إستخباراتياً وعسكرياً.. ماذا سيفعل حزب الله؟
تاريخ النشر: 9th, July 2024 GMT
إن صحّت التقديرات بإمكانية انتهاء حرب غزّة وسط المفاوضات الجارية حالياً، عندها قد نشهدُ على وقفٍ فعليّ لإطلاق النار في جنوب لبنان، تبعاً لما يقوله "حزب الله" الذي يؤكد أنه مستعدٌ لوقف القتال في حال توقفت جبهة غزة، بينما الإسرائيليون لا يحسمون هذا الأمر من ناحيتهم.
وبمعزلٍ عمَّا يمكن أن يحدث من نتائج وغيرها، وفي حال ظلّت جبهة لبنان "تحت عتبة الحرب"، فإن ما ينتظر "حزب الله" داخلياً هو كثيرٌ جداً، فالأخير بحاجة إلى ترميم قواعده في أكثر من مكان، لاسيما على الصعيدين العسكري والشعبي.
عسكرياً، يحتاج "حزب الله" إلى ترميم قواعده مُجدداً وتحديداً تلك المرتبطة بـ"البنى التحتية" الخاصة بأعماله العسكرية. هنا، تقول مصادر معنية بالشأن العسكري لـ"لبنان24" إنَّ الحزب يقف أمام مرحلة "تحول جديدة" أساسها إنشاء أساليب عملياتية جديدة تساهم في تنسيق مهمات مختلفة عن تلك التي كانت سائدة خلال المعركة الحالية، فمعظم تفاصيلها بحاجة إلى إعادة صياغة خصوصاً أن "إنكشافها" أمام إسرائيل قد حصل ولو كان هذا الأمر قد جاء بشكلٍ جُزئي.
ما قد يحصل أيضاً هو أن "حزب الله" يحتاج أيضاً إلى "ترميم استخباراتي"، وتقولُ معلومات "لبنان24" إنَّ الحزب يكثف حالياً تحقيقاته بكل عمليات الاغتيال التي طالت قادته مؤخراً خصوصاً تلك التي استهدفت ميسم العطار في بلدة شعث البقاعية.
المصادر تقول إن "خرقاً معلوماتياً ضخماً" ارتبط بحادثة العطار، وما تبين هو أن قادة الحزب، وحينما يعودون إلى منازلهم أو إلى أماكن سكنهم، قد يتحركون خارج آليات تُرسم لهم عبر الحزب، لكن المفارقة أن هذا الأمر يُمثل "ثغرة كبيرة" باعتبار أن الجواسيس ينتشرون بشدة، وإن لم يكن الخرق من داخل الحزب، فقد يكونُ من محيط الشخص المستهدف، وتحديداً بالنسبة للذين لديهم أدنى معلومة عن الشخصية. ومن جملة الاستحقاقات التي تنتظرُ "حزب الله" مرتبطة بمسألة "إعمار جنوب لبنان"، وتقول مصادر مُقربة من الحزب لـ"لبنان24" إن حارة حريك ستعملُ على نطاقين هنا:
- النطاق الأول وهو أن الحزب سيطرق أبواب إيران من خلال علاقته المُستجدة مع الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان، وستكون هناك مساعٍ لتكريس دعمٍ مالي لإعادة الإعمار، بينما الاتكال سيكون أيضاً على مؤسسات الحزب المالية والتجارية وتبرعات المتمولين التي ستكون أساساً لملاءة مالية مخصصة للإعمار. وبحسب المصادر، فإن العنصر الأكثر نشاطاً في هذا الإطار ستكون مؤسسة "جهاد البناء" التي تستعدُّ لتكريس عملية الإعمار استناداً لهبات ستحصل عليها وبتمويل ذاتي عبر الحزب.
- النطاق الثاني وهو أنّ "حزب الله" قد لا يُغلق الباب أمام أي مساعدة عربية لإعادة الإعمار في الجنوب خصوصاً عبر دول الخليج، وتقول المصادر إن هذا الأمر سيُدار عبر قنوات محددة، على ألا يكون رئيس مجلس النواب نبيه بري بعيداً عن هذا التوجه، بل سيدعمه بامتياز على غرار ما حصل عام 2006 إثر حرب تموز عام 2006 وتحديداً عبر دخول قطر إلى جنوب لبنان بورش الإعمار.
