سودانايل:
2025-03-10@20:17:56 GMT

زعازع ديمقراطية كينيا “الاستثنائية”

تاريخ النشر: 9th, July 2024 GMT

عبد الله علي إبراهيم

"من المفارقة أن يُضيق الغرب ممثلاً في البنك الدولي ومنظمة النقد الدولية على بلاد مثقلة بالديون مثل كينيا فلا يكون أمام بعض أهلها من مناص سوى الهجرة إلى أوروبا، في حين يتبنى الغرب نفسه استراتيجيات لإزالة الأسباب الجذرية لتجفيف الهجرة في منابعها الأفريقية".
كانت كينيا في الفترة ما بين الأسبوع الأخير من مايو (أيار) والأخير من يونيو (حزيران) الماضيين في عناوين الإعلام البارزة.

فكان رئيس جمهوريتها ويليام روتو زار الولايات المتحدة خلال مايو الماضي في أول زيارة رسمية لرئيس أفريقي منذ عام 2009. أما يوم الـ25 من يونيو الماضي فصادف أن نزلت طليعة البعثة المكونة من 400 ضابط شرطي ضمن بعثة بإشراف الأمم المتحدة وتمويل الولايات المتحدة وكندا لاستعادة الأمن والاستقرار في هايتي وهو نفس يوم اندلاع التظاهرات الشعبية في كينيا ضد مشروع قرار أمام البرلمان، لزيادة الضرائب على كاهل الناس.
وسنرى من تفاعل هذه الحوادث مع بعضها بعضاً كيف يزعزع الغرب القائم بالدعوة للديمقراطية في العالم أمة ذات "ديمقراطية استثنائية" في وصفه هو ذاته.
وكان الغرض من مشروع القانون الذي عرضه الرئيس روتو على البرلمان لإجازته هو توفير 207 بليونات دولار من طريق إجراءات ضريبية تمكن كينيا من سداد الديوان التي تثقل كاهلها. وهي ديوان بلغت 68 في المئة من الناتج الإجمالي القومي. فتدفع الحكومة جراءها ربع دخلها لسداد الديون والفائدة. وكان القرار بذلك حالاً كلاسيكية في تحميل الشعب عبء سداد ديوان لم تتنزل عليه في معاشه. ويعرف أنها ذهبت إلى جيوب صفوته الحاكمة. فأجر النائب البرلماني الذي كان سيصوت على مشروع القرار هو ثاني أعلى أجر لبرلماني في العالم (85 فاصل 800 ألف دولار) في بلد متوسط الدخل فيه 2000 دولار. وزاد الطين بلة أن الذين حملوا روتو لسدة الرئاسة قبل عامين انتظروا منه غير ذلك بعد وعده لهم المن والسلوى.
وكانت الديمقراطية التي ساغت للغرب من كينيا هي أولى ضحايا الحراك الكيني ضد مشروع قرار الضريبة. فبات الغرب يعتقد أن كينيا تتمتع بـ"ديمقراطية استثنائية" دون غيرها. ولكن العنف البدني واللفظي الذي لاقت به حكومة الحراك ألقى بظله على ديمقراطيتها المستحسنة. فراح 39 مواطناً ضحية للمواجهات مع الشرطة أمام البرلمان وفي أحياء أخرى. واستعانت الشرطة بقوات الجيش لاحتواء التظاهرات. وقال روتو عن الحراك إنه خيانة للبلد وهاجم "الديمقراطية بصورة غير مسبوقة" وإن القائمين به "مجرمون"، ليتدارك نفسه في يومه التالي فيمتنع عن التوقيع على مشروع القرار قائلاً كلمة ستبقى بحقه مهما كان "الشعب تكلم". وكان أول ما خطر لمعلق من خبر الحراك أنه سيدفع أميركا إلى التفكر لأنه "لا سبيل للتجارة والمصالح الأمنية المشتركة أن تتنمى على حساب الديمقراطية وحكم القانون".
وتتضاءل بالطبع فرص الديمقراطية في بلد ككينيا فقد ملك "ضبط موازنته" في قول الإنجليزية. وصار هذا الضبط في يد مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. فكانا اشترطا ليسعفا كينيا بمزيد من القروض أن تسارع بسداد ما عليها. ورد فعل الكينيين على هذا الإملاء هو ما وضع ديمقراطيتهم على المحك. والبنك والصندوق ركيزتا النظام العالمي الذي هو مأثرة الغرب الديمقراطي في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية إنما يطلقان النار على قدميهما في عبارتهما حين يضيقان على مثل كينيا حول سداد قروضها تضييقاً لا يضع أمام شبابها سبيلاً سوى الثورة، التي تقرض من قماشة الديمقراطية كما رأينا، أو الهجرة إلى الغرب التي تكاد تسلب الغرب نفسه ديمقراطيته بتسليم حكوماته لأحزاب اليمين المتطرف المشاهد.
