الإسلاموفوبيا.. هلع أوروبي وتصاعد للتوترات الدينية والعرقية
تاريخ النشر: 9th, July 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
المواجهات بين الإسلام السياسي وأحزاب اليمين زادت حالة الاستقطاب داخل المجتمعات الأوروبية
شهدت العقود الأخيرة صعودًا ملحوظًا للإسلام السياسي في العديد من الدول حول العالم. هذا الصعود لم يمر دون ردود فعل من أطراف متعددة، بما في ذلك التيارات السياسية اليمينية المتطرفة في أوروبا وأماكن أخرى.
تميزت هذه الفترة بمواجهات فكرية وسياسية حادة أثرت على الساحة العالمية وأدت إلى تغيرات جوهرية في سياسات الدول والمجتمعات، ولمناقشة تأثير اليمين المتطرف في أوروبا على الإسلام علينا بداية أن نقوم بعمل تعريف ولو مختصر للإسلام السياسي واليمين المتطرف.
الإسلام السياسي واليمين المتطرفمصطلح الإسلام السياسي يشير إلى الحركات والجماعات التي تسعى إلى تطبيق الشريعة الإسلامية وتشكيل الحكومات والسياسات العامة بناءً على المبادئ الإسلامية حسب تأويلها الخاص لنصوص الإسلام "القرآن والسنة".
ونشأ هذا التيار في بداية القرن العشرين كرد فعل على الاستعمار والهيمنة الغربية، وسعى إلى استعادة الهوية الإسلامية والسيادة الوطنية.
تطورت هذه الحركات عبر الزمن، وبرزت جماعات مثل جماعة الإخوان في مصر، والتي أصبحت نموذجًا لحركات الإسلام السياسي الأخرى.
انتشرت هذه الأفكار إلى مناطق مختلفة من العالم، مما أدى إلى ظهور أحزاب وحركات سياسية تسعى لتحقيق نفس الأهداف.
أما مصطلح اليمين المتطرف فيستخدم للإشارة إلى الجماعات والأحزاب السياسية التي تتبنى مواقف قومية متشددة، تعادى الهجرة وترفض التعددية الثقافية، وغالبًا ما تتخذ مواقف معادية للإسلام والمسلمين.
ازداد تأثير هذه الجماعات بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، مستفيدة من المخاوف المتزايدة بشأن الإرهاب والهجرة.
وقعت هجمات إرهابية عديدة في أوروبا وأماكن أخرى نُسبت إلى جماعات إسلامية متطرفة. هذه الهجمات أثارت مخاوف واسعة النطاق واستُغلت من قبل اليمين المتطرف لتعزيز خطابه المناهض للإسلام والهجرة.
تزامن هذا مع كثرة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، في فترات الركود الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة التي أوجدت بيئة خصبة لنمو الأفكار القومية المتطرفة، حيث بحث الناس عن جهة لإلقاء اللوم عليها.
وأخيرا التحول الديموغرافي: حيث الزيادة في أعداد المهاجرين المسلمين في أوروبا أثارت قلق قطاعات من السكان المحليين، مما دفعهم لدعم الأحزاب اليمينية التي تعد بالحفاظ على الهوية الوطنية.
علاقة اليمين المتطرف بجماعات الإسلام السياسيبتبني اليمين المتطرف في أوروبا غالبًا سياسات معادية للإسلام ويروج لأيديولوجيات ترفض الاندماج الثقافي والديني للمسلمين.
يمكن اعتبار جماعات الإسلام السياسي كأحد العوامل التي تستخدمها الأحزاب اليمينية المتطرفة لتعزيز دعمها، حيث تصور هذه الجماعات على أنها تهديد لأمن واستقرار المجتمعات الأوروبية.
ولأن لكل بلد أوروبي ظروفه وتفاصيله المختلفة، فإن القضايا التي توحد أحزاب اليمين المتطرف تظل هي نفسها تقريبا.
وإذا استبعدنا القضايا المتصلة بالاقتصاد والوحدة الأوروبية، فإن الخطاب الشعبوي وملف اللاجئين والموقف من الإسلام والمسلمين عموما تشكل القاسم المشترك في هذا الخطاب.
