الجمهورية الفرنسية في خطر ولا يمكن أن نبقى صامتين
تاريخ النشر: 8th, July 2024 GMT
باتريك بوشرون وأنطوان ليلتي، وألف مؤرخ فرنسي آخرين
ترجمة: أحمد شافعي
للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية، يقف اليمين المتطرف على أعتاب السلطة في فرنسا. وبوصفنا مؤرخين ننتمي إلى شتى الخلفيات السياسية ونشترك في ارتباطنا بالقيم الديمقراطية وسيادة القانون، لا يمكننا أن نبقى صامتين في مواجهة احتمال منذر بالخطر لا يزال بإمكاننا أن نقاومه.
برغم تغيير سطحي، يظل حزب (التجمع الوطني) في جوهره خليفة ووريثا للجبهة الوطنية التي أسسها في عام 1972 أشخاص يدفعهم الحنين إلى فيشي والجزائر الفرنسية.
فقد ورث برنامج الجبهة، والهواجس المسيطرة عليها، وأشخاصها. وله جذور عميقة ضاربة في تاريخ اليمين الفرنسي المتطرف الذي تشكل بقوة رهاب الأجانب والوطنية العنصرية ومعاداة السامية والعنف وازدراء الديمقراطية البرلمانية. فلا ينبغي أن تخدعنا الحصافة الخطابية والتكتيكية التي يتهيأ بها حزب (التجمع الوطني) للاستيلاء على السلطة. هذا الحزب لا يمثل اليمين المحافظ أو الوطني، وإنما يمثل أكبر تهديد على الجمهورية والديمقراطية.
إن سياسة المواطنة الخاصة بحزب (التجمع الوطني) والمعروفة بـ«التفضيل الوطني»، والتي أعيدت تسميتها فباتت «الأولية الوطنية»، تبقى القلب الأيديولوجي لمشروعه. وهي تناقض قيم جمهورية من قبيل المساواة والأخوة، ويتطلب تنفيذها تعديل الدستور الفرنسي.
وفي حال فوز حزب (التجمع الوطني) وتنفيذه برنامجه المعلن، سيكون إلغاء حق الحصول على الجنسية لمن يولدون في فرنسا انقطاعا عميقا عن مفهومنا الجمهوري للجنسية، لأن المولودين في فرنسا، أو الذين عاشوا فيها على الدوام، لن يكونوا فرنسيين، ولن يكون أبناؤهم فرنسيين كذلك.
وبالمثل، سوف يؤدي استبعاد مزدوجي الجنسية من بعض الوظائف العامة إلى تمييز متعصب بين فئات عديدة من الشعب الفرنسي. ولن يظل مجتمعنا الوطني قائما على الالتزام السياسي بمصير مشترك، أو على «الاستفتاء اليومي» الذي أشار إليه مؤرخ القرن التاسع عشر إرنست رينان، وإنما على مفهوم عرقي لفرنسا.
وفيما يتجاوز ذلك، يتضمن برنامج حزب (التجمع الوطني) تصعيدا لإجراءات أمنية من شأنها أن تقوض حرياتنا المدنية. ولا داعي للغوص في الماضي البعيد لكي نعي الخطر، ففي كل مكان، عندما يصل اليمين المتطرف إلى السلطة من خلال صندوق الاقتراع، فإنه يرغم العدالة والإعلام والتعليم والبحث على الانصياع له، والحكومات التي تبدي مارين لوبان وجوردان بارديلا الإعجاب بها جهارا، من قبيل حكومة فيكتور أوربان في المجر، تتيح لنا صورة لمشروعهما: وهو الشعبوية الاستبدادية التي تضعف في ظلها سبل المحاسبة وتكمَّم المعارضة، وتحّد حرية الصحافة.
وما من ديمقراطية دونما فضاء عام ديناميكي حر، ودونما معلومات دقيقة، واستقلال عن التدخل السياسي أو المالي.
