خبراء: نتنياهو يمعن في إذلال بايدن وتعمد إفشال المفاوضات قبل أن تبدأ
تاريخ النشر: 9th, July 2024 GMT
يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يحاول إفشال مفاوضات تبادل الأسرى التي ستُجرى في العاصمة القطرية الدوحة بعد غد الأربعاء، بعدما وضع شروطا تجعل التوصل إلى اتفاق يلبي مطالب المقاومة أمرا مستحيلا، كما يقول خبراء.
فبعد مكالمة مع الرئيس الأميركي جو بايدن أصدر نتنياهو بيانا أمس الأحد قال فيه إنه لن يقبل بأي اتفاق لا يضمن حق إسرائيل في استئناف الحرب حتى تحقيق أهدافها، مؤكدا أنه لن يقبل باتفاق يسمح بعودة "المسلحين" إلى شمال قطاع غزة، أو بتهريب السلاح من مصر إلى القطاع.
ووفقا للخبير في الشأن الإسرائيلي الدكتور محمود يزبك، فإن نتنياهو يسعى لإفشال المفاوضات، خصوصا في ما يتعلق بموضوع حق إسرائيل في استئناف القتال كما حدث في الهدنة السابقة.
وخلال مشاركته في برنامج "غزة.. ماذا بعد؟" قال يزبك إن رئيس الوزراء الإسرائيلي لا يزال يعاني عقدة رفض التفاوض مع الفلسطينيين ما لم يكن هذا التفاوض سيتم وفق شروطه ويحقق مصالحه، مشيرا إلى أن هذا ما فعله نتنياهو مع السلطة الفلسطينية طوال السنوات الماضية حتى انتهت المفاوضات معها إلى لا شيء.
نتنياهو يرفض التفاوضوقال يزبك إن نتنياهو هو الوحيد في إسرائيل الذي يأمل تحقيق النصر المطلق، في حين أصبح قادة الجيش والأجهزة الأمنية مقتنعين بضرورة إنهاء الحرب، وبالتالي "فالجميع يشعر أنه لن يذهب إلى صفقة خوفا على حكومته، وليس لأن الصفقة غير ممكنة".
وإلى جانب ما سبق فإن نتنياهو يعرف أن المجتمع الإسرائيلي يدعمه لأنه مجتمع يميني متطرف في معظمه ويسير خلفه كملك لإسرائيل ومخلص لها، برأي المحلل السياسي أحمد الحيلة.
وبالتالي، فإن نتنياهو يصعّد قصفه على المدنيين في مختلف مناطق غزة ويضع العراقيل أمام المفاوضات حتى يدفع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إلى الانسحاب منها، حسب الحيلة.
ويرى المحلل السياسي أن نتنياهو -من خلال هذه الشروط- "يقول للوسطاء إنهم لن يذهبوا أكثر مما وصلوا إليه، ويقول لأميركا وللداخل الإسرائيلي إنه لن يدخل مفاوضات إلا بشروطه التي تمنح تطمينات لليمين المتطرف بالدرجة الأولى".
كما أن نتنياهو -برأي المحلل السياسي- "لا يشعر بضغط حقيقي يدفعه إلى تقديم تنازلات، لأن إدارة جو بايدن ضعيفة جدا ومقيدة بسبب الانتخابات وتسترضي اللوبيات الصهيونية".
وبالتالي، فإن اجتماع الدوحة المرتقب -وفق الحيلة- "لن يُحدث أي جديد بعد بيان نتنياهو الذي قيد وفد التفاوض الإسرائيلي وسيشغل الوسطاء بكيفية تخفيف هذه الشروط بدلا من البحث في الاتفاق نفسه"، كما قال الحيلة.
ويرى الحيلة أن نتنياهو "يشتري الوقت ويتعامل مع بايدن على أنه مرشح للرئاسة وليس رئيسا، وبالتالي فإن مدير المخابرات المركزية الأميركية وليام بيرنز لا يمكنه ممارسة أي ضغط حقيقي على الإسرائيليين لأنه ينتمي إلى إدارة ضعيفة".
الرأي نفسه ذهب إليه ماثيو دوس نائب الرئيس التنفيذي لمركز الدراسات الدولية في واشنطن بقوله إن بايدن لن يمارس ضغوطا ملموسة على نتنياهو لكي يدفعه نحو التوصل إلى اتفاق.
وقال دوس إن نتنياهو يدرك حاليا أنه سينتهي سياسيا مع نهاية الحرب وأن الولايات المتحدة هي البلد الوحيد القادر على الضغط عليه، مؤكدا أن بايدن "يرفض القيام بهذا حتى الآن".
لا ضغوط أميركيةولا يتوقع دوس أي تغير في سلوك الولايات المتحدة "لأن حماس تعاطت بإيجابية مع العديد من مقترحات تبادل الأسرى التي أكد نتنياهو رفضه لها علنا، ومع ذلك واصلت واشنطن تضليل الرأي العام فيما يتعلق بحقيقة الخلافات".
