حالة من الغيبوبة والجنون المُطبق..!

مرتضى الغالي

كنت في بلد لم تتح لي فيه أدوات كتابة ولا وسيلة إرسال..! وما ذاك يا رجل..؟ وهناك من أهلنا مَنْ تشتتوا بأطفالهم ونسائهم وكبارهم في الصحاري والقفار ودول الجوار والمنافي البعيدة (المتجهمة والمُرحبة).. وهم بلا أمن ولا عافية.. وبلا زاد ولا عتاد ولا دواء.. ومنهم من قضى نحبه عطشاً وجوعاً ومرضاً وضجراً ولاقى ربه مستغفراً منيباً.

. غشيتهم الرحمة والمغفرة وحُسن المآل.. والحمد لله أولاً والحمد لله آخراً.. (سيريكم آياته فتعرفونها وما ربك بغافل عما تعملون)..!.

هذا الذي يجري في بلادنا جنون مطبق..! هذا جون مطبق ولا تفسير له غير ذلك..!.

فبالرغم عن كل ما جرى من موت وخراب لا يزال كلاب الحرب ودعاتها يركبون حمير الجهل وبغال الشر ويتحكم فيهم غباء من (أبو كديس) جعلهم يتغافلون عن الهوة التي يتردون فيها.. والوطن على أبواب الجحيم وشفا الانهيار.. وعلى بُعد شهقة من حافة المجهول..!.

يتواصل المسلسل الجنوني ويتجرع جماعة البرهان والكيزان الهزائم منذ أن بدأت هذه الحرب اللعينة وحتى هذه الساعة على يد مليشيات صنعوها بأيديهم.. ويهربون من عتادهم وأسلحتهم وحامياتهم ومواقع قياداتهم.. ويظنون أن الحل الأمثل يكمن في استدعاء (فريق إعلامي من الدوحة) من أجل حل قضية الحرب والسلام.. وتحسين صورة (بهلوان مهزوم) وضع كرامة الجيش السوداني تحت أقدام الكيزان..!.

قامت مليشيات الدعم السريع باحتلال سنجة وحاميات الدالي والمزموم والميرم وهي تحاصر الفاشر وسنار ويتحدث الناطق الرسمي باسم الجيش عن التقدم في (حي الواحة) وهو امتداد لحي الحتانة بأم درمان بالقرب من (خور الحارة العاشرة) على طريق زلط شارع الوادي ضمن حارات الثورة بمدينة أم درمان..!.

هل تلّخصت مهمة الجيش في كيل السباب للجبهة المدنية (تقدم) وتخوين كل من يدعو إلى إيقاف الحرب..! هل هذه هي مهمة ووظيفة قادة الجيش وأركان حربه بدلاً من مواجهة الطرف الذي يقاتلهم والذي يطلقون عليه المليشيا المتمردة ويتهمون المدنيين دعاة السلام بموالاتها.. وهم الذي صنعوها وسلحوها واستقدموها للعاصمة وحرسوا بها المواقع الإستراتيجية وطوقوا بها مدن العاصمة الثلاث وأحياءها..!!.

هل كتب علينا أن نعيد ذلك ونكرره آلاف المرات..!!.

هل نحن في حاجة لإعادة تذكيرهم بالحقيقة العارية التي يهربون منها وقد كانوا يضربون ويعتقلون بل يقتلون من يدعو إلى حل قوات الدعم السريع وتسريحها أو دمجها في الجيش..؟!.

كم مرة خطبوا وصاحوا وتصايحوا مؤكدين (ببلاهة) أن هذه المليشيات هي جزء من الجيش (بحكم قانون إنشائها) وأنها حامية الحمى وحارسة البلاد وصمام أمان العباد.. في حين أنهم كانوا يهدفون بإنشائها ضرب القوى المدنية وإذلال الشعب وقهره.. فجعلوا منها قوة ضاربة تملك من الأسلحة ما تتفوق به على تسليح الجيش.. واستغنوا بها عن قوات المشاة في مكر خبيث حتى يتفرغوا للفساد وملء الكروش و(تجارة الطلح) إلى أن انقلبت عليهم فأصبحوا يهربون مذعورين أمامها فراراً من أي مكان تحل فيه.. لقد فحطوا حيث كانوا تفحيط عجلان مسروع ملسوع و(ساء صباح الُمفحّطين)..!!.

