقد الدولي عن تخطيه نسبة 104٪ من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام.

ومن المتوقع أيضًا -وفقا للصحيفة- أن يصل العجز في المملكة المتحدة إلى نحو 6.5% من الناتج المحلي الإجمالي، لتتعادل مع اليابان كأعلى نسبة بين الاقتصادات الصناعية الكبرى.

ألمانيا والولايات المتحدة تحت المجهر

وتشير الصحيفة إلى أنه حتى ألمانيا المعروفة بحذرها المالي، تحولت إلى عجز كبير في الميزانية عوضا عن الفوائض التي حققتها في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

ألمانيا المعروفة بحذرها المالي تحولت إلى عجز كبير في الميزانية عوضا عن الفوائض التي حققتها في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين (غيتي)

وبعد مفاوضات مكثفة، أعلن ائتلاف المستشار أولاف شولتس عن صفقة ميزانية تلتزم بقواعد الاقتراض الصارمة، بينما تحاول تنشيط النمو الاقتصادي وتعزيز الإنفاق العسكري.

وتواجه الولايات المتحدة -وفقا للصحيفة- صورة أكثر قتامة، مع ارتفاع الدين العام إلى 123% من الناتج المحلي الإجمالي من 108% في عام 2019. وعلى الرغم من ذلك لم يُظهر القادة السياسيون ميلا يذكر لإعطاء الأولوية لخفض الديون.

ويقول هولغر شميدنغ كبير الاقتصاديين في بنك بيرينبيرغ للصحيفة "الولايات المتحدة تفلت من السياسات المالية غير المستدامة لفترة أطول من أي شخص آخر".

نظرة مستقبلية

وكانت المرة الأخيرة التي بلغ فيها الدين العام هذا الارتفاع في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، عندما قامت الحكومات بتخفيضه من خلال النمو الاقتصادي القوي وخفض الإنفاق العسكري.

واليوم مع شيخوخة السكان وارتفاع الإنفاق العام على الرعاية الصحية ومعاشات التقاعد، من غير الواضح أين يمكن إجراء تخفيضات كبيرة وفقا لوول ستريت جورنال.

وتظل ثقة المستثمرين مصدر قلق، كما يتضح من تجربة المملكة المتحدة في عام 2022 عندما ارتفعت عائدات السندات بعد التخفيضات الضريبية واسعة النطاق وإعلانات الاقتراض من قبل رئيسة الوزراء آنذاك ليز تراس. وبالمثل، واجهت الحكومة الشعبوية في إيطاليا زيادة في تكاليف الاقتراض في عام 2018 بسبب خطط الإنفاق.

ووجدت دراسة أجراها معهد كيل للاقتصاد العالمي أن الحكومات الشعبوية تميل إلى تجربة انحدارات اقتصادية، مع انخفاض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي والاستهلاك بنسبة تزيد على 10% على مدى 15 عاما، جنبا إلى جنب مع زيادة أعباء الديون والتضخم.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات من الناتج المحلی الإجمالی فی المملکة المتحدة ستریت جورنال الدین العام فی عام

إقرأ أيضاً:

وثيقة حكومية وتقرير للبنك الدولي يكشفان أزمات مصر المقبلة مع الديون والعجز والتضخم

بينما تواصل الحكومة المصرية تقديم بيانات طمأنة للمصريين حول وضع ثاني أكبر اقتصاد عربي وأفريقي، تخرج من آن إلى آخر وثائق رسمية وتقارير ودولية تكشف عن وضع صعب مع حلول آجال الكثير من الديون، وزيادة عجز الحساب الجاري، وتفاقم معدلات التضخم.

وعصر الثلاثاء، اجتمع رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، بمحافظ البنك المركزي حسن عبدالله، لمتابعة مؤشرات الاقتصاد الكلي، وجهود خفض التضخم، وزيادة الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية.

وأكد عبدالله، أن صندوق النقد الدولي أعرب عن تقديره لإدارة مصر للملف الاقتصادي بمواجهة الصدمات الخارجية، وأشاد بالتزام الحكومة بتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية، لكن تقرير للبنك الدولي كان له رأي آخر.



ووفقا لأحدث تقرير صادر عن المؤسسة الدولية، فإن الحكومة المصرية مطالبة بسداد 11.1 مليار دولار من الديون الخارجية المستحقة خلال ما تبقى من الربع الحالي من السنة المالية الجارية (2024- 2025) أي خلال أيار/ مايو وحزيران/ يونيو، بجانب سداد متأخرات مستحقات شركات النفط الأجنبية.


