تحذيرات إسرائيلية من مآلات الحرب في غزة.. ما دلالاتها وكيف يمكن قراءتها؟
تاريخ النشر: 9th, July 2024 GMT
تداعيات العدوان الإسرائيلي على غزة، والخسائر الفادحة التي تكبدها جيش الاحتلال في المعدات والأرواح، وانعكاس ذلك على تماسك الجبهة الداخلية، أعادت للواجهة من جديد الحديث عن الهواجس الإسرائيلية من تفكك الدولة وانهيارها، والتي عبر عنها مسؤولون وأكاديميون وكتاب إسرائيليون في مناسبات وأوقات مختلفة.
وكان لافتا في هذا السياق تحذير صحيفة هآرتس الإسرائيلية في افتتاحية عددها الصادر في 7 حزيران/يونيو الماضي، تعليقا على أحداث "مسيرة الأعلام" التي نظمها متطرفون إسرائيليون قبل ذلك بأيام من أن "العد التنازلي لانهيار إسرائيل بدأ".
وقالت الصحيفة في افتتاحياتها "إذا لم يتحرك المركز الإسرائيلي لإعادة المتطرفين إلى هامش المجتمع، والقضاء على الكاهانية وإزالة آفة الاحتلال الخبيثة من جسد الدولة، فستكون مسألة وقت فقط قبل انهيار إسرائيل النهائي.. لقد بدأ العد التنازلي".
واستشهدت الصحيفة بتحذير الفيلسوف يسعياهو ليبوفيتش من أن "الفخر الوطني والنشوة التي أعقبت حرب الأيام الستة (حرب يونيو 1967) مؤقتة، وستقودنا من القومية الفخورة الصاعدة إلى القومية المتطرفة، والمسيانية المتطرفة، ثم ستكون المرحلة الثالثة هي الوحشية والمرحلة الأخيرة ستكون نهاية الصهيونية" على حد قوله.
تلك التحذيرات ومثيلاتها التي يطلقها مسؤولون وأكاديميون إسرائيليون ووسائل إعلام إسرائيلية على خلفية أحداث ووقائع مختلفة ما خلفياتها وسياقاتها؟ وما دلالاتها؟ وكيف يمكن قراءتها؟ وهل تأتي بدوافع انتخابية وصراعات حزبية داخلية أم تمثل تهديدات وجودية تشكل خطرا حقيقيا على إسرائيل؟
في هذا الإطار رأى الكاتب والأكاديمي الفلسطيني، الدكتور أحمد جميل عزم أن "فكرة انهيار إسرائيل لا زالت تبدو جزءا من التفكير الرغائبي، فقد يكون المشروع الصهيوني يمر بسلسلة أزمات، لكن إسرائيل موحدة ضد الفلسطينيين، ولا يوجد رفض للحرب، وتحظى بدعم أمريكي هائل عسكريا وماليا".
وأضاف: "أية خلافات سياسية، لا يبدو أنها وصلت حد التأثير على العلاقة مع إسرائيل، فحتى خلافات التسليح تعلق بأنواع محددة من السلاح.. والصهيونية العالمية لا زالت توفر المال والدعم السياسي لإسرائيل".
وواصل عزم حديثه لـ"عربي21" لافتا إلى أن "مواجهات ما بعد 7 أكتوبر هي الأخطر التي تواجهها إسرائيل في تاريخها، خصوصا تداعيات ذلك على الإسرائيليين من حيث الاستنزاف، ولعل الانقسام الداخلي الإسرائيلي بين الحرديم والعلمانيين، وبين الصهيونية المتدينة وباقي المكونات وصلت مدى جديدا في الحدة، وقد تغير شكل وهوية المشروع الإسرائيلي من يهودية اشتراكية، ويهودية ليبرالية إلى صهيونية دينية تمارس الاضطهاد العنصري دون خجل".
د. أحمد جميل عزم كاتب وأكاديمي فلسطيني
وأوضح أن "فكرة انهيار إسرائيل من الداخل فكرة قديمة موجودة منذ السبعينيات على الأقل، وهي جزء مما نعزي به أنفسنا. لكن وبمعايير القوة التقليدية فإسرائيل لغاية الآن لا تواجه خطرا وجوديا، والفلسطينيون ليسوا موحدين ولا هم أقوياء كفاية، ولا يلقون دعما عربيا أو دوليا، والأولى بدل نقاش مثل هذه الأفكار المتعلقة بانهيار إسرائيل أن نناقش كيف نوقف الانهيار العربي، وكيف نصلح البيت الفلسطيني الداخلي".
