نشرت مجلة "972" الإسرائيلية المعارضة تقريرا استعرضت فيه شهادات جنود إسرائيليين تحدّثوا عن الغياب شبه الكامل لقوانين إطلاق النار والاشتباك في حرب غزة، حيث يطلقون النار متى شاؤوا ويضرمون النار في المنازل التي يمرون بها، ويتركون جثث من الشهداء في الشوارع، وكل ذلك يحدث بموافقة قادتهم في الجيش.

وقالت المجلة، في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن قناة الجزيرة بثت في أوائل حزيران/يونيو سلسلة من مقاطع الفيديو الصادمة التي وصفتها بـ "الإعدامات الميدانية" حيث ظهر جنود إسرائيليون وهم يطلقون النار على عدد من الفلسطينيين كانوا يسيرون بالقرب من الطريق الساحلي في قطاع غزة.

حدث ذلك في ثلاث مناسبات منفصلة، وبدا أن الفلسطينيين كانوا في كل حالة غير مسلحين ولم يشكّلوا تهديدا وشيكا لهؤلاء الجنود.

تعتبر مثل هذه اللقطات نادرة نظرا للقيود الشديدة المفروضة على الصحفيين في المنطقة المحاصرة والخطر المستمر على حياتهم. لكن هذه الإعدامات، التي لم تظهر أي منطقٍ أمني، تتوافق مع شهادات ستة جنود إسرائيليين تحدثّوا مع مجلة 972+ ولوكال كال بعد تسريحهم من الخدمة الفعلية في غزة في الأشهر الأخيرة. مشيرين إلى شهادات شهود عيان وأطباء فلسطينيين طوال الحرب، وصف الجنود كيف تم السماح لهم بإطلاق النار على الفلسطينيين دون قيود تقريبا، بما في ذلك المدنيين.

وذكرت المجلة أن الجنود الستة من الجيش الإسرائيلي - الذين تكلّم كل واحد منهم شرط عدم الكشف عن هويته ما عدا واحد فقط - رووا كيف أعدم الجنود الإسرائيليون بشكل روتيني المدنيين الفلسطينيين لمجرد أنهم دخلوا منطقة صنّفها الجيش بأنها "منطقة محظورة".
وتَرسم الشهادات صورة لمنطقة تنتشر فيها جثث المدنيين التي تترك لتتعفن أو تأكلها الحيوانات الضالة ولا يقوم الجيش بإخفائها عن الأنظار إلا قبل وصول قوافل المساعدات الدولية، حتى "لا تظهر صور لأشخاص في مراحل متقدمة من التحلل". وشهد جنديّان على السياسة المنهجية لإشعال المنازل الفلسطينية بعد الاستيلاء عليها.

وذكرت المجلة أن عدة مصادر وصفوا كيف مثّلت قدرة الجنود على إطلاق النار دون قيود وسيلة للتخفيف من التوتر أو الملل في روتينهم اليومي. قال جندي احتياطي خدم في شمال غزة "لقد أطلقت شخصيا بعض الرصاصات دون سبب، نحو البحر أو الرصيف أو مبنى مهجور، أو ما يعرف بـ 'نيران طبيعية'، وهو الاسم الرمزي لـ 'أنا أشعر بالملل، لذلك أطلق النار".

ومنذ الثمانينيات، رفض جيش الاحتلال، الكشف عن قوانين إطلاق النار المعمول بها من قبله على الرغم من تقديم العديد من الالتماسات إلى المحكمة العليا. ووفقا لعالم الاجتماع السياسي ياجيل ليفي، فإن الجيش الإسرائيلي منذ الانتفاضة الثانية "لم يقدم للجنود قواعد اشتباك مكتوبة" تاركا الكثير لتفسير الجنود في الميدان وقادتهم. بالإضافة إلى المساهمة في قتل أكثر من 38 ألف فلسطيني، أقرّ هؤلاء الجنود بأن هذه التعليمات المتساهلة كانت جزئيا مسؤولة أيضا عن العدد الكبير من الجنود الذين قتلوا بنيران صديقة في الأشهر الأخيرة.