غريبة أن أبواقهم من الإعلاميين والصحفجية (أجارك الله) يتهمون دعاة إيقاف الحرب بالعمالة والارتشاء ويعيدون إحداثيات الأدب الروائي عن المومس التي تتدثر بوشاح الفضيلة..‍! ومن الغرائب أن بعضهم كان من بين الموقعين على ميثاق القاهرة (!!!) الذي يدعو إلى إيقاف الحرب.. بعد أن استنزفوا كل مخزونهم من الردح والبذاءة و(قلة الأدب) في كيل السباب وترديد شتائم الأزقة المُظلمة تجاه الداعين إلى وقف الحرب وحفظ ما تبقى من كرامة الجيش السوداني حتى لا يتم القضاء عليه قضاء مبرماً كما تشير وقائع الميدان الآن لكل من كانت له عينان ولسان وشفتان.. الله لا كسّبكم..!.

murtadamore@yahoo.com

الوسومأم درمان البرهان الجيش الدالي الدعم السريع الدوحة السودان الفاشر سنار مرتضى الغالي

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: أم درمان البرهان الجيش الدالي الدعم السريع الدوحة السودان الفاشر سنار مرتضى الغالي

إقرأ أيضاً:

هل دخل السودان عصر الميليشيات؟

هناك أكثر من سردية لبداية الحرب في السودان، ومن هو صاحب المصلحة في إشعال الحرب، لكن السردية الحكومية الرسمية تقول إن ميليشيا «قوات الدعم السريع» تمردت على سلطة الدولة وحاولت الاستيلاء على السلطة، فاضطر الجيش للتصدي لها. لكن حتى من يقول بتلك السردية يعترف بأن «قوات الدعم السريع» تكونت في عهد حكومة الإنقاذ الإسلامية، وكانت مهمتها هي القيام بالأعمال التي لا يمكن للجيش أن يقوم بها، بخاصة في دارفور التي كانت مشتعلة. وصدر قانون «الدعم السريع» في ظل حكومة الإنقاذ، وتم السماح لها بالتمدد من ناحية العدد ونوعية التسليح حتى صارت تشكل خطراً حقيقياً، ثم جاء الفريق عبد الفتاح البرهان وعدّل قانون «الدعم السريع» ليمنحها مزيداً من الصلاحيات، ويعطيها قدراً من الاستقلالية عن القوات المسلحة السودانية.

إذا افترضنا حسن النية في كل ما حدث، إن كان ذلك ممكناً، فالطبيعي أن يتعلم الناس من التجربة، ويمتنعوا عن تكرارها، على الأقل في المستقبل القريب، ويتجهوا ناحية تقوية الجيش الرسمي، وإعادة تأهيله وتسليحه وتدريبه ليكون القوة الوحيدة الحاملة للسلاح، ولكن ما حدث عكس ذلك تماماً.

أعلنت الحكومة الاستنفار، وكان المفهوم هو قبول متطوعين من المدنيين للالتحاق بالجيش. وفعلاً بدأ هذا العمل في عدد من الولايات، لكن في الوقت ذاته ظهرت «كتيبة البراء بن مالك» التابعة للحركة الإسلامية، وبدأت من جانبها فتح باب التجنيد وسط الشباب، واتخذت لنفسها شعاراً وراية مختلفين، وأدبيات مستوحاة من تاريخ الحركة الإسلامية وفصائلها المسلحة في العهد الماضي، ثم أعلنت حركات دارفور المتحالفة مع الحكومة تخليها عن الحياد وانضمامها لصفوف الجيش، مع فتح معسكرات للتجنيد والتدريب داخل وخارج السودان، وبالتحديد في دولة إريتريا المجاورة، ثم ظهر نحو خمسة فصائل من شرق السودان فتحت معسكراتها في إريتريا وبدأت تخريج المتطوعين. وكان الملمح الظاهر لكل هذه المجموعات المسلحة، بما فيها حركات دارفور وشرق السودان، هو الطابع القبلي للحشد والتعبئة والتجنيد.

