بعد الانتهاء من الانتخابات البرلمانية للجولة الثانية بفرنسا، زلزال مدوي أصاب الشارع الفرنسي بعد أن تمكن حزب الجبهة الشعبية المشكل من أحزاب اليسار من تحقيق المفاجأة وحصوله علي المرتبة الأولى، وذلك بعد حصوله علي 182 مقعداً برلمانيا، و حصول تحالف ماكرون الوسطي علي 168، فيما حصل التجمع الوطني علي 143، وبهذا يكون حزب الجبهة الشعبية اليسارية وتحالف ماكرون الوسطى "معا" قد قطع الطريق على التجمع الوطني المتطرف بزعامة مارين لوبان وجوردان بارديلا من تحقيق المرتبة الأولى، أو الأغلبية بالبرلمان، حلماً بالوصول إلي تشكيل للحكومة، والاستعداد للانتخابات الرئاسية المقبلة عام ٢٠٢٧، ما جعل الكثير من الدول الأوروبية، وعلي رأسها: ألمانيا، وانجلترا التي حقق فيها حزب العمال نجاحاً كبيراً مشكلا الحكومة، بولندا، اسبانيا، والكثير من دول أمريكا الجنوبية التي يحكمها الاشتراكيون، والكثير من الدول العربية والإفريقية والآسيوية التي كان من الممكن أن تضرر من وصول الأحزاب المتطرفة في فرنسا وغيرها من الوصول للحكم، وبالرغم من تحقيق حزب الجبهة الشعبية الاغلبية، إلا انها لم تكن بالأغلبية المطلقة التي كانت يمكن أن تجعله يشكل الحكومة بأريحية خلال المرحلة المقبلة، وبتلك النتائج التي تتشكل من ثلاث كتل حزبية متضاربة فيما بينها، وتقارب النتائج، فإن البرلمان الفرنسي يعيش اسوأ حالاته الحزبية والسياسية، بسبب أن الأحزاب السياسية تقف لبعضها بالندية، ويرجع هذا إلي برامجها الانتخابية فيما بينها، والتي كانت قد وعدت الناخب بالكثير من الرؤى والأفكار التي تقترب من حل مشاكله اليومية والاجتماعية، وغيرها من المشكلات السياسية الخارجية، وفي وسط هذا الزخم السياسي فإن الرئيس ايمانويل ماكرون الذي كان قد حل البرلمان في التاسع من شهر يونيو الماضي قد تسبب في احداث شرخا سياسياً كبيرا، وأزمة سياسية تعيشها فرنسا المنقسمة فيما بينها، بل اصطدام ماكرون بالنتائج المخيبة للآمال، والتي جعلت حزبه يفقد الأغلبية، أي عدم تمكنه من الحكم بأريحية خلال فترته الرئاسية المتبقية، وتعرضه أيضا للكثير من الانتقادات الداخلية، وعلي رأسها رموز حكومته الرئاسية، ورموز أحزاب اليسار، بل وحتى رموز وقيادات أحزاب اليمين المتطرف، وعلي رأسها حزب التجمع الوطني الذي اتهم الرئيس ماكرون وأنصاره بوقف تقدم الحزب، وحصوله علي الأغلبية البرلمانية بعد حصوله في الجولة الأولى من الانتخابات التي أجريت يوم الاحد الماضي ٣٠ من شهر يونيو الماضي علي المرتبة الأولى في الانتخابات البرلمانية، وحلمه لتحقيق الأغلبية.

وقد شهدت فرنسا بالأمس احتفالات كبيرة في باريس ومارسيليا والكثير من المدن الفرنسية من جانب حزب الكتلة الشعبية اليساري الذي حقق المرتبة الأولى، وتمكن من سد الطريق علي الجبهة الوطنية، هذا الحزب المتطرف الذي كان يشكل خطراً علي المبادئ والقيم الفرنسية، وعلى المواطن الفرنسي البسيط، وعلى المهاجرين، بل وعلى القوانين والمكتسبات التي كانت تعمل لصالح الفرنسيين والمهاجرين بلا تفرقة أو استثناء، بل وعلي الكثير من الملفات وقضايا السياسية الخارجية، ومنها مستقبل الاتحاد الأوروبي، وحرب العدوان الإسرائيلي علي قطاع غزة، والاعتراف بدولة فلطسين علي غرار الكثير من الدول الأوروبية والعالمية، بل وعلى موقف الأحزاب المتطرفة من الحرب الروسية الأوكرانية وقضايا المناخ ومعاداة السامية، وملف حلف الناتو، وغيرها من القضايا المختلف عليها بين الأحزاب السياسية بفرنسا، ومقابل ذلك فإن حزب الجبهة الشعبية اليساري قد وعد الناخبين الفرنسيين بحل الكثير من القضايا والأزمات الاجتماعية، وقضايا الهجرة، والحرب علي غزة، والوعد بالاعتراف بدولة فلسطين، والعمل علي عودة فرنسا لاشتراكيتها وقيمها ومبادئها التي عرفت بها في أوروبا وبلدان العالم، كما دعا قادة تلك الأحزاب اليسارية بأول أمس الأحد الرئيس ماكرون إلي العمل بالدستور الذي يسمح لحزب لأغلبية بتشكيل الحكومة وسط ما تعيشه فرنسا من أزمة سياسية، إضافة إلي استعدادها لاستضافتها لدورة الألعاب الأولمبية ٢٠٢٤ خلال الأيام المقبلة، الأمر الذي جعل الرئيس ماكرون يتمسك برئيس حكومته الحالية جابريال اتال بحجة عدم استقرار البلاد، وبعدم توافق الأحزاب اليسارية علي تقديم مرشح قبل اجتماع البرلمان الفرنسي خلال الأسبوع القادم، الأمر الذي يمكن أن يتسبب في أزمة سياسية ما بين الرئاسة والبرلمان، وما يحدث في الشارع الفرنسي الآن من عراك سياسي وتنازع علي الاستحقاق الحكومي والبرلماني، فهل يمكن أن تصحح فرنسا من وضعها السياسي خلال الفترة المقبلة؟ أم يمكن أن تدخل فرنسا في نفق مظلم سيكون المسئول عنه -في حالة حدوثة- الرئيس ايمانويل ماكرون؟!