وفي السياق، توقع التقرير اتساع عجز الحساب الجاري في السنة المالية الحالية والمنتهية في 30 حزيران/ يونيو المقبل، إلى 6.3 بالمئة من الناتج المحلي بسبب زيادة واردات الغاز، وتباطؤ تعافي إيرادات قناة السويس.

وتوقع أيضا أن يرتفع عجز الموازنة المصرية إلى 7.2 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2025، مقارنة بـ 3.6 بالمئة في السنة المالية 2024.

والبنك الدولي توقع أيضا أن يسجل معدل التضخم في مصر 20.9 بالمئة خلال العام المالي الحالي، و15.5 بالمئة في العام المالي المقبل، و12.2 بالمئة في (2026-2027)، فيما أكد أن معدل نمو نصيب الفرد من الناتج المحلي لايزال محدودا، ومعدلات التضخم مرتفعة، بما يعيق جهود الحد من الفقر.

"وثيقة حكومية"
ووفقا لوثيقة حكومية اطلعت عليها نشرة "إنتربرايز" الاقتصادية، فمن المتوقع أن يقفز إجمالي التزامات سداد القروض المحلية والأجنبية لمصر بنحو 30 بالمئة إلى 2.1 تريليون جنيه بالعام المالي المقبل، صعودا من إجمالي الالتزامات المقدرة للعام المالي الحالي البالغة 1.6 تريليون جنيه.

وبحسب ما نقلته النشرة اليومية، يشمل إجمالي التزامات سداد الديون، إطفاء سندات بقيمة 768 مليار جنيه، وسداد قروض محلية بقيمة 832 مليار جنيه، وسداد ديون خارجية بقيمة 483 مليار جنيه بالعام المالي (2026/2025).

وذات السياق، وفي 23 نيسان/ أبريل الجاري، قدر بنك الاستثمار (سي آي كابيتال) الفجوة التمويلية في مصر للعام الحالي بين 3 إلى 5 مليارات دولار، مشيرا إلى أن الاحتياجات التمويلية لمصر خلال العام الحالي بين 27 و29 مليار دولار.

ما كشف عنه تقرير البنك الدولي، وما عرضته نشرة "انتربرايز"، و"بنك الاستثمار"، تظل جميعها في إطار المؤشرات السلبية وتكشف وفق مراقبين، عن استمرار انتهاج الحكومة المصرية بعض سياساتها السلبية لمجابهة ذلك الوضع، وبينها مواصلة الاقتراض الخارجي والداخلي، وبيع الأصول العامة والأراضي الاستراتيجية.

وتشير أيضا، إلى أوضاع مالية واقتصادية صعبة في انتظار أكثر من 107 ملايين مصري يمثلون أكبر دولة عربية سكانا، وتؤكد تفجر وتفاقم أزمات قائمة بينها تراجع مخصصات دعم الفقراء ورفع أسعار السلع الأساسية وبالتالي زيادة معدلات التضخم.

"حلول حكومية وتفاقم الأزمات"
وفي هذا الإطار، كشفت عدة مؤشرات على استمرار نهج السلطات المصرية في حل أزماتها المالية والتمويلية عبر الاقتراض وبيع الأصول والأراضي الاستراتيجية لدول عربية، متجاهلة مقومات التنمية الحقيقية من التصنيع، والزراعة، والاستثمار.

وتوقع بنك الاستثمار (سي آي كابيتال) أن تسد مصر الفجوة التمويلية للعام الحالي عبر بيع أصول وأراضي على غرار صفقة "رأس الحكمة" للإمارات في آذار/ مارس 2024، ما يشير لحاجة البلاد إلى صفقات كبيرة لسد الفجوة.

وقالت وزيرة التخطيط المصرية رانيا المشاط، خلال اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين، 24 نيسان/ أبريل الجاري: إن الحكومة تدرس إبرام المزيد من الصفقات التي تُحوّل فيها ديونها المستحقة لدول أخرى إلى استثمارات في صورة حقوق الملكية بمصر.

