ضمن الأكثر مشاهدة في 70 دولة.. كيف جسَّد مسلسل الأيام الياباني كارثة فوكوشيما على الشاشة؟
تاريخ النشر: 7th, August 2023 GMT
في مسلسل قصير من ثماني حلقات، قدمت منصة "نتفليكس" جرعة مكثفة من التوتر والقلق على الطريقة اليابانية، من خلال مسلسل "الأيام" (The Days) الذي تصدر مؤخرا قوائم الأعمال الأكثر مشاهدة في نحو سبع وسبعين دولة، وسرعان ما أعاد للأذهان مسلسل منصة "HBO" الشهير "تشيرنوبل"، الذي تناول كارثة نووية مشابهة، وحقق نجاحا هائلا وقت صدوره.
لكن هذه المقارنة تحديدا هي ما جعلت بعض المشاهدين يشعرون بالإحباط، نظرا للاختلاف الكبير في خط السرد، وأسلوب تناول الأحداث، وإيقاعها في المسلسلين، وهو ما جعل الآراء تتفاوت حول المسلسل الياباني ما بين الإشادة والانتقادات.
(مواقع التواصل)جاء مسلسل "الأيام" حاملا بصمة مخرج الرعب الياباني الشهير هيديو ناكاتا، مع المخرج ماساكي نيشويرا، واستندت أحداثه إلى عدد من المصادر أبرزها كتاب الصحفي الياباني كادوتا رويشو الذي حمل عنوان "على حافة الهاوية.. أسرار كارثة فوكوشيما دايتشي" (On the Brink: The Inside Story of Fukushima Daiichi) وجمع فيه رويشو شهادات نحو 90 شخصا حول الأحداث الواقعية لكارثة محطة "فوكوشيما دايتشي" التي وقعت في اليابان في مارس/آذار 2011، وهي أحد نتائج زلزال توهوكو الذي يعد أقوى زلزال مسجل في تاريخ اليابان حتى الوقت الحالي.
طبقات متتالية من الكوارثمن حين إلى آخر تستبد الكوارث الطبيعية بالعالم، ربما لتُذكِّر الإنسان بمدى ضآلته رغم كل ما وصل إليه من علم ومعرفة، وهذا هو ما حدث في مارس/آذار 2011 في اليابان، حين وجد البشر أنفسهم في مواجهة مجموعة من الكوارث المتداخلة في وقت واحد، حيث أدى الزلزال الذي وقع تحت سطح البحر قبالة الساحل الشرقي لليابان إلى موجات تسونامي ضخمة، تسببت بدورها في قطع إمدادات الكهرباء الرئيسية عن محطة فوكوشيما دايتشي النووية، كما غمرت موجات التسونامي المحطة، التي لم يكن ارتفاعها يزيد على عشرة أمتار فقط فوق سطح البحر.
تسبب ذلك في تعطل المولدات الاحتياطية للمحطة التي تعمل بالديزل، وهو ما أدى إلى وقوع أسوأ حادث نووي في العالم منذ كارثة تشرنوبل، بعدما ارتفعت درجة حرارة قضبان الوقود في المفاعلات الثلاثة النشطة إلى درجة شديدة الخطورة، نتيجة لتعطل مبردات المفاعل. خلق ذلك كارثة متعددة الطبقات، ما بين الزلزال والتسونامي والكارثة النووية، وهو ما أدى وقتها إلى سقوط نحو 20 ألف ضحية، مع عدد كبير من الإصابات والمفقودين. وسرعان ما أُخليت مساحة 20 كيلومترا حول المحطة النووية، وحظرت الحكومة الطيران بطول 30 كيلومترا. (1)
صورة من مسلسل الأيام تُظهر لنا بيوتا هجرها ساكنوها، أطباق طعام لم يجد مَن يتناولها الوقت الكافي لرفعها، ليتعفن ما بها على الموائد، جثث الماشية النافقة في الطرق بعد أن هجرها أصحابها.اللقطات المفتاحية للعمل، التي تظهر مرة أخرى بمزيد من التفاصيل في الحلقة الأخيرة، تُظهر لنا بيوتا هجرها ساكنوها، أطباق طعام لم يجد مَن يتناولها الوقت الكافي لرفعها، ليتعفن ما بها على الموائد، جثث الماشية النافقة في الطرق بعد أن هجرها أصحابها، والحيوانات البرية التي عادت لتسكن الشوارع بعد أن هجرها الإنسان، وهي مشاهد تطرح تساؤلات حول مدى ضآلة القدرات الإنسانية مهما بلغت، مستعرضة لحظات بناء المحطة النووية قبل أربعين عاما، حين بدت منارة للأمل، قبل أن تتحول بعد الكارثة إلى إرث مظلم.