الاختلاف الوحيد ظهر في منطقة البطانة، شرق الجزيرة، وولايتَي سنار والنيل الأزرق، حيث ظهرت مجموعات مسلحة انضمت لـ«الدعم السريع»، بقيادة أبو عاقلة كيكل في منطقة البطانة، والبيشي في منطقة سنار، والعمدة أبو شوتال في النيل الأزرق. وبالطبع كان الطابع القبلي لـ«قوات الدعم السريع» أظهر من أن يتم إخفاؤه؛ فقد اعتمدت بشكل أساسي على القبائل العربية في ولايات دارفور.

كانت التحذيرات تتردد من دوائر كثيرة، ليست فقط بين المجموعات المدنية التي وقفت ضد الحرب، ولكن حتى من بين صفوف السلطة والقوات المسلحة، واتفقت كلها على أن تمرد ميليشيا لا يمكن محاربته بتكوين عشرين ميليشيا أخرى لا تخضع بشكل مباشر لسلطة القوات المسلحة، وإنما لسلطة القبيلة.

بعد الانقلاب الكبير الذي قاده أبو عاقلة كيكل في أكتوبر (تشرين الأول) 2024، وانضمامه للقوات المسلحة مع قواته المسماة «درع السودان»، شنت «قوات الدعم السريع» حملات انتقامية على مدن وقرى منطقة البطانة وشرق النيل، وقتلت المئات من المدنيين، وشردت مئات الآلاف من قراهم، ونهبت متاجرهم وممتلكاتهم. ورغم السخط الكبير على كيكل باعتبار أنه كان مسؤولاً عن استيلاء «قوات الدعم السريع» على ولاية الجزيرة، فإنه استفاد من التعبئة القبلية في المنطقة وضاعف حجم قواته، واستطاع أن يحقق انتصارات كبيرة ضد «الدعم السريع».

مع تقدم الجيش وتحقيق الانتصارات سرعان ما بدأ صراع الفصائل يظهر على السطح، بخاصة من خلال صفحات «السوشيال ميديا»، بين مجموعات «القوات المشتركة» المكونة أساساً من حركات دارفور المسلحة، وقوات «درع السودان» التي تمددت في منطقتَي شرق وغرب الجزيرة حتى غطت على ما عداها، ومجموعات الكتائب الإسلامية التي أحست بوجود منافسة مبنية على الأساس القبلي والمناطقي تحد من تمددها في المناطق المختلفة. وتحولت الانتقادات إلى اتهامات بالفساد وارتكاب الجرائم والتصفيات، ووصلت لمرحلة تبادل اتهامات الخيانة والعمالة. وتزامن ذلك مع تبني البرهان وأركان الحكومة لما يُعرف بـ«خريطة الطريق» لمرحلة ما بعد الحرب، والتي أعدتها قوى سياسية ومسلحة متحالفة مع البرهان لم تشرك الحركة الإسلامية في إعدادها. وتضمن «الخريطة» للبرهان حكماً مطلقاً خلال فترة انتقالية قادمة، رأت فيها بعض الفصائل إنكاراً لدورها في الحرب.

الخطر الذي يخشاه السودانيون هو تحول هذه الصراعات الإسفيرية إلى صراعات ميليشيات مسلحة على الأرض، وهو ما بدا ظاهراً الآن؛ إذ تحول السودان إلى «كانتونات» تدخل البلاد في دوامة لا يعرف أحد حدودها وخطوط نهايتها.

فيصل محمد صالح
نقلا عن الشرق الأوسط  

مقالات مشابهة

  • الجيش السوداني يستعيد السيطرة على الخرطوم تلاتة
  • السودان.. الجيش يسيطر علي مباني ومواقع استراتيجية في الخرطوم
  • الجيش السوداني يسيطر على مواقع استراتيجية وسط الخرطوم
  • اختبار التوحد الذي يستغرق 10 دقائق للكشف المبكر عن المرض
  • ???? عبد الرحمن عمسيب ، الرائدُ الذي لا يكذبُ أهلَه
  • رئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع : الدعم العسكري الذي قدمته اليمن لغزة تاريخي وغير مسبوق
  • هل دخل السودان عصر الميليشيات؟
  • بوتين يدعو الجيش الأوكراني للاستسلام في منطقة كورسك الروسية
  • نسبية الإلتفاف الشعبي حول الجيش
  • الاتحاد الإفريقي يدعو العالم لعدم الاعتراف بأيِّ كيان موازٍ في السودان