ونقلت المجلة عن جندي آخر خدم في القوات النظامية في غزة لعدة أشهر، بما في ذلك في مركز قيادة كتيبته، "كان هناك حرية كاملة في العمل. إذا كان هناك حتى شعور بالتهديد، فلا توجد حاجة لشرح - فقط تطلق النار. وعندما يرى الجنود شخصا يقترب، يسمح بإطلاق النار على مركز الكتلة جسمه، وليس في الهواء". وأضاف هذا الجندي "يسمح بإطلاق النار على الجميع، سواء فتاة صغيرة أو حتى امرأة مسنة".

وقد وصف هذا الجندي حادثة وقعت في تشرين الثاني/ نوفمبر عندما قتل الجنود عدة مدنيين خلال عملية إخلاء مدرسة قريبة من حي الزيتون في مدينة غزة كانت تستخدم كمأوى للفلسطينيين النازحين. وقد أمر الجيش بإخلاء النازحين نحو اليسار باتجاه البحر بدلا من التوجه إلى اليمين حيث يتمركز الجنود. وعندما اندلع اشتباك داخل المدرسة، تم إطلاق النار على كل من اتجه نحو اليمين في خضم الفوضى.

ذكر هذا الجندي "كانت هناك معلومات استخبارية تفيد بأن حماس تريد خلق حالة من الذعر. وقع الاشتباك داخليا فهرب الناس. هرب البعض نحو اليسار باتجاه البحر لكن البعض الآخر ركضوا نحو اليمين، وكان بينهم أطفال. وقد قتل كل من توجّه نحو اليمين - من 15 إلى 20 شخصا. كانت هناك كومة من الجثث".

"أطلق الجنود النار كما يريدون، بكل قوتهم"

ونقلت المجلة عن هذا الجندي أن التمييز بين المدنيين والمقاتلين في غزة كان صعبا، بتعلة أن أعضاء حماس غالبا ما "يتجوّلون من دون أسلحتهم. ولكن كنتيجة لذلك، كان يشتبه في كل رجل بين سن 16 و50 سنة بأنه إرهابي". تابع هذا الجندي: "إذا رأينا شخصا ينظر إليها من نافذة، فهو مشتبه به لذلك نطلق النار. ففي تصوّر الجيش أي مواجهة مع السكان تعرّض القوات للخطر ويجب إنشاء وضع يحظر الاقتراب من الجنود تحت أي ظرف من الظروف. لقد تعلّم الفلسطينيون أنه عليهم الفرار عندما ندخل".

حتى في المناطق التي تبدو غير مأهولة أو مهجورة في غزة، انخرط الجنود في إطلاق نار كثيف في عملية تعرف باسم "إظهار الحضور". وقد شهد جندي احتياطي آخر كيف كان زملاؤه "يطلقون النار كثيرا، حتى بدون سبب". وفي بعض الحالات، أشار إلى أنهم كانوا يهدفون "إلى.. إخراج الناس من مخابئهم أو إظهار حضورهم".

في سياق متصل، أوضح جندي احتياطي آخر خدم في قطاع غزة أن هذه الأوامر كانت تأتي مباشرة من قادة الكتيبة في الميدان، مضيفا "عندما لا تكون هناك أي قوات أخرى للجيش الإسرائيلي في المنطقة.. يكون إطلاق النار غير محدود، جنونيا. وليس فقط بالأسلحة الصغيرة، بل أيضا البنادق الآلية والدبابات وقذائف الهاون".

وتذكر جندي آخر أنه سمع عبر الراديو كيف أن جنديا متمركزا في موقع حماية أطلق النار على عائلة فلسطينية تسير بالقرب من موقعه: "في البداية، يقولون أربعة أشخاص. ثم طفلين بالإضافة إلى شخصين بالغين، وفي النهاية يصبح رجلا، امرأة، وطفلين. يمكنك تجميع الصورة بنفسك".