من جهته وصف الباحث والمؤرخ الفلسطيني، عبد العزيز أمين عرار ما ورد في افتتاحية صحيفة هآرتس بشأن تحذيرها من انهيار إسرائيل بـ"الحقيقة التي تظهر علاماتها على أكثر من صعيد في ظل الضربة الاستباقية التي وجهتها حركة حماس في ظل غفوة للاحتلال، وما أظهرته الأحداث من قوة فصائل المقاومة وقدرتها على الصمود والثبات وهي تحارب أمريكا والكيان والدول السبع الأوروبية ومن يعاضدها من أنظمة العرب".
وأضاف: "إن جميع ذلك من المؤشرات التي تدل على ضعف الكيان الصهيوني، وتبرز خللها البادي للعيان، والحق يقال إن ما تنشره أقلام صهيونية في هآرتس هو جزء من استقلالية هذه الصحيفة، ويعد تعبيرا عن صراحة كتاب يهود سواء اختلفوا حزبيا، أو كانت أقلام أكاديمية وجامعية، حيث باتت ثقة الجميع مهزوزة بعد فشل جيش الاحتلال في زحزحة المقاومة في غزة وإعلان نصرها الذي تطمح إليه".
عبد العزيز عرار باحث ومؤرخ فلسطيني
وعن مدى انتشار تلك التخوفات في الأوساط الإسرائيلية ومعرفة دوافعها إن كانت بالفعل تشكل خطرا وجوديا على إسرائيل أم أنها تأتي في سياق صراعات داخلية، وتنافسات حزبية لفت عرار إلى أنها تعبر عن "العديد من الأكاديميين، وحتى في أوساط الناس العاديين الذين يختلط بهم العمال في مزارعهم ومصانعهم وورشهم، إذ إنهم يتلقون لأول مرة في تاريخ الصراع ضربة بهذا المستوى".
وأردف: "وإذا ما نظرنا إلى صراعاتهم السياسية، وتتبعنا ما يجري من مناكفات ومماحكات سياسية بينهم، ومعارضتهم لرئيس الوزراء نتنياهو نجد أنهم ليسوا على قناعة بإمكانية تحقيق أهدافه التي وضعها للقضاء على حماس، مع وجود جماعات دينية مؤمنة بأن تاريخ دولتهم لن يطول، وهذا موقفهم قبل الحرب، ومنهم جماعة ناطوري كارتا".
بدوره لفت الباحث في الصراع الإسرائيلي العربي، عادل شديد إلى أن "عقدة العقد الثامن لا زالت تسيطر على العقل والوعي الجمعي الإسرائيلي، ولم تغب عن الكثيرين منهم طيلة السنوات والعقود الماضية، حتى في ذروة قوة إسرائيل في المنطقة".
وأضاف: "أما اعتبار هذا القلق والخوف من انهيار إسرائيل كجزء من النقاش الحزبي الداخلي على خلفية انتخابية فلا أرى ذلك، لأن هذا الحديث يقلق الإسرائيليين ويخيفهم، لذا فمن يتبنى هذا الخطاب لن يستفيد من ذلك، لكن في تقديري أن ما أعاد طرح الموضوع مجددا هو الخلافات العميقة التي عصفت بإسرائيل بعد تشكيل الحكومة الحالية، قبل سنة ونصف تقريبا".
وتابع شديد حديثه لـ"عربي21" بالقول: "ومن المعروف أن تلك الحكومة ضمت غلاة اليمين الديني، وغلاة اليمين الديني القومي، وهم أصحاب فكرة أرض إسرائيل الكبرى الواحدة والموحدة، وأصحاب الفكر الديني الشريعاتي (المسيحاني) الذين يرون في المظاهر العلمانية والليبرالية أحد عوامل تفكيك إسرائيل".
عادل شديد باحث في الصراع الإسرائيلي العربي
وأردف: "ثم إن هذه الجماعات ذاهبة نحو المواجهة باتجاهين، مواجهة باتجاه الداخل الإسرائيلي، وأخذها باتجاه ديني شريعاتي، وإلغاء المنظومة القيمية القانونية والليبرالية والديمقراطية، وفرض الشريعة اليهودية على جميع مناحي الحياة، ثم إن التيار القومي ذاهب باتجاه مواجهة مفتوحة مع الفلسطينيين والعرب، وهدم الأقصى".
