كيف تقودنا الأسلحة ذاتية التحكم إلى حقبة الروبوتات القاتلة؟
تاريخ النشر: 8th, July 2024 GMT
في أحد الحقول على ضواحي العاصمة الأوكرانية كييف، تقدم واحدة من الشركات الأوكرانية سلاحا جديدا ذاتي التحكم، تسعى من خلاله لتحقيق قفزة نوعية في تقنيات الأسلحة الذاتية، كما ذكر تقرير في نيويورك تايمز.
استعرض مؤخرا أوليكسي بابينكو، الرئيس التنفيذي لشركة "فيريي" (Vyriy) والبالغ من العمر 25 عاما، إمكانيات طائرة مسيرة جديدة ذاتية التحكم بالذكاء الاصطناعي، ففي أثناء قيادته دراجته البخارية على طريق ترابي، تبعته الطائرة المسيرة بنفسها دون مساعدة بشرية عبر كاميرتها، وهو إنجاز كان يتطلب سابقا تدخل الطيارين البشريين لقيادة الطائرة عن بعد.
وذكر التقرير أنه لو كانت الطائرة مسلحة بالمتفجرات، ولم يوقف زملاؤه في الفريق عملية التتبع الذاتي، لكان بابينكو تعرض لخطر حقيقي، وهو ما يبرز مدى قوة الإمكانات القاتلة لتلك الأسلحة الجديدة ذاتية التحكم.
سيليكون فالي للطائرات المسيرةتحولت أوكرانيا، بفعل الحرب الجارية مع روسيا، إلى أرض خصبة للابتكار في مجال الأسلحة ذاتية التحكم بالذكاء الاصطناعي. الحاجة إلى خلق نقطة تفوق على الجيش الروسي، إلى جانب الاستثمارات الكبيرة والتبرعات والعقود الحكومية، جعلت أوكرانيا مركزا يشبه سيليكون فالي لتقنيات الطائرات المسيرة المتطورة، كما يشير التقرير.
يقود ميخايلو فيدوروف، وزير التحول الرقمي الأوكراني، جهود الدولة لتسخير إمكانات شركات التقنية الناشئة لتعزيز القدرات العسكرية للجيش الأوكراني، وذكر في هذا السياق: "نحتاج إلى أقصى درجات الأتمتة. هذه التقنيات أساسية لتحقيق النصر".
شركة "فيريي" هي إحدى الشركات الأوكرانية المتعددة التي تعمل على تحقيق طفرة نوعية في تسليح التقنيات الاستهلاكية. وتعمل الشركة على تطوير الطائرات المسيرة وأدوات أخرى تعمل بالحد الأدنى من التدخل البشري، بفضل دمج تقنيات التعلم العميق وخوارزميات الأتمتة المتطورة.
حول النزاع أوكرانيا إلى تلك الأرض الخصبة لتصبح مصنعا ومختبرا مؤقتا ينتج تلك الآلات ذاتية التحكم، وهي تتراوح ما بين الطائرات الطويلة المدى والقوارب الهجومية إلى الطائرات الانتحارية الموجهة بتقنية منظور الشخص الأول (First Person View) كما في حالة الطائرة التي تنتجها شركة "فيريي"، وتلك الابتكارات تدمج في الأنظمة الذاتية بالكامل التي يمكنها تنفيذ المهام بصورة مستقلة.
أوكرانيا بفعل الحرب الجارية مع روسيا تحولت إلى أرض خصبة للابتكار في مجال الأسلحة ذاتية التحكم بالذكاء الاصطناعي (الأناضول) حقبة الروبوتات القاتلةبدأت الجهود لأتمتة رحلات تلك الطائرات العام الماضي، لكنها واجهت تراجعا في تطوير برمجيات موثوقة للتحكم في عملية الطيران. ولكن، وفقا لما ذكره الوزير الأوكراني، يوجد حل لهذه المشاكل، والخطوة التالية ستكون توسيع نطاق عملية الإنتاج بتمويل حكومي متزايد. إذ يوجد نحو 10 شركات تصنع طائرات مسيرة ذاتية التحكم، وكثير من تلك التقنيات يختبرها الجيش ويستخدمها بصورة نشطة على الخطوط الأمامية في أرض المعركة، وفقا للتقرير.
بالنسبة للجنود الأوكرانيين، فإن الاستفادة من الطائرات المسيرة التجارية تمثل أحد الجوانب المهمة في هذه الحرب. إذ يتولى بعض الجنود الأوكرانيين تعديل تلك الطائرات المسيرة لتصبح صالحة للاستخدام القتالي في أرض المعركة. مثلا يزود الجنود الطائرات السريعة بقنابل لتصبح ضمن الطائرات الانتحارية "كاميكازي"، ويزيدون من مداها في الطيران باستخدام بطاريات أكبر حجما، ويضيفون لها إمكانيات الرؤية الليلية للمهام التي تجري ليلا في الظلام. كما تحظى تلك الطائرات المسيرة ذاتية التحكم حاليا بطلب كبير، بفضل فعاليتها في التغلب على عمليات التشويش، التي قد تقطع الاتصالات بين المسيرة والطيار، وغيرها من التدابير المضادة لهذه الطائرات.