ومن المفارقة أن يضيق الغرب ممثلاً في البنك الدولي ومنظمة النقد الدولية على بلاد مثقلة بالديون مثل كينيا فلا يكون أمام بعض أهلها من مناص سوى الهجرة إلى أوروبا، في حين يتبنى الغرب نفسه استراتيجيات لإزالة الأسباب الجذرية لتجفيف الهجرة في منابعها الأفريقية. فللاتحاد الأوروبي صندوق مالي للغرض أنفق منه على أفريقيا 441 مليون يورو عام 2022 لتمويل دول منها لإتاحة فرص العمل لشبابها ليبقوا في بلدهم من دون عبور البحر الأبيض المتوسط. فاستنفرت أميركا بقيادة كاميلا هاريس نائب رئيس الجمهورية موارد الدولة والقطاع الخاص للاستثمار في مشروعات تنموية طويلة المدى للحد من الهجرة إليها من أميركا اللاتينية. فحصلت على 1 فاصل 2 مليار دولار عوناً لها لخلق فرص أوسع لشعوبها تغنيهم عن الهجرة. فكيف يستقيم منطق أن تضيق على دولة لسداد ديونها على دائر المليم من جهة، في حين تسعى من الجهة الأخرى إلى تلافى الإفقار الذي ينجم عن هذا التضييق بتمويل إسعافي لا يغني شيئاً؟ وهذا مما نقول عنه يفلق ويداوي.
وغير خاف أيضاً أن ما ظفرت به كينيا من منزلة في الغرب مما رأينا لتطوعها بابتعاث 1000 شرطي، ينضم لهم 350 شرطياً من جامايكا والباهاما لمساعدة شرطة هايتي لاستعادة القانون والنظام. وستمول الولايات المتحدة وكندا هذه البعثة التي تشرف عليها الأمم المتحدة. فأسعفت كينيا بتطوعها هذا البلدين اللذين أصابهما الإرهاق من نجدة هايتي أو حتى احتلاها. فعلاقة أميركا بها قديمة وتضمنت احتلالها عسكرياً من 1915 إلى 1934. وكان أول اهتمام الأمم المتحدة بهايتي خلال عام 1990 فأشرفت يومها على انتخابات رئاسية بعد الانقلاب على رئيسها آرستيد عام 1991. ثم عادت في مهمة مدنية انتهت بطردها بقرار من نظام عسكري عام 1994، لتأتي بقيادة أميركا في العام نفسه بمهمة حفظ سلام واستعادة الديمقراطية وآرستيد رئيساً كما كان. وهي المهمة التي جرى فيها حل جيش هايتي وخروجه من الخدمة لتحل مكانه الشرطة المعانة من أميركا. وغادرت الأمم المتحدة خلال عام 2000 بعد أداء مهمتها لتعود عام 2004 في عملية تمشيط لاستعادة الأمن والنظام ولتبقى حتى عام 2017 لتغادر غير مأسوف عليها من كثير من أهل هايتي.
وجر الحراك الكيني ذيله الدامي على مهمة شرطتها في هايتي التي جاءت ضمن المصالح الأمنية المشتركة لكينيا مع أميركا. فطرأ السؤال لمنظمات حقوق الإنسان بعد ما شهدته من المواجهة المضرجة في كينيا وهو: ماذا لو عملت شرطة كينيا في هايتي ما عملته في أهل بلدها؟ وهو سؤال لا مهرب منه لأن جنود بعثة أخيرة للأمم المتحدة في هايتي لاحقتهم لعنة اغتصاب نساء الجزيرة، بل ونشر بعض جنودها الكوليرا بين السكان. وعلاوة على أن قرار بعث الشرطة الكينية لهايتي ما لم تجزه المحكمة العليا فيها. فقضت بأن ابتعاث الكينيين في مهمة عسكرية مقتصر على القوات المسلحة، أو للبلاد التي لكينيا بروتوكولات مرعية معها في هذا الجانب. وكان إرسال الشرطة الكينية إلى هايتي خرقاً للديمقراطية غير منتظر من ديمقراطية استثنائية.
وحذر معلقون من أن شرطة كينيا ربما لم تتحسب لما ستلقاه من رمال هايتي المتحركة. فأزمة هايتي ليست تحدياً مما تنتدب له الشرطة. فهي بالأحرى كابوس حرب مدن ستلقى فيها أعداء لا يعرف الخوف طريقاً إليهم، تحولوا في بحر ثلاثة أعوام من عصابات إلى ميليشيات شديدة البأس. فهي تحتل 90 في المئة من العاصمة مقسمة إلى إقطاعات تسيطر كل عصابة على واحدة أو أكثر منها. واكتسبوا مهارة القنص من وظيفتهم كحراس على أحيائهم. وتعرف العصابات عن مداخل المدينة ومخارجها ومهروا في القتال في خضم صراعات الجماعات واحدها بالآخر. بل بينهم عدد مرموق كانوا بشرطة البلد أو تلقوا تدريباً عسكرياً. والسلاح منتشر أحصوا مليون قطعة سلاح في 2020 وزادت بالتهريب. فهذه حرب استعجب أحدهم أن تبعث شرطة لخوضها لا جيشاً.
ومن الجهة الأخرى فالشرطة التي جاءت كينيا لتعيينها في أضعف حالاتها. قتلت العصابات منها 43 في غضون النصف الأول من عام 2023. وحرقت مراكزها واغتالت قادتها فتدنت روحها المعنوية وتراخى التجنيد لها 30 في المئة لعام 2023 عن عام 2022. وتعاني نقصاً في التسليح لأن الداعمين لها في أميركا وكندا يخافون أن يتسرب ما يتوافر لها من سلاح إلى أيد مجرمة. وبسبب أن أفراد الشرطة يعيشون في أحياء تحت سيطرة العصابات فتجد أن سبلهم والعصابات واصلة، وقد يضطرهم ضعف الأجر أو عدم صرفه إلى التعاون مع العصابات.
ويبدو أن نقد كثيرين للغرب على مبدئية دعوته المركزية لنشر الديمقراطية في أفريقيا ليس إبعاداً في النجعة. فها نحن نرى الديمقراطية الأقدم في أفريقيا الاستثنائية مشردة في مهب رياح مصالحه وأغراضه.

