تخيلوا لو أن بوابة زمنية نقلتنا إلى الماضي، حيث نجد أنفسنا في مدينة القيروان، هذه الجوهرة التونسية التي تنبض بالحياة والتاريخ، وقفتُ هناك للحظة أتأمل المدينة من حولي، وأشعر بأن الزمن قد توقف، وأن كل زاوية من زواياها تروي قصة، سآخذكم في رحلة تخيلية سريعة.
بدأت رحلتي من المسجد الكبير «الجامع الأقصى»، الذي يُعد من أقدم المساجد في العالم الإسلامي ومنارة العلم والدين، تحيط به أروقة طويلة وساحات واسعة، وتعلوه مئذنة تخترق السماء، كأنها تحكي للسماء عظمة هذا المكان، الهدوء يسود المكان، متخللاً صوت المؤذن الذي يصدح في الأفق، داعياً الناس إلى الصلاة والعبادة والتأمل.


خرجت من المسجد متجولاً في شوارع القيروان الضيقة، حيث تتلاقى الحضارات والثقافات، الأسواق الشعبية تعج بالحرفيين والباعة، كل منهم يعرض بضائعه بفخر: السجاد المزركش بألوانه الزاهية، الفخار الذي يحكي قصص الأجداد، والحلويات التقليدية التي تفوح منها رائحة الياسمين والورود.
أتابع خطواتي نحو بركة الأغالبة، هذا الصرح الهندسي القديم الذي كان يوماً مركزاً لتوفير المياه للمدينة، البركة الآن ملاذ للطيور التي تحلق حولها، ومكان للسكينة والتأمل، أجلس على حافّتها، أراقب انعكاس المدينة على سطح الماء، وكأن الزمن يمر ببطء مخلداً جمال هذه اللحظة.
توجهت بعدها نحو أسوار المدينة العتيقة، وقد شهدت على مر العصور صراعات وانتصارات، ولا تزال تحتفظ ببعض من ملامحها القديمة، المدينة بأسوارها وأبوابها تشبه قلعة زمنية تحمي داخلها كنزاً من التاريخ والثقافة.
عندما تخطو إلى القيروان، تجد نفسك محاطاً بأروقة التاريخ التي تعود إلى العهد الأموي في القرن السابع الميلادي، حين أسسها عقبة بن نافع الفهري، القائد العربي الشهير، كقاعدة عسكرية ومركز لنشر الإسلام في شمال إفريقيا، وسرعان ما تحولت المدينة إلى مركز علمي وثقافي جذب العلماء والشخصيات المهمة عبر العصور. وأنا أسير في شوارعها، تخيلت نفسي أعيش في عصر الأغالبة الذين حكموا القيروان، وجعلوها عاصمة لدولتهم في القرن التاسع الميلادي، كان إبراهيم الأغلبي -مؤسس الدولة الأغلبية - يمشي على نفس هذه الأرض، محاطاً بعلماء وشعراء ذلك الزمان.
مررت بجانب المسجد الكبير، وتخيلت العلماء العظام كالإمام سحنون بن سعيد، والإمام النفري، اللذين اجتمعا في هذا المكان لنقاش الفقه والحديث، وساهما في تأسيس مدرسة القيروان الفقهية، والتي كان لها الأثر الكبير في العالم الإسلامي.
بينما كنت أتجول في أزقة القيروان القديمة، تخيلت الأمراء والخلفاء الذين مروا بهذه الشوارع، مثل زيادة الله الأول، الخليفة الأغلبي، الذي أمر ببناء الجامع الكبير، وهو أحد أروع المعالم الإسلامية في شمال إفريقيا.
توقفت للحظة أمام بركة الأغالبة، وتخيلت الأمير أبو إبراهيم أحمد، الذي أمر ببنائها لحل مشكلة نقص المياه في المدينة، مما يظهر الاهتمام الكبير بالعمارة والهندسة في ذلك الوقت.
وبينما تستمر رحلتي في أرجاء القيروان، أشعر بأنني لست مجرد زائر في مدينة عريقة، بل مشاركاً في تاريخ عظيم، ففي كل زاوية وكل شارع قصة عن العلم والثقافة والدين.
 القيروان بكل تاريخها وعظمائها، تقدم ليس فقط درساً في التاريخ، بل إلهاماً يتجاوز الزمان والمكان.