لذلك هناك من يحمّل الإسلام السياسي وجماعاته والتشدد الإسلامي عموما جانبا من المسئولية عن صعود اليمين المتطرف.
ويستندون في ذلك لاجتماع عدة ظروف كانت بمثابة وقود لا ينقطع لخطب وبرامج زعماء هذا اليمين.
فمن جهة هناك سجل حافل من العمليات الإرهابية وترويع السكان في أوروبا منذ قرابة العقدين من الزمان وهي مستمرة.
وهناك حروب أهلية ودول فاشلة في الشرق الأوسط تقذف بالمزيد من اللاجئين إلى بعض الدول الأوروبية وبأعداد تفوق أحيانا طاقة هذه الدول على استيعابها.
وثالثا هناك خطاب إسلامي ينشر الكراهية ويحرض على العنف ويشجع المهاجرين المسلمين على مقاومة الاندماج في مجتمعاتهم الجديدة، الأمر الذي يخلق مشكلات حقيقية لهم ولتلك المجتمعات.
توظيف يميني للتهديداتوهذه العوامل مجتمعة كفيلة بأن تشكل خطابا متطرفا يمكن تسويقه لقطاعات متزايدة من الأوروبيين، كما شهدنا في السنوات الأخيرة والذي يتمثل في:
استخدام اليمين المتطرف في خطابه السياسي التهديدات المحتملة التي تشكلها جماعات الإسلام السياسي كحجة لتبرير سياساتهم المعادية للهجرة والمسلمين.
تروج الأحزاب اليمينية المتطرفة لسياسات تهدف إلى تقليص التأثير السياسي لجماعات الإسلام السياسي، مثل حظر تمويل هذه الجماعات، مراقبة المساجد، وتقييد أنشطتها السياسية والاجتماعية.
ولا شك أن معظم المسلمين في أوروبا لا يشاطرون بالضرورة الإسلاميين آراءهم وأفكارهم وتشددهم.
لكن هؤلاء يعتبرون أقلية في هذه المجتمعات، بينما غالبية المسلمين هم مجرد مواطنين عاديين لهم نفس الاهتمامات والمطالب والحاجات التي لغيرهم في هذه البلدان.
وبالتالي فإن إشاعة مشاعر الخوف غير المبرر من جميع المسلمين تبدو كما لو أنها مجرد استغلال سياسي فج.
مع ذلك يبقى من الصحيح القول إن مشاعر الخوف والقلق لدى الكثير من الأوروبيين لم تأت من فراغ.
وأن هناك بالفعل مخاطر حقيقية يشكلها الخطاب الإسلامي في شقه المتطرف على الأقل، سواء كانت مخاطر أمنية أو سياسية أو اجتماعية.
وكون أن أحزاب اليمين المتطرف تستغل ذلك لا يعنى أنها قد خلقته من العدم. لهذا من الصعب أن يغفل الإنسان السياق الذي تجرى فيه الأحداث وخاصة منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١ وحتى اليوم.
للمزيد: من "الضفة الأخرى".. داليا عبدالرحيم تكشف عوامل صعود اليمين المتطرف في أوروبا
العلاقة بحركات الإسلام السياسيظهور اليمين المتطرف في أوروبا يتزامن بشكل كبير مع تزايد أنشطة حركات الإسلام السياسي، حيث يمكن القول إن هناك علاقة متبادلة بين الطرفين.
أدى نمو حركات الإسلام السياسي والتطرف الإسلامي في بعض المناطق الأوروبية إلى تعزيز شعور الخوف والقلق لدى المجتمعات الأوروبية، مما وفر بيئة خصبة لنمو اليمين المتطرف.
كذلك تستخدم الأحزاب اليمينية المتطرفة الحوادث الإرهابية وأنشطة حركات الإسلام السياسي كأدوات لتعزيز خطابها السياسي والدعوة إلى سياسات أكثر صرامة ضد المسلمين والمهاجرين.
كذلك فإن ظهور الإسلام السياسي وردود الفعل عليه من قبل اليمين المتطرف يمكن أن يؤدى إلى دائرة مغلقة من التصعيد، حيث يزداد التطرف على الجانبين.