يتناول المسلسل في حلقاته الثمانية تفاصيل ما حدث خلال هذه الأيام القاسية، والمحاولات البطولية لعمال المصنع لمنع وقوع هذه الكارثة، في إيقاع درامي مختلف عن المعتاد، يولي اهتماما بتسجيل الوقائع والحقائق على حساب عوامل الجذب المعتادة في مسلسلات الإثارة الهوليودية من هذا النوع.
رعب الواقعيرتبط اسم المخرج هيديو ناكاتا بمجموعة من أشهر أفلام الرعب اليابانية الناجحة، التي أعادت هوليود تقديم بعضها فيما بعد، مثل "دارك ووتر"، و"ذا رينج". وعلى الرغم من واقعية الأحداث في مسلسل "الأيام"، فإن هناك العديد من اللقطات التي يمكننا أن نستحضر عبرها سوداوية سينما الرعب، تلك التي برع ناكاتا في خلق لقطاتها على الشاشة. لكن الرعب هنا لم يأتِ نتاجا لعناصر ما ورائية، لكنه رعب الإنسان بكل ما يحمله من ضعف وأمل في الحياة، في مواجهة خطر اتحاد الكارثتين الطبيعية والنووية.
عبر تكوينات بصرية بديعة، ثقيلة الوطء، تبرز خبرة المخرج هيديو ناكاتا ومدير التصوير جين كوباياشي الذي اختار التقاط الأحداث عبر زاوية تمزج بين الانطباعية والواقعية، وجاء مونتاج وإيقاع بعض المشاهد السريع معززا لذلك الشعور بالتوتر والرعب، تحديدا في إدارة مشاهد غرفة التحكم، حيث يسيطر على هذه المشاهد ظلام دامس، ظلام حقيقي ممزوج بشعور الرعب والألم، وحقيقة واحدة تسيطر على السرد والإيقاع أن هؤلاء الأفراد الذين نشاهدهم أمامنا في عملية إنقاذ بطولية انتحارية هم مجموعة من المحكوم عليهم بالموت في النهاية، جميعهم يدركون ذلك، ويتابعهم المشاهد وفي القلب غصة، وهم يتقدمون بإيقاع بطيء نحو موت محتوم.
يستعرض المسلسل ثلاث وجهات نظر مختلفة، هي وجهة نظر المسؤولين الحكوميين، وموظفي شركة طوكيو للطاقة الكهربية، وموظفي محطة فوكوشيما دايتشي للطاقة النووية. وفي أثناء ذلك يتتبع السرد منظور يوشيدا مدير المحطة النووية الذي توفي بعد عامين من الحادث، بعد أن شُخِّص بسرطان من المرحلة الثالثة. وقد نُشرت شهادة يوشيدا بعد وفاته، بعنوان "شهادة يوشيدا"، ولعبت دورا كبيرا في نقل صورة واقعية عما حدث في المحطة.
كما يلقي المسلسل أيضا الضوء على جهل اللجان التي شكَّلتها الحكومة لإدارة الوضع، حيث لا تتضح الصورة كاملة أمامهم، ورفضهم للاستعانة بأي مساعدات خارجية، حيث انصب تركيزهم على التكلفة السياسية أكثر من التعامل مع الكارثة، وهو ما أدي إلى تأخرهم في اتخاذ القرارات الصحيحة. (2)
"الأيام" و"تشيرنوبل"عند مشاهدة مسلسل "الأيام" غالبا ما يستدعي المشاهدون مقارنته بمسلسل "تشيرنوبل" من إنتاج منصة "HBO"، الذي عُدَّ في وقت عرضه واحدا من أنجح الأعمال الدرامية في السنوات الأخيرة. كلاهما مسلسلان قصيران يستعرضان كارثة نووية، لكن هل تصح المقارنة بينهما؟
حسنا، في الحقيقة رغم التشابه الظاهري بين المسلسلين فإن الخيارات الفنية لكلٍّ منهما مختلفة تماما، تبتعد بحجم المسافة الشاسعة بين الثقافتين اليابانية والغربية، وهو ما أحبط بعض متابعي مسلسل "الأيام" الذين شاهدوه بانطباع مسبق، معتقدين أنه بمنزلة نسخة يابانية من "تشيرنوبل". لقد اختار مسلسل "الأيام" أن يركز على الأحداث الواقعية، بأقل قدر من الضجيج الدرامي، مكتفيا بعمق المأساة التي يحملها الواقع، وركز بشكل كبير على إبراز التفاصيل المتعلقة بالأرقام، وتتابع الأحداث، والإجراءات المتبعة للسيطرة على الوضع بكامل تفاصيلها، وهو ما أدى إلى إضافة العديد من المشاهد التوثيقية التي يمكن ببساطة الاستغناء عنها دراميا.
