فيصل محمد صالح
يبدو أنَّ السودان سيشهد تحولاً كبيراً خلال الأسابيع المقبلة تقوده نحو خيارين لا ثالث لهما، إما اتفاق سياسي وعسكري لوقف إطلاق النار، ومن ثم الدخول في حوار سياسي موسع حول مستقبل البلاد، وإما خيار الانهيار الشامل والدخول في متاهة لا يمكن التنبؤ بعمقها ولا احتمالات الخروج منها. لقد وصلت الحرب لنهاياتها المنطقية ولم يعد هناك مفر من مواجهة الخيارات المحدودة المتاحة.
واحد من المؤشرات هو حالة الانهيار التي تشهدها
القوات المسلحة السودانية، حتى صارت الحاميات والمناطق العسكرية تتساقط مثل قطع الدومينو، ويشاهد السودانيون بحسرة وأسى احتلال «قوات
الدعم السريع» المدن والقرى بوتيرة متسارعة. خلال أيام قليلة، هاجمت «قوات الدعم السريع» مدينة سنار، ثم التفت حولها لتحتل منطقة «جبل موية» الاستراتيجية، التي جعلتها تتحكم في تقاطع عدد من الطرق المهمة. ثم ما هي إلا ساعات وسقطت مدينة سنجة، ثم وصلت «قوات الدعم السريع» لمدينة الدندر، ثم المزموم، وكبري دوبا. في الوقت نفسه كانت «قوات الدعم السريع» تتحرك في ولايتي دارفور وكردفان، فتعود لمهاجمة الفاشر، وتحتل منطقة وحامية الميرم في كردفان. في كل هذه المواقع، ما عدا في جبل موية، لم يحدث قتال حقيقي، بل كانت
قوات الجيش تنسحب من المناطق دون قتال، ما أثار علامات استفهام كثيرة في أذهان السودانيين. والمدهش أنه وبعد كل انسحاب كانت فيديوهات «قوات الدعم السريع» تظهر كميات العتاد العسكري والأسلحة والذخائر التي تركتها الوحدات المنسحبة خلفها، ما يظهر أن الأمر لا يتعلّق بحجم التسليح ولا الإمكانات القتالية، لكنه يتعلق بالروح المعنوية المنخفضة أو الغائبة من ناحية، والقيادة والتخطيط المفقودين من ناحية ثانية. وقعت القوات المسلحة لعقود تحت وطأة التسييس والاستغلال الحزبي من جانب حكم الحركة الإسلامية، الذي ظهر في عمليات التخلص من الضباط المؤهلين واستبدال أهل الولاء بهم، بغض النظر عن الكفاءة، ثم بعد ذلك ظهر النشاط الاقتصادي والصناعي للمؤسسة العسكرية الذي شغل القيادات العليا في الجيش وصرفها عن الاهتمام بالتجنيد والتدريب والتأهيل. وقد حانت الفرصة لإصلاح كل ذلك مع سقوط النظام القديم في أبريل (نيسان) 2019 وقيام مؤسسات الحكم الانتقالي، لكن المجموعة العسكرية، ومن خلفها بقايا النظام القديم، قاومت ذلك، واتجهت لتشكيل تحالف مع «قوات الدعم السريع» لمواجهة السلطة الانتقالية المدنية، ثم الانقلاب عليها في 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021. وكعربون للتحالف مع «الدعم السريع» فتحت المجموعة العسكرية الباب واسعاً للجنرال حميدتي للاتجاه لتجنيد عشرات الآلاف وتزويد قواته بأحدث الأسلحة، وإقامة علاقات إقليمية ودولية من خلال موقعه نائب رئيس مجلس السيادة. ولم تحاول قيادة الجيش وضع أي تصور لدمج «قوات الدعم السريع» في القوات المسلحة أو تسريحها بطريقة سلمية، بل كانت ترفض دعوات الشارع لذلك وتهاجم المطالبين بحل ودمج هذه القوات. وخلال عام ونصف العام ما بين الانقلاب العسكري وانطلاق الحرب في أبريل 2023، قتلت قوات الأمن ما لا يقل عن 150 ضحية في المظاهرات السلمية التي كانت تطالب بحل «قوات الدعم السريع» وعودة العسكر للثكنات. والحقيقة التي لا يمكن إنكارها أن الطرفين كانا يستعدان للحرب، كل بحسب قدراته، وكان الانطباع العام أن الجيش سيسحق «قوات الدعم السريع» في مدى أيام قليلة، لكن التخوف كان من الخسائر في الأرواح والمباني في العاصمة الخرطوم، ثم ما يمكن أن تحدثه مجموعات «الدعم السريع» المتفرقة التي ستلجأ لبوادي دارفور. كل هذه التصورات والتكهنات ظهر خطلها، واتضح أن الجيش الذي تم إهماله لعقود لم يكن مستعداً ولا جاهزاً، وأنه تم توريطه في حرب لم يستطع التعامل معها، وإن استمرت حالة الانسحابات وتسليم المدن والمواقع تسليم مفتاح، فمن المتوقع الوصول لحالة الانهيار الشامل، للوطن كله، وليس للجيش فقط، فلا يظنن أحد أن في مقدور «قوات الدعم السريع» إعلان انتصار وتشكيل حكومة وإدارة البلاد، بل ما سيحدث هو انحلال وتلاشي الدولة السودانية الموحدة. لا تزال هناك فرصة وحيدة للخيار الثاني، وهو وقف الحرب والاتجاه نحو حوار سياسي شامل لوضع تصورات لمرحلة ما بعد الحرب، وعملية إنزال الفرصة للأرض تحتاج إلى قرار وطني شجاع لمن يستشعرون خطورة الوضع، ثم حالة إجماع إقليمي ودولي حاسم يعمل على استثمار الفرصة وتوفير الإمكانات لتحققها .