واتخذ اليمين المتطرف عددا من الأساليب لمواجهة الإسلام السياسي، حيث سعت العديد من الدول الأوروبية إلى سن قوانين صارمة لمكافحة الإرهاب والتطرف، وكذلك قوانين تنظم الهجرة واللجوء.
واستخدمت الأحزاب اليمينية المتطرفة وسائل الإعلام لترويج خطابها المناهض للإسلام، مستفيدة من الحوادث الإرهابية لنشر الخوف وتعزيز شعبيتها.
كذلك تمكنت الأحزاب اليمينية من تحقيق نجاحات انتخابية والتحالف مع أحزاب أخرى لتحقيق أجندتها السياسية.
وأدت المواجهات بين الإسلام السياسي واليمين المتطرف إلى زيادة الاستقطاب داخل المجتمعات، مما ساهم في تعميق الانقسامات وزيادة التوترات العرقية والدينية.
وازدادت إجراءات الرقابة والمراقبة من قبل الحكومات في محاولة لمكافحة الإرهاب، مما أثر على الحريات المدنية وحقوق الإنسان.
وأخيرا يؤدى تصاعد خطاب اليمين المتطرف إلى تعزيز مشاعر الاضطهاد والتمييز لدى المسلمين، مما يمكن أن يدفع البعض نحو التطرف والإرهاب كرد فعل.
علاقة اليمين المتطرف بالإسلاموفوبيااليمين المتطرف في أوروبا له دور كبير في تغذية الإسلاموفوبيا، من خلال نشر الخوف والكراهية تجاه المسلمين، حيث تستخدم الأحزاب اليمينية المتطرفة خطابات عنصرية تروج لفكرة أن الإسلام يمثل تهديدًا للهوية الوطنية والثقافية لأوروبا.
تعتمد هذه الأحزاب على وسائل الإعلام والدعاية لنشر صور سلبية عن المسلمين، مما يعزز من مشاعر الخوف والكراهية تجاههم.
كما يروج اليمين المتطرف لسياسات تقيد حقوق المسلمين، مثل حظر الحجاب والنقاب، تقييد بناء المساجد، وتقليص حقوق اللاجئين والمهاجرين.
تُعد الحوادث الإرهابية التي تُنسب إلى جماعات إسلامية متطرفة من الأحداث التي تترك أثرًا عميقًا على المجتمعات الأوروبية. تستغل أحزاب اليمين المتطرف هذه الحوادث لتعزيز خطابها المناهض للمسلمين وزيادة التأييد الشعبي لسياساتها.
وتستخدم هذه الأحزاب استراتيجيات متعددة لتوجيه المخاوف الشعبية وتحويلها إلى دعم سياسي.
فتعمل أحزاب اليمين المتطرف على تصوير المسلمين كتهديد مباشر للأمن القومي والثقافة الوطنية. بعد أي حادث إرهابي، تُروج هذه الأحزاب لفكرة أن المسلمين يشكلون خطرًا على المجتمع الأوروبي.
للمزيد: من «الضفة الأخرى».. داليا عبدالرحيم تكشف مخاطر صعود اليمين المتطرف بأوروبا وعبدالمنعم سعيد يصفهم بالنازيين الجدد
وتستخدم الأحزاب اليمينية المتطرفة وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية لتضخيم الحوادث الإرهابية وإثارة مشاعر الخوف والقلق بين الناس. يتم التركيز على تفاصيل الحادث وأسبابه الدينية لربط الإرهاب بالإسلام بشكل مباشر.
تُقدم هذه الأحزاب نفسها كحماة للهوية الوطنية والثقافة الأوروبية في مواجهة ما تصفه بالتهديد الإسلامي. وتُستغل الحوادث الإرهابية للدعوة إلى سياسات تقييد الهجرة وتشديد الرقابة على المجتمعات المسلمة.
كما تُشجع الأحزاب اليمينية المتطرفة على مشاعر الغضب والانتقام بعد الحوادث الإرهابية، وتدعو إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضد المسلمين، مما يُعزز من شعبيتها بين أولئك الذين يشعرون بالخوف أو الغضب.
