كتب جورج شاهين في" الجمهورية":ينتظر اللبنانيون بفارغ الصبر اتفاقاً لوقف النار في غزة لينسحب بمفاعيله الإيجابية على الوضع في الجنوب، وليشكل إشارة لإطلاق المفاوضات غير المباشرة من أجل تنفيذ القرار 1701 بكل مندرجاته. وقياساً على ما تسرّب من صيغ مطروحة لا يعتقد كُثر أنه سيكون اتفاقا مستداما ونهائيا ينهي الوضع المعقّد والشاذ، ويقفل ملفاً بهذه الدرجة من الحساسية بعد عقود من التوتر تعددت فيه اطراف النزاع مع العدو من خارج القوى العسكرية الشرعية اللبنانية.


وفي انتظار اللحظة التي يُصار فيها الى إعلان وقف النار في غزة ستتحرك المفاوضات في لبنان، ذلك انّ الموفد الاميركي اموس هوكشتاين جاهز وقد أنجز كثيراً من التحضيرات الواجب إنجازها من اجل "اتفاق إطار" يمكن الوصول إليه مع رئيس مجلس النواب نبيه بري بعدما اعتاد الرجلان على إنجاز ذلك الاتفاق الخاص بترسيم الحدود البحرية على رغم من الفوارق الكبيرة بين ما كان مطروحاً وما يمكن البحث فيه عند مقاربة الحدود البرية.

ومن هنا انطلقت المراجع الديبلوماسية والسياسية للتداول في ما تسرّب من معطيات لا تشجّع على ان تكون النية من ورائها التوصّل الى اتفاق نهائي يُنهي الحديث عن أزمة الحدود بالصيغة النهائية غير القابلة لأيّ شكل من أشكال النزاع بين دولتين، لمجرد تأمين مصالح الطرفين. وهي نهاية انّ كان ما هو مطروح يوفّر ديمومة التفاهمات التي يمكن التوصل إليها.
لكن ما هو مطروح لا يَشي بهذه الصيغة النهائية، فكل المعلومات تقاطعت عند طروحات اميركية واسرائيلية لا يمكن ان تتلاقى ومطالب "حزب الله" تحديداً واللبنانيين عموماً. وإن صدقت المعلومات، فإنّ هوكشتاين سحب من اقتراحاته كل ما يشير الى مصير النقطة "B1" في تلة الناقورة على الخط البحري منعاً لفتح المناقشات مجددا في شأن البحث في النقاط البحرية التي تم التوافق عليها، كما انها تُعيد النظر في "خط الطفافات" فإنّ ذلك يَفرض إعادة نظر بترسيمٍ بحريّ ليس أوانه.
والى ذلك، يبقى الأخطر ان تحاشى هوكشتاين أيضاً البحث في مصير تلال شبعا وكفرشوبا، فإنّ ذلك قد يؤثر على مجرى المفاوضات على كل الحدود البرية ايضا. فلبنان لم ولن يقبل بأن يربط مصير الاراضي اللبنانية بكل ما هو عالق مع الجانب السوري فجزء من هذه المنطقة المحكي عنها موضوع في عهدة "الأندوف" ولا علاقة لـ"اليونيفيل" بها، وهو أمر لا يوحي أنّ ما هو مطروح قابل للبحث عن صيغة نهائية للتفاهم بين لبنان واسرائيل.
وعدا عن هاتين النقطتين، يبقى انّ اسرائيل ما زالت تطرح عملية التبادل لبعض الأراضي على النقاط المختلف عليها، والتي يعتبرها لبنان "مناطق محتلة". فأيّ نقاش في هذه النقاط على دقّته يستلزم تعديلا دستوريا ان اراد اي مسؤول التصرّف بشبر من الأراضي اللبنانية، وهو امر معقّد جداً ويضيف عقدة جديدة الى مجموعة أخرى من العقد مرتبطة بعدم وجود رئيس للجمهورية أُنيطت به مثل هذه الصلاحيات اللصيقة بشخصه عندما يرتبط الأمر بمفاوضات واتفاقات دولية.
وبناء على ما تقدم لا يمكن لأيّ مرجع دستوري او ديبلوماسي ان يستنتج انّ ما يسعى إليه الوسيط الاميركي يمكن ان يؤدي الى تفاهم نهائي ومُستدام في شأن الحدود البرية ان بقيت الشروط الإسرائيلية والأميركية على ما هي عليه بإصرارهم على الاحتفاظ بنقاط استراتيجية لا يريد التخلي عنها. وهي عملية تستدرج "حزب الله" للاحتفاظ بسلاحه ليس لتحرير الاراضي اللبنانية فحسب إنما من اجل تحرير القدس ايضاً، وهو أمر يدوم الى يوم الدين.
وكتبت" البناء":“المفاوضات لم تتوقف على خطوط عدة لا سيما الأميركية – الألمانية مع المسؤولين اللبنانيين وتحديداً رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، ومن جهة أخرى مبعوث الرئيس الأميركي أموس هوكشتاين”، لافتة الى “وجود اهتمام أميركي لافت بالتوصل الى اتفاق لوقف إطلاق النار على الجبهة الجنوبية قبل بدء المرحلة الانتخابية في الولايات المتحدة في تشرين المقبل”، وقد تم إنجاز شبه تفاهم على ترتيبات على الحدود وفق المصادر تبدأ بوقف العمليات العسكرية وعودة المهجرين من الطرفين وتعزيز قوات اليونفيل والجيش اللبناني وإزالة المظاهر المسلحة من حزب الله جنوب الليطاني ومن ثم تثبيت وقف إطلاق النار وفتح جولة تفاوض حول النقاط التي تتجاوزها إسرائيل داخل الحدود المرسمة”، لكن الخلاف وفق المصادر هو توقيت بدء تنفيذ التفاهم الحدودي.. ففي “حين يضغط الأميركيون والأوروبيون لدخول التفاهم حيز التنفيذ فور سريان المرحلة الثالثة في غزة، لم يتمكن الوسطاء من انتزاع وعود من حزب الله ولا حتى من المسؤولين اللبنانيين بهذا الإطار لكون الحزب ربط أي وضع على الحدود الجنوبية بتطوّر الميدان في غزة”. كما نفت مصادر مطلعة على موقف المقاومة لـ”البناء” التوصل الى تفاهم مع أي دولة أجنبية على ترتيبات على الحدود، مجددة التأكيد بأن حزب الله لن يناقش هذا الملف قبل توقف العدوان على غزة.
 