ما ينتظر "حزب الله" أيضاً من استحقاقات مهمة هو المفاوضات على ملف ترسيم الحدود البرية. هنا، تلفت المصادر إلى أن الحزب سيستغل كل أوراقه العسكرية خلال الحرب لطرحها على طاولة البحث، مشيرة إلى أنَّ هذا الأمر مهمٌّ جداً للضغط على إسرائيل وبالتالي دفعها نحو التنازل عن النقاط اللبنانية المتنازع عليها.
بحسب المصادر، فإن المعركة الحالية، ورغم شدتها وخطورتها، إلا أنها تمثل ورقة قوية بيد "حزب الله" ولبنان بشكل عام، وبالتالي قد يعتبرها "الحزب" حاجة كانت مطلوبة سابقاً لتكريس الضغط، والآن باتت مُحقّقة فعلياً على أرض الواقع.
المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: جنوب لبنان هذا الأمر حزب الله
إقرأ أيضاً:
تعقيب على مذكرات محمد سيد أحمد الحسن
بقلم عبد الله رزق ابو سيمازه
على مشارف المائة (حيث ولد حوالي عام ١٩٣٠)، توفي السيد محمد سيد أحمد الحسن، بعد حياة عمرها بالكدح، وبالكفاح والنضال، كناشط وفاعل إيجابي في وسطه الاجتماعي والسياسي، كما تعكس ذلك مذكراته التي أعدها وحررها، ابنه المهندس عادل سيد أحمد، تحت عنوان: (في سياق الأحداث: مذكرات محمد سيد أحمد الحسن)، والتي يمكن النظر إليها، أيضا، كأمثولة في البر بالوالدين.
ورغم تقدمه في السن، فقد حافظ الراوي، وهو يملي مذكراته، على ذاكرة متقدة، مكنته من استعادة تفاصيل ما عاشه او عايشه من الوقائع والأحداث المهمة، والاسماء والتواريخ، بكثير من الدقة.
تعكس المذكرات، من ناحية، الحياة الثقافية والاجتماعية والسياسية، لمنطقة حيوية من مناطق الخرطوم، هي منطقة الديوم، جنوب السكة حديد، وتوثق، من ناحية أخرى، مساهمة صاحب السيرة، محمد سيد أحمد الحسن، في تلك الحياة، بكل تنوعها وعنفوانها. وقد اؤتي محمد سيد أحمد، وهو الذي لم يتلق تعليما نظاميا كافيا ومتقدما، حظا كبيرا من الكاريزما وقوة الارادة، والمهارات و الجدارات القيادية التي اهلته لأن يكون في الطليعة دائما : رئيسا لفرع الحزب الشيوعي بالمنطقة منذ أن انتمي للحزب، وسكرتيرا للمديرية، ورئيسا للنادي و للجمعية التعاونية والخيرية، وقائدا نقابيا بارزا، ومن قبل، شغل موقع مرشد لجماعة الاخوان المسلمين... (لحسن الحظ، فان الجماعة، على عهد مؤسسها، حينذاك، على طالب الله، لم تكن حزبا سياسيا، وإنما كانت مجرد جمعية دينية تحض على مكارم الأخلاق.)
شكل نشاط محمد سيد أحمد ضمن الحزب الشيوعي، في المنطقة، جانبا كبيرا من المذكرات، والتي غلب عليها طابع القصص والحكايات القصيرة والنوادر، حيث يتجلى التاريخ، الذي يصنعه الناس العاديون، وهم يمارسون حياتهم العادية، دون جلبة او ضوضاء، او كثير ادعاء، فيما اختار لها المحرر، المهندس عادل سيد أحمد، قالب الانترفيو (Interview)، بدلا من السرد، كشكل فني، ربما لم يكن معهودا، في كتابة المذكرات.