وكشفت الوزيرة، عن مفاوضات جارية مع ألمانيا بشأن صفقة في مجال الطاقة لمبادلة الديون، فيما تجري القاهرة أيضا مناقشات مع الصين بهذا الإطار، وفق موقع "الأهرام أونلاين" الأسبوع الماضي.
وأكدت تقارير صحفية أن الكويت تدرس تحويل ودائع بـ4 مليارات دولار بمصر لاستثمارات مباشرة بصفقة مماثلة لـ"رأس الحكمة".

وقبل أسبوع كشف وكيل لجنة الإسكان بمجلس النواب طارق شكري، عن قرب تنفيذ صفقتين استثماريتين كبيرتين مع دولة قطر، إحداهما على غرار صفقة رأس الحكمة مع الإمارات، ملمحا إلى صفقات قريبة مع السعودية والكويت.

وفي سياق بيع الأصول، حصلت شركة "ناس" الإماراتية على موافقة لتنفيذ عرض شراء إجباري للاستحواذ على 90 بالمئة من أسهم "سماد مصر" بشراء 5.2 مليون سهم مقابل 95 جنيها للسهم، لتتضاعف سيطرة الإمارات على هذا القطاع الحيوي في مصر.

واستمرارا للنهج الحكومي بالاقتراض الخارجي، كشفت وزيرة التخطيط 24 نيسان/ أبريل الجاري، عن قرب حصول مصر على دعم للميزانية بقيمة 300 مليون دولار من البنك "الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية" ومقره بكين، خلال حزيران/ يونيو المقبل.

وتواصل الحكومة المصرية طرح شركات عامة وأخرى تابعة للجيش بينها 5 دفعة واحدة بالبورصة وأمام مستثمرين استراتيجيين، بجانب خصخصة إدارة وتشغيل 11 مطارا مصريا، في صفقة مثيرة للجدل، تبعها تفاوض 5 صناديق استثمار عربية وأجنبية، لاقتناص حصص استراتيجية بمستشفيات حكومية وشركات أدوية ضمن برنامج الطروحات.

هل نجحت تلك الحلول؟
يرى مراقبون أن حلول الاقتراض الخارجي، وبيع الأصول، لم تجد مع أزمات ثاني أكبر اقتصاد عربي وإفريقي الهيكلية المعقدة، ومع أسوأ أزمة عملة أجنبية تشهدها البلاد منذ عقود، ووسط معدل تضخم وصل مستويات قياسية.


وأشاروا إلى حصول مصر بالعام الماضي وحده على نحو 57 مليار دولار ، ما بين منح وقروض ودعم غربي، دون حل جذري للأزمة.

وفي 18 آذار/ مارس 2024، أعلن البنك الدولي من واشنطن تقديم 6 مليارات دولار، في 3 سنوات، ضمن خطة إنقاذ عالمية للاقتصاد المتعثر بالدولة العربية التي وصلت إلى نقطة حرجة مع استمرار الحرب على غزة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

وهو الإعلان الذي سبقه بيوم تعهد الاتحاد الأوروبي بتقديم 8.1 مليارات دولار مساعدات وقروض ومنح، للقاهرة، التي حصلت بالفعل على نحو 5 مليارات من هذا التخصيص.

وسبق دعم البنك الدولي، والاتحاد الأوروبي، لحكومة القاهرة، بأيام قرار صندوق النقد الدولي رفع قيمة تمويل كان مقررا لمصر من 3 إلى 8 مليارات دولار، لدعم اقتصاد البلاد المتهالك.

وتزامن كل ما سبق من دعم، مع أكبر صفقة استحواذ بتاريخ البلاد لمستثمر أجنبي، حيث عقدت القاهرة مع الإمارات صفقة تطوير أراضي استراتيجية بالساحل الشمالي الغربي للبلاد "رأس الحكمة"، مقابل 35 مليار دولار.

"تفاقم الديون.. وإجراءات تقشف"
ووفق بيانات وزارة التخطيط، وصل الدين العام بالربع الثالث من 2024، إلى 13.3 تريليون جنيه (الدولار = 50.82) بنهاية أيلول/ سبتمبر الماضي.

وتصل نسبة الدين للناتج المحلي 89.6 بالمئة بنهاية حزيران/ يونيو الماضي، فيما تسعى وزارة المالية مع نهاية العام المالي الحالي لخفضها إلى 85 من الناتج الإجمالي الذي يجاوز 17 تريليون جنيه.