ذكرت المجلة أن جنديا فقط من الجنود الستة الذين أجريت معهم المقابلة وافق على الكشف عن اسمه وهو يوفال غرين، جندي احتياط يبلغ من العمر 26 عاما من القدس خدم في اللواء 55 للجنود المظليين خلال شهري تشرين الثاني/ نوفمبر وكانون الأول/ ديسمبر الماضيين (وقد وقّع مؤخرا على رسالة من 41 جنديا احتياطيا أعلنوا رفضهم الاستمرار في الخدمة في غزة بعد غزو الجيش لرفح). أكد هذا الجندي "لم تكن هناك قيود على الذخيرة. كان الجنود يطلقون النار لتخفيف الملل فقط".

وصف غرين حادثة وقعت ليلة مهرجان حانوكا اليهودي في كانون الأول/ ديسمبر عندما "أطلقت الكتيبة بأكملها النار معا مثل الألعاب النارية، بما في ذلك الذخيرة المتوهجة".

وذكر جندي آخر خدم في غزة أنه عندما سمع الجنود طلقات نارية، كانوا يتصلون عبر الراديو لتوضيح ما إذا كانت هناك وحدة عسكرية إسرائيلية أخرى في المنطقة، وإذا لم تكن هناك، يفتحون النار. ولكن كما أشار هذا الجندي، فإن إطلاق النار من دون قيود يعني أن الجنود غالبا ما يتعرضون لخطر كبير من النيران الصديقة - الذي وصفه بأنه "أكثر خطورة من حماس. ففي مناسبات متعددة، أطلقت قوات الجيش الإسرائيلي النار في اتجاهنا. لم نرد، تحقّقنا عبر الراديو، ولم يصَب أحد".

في وقت كتابة هذا التقرير، ذكرت المجلة أنه قتل 324 جنديا إسرائيليا في غزة منذ بدء الغزو البري، 28 منهم على الأقل بنيران صديقة وذلك وفقا للجيش. وحسب شهادة غرين، كانت هذه الحوادث "المسألة الرئيسية" التي تعرّض حياة الجنود للخطر. فقد كان هناك الكثير من النيران الصديقة. كان هذا يقودني إلى الجنون".

بالنسبة لغرين، كانت قوانين الاشتباك أيضا تظهر لا مبالاة عميقة بمصير الأسرى. وأضاف "أخبروني عن ممارسة تفجير الأنفاق، وقلت في نفسي إنه إذا كان هناك رهائن فسوف يقتلونهم". بعد أن قتل الجنود الإسرائيليون في الشجاعية ثلاثة رهائن يحملون أعلاما بيضاء في كانون الأول/ ديسمبر ظنّا منهم أنهم فلسطينيون، قال غرين إنه كان غاضبا لكن تم إبلاغه بأنه "لا يمكننا فعل أي شيء." وأن "القادة رفعوا مستوى الإجراءات، قائلين إنه يجب أن تنتبه وتكون حساسا، لكن نحن في منطقة قتال، ويجب أن نكون يقظين".

وأكد جندي آخر أنه حتى بعد هذا الخطأ في الشجاعية الذي قيل إنه "مخالف لأوامر" الجيش، لم تتغير قوانين إطلاق النار. وأضاف هذا الجندي "بالنسبة للرهائن، لم يكن لدينا تعليمات محددة. وقال هو والجنود الذين كانوا معه أنهم سمعوا بعد مغادرتهم لغزة عن إطلاق النار على الرهائن فقط بعد أسبوعين ونصف من الحادث. حيال ذلك قال غرين "لقد سمعت تصريحات من جنود آخرين أن الرهائن قد ماتوا، وليس لديهم فرصة، ويجب التخلي عنهم. وما أزعجني أكثر ... أنهم استمروا في قول، نحن هنا من أجل الرهائن، لكن من الواضح أن الحرب تؤذي الرهائن. كانت هذه فكرتي آنذاك، واليوم تأكدت من صحتها".