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: الانتخابات البرلمانية فرنسا ايمانويل ماكرون الجولة الثانية نتائج الجولة حزب الجبهة الشعبیة المرتبة الأولى الکثیر من یمکن أن

إقرأ أيضاً:

المؤسسات السياسية تتداعَى في فرنسا

ارتدت مارين لوبان ثوب حِداد أسود في ذهابها للتصويت على حجب الثقة عن الحكومة الفرنسية برئاسة ميشال بارنييه. فعلت ذلك وكأنها ذاهبة إلى جنازة نظامٍ تزعم أنها تحترمه لكنها تعمل بلا كلل ولا ملل لتقويضه.

في الأثناء ومن منصة الضيوف في مبنى الجمعية الوطنية راقب جان - لوك ميلانشون زعيم حزب فرنسا الأبية اليساري أعضاء حزبه وهم يدلون بأصواتهم. وبعد اقتناعه بأنهم نفذوا تعليماته غادر المبنى قبل إعلان النتيجة النهائية للتصويت.

وهكذا تعاون أقصى اليمين وأقصى اليسار للإطاحة بحكومة بارنييه الوسطية بعدما يزيد قليلا على ثلاثة أشهر من تشكيلها وأدخلا فرنسا في المجهول.

هذه مرحلة جديدة في الأزمة ابتدرتها الانتخابات التشريعية المبكرة في الصيف الماضي والتي فشلت في المجيء بأغلبية برلمانية. الأزمة الآن عميقة إلى حد أن الرئيس إيمانويل ماكرون توجَّب عليه الإصرار في خطاب حازم ومتلفز على أنه لن يستقيل.

هل هذا هو الشفق الذي يُؤذِن بمغيب شمس الجمهورية الخامسة في فرنسا؟ لقد أسسها الجنرال شارل ديجول (1890-1970) بدستور مُصمَّم خصِّيصا لها في عام 1958 بقصد بسط الاستقرار بعد عقود من الحكم البرلماني الفوضوي. أقامت جمهورية ديجول توازنا بين البرلمان من جهة وبين رئيس الدولة الذي كرِّست في يده سلطات واسعة من جهة أخرى. وأصبح نظام الحكم في فرنسا رئاسيا بدرجة أكبر بعد أن أفضَى استفتاء أُجرِي في عام 1962 إلى انتخاب رئيس الدولة بالاقتراع العام وليس بالمجمع الانتخابي. لكن لسوء الحظ هذا الترتيب الذي تمت صياغته بعناية لم يعد فاعلا كما يبدو. (الاقتراع العام يحق فيه التصويت لكل مواطن بالغ. أما انتخاب الرئيس بواسطة المجمع الانتخابي كما في الولايات المتحدة فيتم بطريقة غير مباشرة عبر مجموعة من الأشخاص أو الناخبين الذين اختيارهم لهذا الغرض - المترجم.)

سياسي الوسط جان- لويس بورلانج صاحب خبرة ومراقب حصيف للتاريخ السياسي. يقول بورلانج والذي ترك البرلمان في الصيف الماضي «نحن ندخل مرحلة جديدة في هذا التوازن المؤسَّسَاتي». لفترة طويلة كان هنالك توافق أو انسجام بين الأغلبية الرئاسية والأغلبية البرلمانية مما سمح لليسار واليمين بالتناوب على الحكم بطريقة منتظمة. ثم بدأ ما سُمِّي «عهد التعايش» في أواخر الثمانينيات عندما جاءت الانتخابات بأغلبيات متعارضة للبرلمان والرئاسة. تمكن الرئيسان فرانسوا ميتران وجاك شيراك من ترتيب الأمور ببعض النجاح من خلال ممارسة الحكم مع رؤساء وزارة من الأحزاب المعارضة.

