إلى جانب طوفان الأقصى التي تدور رحاها بين المقاومة والاحتلال منذ تسعة أشهر، هناك معركة أخرى بدأت قبل طوفان الأقصى بتسعة أشهر ثم تعمقت بما حدث للاحتلال من فشل وهزيمة يوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر.
هذه المعركة تجري بين نتنياهو والائتلاف الحاكم من جهة وبين المعارضة العلمانية من جهة ثانية، ثم انضم إليها الرافضون لاستمرار الحرب مثل أسر الأسرى وأسر الجنود الذين يخدمون في الجيش، والجنرالات السابقون وقادة الأجهزة الأمنية ورؤساء وزراء سابقون، وكل من يرون أن جيشهم خسر المعركة وأن نتنياهو يقودهم للمجهول تحقيقا لمصلحته الشخصية.
ولكن كيف كانت البداية؟
البداية كانت بعد تصاعد الاتهامات لنتنياهو بالفساد ورفعت ضده أربع قضايا، وأجريت منذ العام 2019 أربع انتخابات برلمانية مبكرة لم يفز فيها أي حزب بالأغلبية، ثم كانت الانتخابات الخامسة في كانون الأول/ ديسمبر2022 وفيها استطاع الليكود الذي يقوده نتنياهو والأحزاب الدينية الموالية له أن يحصل على الأغلبية النيابية ليشكل حكومة مستقرة.
بعد طوفان الأقصى وما حدث فيها من فشل أمني عسكري علم نتنياهو أن ساعة الحساب قادمة وأن مستقبله على المحك ورأسه تحت المقصلة، وأن المعارضة ستلجأ إلى الشارع للمطالبة بإقالته.
كان تقديره أن المعارضة لن تستطيع إقالته بالمظاهرات، وهي فعلا ظلت تتظاهر كل يوم سبت بعشرات الآلاف لمدة 9 أشهر قبل 7 أكتوبر وتجاهلها كأنها غير موجودة.
الجبهة الثانية التي وقفت أمام نتنياهو وتحالفه كانت المحكمة العليا التي حاول هو وفريقه الحاكم السيطرة عليها من خلال قانون إصلاح السلطة القضائية، ولكن خوف نتنياهو الأساسي كان من الجيش أن ينسب الفشل إلى الحكومة وأن ينحاز إلى المعارضين. وكانت خطة نتنياهو -كما أقرؤها- للتعامل مع هذا الاحتمال كالتالي:
- وضع أهدافا للحرب يستحيل أن يحققها جيشه ولا أي جيش آخر، من أجل أن يجعلها حربا بغير أفق زمني.
- أدخله في حرب عمياء ليس لديه فيها معلومات لا عن المقاومة ولا عن قدراتها ولا عن الأنفاق ومساراتها، ولم يستمع إلى نصيحة بايدن وفريقه العسكري.
- وجه الاتهام للجيش وأجهزة الأمن والاستخبارات من اليوم الأول أنهم السبب في الفشل، وكتب تدوينة يتهمهم فيها بأنهم رفعوا إليه تقارير غير صحيحة بأن حماس ارتدعت ولا تريد أن تحارب ولا تقوى على الحرب، ولما أثارت تدوينته الضجة مسحها وقدم الاعتذار وأعلن تجديد ثقته بالأجهزة وقياداتها، ولكن بعد ان أوصل الرسالة التي دفعتها للاعتراف بمسئوليتها وظل هو دائما يدفع عن نفسه أي تقصير أو اتهام.
- توقف هو عن التدوين ولكنه أقام مكانه من يقوم بهذا الدور، فجعل ابنه "يائير" الذي هرب من الحرب في أيامها الأولى إلى أمريكا ولم يعد إلى الآن؛ يقوم بنفس المهمة وهي مهاجمة الجيش واتهام قادته بالخيانة.
- وأخيرا وقبل أيام انضمت زوجته سارة إلى ابنها واتهمت الجيش بأنه يحاول القيام بانقلاب عسكري ضد زوجها.
وفي المقابل، ماذا فعلت المعارضة لإسقاط الحكومة التي تمتلك أغلبية مستقرة ولن تستطيع أن تسحب منها الثقة؟
- دخل غانتس وأيزينكوت إلى مجلس الحرب وحكومة الطوارئ بحجة التضامن وقت الحرب، وأحسب أن مهمتهما كانت هي خلخلة هذ التحالف من داخله.