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: حزب الله فی غزة

إقرأ أيضاً:

ماذا يمكن أن نقرأ في الضربة الإسرائيلية على الحُديدة؟

Your browser does not support the audio element.

بعد دقائق من تنفيذ جيش الاحتلال الإسرائيلي السبت ضربة جوية على ميناء الحديدة اليمني قال وزير دفاع دولة الاحتلال يوآف غالانت بكثير من الغرور والغطرسة: «النيران يمكن رؤيتها في جميع أنحاء الشرق الأوسط»، وبعده مباشرة قال رئيس الكنيست الإسرائيلي أمير أوحانا: «هجوم اليمن رسالة للشرق الأوسط كله» وكلها إشارات لا تخفى على أحد مفادها أن أي دولة أو جماعة تفكّر في «إيذاء» إسرائيل فإن مصيرها سيكون مصير الحديدة اليمنية أو مصير غزة الفلسطينية، ومن يود معرفة المصير بشكل واضح فعليه أن يرى النيران المشتعلة في الحديدة فهي تُرى من كل مكان في الشرق الأوسط.

ورغم هذا الخطاب المتغطرس الذي يأتي في أعقاب ضربة جبانة أتت على محطة الكهرباء ومخازن النفط وعمّقت المعاناة الإنسانية على الشعب اليمني الذي يعيش أوضاعا سيئة للغاية لا يشبهه فيه أحد إلا قطاع غزة إلا أنه يستحق التحليل من قبل دول الخليج العربية بشكل خاص في إطار إقليمي واستراتيجي؛ لأسباب كثيرة يتعلق بعضها في كون هذه الضربة هي الأولى من نوعها على منطقة شبه الجزيرة العربية منذ قيام الكيان الإسرائيلي قبل قرابة سبعة عقود ونصف العقد إضافة إلى توجه إسرائيل، ولو على هيئة مغامرة غير محسوبة، نحو فتح جبهة جديدة لها في اليمن وهي التي ما زالت تخشى انفجار الوضع مع حزب الله رغم المواجهات المحدودة التي بدأت مباشرة بعد السابع من أكتوبر العام الماضي.

منذ أشهر كانت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها في مجموعة «حارس الازدهار» توجه ضربات بين حين وآخر على اليمن الذي ما زال يستهدف السفن التجارية التي تعبر في البحر الأحمر إلا أن إسرائيل المتضررة بشكل كبير من تلك الهجمات لم تُقدم على الرد حتى لو عبر الطائرات المسيرة، ما يعني أنها أحست الآن بحجم الخطر بعد الضربة اليمنية التي استهدفت عمق تل أبيب بطائرة مسيّرة قال أنصار الله إن اسمها «يافا».