الاستمتاع بتدمير المباني

نقلت المجلة عن ضابط خدم في مديرية العمليات بالجيش أن غرفة عمليات لوائه - التي تنسق القتال من خارج غزة، وتوافق على الأهداف وتمنع النيران الصديقة - لم تتلقَ أوامر واضحة لإطلاق النار لنقلها إلى الجنود على الأرض مشيرا إلى أنه "منذ اللحظة التي تدخل فيها، لا يكون هناك إحاطة في أي وقت. لم نتلقَ تعليمات من القيادة العليا لنقلها إلى الجنود وقادة الكتيبة". وأوضح هذا الضابط أن إطلاق النار على "المستشفيات والعيادات والمدارس والمؤسسات الدينية ومباني المنظمات الدولية" يتطلب تفويضا أعلى، لكنه قال إنه كان هناك في الواقع حالات قليلة لم يسمح فيها بإطلاق النار.

وأضاف الضابط أن المبدأ المعمول به في غرفة العمليات كان "اطلق النار أولا، ثم اطرح الأسئلة لاحقا".  كان هذا هو الإجماع.. لن يبكي أحد إذا سوّينا منزلا بالأرض دون وجود حاجة لذلك، أو إذا أطلقنا النار على شخص لم يكن علينا أن نطلق النار عليه".

وقال هذا الضابط إنه كان على علم بحالات أطلَق فيها الجنود الإسرائيليون النار على مدنيين فلسطينيين دخلوا منطقة عملياتهم، وهي شهادة تتوافق مع تحقيق لصحيفة هآرتس حول "مناطق القتل" في مناطق غزة التي تكون تحت احتلال الجيش. وأضاف "هذا هو الافتراض. لا يفترض أن يكون هناك مدنيون في المنطقة، هذا هو المنظور. رأينا شخصا يطل من نافذة، فتم إطلاق النار وقتله". وحسب هذا الضابط فإنه غالبا ما لا يكون واضحا من التقارير ما إذا كان الجنود قد أطلقوا النار على مسلحين أو مدنيين عزّل - و"في كثير من الأحيان، كان يبدو أن شخصا تورط في موقف، وفتحنا النار".

وفقا لهذا الضابط، فإن هذا الغموض حول هوية الضحايا يعني أنه لا يمكن الوثوق في تقارير الجيش عن عدد أعضاء حماس الشهداء ذلك أنه على حد تعبيره "...كل شخص قتلناه، اعتبرناه إرهابيا". وأضاف "كان الهدف عدّ عدد الإرهابيين الذين قتلناهم اليوم. كل جندي يريد أن يظهر أنه قوي. كان الفكرة أن جميع الرجال إرهابيون. أحيانا كان القائد يسأل فجأة عن الأرقام، ثم يطلع ضابط الفرقة على قوائم أنظمة الحاسوب العسكرية من لواء إلى لواء ويعدّ".

وذكرت المجلة أن شهادة هذا الضابط تتوافق مع تقرير حديث من موقع "ماكو" الإسرائيلي عن ضربة بطائرة مسيّرة نفّذتها إحدى الكتائب راح ضحيّتها فلسطينيون في منطقة عمليات كتيبة أخرى. وقد تشاور ضباط من كلتا الكتيبتين حول من يجب أن يسجّل القتلى. فقال أحدهما للآخر: "ما الفرق الذي يحدثه ذلك؟ سجّله لكلا الكتيبتين"، وذلك وفقا لما ورد في التقرير.

وخلال الأسابيع الأولى التي تلت الهجوم الذي نفّذته حماس في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، تذكّر الضابط أن "الناس كانوا يشعرون بالذنب الشديد لأن هذا حدث تحت مراقبتنا"، وهو شعور تشارك فيه الجمهور الإسرائيلي بأكمله - وتحول بسرعة إلى رغبة في الانتقام. وأضاف "لم يكن هناك أمر مباشر بالانتقام، لكن عندما تصل إلى نقاط اتخاذ القرار، يكون للتعليمات والأوامر والبروتوكولات بشأن الحالات الحساسة تأثير محدود".

وأوردت المجلة أنه عندما كانت الطائرات المسيّرة تبثّ لقطات حية لهجمات في غزة، "كان هناك هتافات فرح في غرفة العمليات"، وذلك حسب ما قاله الضابط.  ولاحظ هذا الضابط أن المفارقة تكمن في أن جزءا مما دفع الإسرائيليين للمطالبة بالانتقام كان الاعتقاد بأن الفلسطينيين في غزة كانوا يحتفلون بالموت والدمار الناتج عن أحداث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر. فضلا عن ذلك، كان عدد لا بأس به يعتقدون أن الطفل الذي يعيش اليوم سيصبح إرهابيا غدا.