وبلغ الدين العام بنهاية العام المالي الماضي، نحو 11.4 تريليون جنيه، كما بلغت أعباء خدمة الدين العام 2.639 تريليون جنيه، منها 1.355 تريليون جنيه فوائد و1.283 تريليون جنيه أقساط، ما يمثل نحو 60.3 بالمئة من استخدامات الموازنة.

كما أن ذلك الدعم وتلك الصفقات لم تمنع حكومة رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، من تنفيذ قرارات خفض متتابع لقيمة الجنيه منذ العام 2016، وصلت حد رفع سعر الدولار من نحو 8 جنيهات لأكثر من 51.5 جنيها رسميا.

وشمل ذلك إجراءات تقشف واسعة بتخفيض دعم الفقراء، ورفع أسعار سلع استراتيجية بينها الخبز والوقود بأنواعه بنزين وسولار وغاز منزلي وتجاري، والكهرباء والنقل والمواصلات والقطارات والاتصالات عدة مرات.

آخر تلك الإجراءات جرت 11 نيسان/ أبريل الجاري لجميع أنواع الوقود وبنسب كبيرة، والتي تمت في إطار إقرار صندوق النقد الدولي للمراجعة الرابعة لاقتصاد البلاد لصرف شريحة بقيمة 1.2 مليار دولار في نيسان/ أبريل الجاري، ضمن شرائح قرض المليارات الثمانية الذي صرفت منه نحو 3.2 مليار دولار.

وهي الإجراءات التي أكدت الكثير من التصريحات الحكومية أنها مستمرة خلال ما تبقى من العام، خاصة مع قرب حلول المراجعة الخامسة الصيف المقبل، والمراجعة السادسة في الخريف القادم، إذ أنه بالفعل، اقترب وصول بعثة صندوق النقد الدولي إلى القاهرة لبدء المراجعة الجديدة، وسط توقعات بقرارات تقشف جديدة.

ويعاني المصريون بشدة مع تلك السياسات والقرارات ما دفع ببعضهم إلى فقدان درجات واسعة في السلم الاجتماعي نزولا إلى درجات الفقر والفقر المدقع وحرم الكثيرين من سلع أساسية أهمها البروتين الحيواني والداجني والأسماك.

وقال تقرير للمركز المصري لبحوث الرأي العام"بصيرة"، أن استهلاك الفرد الواحد سنويا من اللحوم الحمراء تراجع إلي 9 كيلو جرامات، ما يعادل 750 جراما لكل فرد شهريا.

وظهر العديد من المصريين من مستويات اجتماعية متفاوتة بين الطبقة الفقيرة والطبقة المتوسطة، يشكون الغلاء والفقر والحاجة وسوء الأوضاع.



"فتش عن الهيمنة والفساد والقمع"
وحول طرق الخروج من تلك الأزمات لإنعاش الاقتصاد المصري، ووقف ما يجري للمصريين نتيجة تلك الأوضاع والسياسات، تحدث رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام " تكامل مصر"، الباحث مصطفى خضري، إلى "عربي21".

وقال: "تشير أزمات الديون (2.1 تريليون جنيه التزامات سداد في 2025/2026) والتضخم (20.9 بالمئة) وعجز الحساب الجاري (6.3 بالمئة من الناتج) إلى فشل السياسات الاقتصادية المصرية".


لكن خضري، يرى أن "المُعضلة الأكبر ليست في الأرقام، بل في نظام حكم يكرّس الفساد ويقمع الحريات ويرفض الإصلاح الهيكلي"، مؤكدا أن "أي خطة إنقاذ ستظل حبرا على ورق ما دام النظام الحالي قائما، إذ تُشكّل بنيته السلطوية عائقا جوهريا أمام التنفيذ".

وتساءل: "لماذا النظام الحالي يُعطّل الإصلاح؟"، ليجيب مشيرا إلى ما أسماه "هيمنة النظام على الاقتصاد"، مؤكدا أن "شبكة الشركات التابعة للنظام تتحكم في 40-60 بالمئة من الاقتصاد، وتستأثر بالمشاريع الكبرى دون منافسة، مما يُضعف القطاع الخاص (يساهم بـ30 بالمئة فقط من الناتج)".

ولفت ثانيا إلى "غياب الشفافية"، موضحا أن "إصرار النظام على إخفاء تفاصيل العقود الحكومية واتفاقيات الديون (مثل صفقة العاصمة الإدارية بـ58 مليار دولار) يُعمّق أزمة الثقة مع الشركاء الدوليين والمستثمرين".