وقال شديد: "ومن الملاحظ في الآونة الأخيرة إبان الحرب على غزة، والجبهات المفتوحة في الضفة ولبنان والعراق واليمن أن هذه المواجهات في فلسطين وخارجها لم تفضِ إلى تهدئة وإطفاء نار الخلافات الداخلية في إسرائيل، بل استمرت تلك الخلافات وتصاعدت، وهو ما اعتبر من قبل مجموعة من النخب الفكرية والأكاديمية في إسرائيل أنها ذاهبة باتجاه التفكك، وأن الحروب الداخلية الأهلية مسألة وقت في حال توقف الحروب الخارجية".
وخلص في ختام حديثه إلى التأكيد على أن "عقدة العقد الثامن قائمة، وأن الانقسامات والشروخات في إسرائيل موجودة، والتي حولت إسرائيل من مجتمع يفترض أن يكون متماسكا في هذا البحر الكبير من الأعداء وفق الخطاب الإسرائيلي إلى قبائل متناحرة ومتناقضة، وغير متفقة، وتصاعد المواجهة الخارجية التي باتت وبشكل واضح تدلل على أن إسرائيل غير قادرة على حسمها في ظل انهيار اقتصادي، وغياب الأمن الفردي والوجودي، والذي يضرب بالأساس بالوجود الحقيقي لإسرائيل في المنطقة".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير تقارير غزة الاحتلال حرب الفلسطيني احتلال فلسطين غزة حرب مآلات تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
إحصائية بالخسائر التي خلفتها حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة .. تقرير
الجديد برس|
كشفت معطيات إحصائية جديدة حجم ما ألحقته آلة القتل والتدمير الإسرائيلية في القطاع غزة على مدار 470 يومًا من حرب الإبادة الجماعية التي طاولت كل مقومات الحياة الإنسانية.
وقدر المكتب الإعلامي الحكومي في تقرير إحصائي نشره اليوم الثلاثاء، الخسائر الأولية المباشرة للحرب بأكثر من 38 مليار دولار، فيما بلغت نسبة الدمار 88%.
وبين أن جيش الاحتلال ألقى طوال فترة الحرب على غزة 100 ألف طن من المتفجرات، استشهد على إثرها 46 ألفًا و960 مواطنا، بينهم 17 ألفًا و861 طفلًا منهم 214 رضيعًا و808 أطفال دون عمر السنة، بالإضافة لارتقاء 12 ألفًا و316 امرأة، مشيرا إلى نسبة الأطفال والنساء تشكل 70% من إجمالي عدد الضحايا.
وسجل الإعلام الحكومي 14 ألفًا و222 مفقودًا، ونحو 110 آلاف و725 إصابة، بينهم 15 ألفًا بحاجة لعمليات تأهيل طويلة الأمد، و4 آلاف و500 حالة بتر، موضحا أن 18% من إجمالي حالات البتر سجلت بين الأطفال، فيما يحتاج 12 ألفًا و700 جريح للعلاج في الخارج.
وأوضح الإعلام الحكومي أن 38495 طفلًا يعيشون بدون والديهم أو بدون أحدهما، فيما فقدت 13901 من النساء أزواجهن خلال الحرب.
وفي تفاصيل ممارساته الإجرامية، ارتكب الاحتلال مجازر مروّعة ضد العائلات الفلسطينية طيلة أشهر الحرب، حيث أباد 2092 عائلة بمجموع عدد أفراد 5967 شهيدًا، في حين أنّ 4889 عائلة أخرى فقدت جميع أفرادها باستثناء فرد واحد (الناجي الوحيد)، ليصل عدد شهداء هذه العائلات إلى أكثر من 8980 شهيدًا.
النزوح والجوع
في حين أجبرت حرب الإبادة مليونين من مواطني قطاع غزة البالغ عددهم حوالي 2.3 مليون فلسطيني، على النزوح في أوضاع مأساوية مع شح شديد متعمد في الغذاء والماء والدواء، حسب إحصاءات المكتب الإعلامي الحكومي. وأشار إلى أنّ 110 ألف خيمة اهترأت وأصبحت غير صالحة للنازحين، فيما أُصيب أكثر من مليونين و136 ألفًا بأمراض معدية نتيجة النزوح، فيما انتقلت عدوى التهابات الكبد الوبائي لنحو 71 ألفًا و338 نازحًا.