أخبار ذات صلة علي يوسف السعد يكتب: رحلة مع المطبخ المغربي علي يوسف السعد يكتب: رحلة الخيال إلى أتلانتس

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: علي يوسف السعد القيروان

إقرأ أيضاً:

بأحدث إصداراتها.. هيئة قصور الثقافة تشارك غدًا بمعرض زايد للكتاب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

تشارك الهيئة العامة لقصور الثقافة، بإشراف الكاتب محمد ناصف، نائب رئيس الهيئة، بمجموعة كبيرة من أحدث إصداراتها في معرض مدينة الشيخ زايد للكتاب، في دورته العاشرة التي تنطلق غدا السبت وحتى 20 فبراير الحالي، تحت شعار "الوعي هدفنا".

وتقدم هيئة قصور الثقافة مجموعة متميزة من الكتب الجديدة بجانب الإصدارات التي طُرحت مؤخرا بمعرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته 56، لكبار رموز الفكر والثقافة، بمختلف السلاسل، من أبرزها مجموعة كتب العقاد، "مصر تحت الحكم الروماني"، "من روائع الآثار المصرية في المتاحف العالمية"، "تاريخ الصحافة العربية"، "تاريخ الحركة القومية في مصر القديمة"، "حكاية الدساتير المصرية في مائتي عام"، "حكاية عملات مصر والسودان" "أسباب الطرب في نوادر العرب"، "معارك العرب في الأندلس"، "حديث عيسى ابن هشام"، "الحكايات الشعبية المصرية"، "حكايات فارسية".

كما يتوفر في جناح هيئة قصور الثقافة المقام بإشراف الإدارة العامة للتسويق، برئاسة تغريد كامل، كتب التراث والذخائر ومنها "مقامات بديع الزمان الهمذاني" "كشف المعاني والبيان عن رسائل بديع الزمان"، "الهوامل والشوامل"، "المحاسن والأضداد"، "أخبار الحمقى والمغفلين"، "مقامات السيوطي" والتراجم العالمية منها "هرمن ودروتيه" "جان درك" "فوما جوردييف"، "تس سليلة دربرفيل" "هكذا تكلم زرادشت" وكتب السير الذاتية ومنها "أحمد مستجير.. فارس الثقافتين"، و"كامل كيلاني كاتبا ورائدا لأدب الطفل" وكتب ومجلات الأطفال والنشر الإقليمي.

وتطرح الهيئة أيضا عددا من الأعمال الإبداعية في مجالات: الشعر القصة، الرواية، والإصدارات المتنوعة في الموسيقى، الفلسفة، السينما، الفن التشكيلي، أدب الرحلات، النقد الأدبي، المسرح، والموسيقى، وغيرها من المؤلفات المقدمة بأسعار مخفضة للجمهور، وذلك تعزيزا للحراك الثقافي والفكري ومراعاة لمبدأ العدالة الثقافية.

ويشارك في "معرض زايد للكتاب" هذا العام عدد كبير من دور النشر المصرية والعربية، والأجنبية ويفتح المعرض أبوابه يوميا للجمهور من العاشرة صباحا وحتى العاشرة مساءً، وتم اختيار اسم الأديب إبراهيم عبد المجيد، شخصية المعرض.

مقالات مشابهة

  • عمرها قرن من الزمان.. سلحفاة معمرة تقطع رحلة بحرية من اليونان لشواطئ الإسكندرية
  • قوجيل حول أحداث ساقية سيدي يوسف: خلدها التاريخ رمزا للتضامن
  • بأحدث إصداراتها.. هيئة قصور الثقافة تشارك غدا بمعرض زايد للكتاب
  • عمر السومة يكتب التاريخ ويُحقق 3 أرقام قياسية
  • «أوقاف كفر شيخ» تفتتح المسجد الكبير في مركز سيدي سالم
  • بأحدث إصداراتها.. هيئة قصور الثقافة تشارك غدًا بمعرض زايد للكتاب
  • قتل المدينة.. ذكريات تتلاشى في ضاحية بيروت التي دمرتها إسرائيل
  • قلما يجود الزمان بمثلها..أم كلثوم وحكاية نصف قرن على الرحيل
  • نهاية الزمان.. القصة الكاملة لمقـ.ـتل عجوز على يد ابنتها وسط الإسكندرية
  • ضياء الدين بلال يكتب: القوة الخفية التي هزمت حميدتي (2-2)