وألمح ثالثا، إلى "القمع السياسي"، مشيرا إلى أن "وجود 60 ألف معتقل رأي وفقا لمنظمات حقوقية، وإغلاق المجال العام، يُفقد الإصلاح شرعيته المجتمعية، ويجعل الإصلاحات الاقتصادية القاسية غير قابلة للتطبيق دون غطاء شعبي".

"خطة إنقاذ"
ويرى الخبير في التحليل المعلوماتي وقياس الرأي العام، أنه "بالرغم من أن أي إصلاحات  سوف تكون مستحيلة تحت الحكم الراهن إلا أنه يمكن وضع خطة إنقاذ للاقتصاد المصري من 3 بنود.

وتحدث أولا، عن "وقف النزيف المالي"، مشددا على ضرورة "إعادة التفاوض الفوري على جدولة سداد 11.1 مليار دولار ديون مستحقة في 2024/2025، وربط أي قروض جديدة بشرطين".

وهما: "إيقاف المشاريع الترفيهية (مثل العاصمة الإدارية) التي تستنزف العملة الصعبة، وخصخصة شركات النظام غير الإستراتيجية، وفتح قطاعات الطاقة والنقل للمنافسة"، مستدركا: "لكن هذين الشرطين يواجهان عدم وجود إرادة سياسية لإلغاء (مشاريع هيبة) الرئيس السيسي".

ثاني بنود الإنقاذ وفق خضري تتمثل في "مواجهة التضخم عبر سياسات غير تقليدية"، مشيرا إلى ضرورة أن يكون "تحرير سعر الصرف حقيقيا (وليس شكليا)، مع إطلاق سراح احتياطيات النقد الأجنبي المُحتكرة من قبل الدولة خاصة التابعة للصناديق الخاصة".

لكنه يعتقد أن "تحرير الجنيه بالكامل يعني فقدان النخبة الحاكمة السيطرة على توزيع العملة، وهي آلية تُسيطر عبرها على الولاءات عبر تفضيل كيانات اقتصادية موالية".

ويأتي "الإصلاح السياسي الفوري"، كثالث خطوات الإنقاذ التي يعرضها الباحث المصري، مشيرا إلى قرارات واجبة بـ"الإفراج عن المعتقلين السياسيين، وإلغاء القوانين المقيدة للحريات (مثل قانون التظاهر)".

"وتشكيل حكومة انتقالية تمثل كل التيارات، للإشراف على خطة الإصلاح"، موضحا أن "هذا الإصلاح يمثل تهديدا للنخبة الحاكمة، التي تعتمد على القمع في إدارة الأزمات".


وخلص للقول: "لا يوجد فصل بين الإصلاح الاقتصادي وانهيار النظام الحالي؛ فالنخبة الحاكمة تدرك أن أي تنازل اقتصادي (مثل تقليص دور النظام في الاقتصاد) سيفتح الباب لمطالب سياسية تُنهي هيمنتها".

وختم مؤكدا أن "الوضع الحالي أشبه بـ(انتحار اقتصادي) مُمنهج، والخيار الوحيد للمصريين: إما التغيير الجذري، أو الانهيار الكامل".

مقالات مشابهة

  • ارتفاع إجمالي الدين العام إلى 44.8 مليار دينار حتى شباط
  • وثيقة حكومية وتقرير للبنك الدولي يكشفان أزمات مصر المقبلة مع الديون والعجز والتضخم
  • 10 وظائف لحديثي التخرج رواتبها تصل إلى 100 ألف دولار سنوياً
  • النائب مشوقة يسأل عن الاجراءات التي اتخذتها الحكومة لضبط ارتفاع الدين العام
  • أبو العينين: الثروة المعدنية في مصر تستطيع المساهمة بـ 40% من الناتج المحلي
  • لتعزيز الناتج المحلي.. "ساما" يطلق تحديثًا جذريًا للائحة شركات التمويل
  • موقع مالي يتوقع بأن نسبة الإنفاق الحكومي إلى الناتج المحلي الإجمالي في العراق للعام الحالي ستكون 47.94%
  • شلل في مصلحة السجون: إيقاف استقبال السجناء وتعليق نقلهم بسبب أزمة مالية!
  • أزمة تمويل توقف استقبال السجناء الجدد في سجون الحكومة اليمنية
  • توقف خط أنابيب العراق-تركيا: أزمة ثقة و متأخرات مالية