كما ركز المسلسل على إعادة تجسيد الوقائع التاريخية، دون تركيز كبير على حبكة السرد أو تعميق الشخصيات على الشاشة، بينما اختار صناع مسلسل "تشيرنوبل" تكثيف طبقات الدراما الإنسانية والفردانية في مقدمة الأحداث مع وجود تركيز أكبر على تطوير الشخصيات، وتتابعات الدراما في خطوط السرد، أما في "الأيام" فتتجسد الشخصيات عبر القرارات التي تتخذها، مع التركيز على بطولتهم في منع الكارثة دون الكثير من التركيز على هوياتهم أفرادا بعيدا عن الحادث.
في هذا السياق نحن لا نعرف شيئا عن طبائع هؤلاء الأفراد، أو عن علاقاتهم بعائلاتهم على سبيل المثال، اللهم إلا فردا واحدا من العمال، شاب صغير في أوائل العشرينيات من عمره، الذي مات بعد بداية الأحداث بوقت قليل، واختار المخرج متابعة عائلته في عدد من اللقطات، انتظارهم له، ثم إعلامهم بوفاته، وجنازته، وكأنما يستعيض بتصوير هذه العائلة عن تصوير عشرات العائلات الأخرى.
فارق آخر يتجلى في الرسالة السياسية التي يستبطنها كلا العملين، ففي حين ركز مسلسل "تشيرنوبل" على نقد السلطة واستكشاف ثقافة التستر والبيروقراطية الهرمية التي سادت الاتحاد السوفيتي قبل انهياره، لا يقدم مسلسل "الأيام" إدانة واضحة لأي طرف، بل على العكس، فهو يهتم بتصوير الدور البطولي للجيش الياباني، وعدم تقاعس رئيس الوزراء الذي يذهب بنفسه منذ البداية إلى موقع الأحداث، لكن المسلسل من ناحية أخرى يستكشف ارتباك قرارات الحكومة أو تأخرها الناتج عن الجهل وغياب المعلومات أو تأخر وصولها. (3) (4)
إيقاع بطيء ودراما غير معتادة (مواقع التواصل)لا يسعنا بالطبع إلا الإشادة بالأداء التمثيلي لفريق العمل كله، وخاصة الممثل الياباني المخضرم كوجي ياكاشو الذي أدى دور مدير المحطة يوشيدا، ومن الجدير بالذكر أن ياكاشو فاز مؤخرا بجائزة أفضل ممثل في مهرجان كان 2023 عن دوره في فيلم "Perfect Days". اعتمدت أغلب المشاهد ثقيلة الوطأة على تعبيرات الوجه الصامتة، والانفعالات الداخلية، ففي مواجهة الموت ربما لا مكان للحوارات المطولة.
اختار صُناع المسلسل الابتعاد به عن النمط المعتاد في مسلسلات الكوارث ذات الطابع الهوليودي، التي تركز على الدراما وتصاعد الأحداث وسرعة الإيقاع اللاهث الذي يحبس أنفاس المشاهدين. وبدلا من ذلك ركز المسلسل على التفاصيل الواقعية، والأرقام، والوقائع، واستطال إيقاع العديد من المشاهد، لتبدو على الشاشة بطيئة للغاية. استحضر المسلسل وطأة اتخاذ القرارات، وثقل الصراعات الداخلية التي يبرزها المخرج في لقطات طويلة وبطيئة صامتة، قد يُخيّب هذا آمال البعض ممن اعتادوا على الإيقاع السريع والمتلاحق للأعمال الفنية التي تستعرض مواجهات الإنسان مع الكوارث.