وأضاف "كان الأمر يبدو كأنها لعبة حاسوب. فقط بعد أسبوعين أدركت أن هذه المباني الحقيقية تنهار فعليا، وأنه إذا كان هناك سكان داخلها، فإن المباني تنهار على رؤوسهم، وحتى إن لم يكن هناك سكان، فإنها تنهار مع كل شيء بداخلها".

رائحة الموت الرهيبة

حسب شهادات العديد من الجنود فإن سياسة إطلاق النار اللامشروط مكّنت الوحدات الإسرائيلية من قتل المدنيين الفلسطينيين حتى عندما يعرفونهم مسبقا أنهم كذلك. وقد روى جندي احتياطي آخر كيف أن كتيبته كانت متمركزة بجوار ما يسمى بـ "الممرات الإنسانية"، أحدها لمنظمات الإغاثة والآخر للمدنيين الذين يهربون من شمال القطاع إلى الجنوب. وضمن منطقة عمليات كتيبته، قاموا بتنفيذ سياسة "الخط الأحمر، الخط الأخضر"، التي تحدد مناطق يمنع المدنيون من دخولها.

ووفقا لهذا الجندي، كان يسمح لمنظمات الإغاثة بالتنقّل عبر هذه المناطق بتنسيق مسبق (أجريت مقابلة معه قبل سلسلة من الضربات الدقيقة الإسرائيلية التي قتلت سبعة موظفين من منظمة "وورلد سنترال كيتشن"). ولكن حسب هذا الجندي كان الأمر مختلفا بالنسبة للفلسطينيين ذلك أن "أي شخص يعبر إلى المنطقة الخضراء يصبح هدفا محتملا".



وأكد هذا الجندي أن المدنيين غالبا ما يأتون إلى المناطق التي تمر عبرها قوافل المساعدات للبحث عن فتات قد يسقط من الشاحنات. ومع ذلك، كانت السياسة هي إطلاق النار على أي شخص يحاول دخولها. وذكر هذا الجندي "كان واضحا أن هؤلاء المدنيين لاجئون، هم يائسون، ليس لديهم شيء"، إلا أنه في الأشهر الأولى من الحرب، "كانت هناك يوميا حادثتا قتل أو ثلاث لأشخاص أبرياء أو أشخاص يشتبه في أنهم أرسلوا من قبل حماس كمراقبين"، حيث أطلق الجنود في كتيبته النار عليهم.

وحسب المجلة، تؤكد الشهادات أن جثث الفلسطينيين المدنيين في كل أنحاء غزة بقيت متناثرة على الطرق وفي الأماكن المفتوحة. قال جندي احتياطي آخر "كانت المنطقة كلها مليئة بالجثث، هناك أيضا كلاب، وأبقار، وأحصنة نجت من القصف وليس لديها أين تذهب. لا يمكننا إطعامها، ولا نريدها أن تقترب كثيرا أيضا. لذلك، ترى أحيانا كلابا تتجول مع أجزاء متعفنة من جثث. كانت رائحة موت رهيبة". لكن يتم إزالة الجثث قبل وصول القوافل الإنسانية، حيث "ينزل جرار كاتربيلر D-9 مع دبابة ويقوم بإخلاء المنطقة من الجثث، بدفنها تحت الأنقاض ودفعها جانبا حتى لا تراها القوافل - وحتى لا تخرج صور لجثث في مراحل متقدمة من التحلل".

وأفاد مصدر غير عسكري تحدث إلى مجلة +972 ووكالة لوكا كال بعد زيارته لشمال غزة، أنه رأى جثثا متناثرة في المنطقة "بالقرب من مجمع الجيش بين شمال وجنوب قطاع غزة، حيث كان هناك حوالي 10 جثث تم إطلاق النار عليها في الرأس، على ما يبدو من قبل قناص، أثناء محاولتهم العودة إلى الشمال. كانت الجثث متحللة وحولها كلاب وقطط".

وقال جندي آخر إن الجنود الإسرائيليين "لا يتعاملون مع الجثث. إذا كانت في الطريق، يتم نقلها جانبا ولا يوجد دفن للقتلى. وقد يدوس الجنود على الجثث بالخطأ". وخلال الشهر الماضي، شهد الجندي غاي زاكين الذي كان يعمل على جرارات D-9 في غزة، أمام لجنة الكنيست أنه وفريقه "دهسوا مئات الإرهابيين، أحياء وأمواتا". ولاحقا، انتحر جندي خدم معه.

يتم إحراق المنازل قبل المغادرة

وصف اثنان من الجنود الذين أجريت معهم المقابلة كيف أصبح حرق منازل الفلسطينيين ممارسة شائعة بين الجنود الإسرائيليين، وذلك كما ورد أولا بعمق في صحيفة "هآرتس" في كانون الثاني/ يناير. شهد غرين شخصيا حالتين من هذا النوع - الأولى كانت مبادرة مستقلة من جندي، والثانية بأوامر من القادة - ويعتبر شعوره بالإحباط من هذه السياسة من الأسباب التي دفعته في نهاية المطاف إلى رفض مواصلة الخدمة العسكرية.

عندما كان الجنود يحتلون المنازل، قال غرين إن السياسة كانت "حرق المنزل إذا غادرته". لكن بالنسبة لـ غرين، لم يكن هذا منطقيا. وأضاف "كنا في هذه المنازل ليس لأنها تعود إلى نشطاء حماس، بل لأنها تخدمنا عمليا. هذا منزل لعائلتين أو ثلاث - ويعني تدميره أنهم سيصبحون بلا مأوى".

وذكر جندي آخر، أن الجنود قبل الرحيل كانوا يجمعون المراتب والأثاث والبطانيات، ومع "بعض الوقود أو أسطوانات الغاز يحترق المنزل بسهولة كأنه فرن". وأضاف "كانت هناك حالات أحرق فيها الجنود طابقا، وكان على الجنود الآخرين في طابق أعلى الفرار عبر النيران من خلال الأدراج أو الاختناق بسبب الدخان".

وأكد غرين أن الدمار الذي خلّفه الجيش في غزة "لا يمكن تصوره". في بداية القتال، روى أنهم كانوا يتقدمون بين المنازل على بعد 50 مترا من بعضها البعض، والعديد من الجنود "عاملوا المنازل كأنها متجر تذكارات"، لينهبوا كل ما لم يتمكن سكانها من أخذه معهم. وأضاف "في النهاية تختنق من الملل، بعد أيام من الانتظار هناك. ترسم على الجدران أشياء بذيئة. تلعب بالملابس، تجد صور جوازات السفر التي تركوها، تعلق صورة لشخص ما لأن ذلك مضحك. كنا نستخدم كل ما وجدناه: المراتب، الطعام، أحدهم وجد ورقة نقود بقيمة 100 شيكل حوالي 27 دولارا وأخذها".

وأضاف غرين "دمرنا كل ما أردنا تدميره. لم يكن هذا بدافع الرغبة في التدمير، بل بسبب اللامبالاة الكاملة تجاه كل ما يخص الفلسطينيين. كل يوم، يقوم جرار D-9 بهدم المنازل. لم ألتقط صور قبل وبعد، لكني لن أنسى أبدا كيف أن حيا كان جميلا.. سويناه بالأرض".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية غزة الاحتلال غزة الاحتلال جرائم مجازر صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة إطلاق النار على یطلقون النار بإطلاق النار هذا الجندی فی المنطقة هذا الضابط من الجنود المجلة أن کانت هناک غالبا ما جندی آخر کان هناک إذا کان فی غزة خدم فی لم یکن

إقرأ أيضاً:

الإبادة تستهدف الصحفيين بغزة.. عام من محاولات قتل الشهود على جرائم الاحتلال

لم يتوانَ جيش الاحتلال الإسرائيلي عن استهداف الصحفيين الفلسطينيين في قطاع غزة خلال عدوانه المتواصل منذ عام كامل، وذلك على الرغم من الحماية التي يتمتعون بها، ما أسفر عن مجازر مروعة بحقهم أمام أنظار العالم.

ومنذ بدء العدوان الإسرائيلي الوحشي على غزة في السابع من تشرين الأول /أكتوبر عام 2023، استشهد 174 صحفيا فلسطينيا في القطاع وأصيب أكثر من 190 آخرون بجروح مختلفة.

وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فإن الاحتلال الإسرائيلي دمر 87 مؤسسة إعلامية في قطاع غزة.

ولليوم الـ365 على التوالي، يواصل الاحتلال ارتكاب المجازر في إطار حرب الإبادة الجماعية التي يشنها على أهالي قطاع غزة، مستهدفا المنازل المأهولة والطواقم الطبية والصحفية.

وارتفعت حصيلة ضحايا العدوان المتواصل على قطاع غزة إلى ما يزيد على 41 ألف شهيد، وأكثر من 96 ألف مصاب بجروح مختلفة، إضافة إلى آلاف المفقودين تحت الأنقاض، وفقا لوزارة الصحة في غزة.


وقال المدير العام للمكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إسماعيل الثوابتة، إن "الاحتلال الإسرائيلي يضع الصحفيين والإعلاميين في دائرة الاستهداف منذ بدء حرب الإبادة الجماعية بغزة، حيث يتعمد قتلهم وتصفيتهم".

وأضاف في حديثه لوكالة الأناضول، أنه بسبب العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة "نتحدث اليوم عن ارتقاء 174 شهيدا من الصحفيين والإعلاميين، وإصابة 396 آخرين، على مدار عام الإبادة"، مشيرا إلى أنه وثقوا "اعتقال إسرائيل 36 صحفيا خلال الحرب نفسها، أُفرج عن 4 منهم، بينما لا يزال 32 في السجون".

وعن أسباب استهداف الصحفيين، أوضح أن "الاحتلال يهدف إلى ترهيبهم، وطمس الحقيقة، ومنعهم من التغطية الإعلامية لجرائمه ضد الأطفال والنساء والمدنيين، في إطار حرب الإبادة الجماعية على جميع أطياف شعبنا".

ورغم تلك الاستهدافات، أكد ثوابتة أن "الصحفيين والإعلاميين الفلسطينيين، تمكنوا من اختراق حاجز الخوف والإرهاب، الذي حاول الاحتلال فرضه عليهم".

وأشار إلى أنهم "تمكنوا من إيصال رسالة مظلومية شعبنا الفلسطيني إلى العالم، وفضح الاحتلال وجرائمه ضد الإنسانية، التي كان أكثرها قسوة قتل الأطفال والنساء وقصف المنازل".

وطالب الثوابتة الاتحادات الصحفية والهيئات الإعلامية والحقوقية "بإدانة هذه الجرائم والضغط على الاحتلال لوقف هذه الحرب الإجرامية ضد الصحفيين والمدنيين".

وكانت العديد من المؤسسات الدولية والفلسطينية حذرت مرارا وتكرارا من استهداف الاحتلال الإسرائيلي المباشر للصحفيين والطواقم الإعلامية في قطاع غزة، على الرغم من ارتدائهم سترات الصحافة والخوذ.

وكان المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، فيليب لازاريني، دعا الصحفيين ومؤسسات الإعلام الدولية لدعم زملائهم في غزة، مشددا على ضرورة "الضغط على إسرائيل، للسماح بدخول طواقم الصحافة إلى قطاع غزة، لتنقل المعاناة فيه بحُرية".

وأعرب المفوض العامّ لوكالة غوث، في تدوينة عبر حسابه على منصة "إكس" (تويتر سابقا)، عن إعجابه بالصحفيين الفلسطينيين، وتقديره لهم، مشيرا إلى أنهم "يواصلون حمل الشعلة، رغم مقتل العديد منهم".

ويواجه صحفيو غزة، الموت البطيء كغيرهم من الفلسطينيين بالقطاع، حيث تعرضوا للنزوح، والجوع، ونقص الدواء والماء والطعام والمأوى، إضافة إلى انقطاع الإنترنت الذي يؤثر على قدرتهم على نقل صورهم وتقاريرهم، حسب وكالة الأناضول.