وفي غزة، شدد المكتب على أن “الناس ماتت جوعًا ومن البرد أيضًا”، إذ استشهد 8 فلسطينيين بينهن 7 أطفال من شدة البرد في الخيام، فيما استشهد 44 نتيجة سياسة التجويع التي انتهجها الاحتلال خلال أشهر الحرب ضد سكان القطاع تحديدًا محافظتي غزة وشمالها لحملهم على الهجرة القسرية، ولا يزال الموت يتهدد نحو 3 آلاف و500 طفل في القطاع بسبب سوء التغذية.
وعلى مدار أكثر من 15 شهرا من الإبادة التي ارتكبها الاحتلال بغزة، لم يسلم القطاع الصحي من دائرة الاستهداف المباشر والحصار المشدد، حيث وصل عدد شهداء الطواقم الطبية ألف و155 شهيدًا ونحو 360 معتقلًا أعدم منهم 3 أطباء داخل السجون.
المستشفيات والدفاع المدني
ومنذ السابع من أكتوبر ألو 2023، طال العدوان 34 مستشفى في قطاع غزة من خلال حرقها أو الاعتداء عليها أو إخراجها من الخدمة، فيما تعمل بقية المستشفيات بقدرات محدودة للغاية.
وأدى العدوان، وفي معطيات الإعلام الحكومي، لإخراج 80 مركزا صحيا عن الخدمة بشكل كامل، كما استهدف الاحتلال 162 مؤسسة صحية أخرى، فضلًا عن استهداف وتدمير 136 سيارة إسعاف مما أدى إلى شلل كبير بقدرة الطواقم الطبية على الاستجابة لحالات الطوارئ.
أما طواقم الدفاع المدني فقد استشهد منهم 94 عاملًا، واعتُقل 26 آخرين من إجمالي 6 آلاف و600 حالة اعتقال نفذها الاحتلال في قطاع غزة منذ بادية الحرب، ووضعتهم تحت ظروف قهرية بدنية ونفسية قاسية، ومارست عليهم شتى أنواع التعذيب والتنكيل، وواجه بعضهم عمليات اغتصاب وتحرش جنسي.
وخلال الحرب دمر الاحتلال 19 مقبرة بشكلٍ كلي وجزئي من أصل 60 مقبرة، وانتهك حرمة الأموات بسرقة ألفي و300 جثمان من المقابر. كما اكتشفت الطواقم المختصة 7 مقابر جماعية أقامها الاحتلال داخل المستشفيات، جرى انتشال 520 شهيدًا منها.
كما لم تسلم بيوت العبادة من العدوان، حيث تعرض 823 مسجدًا للهدم الكلي بفعل الاستهداف المباشر، و158 مسجدا بشكلٍ بليغ بحاجة لإعادة ترميم، إلى جانب استهداف وتدمير 3 كناس في القطاع، و206 مواقع أثرية.
وشدد الإعلام الحكومي على تعمد جيش الاحتلال منذ بداية الحرب، استهداف الصحفيين وملاحقتهم في محاولة لطمس الحقيقة التي أصروا على نقلها رغم المخاطر التي أحاطت بهم، إذ أسفرت الغارات الإسرائيلية عن استشهاد 205 صحفيين، إصابة 400 آخرين، واعتقال 48 صحفيًا معلومة هوياتهم.
البنية التحتية السكانية والخدماتية
ووفق الإحصاءات، تعرضت 161 ألفًا و600 وحدة سكنية في قطاع غزة للهدم الكلي بفعل القصف الإسرائيلي، إلى جانب 82 ألفا أخرى أصحبت غير صالحة للسكن، و194 ألفًا تضررت بشكل جزئي بدرجات متفاوتة.
وهدم جيش الاحتلال 216 مقرًا حكوميًا بشكل كلي، وارتكب 150 جريمة استهدف فهيا عناصر شرطة وتأمين مساعدات، خلّفت 736 شهيدًا. وطالت سياسة التدمير القطاع التعليمي في غزة، حيث هدم الاحتلال كليًا 137 مدرسة وجامعة، فيما تضررت 357 مدرسة وجامعة بشكلٍ جزئي.
أما ما عدد ما قتله الاحتلال من طلبة ومعلمين وأساتذة وباحثين، فقد أحصى “الإعلام الحكومي” استشهاد 12 ألفًا و800 طالب وطالبة، و760 معلمًا وموظفًا تربويًا في سلك التعليم، و150 عالمًا وأكاديميًا وأستاذًا جامعيًا وباحثًا.