لكن هذا العمل، الذي يحمل الطابع الياباني المختلف تماما، يمنح المشاهد توترا من نوع مختلف، عبر إيقاع بطيء ومثقل يتمكن من استحضار الكارثة وتصعيد الشعور العميق بالخوف والمأساة، في دراما جديدة تستحق المشاهدة، وتفتح الباب أمام المشاهد لتذوُّق نوع جديد ومختلف من الدراما.
___________________________________________
المصادر:
The Days: The Tragic True Story Behind Netflix’s New Drama Series (looper.com) Series Analysis: The Days 2023 by Masaki Nishiura, Hideo Nakata (asianmoviepulse.com The Days review – this nuclear disaster drama is no Chernobyl | Television & radio | The Guardian The Days review: Netflix’s Fukushima mini-series lacks the artistry of Chernobyl | Entertainment News,The Indian Expressالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: على الشاشة فی مسلسل وهو ما بعد أن
إقرأ أيضاً:
سكورسيزي وسبيلبرغ يحولان فيلم خليج الخوف إلى مسلسل جديد
أعلنت منصة "آبل تي في بلس" (+Apple TV) عن إسناد بطولة مسلسلها الجديد "خليج الخوف" (Cape Fear) إلى النجم الإسباني الحائز على جائزة الأوسكار، خافيير بارديم.
المسلسل يعد نسخة جديدة من فيلم مارتن سكورسيزي الشهير الذي صدر عام 1991، والمستوحى من فيلم كلاسيكي صدر عام 1962 للمخرج جيه لي طومسون، والذي اعتمد بدوره على رواية جون دي ماكدونالد "الجلادون" (The Executioners).
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2لماذا أخفقت عليا بهات في إنقاذ فيلم "جيغرا" رغم أدائها المميز؟list 2 of 2أرباح "غلادياتور 2" تدفع طاقمه لبدء العمل على جزء ثالثend of list تحويل الفيلم إلى مسلسل دراميبدأت التحضيرات لتحويل الفيلم إلى مسلسل تلفزيوني مؤلف من 10 حلقات منذ عام 2023. وسيجسد خافيير بارديم دور "ماكس كادي"، الشخصية، التي أبدع فيها روبرت دي نيرو في نسخة التسعينيات، بعد أن قدمها روبرت ميتشوم في النسخة الأصلية عام 1962.
تُجسد الشخصية قاتلا متسلطا يعود إلى الحياة خارج أسوار السجن ليُقحم نفسه في حياة الزوجين أماندا وستيف بودين، مما يثير فوضى عارمة ويقلب حياتهما رأسا على عقب.
يستكشف المسلسل بعمق أبعادا جديدة للشخصية، مع تسليط الضوء على افتتان المجتمع الأميركي المتنامي بقصص الجرائم الحقيقية في العصر الحديث.
وبخلاف النسخ السينمائية السابقة، التي ركزت على الزوج المحامي فقط، سيظهر الزوجان أماندا وستيف بودين كمحاميين ناجحين، مما يضيف مزيدًا من التوتر والتعقيد إلى الأحداث. ويجمع المسلسل بين أسلوب التشويق المميز للمخرج ألفريد هيتشكوك ولمسات درامية معاصرة.
إنتاج عملاقالمسلسل من إنتاج اثنين من أعظم صناع السينما في العالم: مارتن سكورسيزي وستيفن سبيلبرغ، فيما يتولى كتابة السيناريو نيك أنتوسكا. ومن المقرر عرض المسلسل في يونيو/حزيران 2025، مع استمرار العمل على اختيار بقية طاقم الممثلين.
جسد الشخصيات الرئيسية في النسخ السابقة نجوم بارزون، مثل جريجوري بيك وبولي بيرغن في النسخة الأصلية، ونيك نولتي وجيسيكا لانج في نسخة التسعينيات.
ومع اختيار خافيير بارديم، المعروف ببراعته في أدوار الشر، مثل دوره في فيلم "لا وطن للعجائز" (No Country For Old Men) الذي فاز من خلاله بجائزة الأوسكار عام 2008، يتوقع أن يضيف عمقا وشراسة للشخصية.