IbrahimA@missouri.edu  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الأمم المتحدة فی هایتی

إقرأ أيضاً:

رئيس وزراء كندا المقبل يؤكد أن بلاده “ستنتصر” أمام تهديدات ترامب

10 مارس، 2025

بغداد/المسلة: هاجم رئيس وزراء كندا المقبل مارك كارني الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مؤكدا في كلمة ألقاها بعد انتخابه أن بلاده “ستنتصر” و”لن تكون أبدا جزءا من الولايات المتحدة، بأي شكل من الأشكال”.

قال كارني مساء الأحد “الكنديون جاهزون دائما عندما يواجهون تحديا من أحد. ينبغي على الأميركيين ألا يخطئوا. ففي التجارة كما في الهوكي، كندا ستنتصر”، في إشارة إلى الرياضة التي يتنافس عليها البلدان.

قال كارني في خطاب ألقاه بعد انتخابه زعيما جديدا للحزب الليبرالي ورئيسا للحكومة المقبلة خلفا لجاستن ترودو، إن “دونالد ترامب يهاجم الأسر والعمال والشركات الكندية، ولن نسمح له بأن ينجح في مسعاه”.

أطلق ترامب حربا تجارية عبر فرض رسوم جمركية على الواردات من كندا، مكررا رغبته بأن يجعل منها “الولاية الأميركية الحادية والخمسين”.

وقال كارني البالغ من العمر 59 عاما إن “الأميركيين يريدون مواردنا ومياهنا وأرضنا وبلدنا، وإذا نجحوا فسوف يدمرون أسلوب حياتنا”.

واوضح في خطاب تناوب فيه على الحديث بالإنكليزية والفرنسية “في الولايات المتحدة … لن يُعطَ قط الحق في اللغة الفرنسية … متعة الحياة والثقافة واللغة الفرنسية هي جزء من هويتنا”.

وتعهد كارني، وهو حاكم سابق لبنك كندا خبرته السياسية محدودة، “ببناء اقتصاد جديد وإقامة علاقات تجارية جديدة”.