لكن صاحب المذكرات لم يكن مجرد كادر سياسي في حزب ثوري. فهو، مثل مالكولم إكس، ثقف نفسه بنفسه، عبر اطلاع واسع، ليبرهن بأن القراءة المثابرة، تعين في تغيير الفرد، وبما تفتحه أمامه من آفاق للمعرفة غير نهائية، تمكنه من المساهمة على نحو فعال في تغيير مجتمعه. فالراوي، ومنذ ان غادر مسقط رأسه في المقل، في أقصى شمال البلاد، قاصدا الخرطوم، وهو صبي يحمل في دواخله مشروع رجل عصامي، قد توفر على عقلية متفتحة، وطاقة ديناميكية، يسرت له النجاح باستمرار في سوق العمل، بالذات، الميدان الحيوي للنشاط الفاعلية. فهو لم يكتف بالعمل في شركة شل، لكنه ارتاد ميادين أخرى للعمل، انعكس في ترقي وضعه الاجتماعي، حتى ان بعض زملائه في الحزب استنكف التعامل معه بحجة انه أصبح برجوازيا، ويعيش في مستوى حياتي مترف: البيت الفخم المزود بالثلاجة والتلفزيون بجانب السيارة.. الخ
ولان محمد سيد أحمد، صاحب السيرة، قد شغل، من جهة، والي حد كبير بحياة الفكر، على حد تعبير إتش دي لورانس، وحياة الكدح وبالكفاح، والنضال، في جبهاته المتعددة: فرع الحزب، النقابة، الجمعية التعاونية، النادي.. الخ، من الجهة الأخرى، فقد غابت من مذكراته ملامح الحياة الثقافية والفنية والرياضية لمنطقة الديوم، والتي كانت عاصمة لفن الغناء، خاصة، موازية لأم درمان.
غير بعيد من هذا السياق، َوردت، عرضا، الإشارة لبيت العزابة، دون تفصيل. وبيت العزابة، والذي قد يكون وكرا حزبيا، تنعقد فيه الاجتماعات، وتخرج منه المنشورات، ويختفي فيه الملاحقون والمطاردون من قبل الأجهزة الأمنية. فهو ظاهرة او كينونة اجتماعية - ثقافية - سياسية شديدة الاثارة. وقد اشتهرت بيوت العزابة، في المدن الكبيرة خاصة، باحتضانها القعدات، التي يؤمها سياسيون وأدباء ومغنون، وجمعت، بجانب شريحة الأفندية، فسيفساء من أبناء الطبقة الوسطى، حيث وفرت لهم إطارا لممارسة حيواتهم السرية. بجانب ذلك كانت مختبرا لكثير من ناشئة الفنانين لإنضاج تجاربهم وتلمس خطاهم على طريق الفن..
وعلى الرغم مما توفر لصاحب المذكرات من قدرات وخبرات ومعرفة ووعي، إلا أن القارئ قد يلاحظ انه، كناشط سياسي، كان ينقصه الطموح. فلم يتطلع لان يكون عضوا في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، الشفيع احمد الشيخ، مثلا. ولم ينخرط بقوة في الصراع الداخلي، لترجيح كفة اي من طرفي الصراع، أثر الخلاف الذي أحدثه الموقف من انقلاب ٢٥ مايو ١٩٦٩، وما ترتب عليه من صراعات وانقسام في الحزب. وقد انتهى به هذا الاستنكاف الصراع، والذي ربما كان منطلقه رؤية مثالية للحزب وللشيوعية، موغلة في الرومانسية الثورية، الي أن يرى في الانقسام نهاية الحزب، ومبرر، من ثم، لاعتزاله العمل العام.
خلت المذكرات، بشكل لافت للنظر، من تعليق صاحب المذكرات على فوز السكرتير العام للحزب الشيوعي، محمد ابراهيم نقد، في دائرة الديوم وحي الزهور، في انتخابات عام ١٩٨٦، والذي قد يري فيه محصلة تراكمية لجهوده ونضالات مع زملائه من الشيوعيين، وتتويجا لتلك الجهود والنضالات الممتدة.
عبد الله رزق ابو سيمازه
القاهرة - الخميس ٣٠ يناير ٢٠٢٥م.
amsidahmed@outlook.com