- أصدرت المحكمة العليا قرارا بأنه لا يجوز إعفاء الحريديم من الالتحاق بالجيش، وهي بهذا قطعت الطريق على فريق نتنياهو الذي مرر قانونا بالقراءة الأولى في الكنيسيت يقر استمرار هذا الإعفاء، وكان هذا القانون ينتظر القراءة الثانية ثم الثالثة والأخيرة. كان الهدف من قرار المحكمة إثارة الخلافات داخل الائتلاف الحاكم وتفجيره من الداخل، ويبدو أن ذلك لم يفلح حتى الآن.
- أما الجيش الذي علق في غزة ولم يستطع أن يحقق شيئا، فبدا هو الآخر يبحث عن مخرج لورطته، خاصة أنه يعلم أنه لا يستطيع البقاء في غزة ونتنياهو وفريقه يريدونه أن يبقى، وهو في استنزاف مستمر وضعف وانهيار نفسي ومعنوي ويريد نتنياهو أن يبقيه في غزة يحتلها ويديرها.
ولهذا بدأ التناقض يظهر وبدأ الجيش يعلن تقديرات مختلفة ومن ذلك:
- خرج هجاري، المتحدث باسم الجيش، ليعزي الفشل إلى القيادة السياسية (نتنياهو والحكومة) لأنها لا تملك رؤية لليوم التالي بعد الحرب وأنها تضيع إنجازات الجيش ثم بأنها وضعت أهدافا مستحيلة التطبيق. وتكرر هذا على لسان ضباط وجنود كثيرين لإبعاد الاتهام عن الجيش وإلحاقه بالحكومة التي لم تستثمر تضحيات الجيش وانتصاراته.
بدأت تعلو أصوات القادة الحاليين والسابقين بأن لا سبيل لعودة الأسرى إلا باتفاق سياسي مع المقاومة وأن الجيش أنهى مهمته.
ولكن كيف ستنتهي الأمور؟ ومتى ستأتي اللحظة التي يقر فيها الجميع بالفشل؟ وهل سيتم فض الاشتباك بينهما سلميا؟ ولماذا حذر نتنياهو قبل أيام من الحرب الأهلية؟ وهل كان هذا التحذير على سبيل التهديد بأنه وفريقه لن يتنازلوا عن مكتسباتهم حتى لو وصلت الأمور إلى الحرب الأهلية؟ وإذا كان الجيش كما هو معلوم يملك أسلحته فهل سيستخدم المتشددون الأسلحة التي وزعها بن غفير على قطعان المستوطنين؟ وهل كان توزيع هذا السلاح لهذا الغرض وتم التغطية عليه بحجة الدفاع عن النفس ضد الفلسطينيين؟ وهل كانت هذه السيناريوهات محتملة ومتوقعة قبل الطوفان؟
واضح أن الشاعر كان صادقا عندما قال:
والليالي من الزمان حبالى مثقلات يلدن كل عجيبة
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المقاومة نتنياهو غزة غزة نتنياهو الاحتلال المقاومة صراعات مدونات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد اقتصاد اقتصاد سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
صانع خطة الجنرالات يضع 3 خيارات أمام حكومة نتنياهو
فنّد جنرال إسرائيلي مبررات الحكومة الإسرائيلية لاستئناف العدوان على قطاع غزة، من خلال طرح تساؤلات جوهرية عن جدوى العودة للقتال، ليخلص إلى تأكيد أهمية التمسك بإنجاز اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس).
وفي مقال نشره في صحيفة يديعوت أحرونوت، قال غيورا آيلاند الذي يعرف بتسمية "صانع خطة الجنرالات" إن إسرائيل تقف عند مفترق طرق يتطلب اتخاذ قرار بين خيارات عدة، داعيا إلى حوار مفتوح بين القيادة السياسية والعسكرية قبل المضي قدما في أي خطوة.
ووفقا لآيلاند، فإن الحكومة الإسرائيلية أمام 3 خيارات:
– الخيار الأول الذي يمكن لإسرائيل أن تتبنّاه هو إتمام صفقة كاملة للمحتجزين، وهو ما يعني إنهاء الحرب بشكل فوري، وسحب القوات الإسرائيلية من قطاع غزة بالكامل، وإطلاق سراح جميع المختطفين.