ويُتوقع أن يتم التسليم والتسلم بين ترودو الذي أعلن في كانون الثاني/يناير تنحّيه عن المنصب الذي شغله قرابة عقد من الزمن، وخلفه في غضون أيام مع تأليف الحكومة الجديدة.

ولكن من غير المرجح أن يبقى كارني في منصبه لفترة طويلة، إذ يُفترض أن تُجرى الانتخابات في موعد أقصاه تشرين الأول/أكتوبر.

انتخابات
وفي قصر المؤتمرات في العاصمة أوتاوا حيث نُصبت الأعلام الكندية تحت أضواء حمراء، هي لون راية الحزب، علا الهتاف عند إعلان النتائج.

واعتبر الناشط شون كروز التصويت مرادفا للأمل “إنها نتيجة جيدة. نحن بحاجة إلى وجه جديد في الحكومة ووجه جديد داخل الحزب”.

واعربت لوزميندا لونكينز التي أرتدت ملابس حمراء عن سعادتها لوجود حزب قوي في مواجهة المحافظين الذين يؤكدون أن “البلاد منهارة” مضيفة “لكن هذا خطأ. دونالد ترامب نجح في توحيد البلاد، وأصبح لدينا الآن عدو مشترك!”.

من جهته شدد ترودو في خطاب وداعي ألقاه أمام أنصار الحزب، على أن كندا تواجه “تحديا وجوديا” بسبب تهديدات ترامب.

ويتعين على كارني، المتحدر من غرب كندا، أن يرص صفوف حزبه سريعا استعدادا للانتخابات المقبلة.

وقال كاميرون دي أندرسون من جامعة ويسترن أونتاريو “إنه يعد المرشح الوحيد الذي يمنح الليبراليين فرصة الفوز في الانتخابات المقبلة”.

تهنئات دولية
تراجعت بشكل ملحوظ شعبية الليبراليين الذين يحمّلهم الكنديون المسؤولية عن مشكلات عدة، خصوصا زيادة التضخم وأزمة السكن.

لكن وصول دونالد ترامب أدى إلى إعادة خلط الأوراق السياسية.

وكارني خبير اقتصادي تخرج من جامعة هارفارد في الولايات المتحدة وأكسفورد في المملكة المتحدة، وحقق ثروته كمصرفي في بنك غولدمان ساكس قبل أن يصبح حاكما لبنك كندا ثم بنك إنكلترا.

وبيَّن استطلاع للرأي نشره معهد آنغس ريد الأربعاء أن كارني هو المرشح المفضل لدى الكنديين لمواجهة ترامب، إذ اختاره 43 بالمئة من المشاركين في الاستطلاع، في مقابل 34 بالمئة فضّلوا زعيم المحافظين بيار بوالييفر.

وهنأت الصين التي كانت علاقاتها مع كندا متوترة، كارني، لكنها أعربت عن املها في “أن يتمكن الجانب الكندي من الحفاظ على وجهة نظر موضوعية وعقلانية … واتباع سياسة إيجابية وعملية” تجاهها، بحسب متحدث باسم وزارة الخارجية.

وقال رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر إنه يتطلع إلى “العمل بشكل وثيق مع كارني بشأن الأولويات الدولية المشتركة، وخاصة داخل مجموعة الدول السبع”.

في حين أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أنه “في الوقت الذي نواجه فيه العديد من التحديات، فإن العلاقات بين فرنسا وكندا أقوى من أي وقت مضى”.

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author moh moh

See author's posts

مقالات مشابهة

  • رئيس وزراء كندا المقبل يؤكد أن بلاده “ستنتصر” أمام تهديدات ترامب
  • الأمم المتحدة تؤكد تصاعد العنف في شرق الكونغو الديمقراطية
  • النائب العام: لم نطلب القبض على عرمان في كينيا وسنحاكم سياسيين تابعين لـ”حمدوك” 
  • أميركا تأمر موظفيها غير الأساسيين بمغادرة جنوب السودان
  • لعنة ميونخ تعود من جديد
  • استطلاع رأي: أكثر من نصف الأوروبيين يعتبرون ترامب “ديكتاتور”
  • مقرر أممي: مخطط تهجير فلسطينيي غزة “وهم”
  • قضية “اولاد المرفحين”.. الفرنسية التي قدمت شكاية الإغتصاب تسحب شكايتها
  • صحيفة بريطانية: أميركا تسعى لصفقة معادن مع الكونغو الديمقراطية
  • “الوزاري الخليجي” يؤكد دعمه الكامل للحل السياسي في اليمن