وأعرب دوس عن اعتقاده بأن "إدارة بايدن لن تتوقف عن ممارسة هذا التضليل رغم أن العالم كله يعرف أن مزاعم إسرائيل غير حقيقية وأن نتنياهو لا يريد الاتفاق بالطريقة التي أعلن بايدن تأييده لها".
وبناء على ذلك فإن نتنياهو "سيستغل الأزمة التي يعيشها بايدن بسبب مناظرته مع دونالد ترامب والحديث المتزايد عن وضعه الصحي وسلامته العقلية"، وفق دوس.
وتعليقا على شروط نتنياهو التي أصدرها بعد مكالمة مع بايدن بشأن المفاوضات قال دوس "إنها ليست المرة الأولى التي يذل فيها نتنياهو بايدن، وقد فعلها مع كل رئيس أميركي، ومع بايدن تحديدا"، مضيفا أنه "يتعامل مع بايدن بقلة احترام أكثر من أي رئيس سابق".
ومع ذلك، أكد دوس أن لدى بايدن الكثير ليفعله خلال هذه الفترة "لكنه لن يفعل شيئا، واكتفى فقط بتشجيع نتنياهو على التوصل إلى اتفاق"، مضيفا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي "لن يتراجع إلا بوقفة فعلية في وجهه لإخضاعه بالقوة".
وبعيدا عن الموقف الأميركي، تحدث يزبك عن أيديولوجية متطرفة صنعها نتنياهو منذ وصوله إلى الحكم، لكنها زادت تطرفا خلال الحرب الحالية.
وأشار يزبك إلى أن نتنياهو "شرعن اليمين الكهاني الذي رفضته الحكومة واعتبرته غير قانوني، لأنه يتبنى نفس معتقدات هذا التيار الذي يرفض حتى التفاوض مع الفلسطينيين بشأن الضفة الغربية، ويعمل على توسيع الاستيطان".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات فإن نتنیاهو أن نتنیاهو إن نتنیاهو مع بایدن
إقرأ أيضاً:
شروط الاحتلال الإسرائيلي التي أدت لإلغاء مسيرة العودة
القدس المحتلة- في كل عام، يحمل المهندس سليمان فحماوي ذاكرته المثقلة بالحنين والوجع، ويسير على خُطا قريته المهجرة "أم الزينات" الواقعة على سفوح جبال الكرمل في قضاء حيفا، والتي اضطر لمغادرتها قسرا كباقي مئات آلاف الفلسطينيين، تاركا خلفه طفولته وذكرياته لتصبح جزءا من تاريخ النكبة الذي لا ينفك يعيد نفسه.
سليمان، اللاجئ في وطنه، عاش فصول النكبة الفلسطينية متنقلا بين بلدات الكرمل والساحل، قبل أن يستقر به الحال في بلدة أم الفحم، على تخوم حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967.
واليوم، وفي الذكرى الـ77 للنكبة، وبعد عقود من التهجير، يقف كعضو ومتحدث باسم "لجنة الدفاع عن حقوق المهجرين" بالداخل الفلسطيني، محاولًا الحفاظ على ذاكرة القرى التي طمست معالمها، وفي مقدمتها قرية "كفر سبت" المهجرة، في قضاء طبريا في الجليل شمالي فلسطين.
منذ تأسيس "جمعية الدفاع عن حقوق المهجرين" عام 1997، اعتاد سليمان ورفاقه تنظيم مسيرة العودة السنوية إلى القرى المهجّرة، بالتنسيق مع لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية، حيث أصبحت المسيرات ذات رمزية تقول للعالم "يوم استقلالهم يوم نكبتنا"، وتعيد للأذهان قصص البيوت المهدومة والأرواح التي لا تزال معلقة بأطلال قراها.
"هذا العام كان مختلفا" يقول فحماوي للجزيرة نت بنبرة يغلب عليها الأسى، فبدلا من التحضير المعتاد للمسيرة الـ28 نحو "كفر سبت"، اصطدمت الجمعية بسلسلة من الشروط التعجيزية التي وضعتها الشرطة الإسرائيلية، ما اضطرهم إلى اتخاذ قرار صعب "سحب طلب التصريح".
يوضح فحماوي "كما كل عام، قدمنا طلبا للحصول على التصاريح، لكن الشرطة هذه المرة وضعت شروطًا غير مسبوقة، كان أولها عدم رفع العلم الفلسطيني، ذلك العلم الذي لطالما خفقت به القلوب قبل الأيادي، كما اشترطت الحصول على موافقة المجلس الإقليمي في الجليل الغربي، الذي تقع القرية ضمن نفوذه، إضافة إلى تحديد عدد المشاركين بـ700 شخص فقط".
