ضريبة الدخل المرتفع والهواجس المجتمعية
تاريخ النشر: 8th, July 2024 GMT
أتذكّر جيدا الهواجس المجتمعية عندما أُقرّت خطة التوازن المالي متوسطة المدى في أكتوبر 2020، وبدء تطبيق مبادراتها والتحليلات الاقتصادية التي أبدت عدم رضاها على المبادرات رغم إيمان الكثيرين بضرورتها وأهميتها لوقف الارتفاع في نسبة الدين العام للدولة التي شارفت حينها 80% من الناتج المحلي الإجمالي. من بين تلك الهواجس انعكاسات فرض ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5% على قدرة أفراد المجتمع لتلبية المتطلبات اليومية، وأسباب عدم فرض ضريبة الدخل المرتفع حينها؛ كونها أداة مالية سريعة للتعامل مع الدين العام دون الحاجة إلى تطبيق المبادرات الأخرى للخطة.
في رأيي أن سيكولوجية التفكير لدى الجماهير خاصة الفاعلين أو المؤثرين أصبحت أكثر جرأة في التفاعل مع الموضوعات التي تلامس المجتمع واحتياجاته رغم عدم إلمام البعض منهم بدوافع فرض ضريبة الدخل المرتفع، ومع المتابعة المستمرة لما يناقش ويطرح في شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام يتضّح أن تحريك العاطفة أصبح متكررا عبر اجتزاء تصريحات المحللين الاقتصاديين والباحثين في العلوم الأخرى المرتبطة بالجوانب الحياتية مثل العلوم الاجتماعية والإحصائية والعلوم الداعمة مثل علمي الاستقصاء وتحليل البيانات، مما يساعد على تهييج مشاعر مرتادي هذه المنصات عاطفيا ونفسيا رغم إيمانهم بأن ضريبة الدخل المرتفع لن تؤثر على شريحة كبيرة من المجتمع عبر تحديد الدخل المستهدف وعدم الاطلاع على اللوائح المنظمة لقانون ضريبة الدخل المرتفع؛ كون أنه ما يزال في دورته التشريعية. وهنا أستغرب من حجم التفاعل السلبي مع مسودة مشروع القانون والتنبؤ بتأثيراته المستقبلية على تلبية المتطلبات الاجتماعية اليومية.
ما يميّز الخطط والبرامج في سلطنة عُمان هو الالتزام بتنفيذها مع الوضع في الحسبان المتغيرات والتطورات المحيطة بها، ويظهر ذلك جليا في الالتزام بمبادرات السياسة المالية المتبعة منذ إطلاق برنامج التوازن المالي عام 2020 ونجاحه ثم الانتقال إلى مرحلة الاستدامة المالية، وانعكست إيجابا على النمو الاقتصادي لسلطنة عُمان بفضل نجاح السياسات الاقتصادية والمالية التي ساعدت في تحسّن غالبية مؤشرات الاقتصاد، وعزّزت من مكانته بين اقتصادات دول العالم.
لن أتحدث كثيرا عن فوائد ضريبة الدخل المرتفع؛ كونها واضحة لأفراد المجتمع فهي أداة مالية تسعى إلى رفد الميزانية العامة للدولة ضمن سياسة مالية متبعة لاستدامة الوضع المالي لسلطنة عُمان وتنويع مصادر الدخل منذ إقرار خطة التوازن المالي قبل 4 أعوام، وهي معزّزة للعدالة المجتمعية، إضافة إلى دورها في تعزيز الإنفاق الإنمائي والاستثماري؛ إلا أن الهاجس الأكبر هو ارتفاع المعدل العام للأسعار في السوق بعد إقرار الضريبة؛ لانخفاض هامش الربح وتعويض النقص في رواتب الموظفين، فيما يظن البعض أن فرض الضرائب يؤثر على القوة الشرائية في المحال التجارية والأسواق عموما. وفي ظني أن كل ما يطرح ويناقش بشأن الضريبة يعد هاجسا وليس مثبتا؛ لعدم تقديم الأدلة والإثباتات الاقتصادية على الآثار المتوقعة اقتصاديا واجتماعيا، ولا يمكن التنبؤ بأحداث دون الأخذ في الحسبان المتغيرات الأخرى؛ فمثلا هناك ارتفاع في مستوى الرفاه المجتمعي بفضل حركة التوظيف المستمرة، وتحسّن معدّل الأجور لبعض فئات الموظفين، وترقية الموظفين المستحقين، إضافة إلى توقّف الرفع التدريجي لبعض الدعوم لسلع المحروقات وعدم التوسّع في الوعاء الضريبي، ووقف الرفع التدريجي لدعم خدمتي الكهرباء والمياه، ما يستغرب هو تكوين رأي عام في شبكات التواصل الاجتماعي مبني على معلومات غير دقيقة أو مضللة؛ فمثلا هناك من يدّعي أن الضريبة تشمل جميع العاملين في القطاعين العام والخاص، رغم أن مسودة القانون أوضحت عكس ذلك، وهناك من يغرس السلبية في الأشخاص وكأن الضريبة لم تكن مطلبا قبل عدة أعوام؛ لمعالجة تدهور الوضع المالي في العقد السابق، وما زاد امتعاضي من الآراء غير المشجعة على ضريبة الدخل هو التفاعل بسلبية حادة مع المشروع وأن في حال تطبيق الضريبة سنشهد ارتفاعا في الأسعار، وكأنهم يشجعون على رفعها كحق مشروع بسبب استقطاع مبلغ الضريبة، ما نأمله هو أن تحقق هذه الأداة المالية النتائج المرجوة منها، وأن يواصل الوضع المالي في سلطنة عُمان استدامته ونموّه، وأن نبتعد عن التحليلات غير الدقيقة عند التفاعل مع مشروعات القوانين خاصة تلك التي تثير حفيظة الرأي العام سلبا.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الوضع المالی
إقرأ أيضاً: