نحو إمداد كهربائي مستقر لسودان ما بعد الحرب
تاريخ النشر: 9th, July 2024 GMT
نحو إمداد كهربائي مستقر لسودان ما بعد الحرب
الفاتح يس
بورتسودان ومعظم مدن السودان تواجه نقصا كبيراً في الطاقة الكهربائية، وبالتأكيد سودان ما بعد الحرب؛ سيختلف عن سودان ما قبل الحرب في إدارة الدولة لمواردها الطبيعية والبنية التحتية وطريقة إستخدامها للطاقة.
سودان ما قبل الحرب يعتمد على الطاقة المائية من السدود ومن إنتاج وإستيراد منتجات الوقود الاحفوري كوقود الديزل وغيره؛ ومعروف أن الطاقة المنتجة من الوقود الاحفوري لها أضرار بيئية لا مجال لذكرها في هذا المقال؛ ولهذا لابد له أن يتجه الي الطاقات المتجددة؛ مثلما إتجه العالم المتقدم للطاقات المتجددة النظيفة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة من الكتل الحيوية وطاقة المد والجزر وطاقة الأمواج وغيرها من أنواع الطاقات المتجددة الأخرى.
هذه هي أنواع الطاقات المتجددة؛ وكل نوع يصلح في مكان معين وفي أنشطة معينة؛ وهذا هو مربط الفرس في إدارة وإستخدام وإختيار نوعية الطاقات المتجددة في المكان والزمان والنشاط المناسب؛ ولا يكون إختيار نوعية إستخدام الطاقة المتجددة من فراغ؛ وإنما بعد إحصاء عدد السكان ومعرفة أنشطتهم ومستوى ومعدل ثقافاتهم ومصادر رزقهم؛ وبعد عمل دراسات وأبحاث لطبيعة المنطقة وتضاريسها وجغرافيتها وهل هي منطقة زراعية أم صناعية أم سكنية ام تجارية؟
كل ما ذُكر أعلاه يُحتم علينا معرفة كل نوع من أنواع هذه الطاقات المتجددة ودراسته بالتفصيل المُمِل؛ حتى يتسنى لنا إختيار نوع الطاقة المتجددة في المنطقة المناسبة؛ إضافةً الي ضرورة عمل دراسة جدوى هندسية وفنية وإقتصادية وبيئية للمحطة المراد إنشاؤها.
هذا الحديث يقودنا الي أن كل نوع طاقة من هذه الطاقات المتجددة يتكون من معدات وأدوات تختلف بعض الشيء عن الطاقات المتجددة الأخرى؛ وكل نوع طاقة لديه طريقة تصميم وتشغيل خاصه به؛ وكل نوع طاقه له إيجابياته وفرصة تطبيقة وأيضاً لديه سلبياته وعقباته وتحدياته.
فـ إذا مسكنا الطاقة الشمسية فنجد أنها تعتمد على إشعاع الشمس؛ وليس على درجة الحرارة كما يعتقد البعض؛ والعكس تماماً نجد أن درجة الحرارة تتلف الألواح؛ ولهذا تجد بعض الألواح يتم رصها فوق الأشجار وفوق المسطحات المائية. وتحتاج الطاقة الشمسية إلى أسطح مناسبة لوضع ألواح الطاقة الشمسية عليها، ومحول لتحويل الطاقة الإشعاعية الي طاقة كهربائية، وتحتاج أيضاً الي بطارية لتخزين هذه الطاقة وإستخدامها ليلاً؛ وواحد من سلبيات الطاقة الشمسية ان لهذه البطاريات عمر إفتراضي معين؛ ربما لا يزيد عن الخمسة أعوام؛ يعتمد على حسب نوع وجودة البطارية؛ ويمكن الإستغناء عن البطارية في حاله إستخدام الطاقة في وقت الإشعاع الشمسي (من الساعة الثامنة صباحاً حتى الرابعة أو الخامسة عصراً مع مراعاة الإختلاف في فصول السنة)؛ وهذا يقودنا إلى أن إستخدامها في المنازل والمباني يكون مناسب. ومن التحديات التي تواجه الطاقة الشمسية أن الألواح الشمسية تتأثر بالأتربة والغبار الذي يقلل من كفاءة الإنتاج الكهربائى؛ وبالتالي تراكم الغبار على الألواح يتطلب نظافتها؛ وهذا يزيد من إحتمالات حدوث كسر أو خدش لهذه الألواح الشمسية؛ ومعروف أن تكلفة الألواح الشمسية تمثل نسبة 60% أو أكثر من التكلفة الكلية لمحطة الطاقة الشمسية.
أما بالنسبة لطاقة الرياح (ممكن تصلح في شمال السودان)؛ فـ تحتاج إلى توربينات تحركها الرياح ومولد به ضاغط وملحقاته؛ لتحويل الطاقة الحركية (الرياح) إلى طاقة كهربائية.
هذه التوربينات تحتاج إلى مساحات خالية ولهذا تجدها في الصحراء والأماكن الخالية؛ وأفضل مكان لهذه التوربينات الهوائية هي فوق المسطحات المائية التي تزداد فيها سرعة الرياح؛ ولكن وضع التوربينات فوق المسطحات المائية مكلف للغاية؛ وتم التعويض عنه؛ بوضع هذه التوربينات في إرتفاعات عالية تصل فوق ال 60 متر فوق سطح الأرض للاستفادة من سرعة الرياح كلما إتجهنا الي الأعلى؛ وهذا يقودنا إلى أنه لا يصلح وضع هذه التوربينات الهوائية في المناطق السكنية؛ التي يقل فيها معدل سرعة الرياح بسبب المباني التي تصُد هذه الرياح.
من إيجابيات طاقة الرياح أن إنتاجها خلال ال 24 ساعة؛ عكس الطاقة الشمسية التي يكون إنتاجها في وقت النهار فقط؛ ومن سلبيات طاقة الرياح أنها غير مستقرة؛ ولهذه تحتاج إلى بطاريات لتخزين هذه الطاقة أو ربطها بالشبكة القوميـــة للكهرباء.
أما بالنسبة لطاقة الأمواج؛ فـ يتم الإستفادة من حركة الأمواج الترددية الأفقية؛ بــ تحويلها الي حركة ترددية عمودية عن طريق ربطها بــ الضاغط وملحقاته ومنها يتم تحويل هذه الطاقة الحركية الترددية العمودية إلى طاقة كهربائية. ومن سلبياتها أنها محصورة مع وبالقرب من المسطحات المائية؛ وهذا يؤدي إلى هدم وتكسير الموائل البحرية والرطبة للكائنات الحية؛ وهذا بدوره يؤثر على راحة وتكاثر ونمو وإنقراض هذه الكائنات الحية المائية والتي تعيش في الأراضي الرطبة؛ وهذا بدوره يؤدي إلى خلل النظام البيئي؛ وإنقراض هذه الكائنات الحية المائية؛ يؤدي إلى خلل في التنوع الحيوي؛ وبالتالي يحدث خلل في السلسلة الغذائية؛ وبالتالي بعض الكائنات الحية لن تتحصل على غذائها كاملاً ومنها بعض الأسماك التي تتغذي على بعض الكائنات الحية المائية والرطبة؛ وهذا بدوره يؤدي إلى نقص في الثروة السمكية بعض الشيء. طاقة الأمواج ربما يصعب الإستفادة منها في السودان.
أما بالنسبة لطاقة الكتل الحيوية؛ فـ الكتل الحيوية هي الإنسان والحيوان والنبات ومخلفاتهم. وإنتاج الطاقة من الكتل الحيوية يكون بــ جمع نفايات ومخلفات الإنسان (مياه الصرف الصحي) ونفايات ومخلفات النبات (كل أجزاء النبات من أوراق والفروع وغيره )، ونفايات ومخلفات الحيوان (كل أجزاء الحيوان من جلد وشحوم وروث وغيره)، بالإضافة إلى النفايات والمخلفات الغذائية. وبعد جمع هذه النفايات والمخلفات الحيوية يتم تقطيعها لقطع صغيرة، وإدخالها في مفاعل حيوي؛ هذا المفاعل الحيوي عبارة عن وعاء دائري الشكل مصنوع من مادة الفايبر جلاس، ويتم دفنه في الأرض (مثل السابتك تانك)؛ ليكتسب حرارة الأرض؛ لتسهيل عملية الهضم والتكسير التي تساعد على إنتاج الطاقة. يتم تكسير هذه الكتل الحيوية داخل هذا المفاعل الحيوي المحكم الإغلاق بواسطة البكتريا اللا هوائية (An Aerobic Bacteria) التي تحوِّل هذه الكتل الحيوية الي غاز الميثان وسماد عضوي سائل ينحدر الي أسفل المفاعل الحيوي.
غاز الميثان (CH4) أو ما يُسمى بالغاز الحيوي؛ هذا الغاز الحيوي يتصاعد إلى أعلى المفاعل الحيوي؛ وهو شبيه بــ غاز الطبخ؛ لذلك يُفضل إستخدامه مباشرةً كـ غاز طبخ أفضل من إستخدامه لإنتاج الكهرباء التي تحتاج إلى معدات أخرى. سهولة إستخدام الغاز الحيوي كـ غاز للطبخ؛ يدل على أن الطاقة المتجددة الناتجة من الكتل الحيوية؛ تصُلح أن تكون في المنازل والمباني والأبراج السكنية والمنتزهات والفنادق والمستشفيات؛ ويتم تصميم هذا المفاعل الحيوي بأحجام مختلفة يناسب المبنى الذي سيوضع فيه وكمية الكتل الحيوية الناتجه منه.
هذه هي أنواع الطاقات المتجددة؛ وإذا حاولنا نُجيب على سؤال:
ماهي الطاقة المتجددة المناسبة التي تناسب جغرافية ومناخ وطبيعة وأنشطة دولة السودان؟
فـ الإجابة: أن كل أنواع الطاقات المتجددة التي ذكرت في هذا المقال؛ يمكن أن يَصُلح إستخدامها في السودان؛ فقط نحتاج إلى دراسة نشاط وطبيعة وجغرافية وتضاريس المنطقة المعنية؛ وبموجب هذه الدراسات حتماً سنُحدد نوع الطاقة المتجددة المناسبة لهذه المنطقة أو هذه المكان.
أيضاً لابد من الإستفادة من جهاز الطباخ الشمسي (solar cooker) في الطبخ، وهو جهاز بسيط عبارة عن وعاء (حله) يوضع فيه الأكل المراد طهيهه، وحول هذا الوعاء يوضع العاكس الشمسي؛ ليعكس الأشعة الشمسية ناحية وعاء الطعام ليكثف ويزيد من درجة الحرارة الساقطة على الطعام؛ حتى يستوي، ومن ميزات الطباخ الشمسي أنه لا يحرق الأكل في حالة زيادة زمن سقوط الأشعة الشمسية عليه، وهو ساهل وبسيط ويمكن وضعه في اي مكان في المبنى أو المنزل.
*أستاذ جامعي وباحث في قضايا البيئة والاستدامة
alfatihyassen@gmail.com
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: استقرار الفاتح يس الكهرباء امداد قطوعات
إقرأ أيضاً:
محمد بن راشد بن محمد بن راشد يزور «مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية»
دبي: «الخليج»
تأكيداً على التوجيهات السديدة لصاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في ترسيخ مكانة دبي كقطبٍ عالميٍ رائد للطاقة النظيفة والاقتصاد الأخضر، زار سموّ الشيخ محمد بن راشد بن محمد بن راشد آل مكتوم مجموعة من المشاريع الاستراتيجية التابعة لهيئة كهرباء ومياه دبي، حيث كان في استقبال سموّه سعيد محمد الطاير، العضو المنتدب الرئيس التنفيذي لهيئة كهرباء ومياه دبي، وعدد من كبار مسؤولي الهيئة.
واستهل سموّ الشيخ محمد بن راشد بن محمد بن راشد آل مكتوم جولته بتفقّد أحد أهم مشاريع الهيئة وهو «مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية، الذي يعد أكبر مجمع للطاقة الشمسية في موقع واحد على مستوى العالم، وفق نظام المنتج المستقل للطاقة، واستمع سموه من سعيد محمد الطاير، في مركز الاستدامة والابتكار في المجمع، لعرض تقديمي شامل عن مبادرات الهيئة الاستراتيجية وأحدث الإنجازات في مجالات الطاقة النظيفة والذكاء الاصطناعي وتطبيقات الثورة الصناعية الرابعة.
وشمل العرض مراحل المجمع ومشروع المحطة الكهرومائية بتقنية الطاقة المائية المخزنة التي تنفذها في منطقة حتّا، وهي المحطة الأولى من نوعها في المنطقة، ومبنى»الشراع «، المقر الرئيس للهيئة، الذي يُعد تحفة معمارية مستدامة تُصنّف كأعلى وأكبر وأذكى مبنى حكومي إيجابي الطاقة في العالم، وريادة الهيئة العالمية، إذ تأتي في المرتبة الأولى ضمن 12 مؤشر أداء رئيس في مجالات عملها، وغيرها. وتمثل استراتيجية دبي للطاقة النظيفة 2050 واستراتيجية الحياد الكربوني 2050 لإمارة دبي، خارطة الطريق لكي تكون 100% من القدرة الإنتاجية للطاقة في دبي من مصادر الطاقة النظيفة بحلول عام 2050.
وتبلغ القدرة الإنتاجية الحالية لمجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية 3,660 ميجاوات. وتنفذ الهيئة حالياً المرحلة السادسة من المجمع باستخدام أحدث تقنيات الألواح الشمسية الكهروضوئية. وسيرفع مشروع المرحلة السابعة القدرة الإنتاجية المخطط لها لمجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية إلى 7,260 ميجاوات، بحلول عام 2030، كما سترتفع نسبة الطاقة النظيفة ضمن مزيج الطاقة في دبي إلى 34% متجاوزةً المستهدف البالغ 25%، كذلك، سيؤدي إلى خفض إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنحو 8 ملايين طن سنوياً، ما سيعزز مكانة دبي كمركز عالمي رائد في الطاقة النظيفة.
ويضم المجمع مركز البحوث والتطوير التابع للهيئة، بالإضافة إلى مشروع الهيدروجين الأخضر، الأول من نوعه في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لإنتاج الهيدروجين الأخضر باستخدام الطاقة الشمسية.
وتابع سموّ الشيخ محمد بن راشد بن محمد بن راشد آل مكتوم في مركز الاستدامة والابتكار التابع للهيئة في المجمّع عرضاً مرئياً، يبرز دور المركز كحاضنة عالمية للابتكار في قطاعي الطاقة والمياه، ومعلَماً رئيساً من معالم دبي بالإضافة إلى مساهمته في بناء القدرات المواطنة.
وتفقّد سموّه سير العمل في المركز الذي يوفر تجربة رائدة للتعرف على أحدث الابتكارات في مختلف مجالات الطاقة النظيفة والمتجددة، كما يوفر بيئة تعليمية فريدة من خلال استضافة الفعاليات وبناء الشراكات للتعاون في مجالات الابتكار وتبادل المعارف والخبرات، وذلك من خلال مجموعة متنوعة من الفعاليات والأنشطة التعليمية، والعروض التفاعلية، والتجارب العملية المبتكرة، في إطار حرص الهيئة على نشر الوعي المجتمعي ودعم العملية التعليمية. ويهدف المركز إلى تزويد الطلاب بالمعارف والخبرات العملية وفق أعلى المعايير العالمية لدعم تقدمهم الأكاديمي وتشجيعهم على اختيار المسارات المهنية المستدامة والمهن الخضراء.
كما زار سموّ الشيخ محمد بن راشد بن محمد بن راشد آل مكتوم مركز البيانات الأخضر، التابع لشركة مركز البيانات للحلول المتكاملة»مورو«التابعة لـ مجموعة»ديوا الرقمية'، الذراع الرقمية لهيئة كهرباء ومياه دبي، والذي صنف كأضخم مركز بيانات في العالم يعمل بالطاقة الشمسية بنسبة 100% وفق موسوعة غينيس للأرقام القياسية العالمية، لمرتين.
وقد حظي المركز بتقدير عالمي كأكبر مركز بيانات يعمل بالطاقة الشمسية في العالم منذ تدشين مرحلته الأولى، ما يعكس ريادة دبي في هذا المجال الحيوي، ويدعم المركز بشكل فعال تحقيق رؤية دبي من خلال تعزيز ممارسات الاستدامة وتوفير حلول رقمية مبتكرة تُسهم في تقليل البصمة الكربونية للمؤسسات وتعزز مكانة دبي مركزا عالميا للابتكار في مجال الاستدامة.