ألم ومعاناة
في كل مرة يحاول المصور الصحفي الفلسطيني محمد الزعانين (43 عام)، التقاط صورة لانتهاكات الاحتلال الإسرائيلي في غزة، يخشى أنه قد يكون مكان الضحية في المرة القادمة.

وقال الزعانين للأناضول: "نحن في جنوب القطاع بعد نزوحنا من مدينة غزة (شمال)، أعاني كأي مواطن من معاناة النزوح القسري، لكن عملنا رسالة وطنية يجب أن نوصلها للعالم".

وأضاف: "تعرضت للإصابة في يوليو (تموز) الماضي، وتعافيت، وما زلت لا أستطيع ممارسة عملي كمصور لنقل صورة الأوضاع وآلام شعبنا في قطاع غزة".


وأشار إلى أن "الحياة في غزة صعبة، فنحن نعيش حرب إبادة، وقد واجهنا معاناة لم يرها أي صحفي في العالم"، موضحا: "يوميا، نسمع عن إصابة أو مقتل صحفي، ما يسبب شعورا سيئا".

وأكد أن "الاحتلال لا يفرّق بين صحفي وطبيب ورجل دفاع مدني، فالكل مستهدف في غزة"، معربا عن أمله أن "تنتهي حرب الإبادة، ويعود مع أسرته إلى مدينة غزة، وينتهي من معاناة النزوح وآلام الحرب".

حماية مفقودة
ولا يختلف عن أوضاع زملائه، حال الصحفي غازي العالول، الذي يصر على مواصلة عمله رغم معاناته النزوح، وفقد العديد من أفراد عائلته، خلال الحرب المستمرة منذ عام على قطاع غزة.

وخلال حديث العالول للأناضول، استنكر أن يكون "الصحفي في كل العالم محمي، لكن في قطاع غزة يتعرض لاستهدافات مباشرة من الاحتلال الإسرائيلي".


وقال: "مسؤوليتنا هي تغطية الأحداث ونقل صورة قضيتنا ومناصرة الإنسان الفلسطيني الذي يعاني"، مستدركا: "لم نأخذ يوما واحدا من الراحة على مدار عام، بسبب استمرار العمليات العسكرية".

وعن موازنته بين واجبه الصحفي ودوره كرب أسرة، أجاب العالول: "تقع مسؤولية كبيرة عليّ، لا يمكنني أن صف مدى صعوبة عملي كوني زوجا وأبا لطفلين".

وأوضح أنه يقضي جزءا من وقته مع عائلته في المخيمات ليطمئنهم، ثم يتركهم ولا يعرف هل سيعود إليهم مجددا، متوجها لأماكن الاستهداف لتغطية الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على القطاع.

مقالات مشابهة

  • مؤسسات الأسرى تكشف استشهاد 40 فلسطينياً منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة وتوثّق جرائم تعذيب مروعة
  • حزب الله يستهدف قاعدة إسرائيلية بسرب مسيّرات ويصيب تجمعات جنود الاحتلال في شمال فلسطين المحتلة
  • «أرض الموت».. شهادات مروعة لأطباء أمريكيين تطوعوا لعلاج الجرحى في غزة
  • الصحة: 45 شهيدًا و256 إصابة في 3 مجازر للاحتلال بغزة خلال 24 ساعة
  • مجازر مروعة ضد النازحين.. الاحتلال يقصف مدرستين ومسجدا وسط القطاع (شاهد)
  • «القاهرة الإخبارية»: ارتفاع حالات الانتحار بين جنود الاحتلال خلال العدوان على غزة
  • يفضلون الموت بعيدا عن ساحات المعارك.. ارتفاع حالات الانتحار بين جنود الاحتلال
  • أزمة في إسرائيل بسبب حافلات نقل جنود جيش الاحتلال.. ما السبب؟
  • وزير الخارجية الإيراني: يجب أن تكون هناك مساع جماعية دولية لوقف جرائم الكيان الصهيوني
  • الإبادة تستهدف الصحفيين بغزة.. عام من محاولات قتل الشهود على جرائم الاحتلال