ويشير تقرير نيويورك تايمز إلى أن ما تبتكره تلك الشركات هو التقنية التي تُحول الحكم البشري على عملية الاستهداف وإطلاق النار إلى أحد الأمور الهامشية أكثر فأكثر. إذ أدى توافر الأجهزة الاستهلاكية على نطاق واسع، بجانب سهولة تصميم البرمجيات، وخوارزميات الأتمتة القوية، ورقائق المعالجة المتخصصة في الذكاء الاصطناعي، إلى انطلاق سباق الابتكار القاتل نحو آفاق مجهولة، مما يشعل حقبة جديدة محتملة تنتشر بها الروبوتات القاتلة في أرض المعركة.
مخاوف مشروعةجذبت تلك التطورات التقنية في أوكرانيا اهتماما واستثمارا عالميين، ففي العام الماضي، أسس إريك شميدت، الرئيس التنفيذي السابق لشركة غوغل، ومستثمرون آخرون شركة تدعى "دي 3" (D3) للاستثمار في التقنيات الناشئة في ساحة المعركة داخل أوكرانيا. كما تتعاون شركات الأسلحة المتخصصة في الذكاء الاصطناعي، مثل شركة هيلسينج، مع الشركات الأوكرانية للبحث في تطوير حدود إمكانيات هذا النوع من الأسلحة ذاتية التحكم.
لكن بالرغم من هذا التطور السريع، تظل الأسئلة الكبيرة مطروحة حول استخدام الأسلحة ذاتية التحكم. حاليا، تتطلب معظم الطائرات المسيرة وجود إنسان ليحدد الهدف، مما يحافظ على إطار ومنهج الإنسان داخل حلقة اتخاذ القرار، الذي يوصي به العاملون بمجال الذكاء الاصطناعي، كما أشار التقرير. وفي هذا السياق، أثار بعض الجنود الأوكرانيين المخاوف من احتمال تلف أنظمة الطائرة وإمكانية إطلاقها النار بصورة خاطئة أو استهدافها لقوات الجيش الأوكراني نفسه.
تستطيع أنظمة الأسلحة الذاتية مثل المدفع الرشاش الآلي "وولّي" (Wolly)، الذي تُطوره الشركة الأوكرانية "ديف درويد" (DevDroid)، تتبع الأهداف تلقائيا حتى مسافة ألف متر، ويمكنه القفز بين مواقع مبرمجة مسبقا في نظامه بهدف تغطية أكبر قدر من المساحة سريعا. ويمكن التحكم في السلاح بواسطة ذراع تحكم جهاز الألعاب بلاي ستيشن وجهاز لوحي.
يعد هذا السلاح واحدا من عدة أسلحة ظهرت مؤخرا على الخطوط الأمامية للحرب تستخدم برمجيات مدربة على الذكاء الاصطناعي لتتبع الأهداف وإطلاق النار عليها تلقائيًا. وبينما تتطلب تلك الأنظمة حاليا تدخلا بشريا لإطلاق النار، يعترف المطورون بسهولة تحويلها إلى أنظمة ذاتية بالكامل في المستقبل.
كما أثار صعود وانتشار الأسلحة ذاتية التحكم بعض النقاشات على المستوى الدولي حول تداعيات أخلاقية وقانونية لاستخدام مثل هذا النوع من الأسلحة. تعبر جماعات حقوق الإنسان ومسؤولو الأمم المتحدة عن مخاوفهم من أن تلك التطورات قد تشعل سباقَ تسلح عالميًّا جديدا، ربما يخرج عن السيطرة. ويتمثل محور القلق في أن تلك الأسلحة ذاتية التحكم، بمجرد أن تدخل حيز العمليات بالكامل، قد تعمل دون أي حكم بشري، مما يؤدي إلى وقوع عواقب مؤثرة وغير مقصودة.
أشار ستيوارت راسل، عالم الذكاء الاصطناعي والأستاذ بجامعة كاليفورنيا في بيركلي، الذي حذر طويلا من مخاطر الأسلحة ذاتية التحكم، إلى أنه "ستكون هناك أسلحة دمار شامل رخيصة، قابلة للتوسع، ومتاحة بسهولة في أسواق الأسلحة حول العالم". وهو شعور يعكس مدى حجم التهديد العالمي المحتمل الناتج عن انتشار الأسلحة ذاتية التحكم.
لذا لم يعد عصر الروبوتات القاتلة احتمالا بعيدا، بل بدأ يتحول لحقيقة في الوقت الحاضر، ويبدو أن الحرب في أوكرانيا تقود المسيرة إلى هذه الحقبة الجديدة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الروبوتات القاتلة الذکاء الاصطناعی الطائرات المسیرة
إقرأ أيضاً:
ماري أنطوانيت والألعاب النارية “القاتلة”!