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية:
قوات الدعم السریع
إقرأ أيضاً:
مشروع قرار في مجلس النواب الأمريكي لحظر بيع الأسلحة للإمارات بسبب الدعم السريع
قدم السيناتور الأمريكي كريس فان هولين مشروع قرار يسعى إلى وقف مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى الإمارات إلى حين تأكد الولايات المتحدة بأن الإمارات لا تسلح قوات الدعم السريع وفقا لرويترز.
وتقدم فان هولين بمشروع قرار مشترك في هذا الشأن إلى مجلس الشيوخ، بينما قدمت زميلته الديمقراطية سارة جاكوبس مشروع قرار مماثل إلى مجلس النواب، إلا أنه من غير المرجح أن تحظى جهودهما بدعم كبير في الكونجرس، إذ اعتبرت الإدارات الأمريكية بقيادة رؤساء من كلا الحزبين الإمارات شريكا أمنيا إقليميا محوريا، ولكنها ستسلط الضوء على صراع أصبح من أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم.
وقال فان هولين في بيان، "الإمارات شريك مهم في الشرق الأوسط، لكن الولايات المتحدة لا يمكنها أن تبقى مكتوفة الأيدي بينما تدعم وتؤجج الكارثة الإنسانية في السودان. علينا أن نستخدم نفوذنا لمحاولة حل هذا الصراع سليما".
وينص القانون الأمريكي على أن يراجع الكونجرس صفقات الأسلحة الكبيرة، ويسمح لأعضاء مجلس الشيوخ بفرض إجراء التصويت على قرارات رفض من شأنها وقف تلك المبيعات. ورغم أن القانون لا يسمح لأعضاء مجلس النواب بفرض مثل هذا التصويت، إلا أن القرارات يتعين أن تحصل على موافقة مجلسي الكونجرس، وألا يعطلها البيت الأبيض بحق النقض، لكي تدخل حيز التنفيذ.
والأسبوع الماضي، دعت السيناتور في الكونغرس الأمريكي، سارة جاكوب، إلى حظر الأسلحة عن الإمارات العربية المتحدة بسبب دعمها قوات الدعم السريع في السودان، وذلك على وقع تقارير تفيد بقيام هذه الأخيرة بتسميم طعام مئات السودانيين في ولاية الجزيرة.
وقالت جاكوب، الأربعاء، إن "التقارير التي تفيد بأن قوات الدعم السريع سممت الطعام في السودان، حيث يعاني الملايين من الناس من المجاعة، مخزية".
وأضافت في تدوينة عبر حسابها الرسمي على منصة "إكس" (تويتر سابقا): "لا بد من محاسبة قوات الدعم السريع وداعميها الخارجيين، وخاصة الإمارات العربية المتحدة".
وشددت السيناتور الأمريكية على ضرورة قيام "الولايات المتحدة بقطع الأسلحة عن الإمارات حتى تتوقف عن تسليح قوات الدعم السريع".
ويتهم السودان دولة الإمارات بتقديم الدعم لقوات الدعم السريع التي تخوض صراعا ضد الجيش للعام الثاني على التوالي، الأمر الذي أدى إلى تدهور الأوضاع الإنسانية وانتشار المجاعة.