إعلان"بالنسبة لنا، العلم الفلسطيني خط أحمر" يؤكد سليمان، ويتساءل "كيف لمسيرة تحمل اسم العودة أن تقام دون علمنا، ودون مشاركة الآلاف من أبناء الداخل الفلسطيني الذين يحملون هم القضية؟".
وبين تهديدات الشرطة بالاقتحام، والوعيد بقمع المسيرة حال تجاوز الشروط، وجدت الجمعية نفسها أمام مفترق طرق، ويقول فحماوي "خلال المفاوضات، لمسنا نوايا مبيتة من الشرطة الإسرائيلية وتهديدات بالاعتداء على المشاركين من أطفال ونساء وشباب".
وفي مشهد تتداخل فيه الوطنية بالمسؤولية الأخلاقية، اجتمعت كافة الأطر السياسية والحزبية والحقوقية في الداخل الفلسطيني، ليصدر القرار الأصعب (سحب الطلب)، لخصها فحماوي بقوله "نقطة دم طفل تساوي العالم"، مضيفا "لن نسمح بأن تتحول مسيرتنا إلى ساحة قمع جديدة، اخترنا العقل على العاطفة، لكن شوقنا للعودة لا يلغيه انسحاب مؤقت".
قبل نحو 30 عاما، لم تكن مسيرات العودة جزءا من المشهد الوطني الفلسطيني، وكانت قضية القرى المهجرة تعيش في طي النسيان، مطموسة في ذاكرة مغيبة، تكاد تمحى بفعل الإهمال والسياسات الإسرائيلية المتعمدة، يقول فحماوي، ويضيف "لكن هذا الواقع بدأ يتغير تدريجيا مع انطلاق المبادرات الشعبية، وعلى رأسها مسيرة العودة".
وعلى مدى هذه العقود الثلاثة، شارك مئات الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني -وخاصة من فلسطينيي الداخل- في مسيرات العودة، التي تحوّلت إلى محطة وطنية سنوية ثابتة، تحمل رسائل سياسية وشعبية عميقة، وتؤكد على حق العودة بوصفه حقا فرديا وجماعيا غير قابل للتنازل أو التفاوض.
ورغم قرار سحب طلب التصريح لمسيرة العودة الـ28، لا يتوقف التساؤل لدى أدهم جبارين، رئيس اللجنة الشعبية في أم الفحم، وابن عائلة لاجئة من قرية اللجون المهجرة عن "ماذا يعني أن يمنع لاجئ فلسطيني من العودة، ولو ليوم واحد، إلى قريته التي طُرد منها؟ وماذا يعني أن يجرم رفع العلم الفلسطيني؟"
إعلان"هذه ليست النهاية" يؤكد جبارين للجزيرة نت، ويقول "نحن مستمرون، فحق العودة ليس مناسبة، بل حياة كاملة نعيشها يوميا"، مضيفا "رغم القيود والتهديدات، تبقى مسيرة العودة أكثر من مجرد حدث سنوي، هي ذاكرة حية تورَّث للأجيال، ورسالة واضحة بأن القرى المهجرة ستظل حاضرة في القلوب والعقول، حتى يتحقق حلم العودة.
ويؤكد جبارين أن قرار سحب الطلب "لم يكن تراجعا، بل خطوة واعية اتخذت من منطلق المسؤولية الوطنية، بعد أن اتضح خلال مفاوضات الجمعية مع الشرطة الإسرائيلية وجود نية مبيتة للترهيب والترويع، وحتى تهديد ضمني بإمكانية قمع المسيرة بالقوة، وربما ارتكاب مجزرة بحق المشاركين".
ويقول "نرى ما يجري من حرب إبادة في غزة، وعمليات التهجير في الضفة الغربية، وما لمسناه من سلوك الشرطة يعكس تحضيرات لتنفيذ سيناريو مشابه في الداخل، حيث بات استهدافنا على خلفية إحياء المناسبات الوطنية مسألة وقت لا أكثر".
لكن رغم المنع، لم تتوقف الفعاليات، فالجمعية أطلقت برنامج زيارات موسعًا إلى أكثر من 40 قرية مهجّرة، بمرافقة مرشدين مختصين، لتتحوّل ذكرى النكبة من فعالية مركزية واحدة إلى عشرات الجولات والأنشطة الميدانية.
ويختم جبارين حديثه للجزيرة نت بالقول إن "مسيرة العودة ليست مجرد تظاهرة، بل رسالة متجددة وتذكير سنوي بالنكبة، وتجذير للوعي الوطني، وانتقال للذاكرة من جيل إلى آخر، ورسالة واضحة بأن لا حق يضيع ما دام هناك من يطالب به".
ويضيف أنها "أيضا رد مباشر على المقولة الصهيونية الشهيرة: الكبار يموتون والصغار ينسون، فالصغار لم ينسوا، بل باتوا في مقدمة الحشود، يحملون الراية، ويرددون أسماء القرى التي هُجرت، وكأنها ولدت من جديد على ألسنتهم".