الخلاصةاليمين المتطرف في أوروبا يلعب دورًا مهمًا في تشكيل العلاقات مع الإسلام وجماعات الإسلام السياسي. تأثيره يتجلى في تعزيز الإسلاموفوبيا وتبنى سياسات قمعية تجاه المسلمين، مما يؤدى إلى تفاقم التوترات الاجتماعية والدينية في المجتمعات الأوروبية.
في المقابل، تساهم حركات الإسلام السياسي في تقديم مادة غنية لليمين المتطرف لاستغلالها سياسيًا وتعزيز دعمه الشعبي.
ويظل التوازن بين مكافحة الإرهاب والتطرف من جهة، والحفاظ على الحريات المدنية وحقوق الإنسان من جهة أخرى، تحديًا كبيرًا أمام الحكومات والمجتمعات.
يتطلب الوضع الحالي استراتيجيات متوازنة وشاملة تهدف إلى معالجة جذور التطرف، وتعزيز الحوار والتفاهم بين الثقافات المختلفة لتحقيق السلام والاستقرار.
اقرأ أيضًا: في اليوم العالمي لمواجهة كراهية الإسلام| كيف يساهم الذكاء الاصطناعي في مكافحة الإسلاموفوبيا؟
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: إسلاموفوبيا التيارات السياسية الهيمنة الغربية السياسات العامة السيادة الوطنية اليمين المتطرف في أوروبا الیمین المتطرف فی أوروبا أحزاب الیمین المتطرف هذه الأحزاب مشاعر الخوف التی ت صعود ا
إقرأ أيضاً:
حلمي النمنم: دعوة تجديد الخطاب الديني نجحت وهذا هو الدليل (فيديو)
أكد حلمي النمنم، وزير الثقافة الأسبق، أن البعض يرى أن ظهور حالات ثقافية في بلدان عربية مجاورة انتقاص للدور المصري، ولكن انا اعتبرها أثر من أثار الدور المصري واضافة للثقافة العربية.
حلمي النمنم: العالم يتجه نحو حكم اليمين المتطرف حلمي النمنم يطالب بإنشاء وزارة تختص ببناء المدارس.. فيديو المجتمع المصري تسيطر عليه الطبقة المتوسطة منذ عدة عقودوقال حلمي النمنم، خلال لقاء له لبرنامج “نظرة”، عبر فضائية “صدى البلد”، تقديم الإعلامي “حمدي رزق”، أن المجتمع المصري منذ عدة عقود تسيطر عليه الطبقة المتوسطة وتلك الطبقة يسيطر عليها طابع المحافظة ومن الواضح أن هناك حجم تخوف اجتماعي كبير ولم نتخلص منه
وتابع حلمي النمنم أن دعوة تجديد الخطاب الديني نجحت إلى حد كبير والدليل على ذلك أنها أوقفت التيارات المتشددة.
قال حلمي النمنم، وزير الثقتفة الأسبق، إن العالم أجمع يتجه نحو اليمين المتطرف، وهذا يعكس حالة المزاج العالمي الموجودة الآن، مشيرًا إلى أن المانيا قامت بالقبض على بعض الأشخاص من اليمين المتطرف يُخططون لقلب نظام الحكم، رغم أن الانقلاب أصبح جزء من التراث في أوروبا، خلاف أن برلين لا تُعاني من أي أزمات اقتصادية.
وتابع "النمنم"، خلال حواره مع الإعلامي نشأت الديهي، ببرنامج "المشهد"، المذاع على فضائية "ten"، مساء الثلاثاء، أن الرئيس دونالد ترامب تحدث على أنه مكتسح الانتخابات الأمريكية بفارق كبير عن منافسته كاميلا هاريس، متسائلاً: "فماذا إذا لم تكن النتيجة كما يقول، فماذا سيفعل؟".
وأضاف أن "هاريس" سيدة باهتة من الناحية السياسية، والمستقبل معها ليس واضحًا، مشددًا على ضرورة أن تهتم الدولة المصرية بمصير العلاقات المصرية الامريكية مع الإدارة الجديدة للولايات المتحدة، بغض النظر عمن سيفوز في الانتخابات الحالية، خاصة في ملف التسليح والملف الاقتصادي، وهذا ما يجب أن يشعلنا في المقام الأول.