نجح هذا التعايش (بين رئيس من حزب ورئيس وزراء من حزب آخر- المترجم) لأنه كان مدفوعا بواسطة الأحزاب الرئيسية ممثلة في حزب يمين الوسط «الاتحاد من أجل حركة شعبية» الذي كان يقوده شيراك والحزب الاشتراكي بقيادة ميتران. فهما كانا يتشاطران نفس الرؤية للنظام السياسي. لكن انهار هذان الحزبان عندما شق ماكرون طريقه إلى المشهد السياسي وفاز بفترته الرئاسية الأولى في عام 2017. ازدهر حزب مارين لوبان المتطرف التجمع الوطني وسط أنقاض النظام الحزبي الرئيسي فيما اتخذ حزب ميلانشون المسار الراديكالي.

هزم ماكرون رئيسة حزب التجمع الوطني لوبان ليفوز بفترة رئاسية ثانية في أبريل 2022. لكن أغلبيته تقلصت ودخل عدد كبير من نواب التجمع الوطني البرلمان بعد الانتخابات التشريعية التي أعقبت ذلك. ويعتقد بورلانج أن تلك هي اللحظة التي كان ينبغي لماكرون أن يفسح فيها مجالا أكبر للبرلمان ولرئيس الوزراء ويعيد بذلك التوازن للعلاقة بين الإليزيه (القصر الرئاسي) وبين الفرع التشريعي للحكم.

في الأثناء تغير النسيج السكاني والثقافي للمجتمع الفرنسي، فالقضايا التي كانت بالكاد توجد في الساحة عند ولادة الجمهورية الخامسة كالهجرة والعولمة والتكامل الأوروبي زعزعت المشهد السياسي. وحول أوروبا تحدت حركات جديدة التوافق الديموقراطي الليبرالي.

كانت النتيجة برلمانا ثلاثيا تشكل في انتخابات هذا الصيف من ثلاث كتل متساوية تقريبا من اليسار والوسط وأقصى اليمين وبدون أغلبية، هذه الكتل البرلمانية والتي تتحدى اثنتان منها القواعد التي ترتكز عليها التسوية الحالية تكره بعضها البعض وتبدو غير قادرة على التعاون فيما عدا لإسقاط الحكومة. كل هذا يشير إلى خلل وظيفي في نظام الحكم.

هذا هو السبب في أن إجبار ماكرون على الانسحاب قد لا يحل أي مشكلة، فبما أن الدستور لا يسمح بإجراء انتخابات جديدة قبل يوليو، في العام القادم لن يكون لدى الرئيس الجديد (إذا استقال ماكرون) أغلبية برلمانية ليحكم معها.

هنالك عيب آخر في النظام، فعلى الرغم من التصريحات المغالية بأن الانتخابات المبكرة شهدت انتقالا للسلطة من قصر الإليزيه إلى قصر بوربون حيث تعقد الجمعية الوطنية جلساتها إلا أن عددا كبيرا جدا من كبار الساسة من اليسار واليمين والوسط تحركهم في الواقع رغبتهم في خوض الانتخابات الرئاسية التالية في عام 2027، فالحلبة تحتشد بالطامحين.

لكل هذا تعتقد قلة من الخبراء أن الوقت حان لدفن الجمهورية الخامسة. أما ماكرون فهو يقامر باعتقاده أن روح الوحدة والتعاون القوية التي مكنت كاتدرائية روتردام من النهوض من رماد الحريق ربما تُلهِم الساسةَ مجددا وتجعل اختيار لوبان ارتداء ثوب الحداد يبدو سابقا لأوانه.

سيلفي كوفمان مديرة تحرير صحيفة لوموند الفرنسية

الترجمة عن الفاينانشال تايمز

مقالات مشابهة

  • برلمان 2025.. 10 مقترحات للأحزاب عن قانون الانتخابات البرلمانية
  • بوليتيكو: ماكرون يحدد موعدا نهائيا لتشكيل الحكومة الجديدة وسط اشتعال التوترات في فرنسا
  • بسبب إعصار"تشيدو".. ماكرون يُعلن حالة الحداد في فرنسا
  • ماكرون يترأس اجتماع أزمة اليوم لمتابعة الوضع بـ"مايوت" بعد إعصار "تشيدو" المدمر
  • أزمة سياسية في ألمانيا.. شولتس يخسر تصويت الثقة وتحديد موعد الانتخابات المبكرة
  • المؤسسات السياسية تتداعَى في فرنسا
  • الثلاثاء تنطلق الجولة الثانية من منافسات الدوري الممتاز
  • محرك البحث الروسي “ياندكس” يحتل المرتبة الثانية من حيث الشعبية في العالم
  • الأهلي طرابلس أفضل خط هجوم في الجولة الأولى
  • نتائج تحقيق أولية..  شخصيات سياسية تسيطر على ملف تربية نينوى