ويرى بعض المحللين أن ضربة الحديدة كانت تحمل رسائل واضحة لإيران إما بهدف وقف دعمهم لأنصار الله عبر نقل تكنولوجيا صناعة المسيّرات المتقدمة وإما بهدف الضغط عليهم لوقف جميع أعمالهم «المعادية» لإسرائيل الأمر الذي يجعل صورة نيران الحديدة لا تُرى من طهران!

لكن الأمر لا يسير دائما وفق هذه الحسابات الإسرائيلية، فإسرائيل وحدها تعيش أزمة كبيرة في الوقت الحالي، أزمة داخلية وأخرى خارجية، فهي ما زالت تخوض حرب استنزاف أمام حماس، وحربا أخرى لا تقل ضراوة في الشمال في مواجهة حزب الله، وجاءت الهجمة الأخيرة على اليمن التي أرادت عبرها إسرائيل إيصال رسالة أنها ما زالت قادرة على المبادءة بالهجوم حتى على بُعد أكثر من ألفي كيلومتر من أرضها «المغتصبة»، جاءت لتعمّق الأزمة والتخبّط الإسرائيلي، لكن هذه الرسالة ستُحمّل إسرائيل الكثير والكثير سواء من حيث استفزاز أنصار الله الذين لا يملكون الكثير ليخسروه في هذه المواجهة بعد الحصول على شرعية أكبر للمواجهة مع إسرائيل ومصالحها ومصالح أصدقائها، أو من حيث الاستنزاف العسكري الإسرائيلي الذي وصل إلى ذروته الكبرى.

تحتاج دول الخليج أن تقرأ كل هذه التفاصيل بشكل دقيق وبما يحمي مصالحها لا مصالح إسرائيل خاصة وأن جزءا وازنا من الصراع بدا أنه يتجه جنوبا ما يشكل تهديدا مباشرا على أمنها واستقرارها.

ولا شك أن الهجمات «الحوثية» على السفن في البحر الأحمر مرشحة للاستمرار والزيادة الأمر الذي سيبقى يهدد الملاحة في خليج عدن والبحر الأحمر وهذه المنطقة تعد شريانا حيويا للاقتصاد الخليجي والعالمي، وأي تحول جديد في هذا الممر الملاحي من شأنه أن يفاقم التداعيات الاقتصادية على العالم بما في ذلك دول الخليج العربية إلا إن أرادت أن تضحي بمصالحها الاقتصادية والأمنية الآنية على أمل الحصول على أوهام مستقبلية ما زالت تبيعها إسرائيل وأمريكا.. لذلك لا بد من إعادة تقييم للتوازنات الإقليمية التي طفت على السطح خلال العقد الماضي ودراسة حقيقة مساراتها دون إغفال لدروس التاريخ العظيمة.

وفي جميع الأحوال فإن المؤكد الآن أن الضربة الإسرائيلية على اليمن ستفتح فصلا جديدا من التعقيدات الإقليمية، تحمل في طياتها مخاطر متعددة الأبعاد على دول الخليج العربية، سواء من الناحية الأمنية أو الاقتصادية أو الإنسانية.

مقالات مشابهة

  • ماذا يمكن أن نقرأ في الضربة الإسرائيلية على الحُديدة؟
  • السلطات السعودية تعلن القبض على 13 يمنياً لتهريبهم القات
  • هل يمكن للقاحات الجديدة القضاء على الملاريا في أفريقيا نهائيا؟
  • وزير الدفاع الإسرائيلي: النار المشتعلة في الحديدة يمكن رؤيتها في أنحاء الشرق الأوسط
  • بيان إسرائيلي عن مقتل الطفلة هند رجب: الجيش يعتذر
  • اوحيدة: ملف الهجرة لا يمكن إدارته سوى من سلطة مركزية شرعية قادرة على تأمين الحدود.
  • خبراء أمميون: مقتل الطفلة هند رجب في غزة قد يشكل جريمة حرب
  • بلينكن: لدينا موافقة من إسرائيل وحماس على إطار العمل الذي طرحه بايدن
  • نصرالله ينفي وجود اتفاق جاهز للحدود: السر في التوقيت
  • أنغام تروج لألبومها الجديد.. طرحه قريبًا