المكسيك – أصبحت الألعاب النارية منذ زمن بعيد لا غنى عنها في الاحتفالات المختلفة بما في ذلك المناسبات الوطنية، ومع ذلك فقد تتحول بهجة هذه الألعاب بأصواتها الزاهية وفرقعاتها إلى مأس مفجعة.
هذا الأمر يحدث باستمرار قديما وحديثا. على سبيل المثال شهدت منطقة بشمال العاصمة المكسيكية في 20 ديسمبر 2016، انفجارا بمتجر للألعاب النارية أودى بحياة 35 شخصا وإصابة 59 آخرين.
في مناسبة ثانية بالمكسيك أيضا في عام 2018، لقي 8 أشخاص مصرعهم بالقرب من العاصمة مكسيكو سيتي، وخلال موكب ديني بإحدى الكنائس، جلب المشاركون بمناسبة الاحتفال بعيد القديسة ماري ألعابا نارية وضعت أمام الكنيسة. فجأة ومن دون سابق إنذار انفجرت الألعاب النارية وخلفت وراءها هذا العدد من الضحايا علاوة على إصابة أكثر من خمسين شخصا آخرين.
المكسيك شهدت مأساة ثالثة مشابهة في مارس 2013. في تلك المرة انفجرت شاحنة تحمل ألعابا نارية خلال موكب ديني في ولاية تلاكسكالا المكسيكية. أحد صواريخ الألعاب الناري سقط بالصدفة على مظلة أخفيت بها شحنة خطرة. الانفجار أودى بحياة 15 شخصا، وأصاب بعاهات وجروح متفاوتة 154 آخرين.
مأساة من هذا النوع حدثت في الولايات المتحدة في عام 2013 أثناء الاحتفال بذكرى استقلالها بمدينة سيمي فالي بولاية كاليفورنيا. خرج سكان المدينة للاحتفال بهذه المناسبة الوطنية، وفيما كانت الأنظار تتابع بشغف انطلاق الألعاب النارية وما ترسمه من صور براقة في السماء، انفجرت على حين غرة إحدى المقذوفات متسببة في إصابة 36 شخصا بينهم 12 طفلا بجروح خطيرة تراوحت بين الحروق والتمزقات.
مأساة كبيرة بسبب الألعاب النارية طالت مدينة أنسخديه، الواقعة بشرق هولندا. حدث انفجاران ضخمان في مستودع شركة هولندية متخصصة في إنتاج الألعاب النارية، تلاه حريق هائل أودى بحياة 23 شخصا بينهم أربعة من رجال الإطفاء، كما أصيب حوالي ألف آخرين. الانفجار والحريق الذي تبعه تسببا أيضا في تدمير حوالي 400 منزل.
هذه الخسائر البشرية والمادية الكبيرة ترجع إلى قوة الانفجارات الهائلة. أحد الانفجارين قدرت قوته بحوالي 5000 كيلو غرام من مادة تي إن تي.
الحادث الشهير الأقدم بجريرة الألعاب النارية جرى في القرن الثامن عشر في فرنسا. أثناء الاحتفال بزفاف ماري أنطوانيت ودوفين وريث العرش الفرنسي حينها والذي عرف لاحقا باسم الملك لويس السادي عشر، أعدت عروض كبيرة للألعاب النارية المنتجة من قبل الأخوين روجيري. الألعاب النارية تسببت في أحداث عرضية أفضت إلى مأساة كبرى في ذلك العرس الملكي.
وصف المؤرخ هنري ساذرلاند في كتاب عن تاريخ باريس ما جرى قائلا: “كان كل شيء يسير على ما يرام، وحين اجتاحت عاصفة من الرياح الحشد فجأة، انفجرت عدة ألعاب صاروخية جزئيا فقط. كانت الألعاب النارية، مثل العديد من الاختراعات ذات الأصل الإيطالي، لا تزال حديثة نسبيا لأغلب الجمهور الفرنسي، وذلك إلى جانب الانزعاج وحتى الخوف من خطر سقوط المقذوفات المشتعلة بين الآلاف من المتفرجين المتحمسين والمزدحمين، كان كافيا لتفسير الارتباك الرهيب الذي أدى إلى عدة مئات من الحوادث المميتة”. انتشر الذعر بين الحشود، وتدافعت أعداد كبيرة في شارع رويال الضيق وتعرض من سقط منهم للدهس. السلطات وقتها ذكرت أن 133 شخصا قتلوا، إلا أن المؤرخ ساذرلاند يعتقد أن أعداد الضحايا كانت أكبر بكثير، وأنها تجاوزت ألفا ومئتي شخص. هو ذكر في هذا الصدد أن إحدى العائلات لم يبق منها أحد على قيد الحياة.
تلك الحادثة القديمة ظلت آثارها لسنوات على أجساد عدد من سكان باريس الذين كانوا في ذلك العرس وتعرضوا لسوء حظهم، للدوس بقوة في أماكن مختلفة من أجسادهم بأقدام الجموع الفزعة من فرقعة الألعاب النارية.
المصدر: RT