ويرى آيلاند أن هذا الخيار قد يفتح الباب أمام إمكانية الإطاحة بحكم حماس في غزة من دون الاعتماد الكلي على الوسائل العسكرية، حيث ستواجه حماس صعوبات في السيطرة على القطاع من دون إعادة إعمار ودون تمويل خارجي على حد زعمه.
– الخيار الثاني فهو تجديد الحرب، لكن آيلاند شدد على ضرورة الإجابة عن 7 أسئلة حاسمة قبل اتخاذ مثل هذا القرار.
إعلان السؤال 1: يتعلق بما يمكن تحقيقه الآن ولم يتحقق خلال 15 شهرا من القتال، وما إذا كان هناك "سلاح سري" جديد يمكن استخدامه. السؤال 2: يبحث في المدة الزمنية التي سيستغرقها تحقيق أهداف الحرب المتجددة. السؤال 3: يتناول تأثير تجدد الحرب على مصير الأسرى الذين لا يزالون في حوزة المقاومة الفلسطينية. السؤال 4: يبحث في التكاليف المتوقعة للحرب، سواء من حيث الخسائر البشرية أو الضغط على نظام الاحتياط في الجيش الإسرائيلي الذي يعاني بالفعل من أعباء كبيرة. السؤال 5: بتأثير تحويل القوات إلى غزة على مناطق أخرى مثل الضفة الغربية، وكذلك التهديدات المحتملة من اليمن. السؤال 6: يبحث في تأثير استئناف الحرب على العلاقات مع الدول العربية التي تسعى لإيجاد حل طويل الأمد لغزة. السؤال 7: يتناول التأثير المحتمل على الاقتصاد الإسرائيلي، خاصة مع عودة شركات الطيران الأجنبية إلى إسرائيل، إذ قد يؤدي استئناف الحرب إلى تراجع هذه المكاسب.– الخيار الثالث: يتمثل في الموافقة على المرحلة الأولى من الاتفاقية وتمديدها لمدة شهرين، مع إطلاق سراح نحو 10 أسرى مقابل سجناء فلسطينيين، واستمرار وقف إطلاق النار وتجديد الإمدادات إلى غزة.
ويرى آيلاند أن هذا الخيار يتجنب الحاجة إلى اتخاذ قرار حاسم الآن، وهو ما يتناسب مع نهج رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو المعروف بالمماطلة. ولكن هذا الخيار برأيه يترتب عليه ثمن كبير، وهو أن الأسرى الأحياء الذين لن يتم إدراجهم في هذه المرحلة قد يواجهون مصيرًا قاتمًا.
وفي تحليله، أكد آيلاند أن عملية صنع القرار يجب أن تكون مبنية على إجابات موضوعية لهذه الأسئلة، مع ضرورة عدم الفصل بين تحديد الأهداف من قبل المستوى السياسي، ووسائل تحقيقها من قبل المستوى العسكري.
الصفقة الكاملة أجدىويرى آيلاند أن إجابات هذه الأسئلة تعزز عدم صوابية سعي الحكومة الإسرائيلية لإعادة شن الحرب على غزة، ويحذر من أن "الفشل في تحقيق هذا التوافق بين الأهداف السياسية وكيفية تحقيقها عسكريا قد يؤدي إلى إخفاقات تاريخية"، كما يشير إلى أن "العديد من الإخفاقات الكبرى في التاريخ نتجت عن عدم التوافق بين تعريف الأهداف ووسائل تحقيقها والتكاليف المتوقعة".
إعلانوفي النهاية، أوصى آيلاند باختيار الخيار الأول، أي إتمام صفقة كاملة للرهائن، معتبرا أن ذلك قد يفتح آفاقا جديدة للإطاحة بحكم حماس في غزة دون الحاجة إلى حرب جديدة.
وبناء على ذلك، يقترح كاتب المقال أن ترد إسرائيل على الخطة المصرية العربية بشروط، تشمل نزع سلاح غزة كاملا، ونقل المسؤولية بالكامل إلى مصر والدول العربية، مع انفصال تام عن إسرائيل في إمدادات الكهرباء والمياه، وإغلاق المعابر بين غزة وإسرائيل.
ولم يحدد الجنرال الإسرائيلي الطريقة التي سيتم بها نزع سلاح حماس. واختتم مقاله مؤكدا أن الأولوية القصوى يجب أن تكون إعادة جميع الأسرى، معتبرا أن ذلك هو المفتاح لفتح آفاق جديدة في التعامل مع غزة وتقليص نفوذ حماس من دون الحاجة إلى حرب جديدة.