وإن من شأن خصخصة الإعلام العام، وهي متضمنة في برنامج حزب (التجمع الوطني) أن تقوض جزءا أساسيا من حياتنا العامة. فهل يمكن أن نتخيل [الملياردير وعملاق الإعلام] فينسنت بولور ـ المعروف بمناصرته لليمين المتطرف ـ أن يدمج (فرانس كولتور) و(فرانس إنتر) (وفرانس 2) في إمبراطوريته الإعلامية، مثلما فعل مع (لو جورنال دي دي مانش) و(أوروبا 1) و(هاشيت) بكل العواقب التي نعلم جميعا أنها سوف تترتب على ذلك؟
لالتزامنا بالممارسة البحثية للتاريخ، لا نملك إلا أن نشعر ببالغ القلق من استغلال الماضي والهجمات على حرية البحث التي يمكن أن نتوقعها الآن. فبيان حزب (التجمع الوطني) الخاص بالتعليم تركز كلية على إعادة تدريس التاريخ بوصفه منهجا وطنيا، بل وطنيا متطرفا قوامه الحنين، وذلك نقيض ما يتطلبه البحث التاريخي القائم على المنهج النقدي وروح الانتباه إلى الدقائق الفارقة، والتعاون الدولي.
وأخيرا، لم تخفِ قط قيادة حزب (التجمع الوطني) افتتانها بفلاديمير بوتين، فقد وصل ذلك بالفعل إلى حد الظهور علنا وجهرا بجانبه في الكريملين سنة 2017. وفي حين أن الرئيس الروسي يمثل خطرا قاتلا على أوروبا ولا يزال يؤكد عداءه الخبيث للمجتمعات الديمقراطية الغربية، هل يمكن أن نسمح لحزب يحظى بتأييده أن يصل إلى السلطة؟ كيف يمكن أن نتصور إضعاف أوروبا على هذا النحو في وقت تحتاج فيه أشد الاحتياج نقيض ذلك وتأكيد وحدتها وعزمها؟
لا بد أن ترجع فرنسا إلى تاريخها. حتى الآن، لم يصل اليمين المتطرف إلى السلطة إلا في ظل هزيمة عسكرية واحتلال أجنبي سنة 1940. ولسنا عازمين على أن نسلم أنفسنا لهزيمة جديدة، هي هزيمة للقيم التي تمثل منذ عام 1789 أساسا لاستقرار فرنسا السياسي وتضامنها الوطني.
هذه ليست انتخابات عادية، فالمحك فيها هو الدفاع عن الديمقراطية والجمهورية في مواجهة أعدائهما في لحظة فاصلة من تاريخنا. في الجولة الأولى، لم نصوت جميعا للمرشحين أنفسهم، ولا للأحزاب نفسها. وفي يوم الأحد، ندعو إخواننا المواطنين في كل دائرة إلى التصويت لضمان الانتصار على مرشح حزب التجمع الوطني.
نشرت المقالة أصلا في «لوموند الفرنسية» وتحمل توقيعات ألف من المؤرخين الفرنسيين.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: التجمع الوطنی یمکن أن
إقرأ أيضاً:
صورة من بيت لبناني أطاحت بعضو في الكنيست.. اليكم التفاصيل
بدا عضو الكينيست الإسرائيلي اليميني المتطرف، يتسحاق كروزر، فرحاً ببذته العسكرية حين التقط صورة من داخل أحد البيوت التي دخلها الجيش الإسرائيلي جنوب لبنان قبل أيام. حيث جلس على درج محاطاً بعدد من الجنود، وخلفه حائط كتب عليه بالعبرية "مكتب عضو الكنيست كروزر". لكن فرحته لم تدم طويلاً، إذ بعد انتشار تلك الصورة بشكل واسع على مواقع التواصل، أعلن الجيش الإسرائيلي فصله من الخدمة الاحتياطية.
وقال الجيش الإسرائيلي إن رئيس قسم الموارد البشرية في الجيش، دادو بار خليفة، قرر إنهاء خدمة كروزر الذي ينحدر من حزب عوتسما يهوديت اليميني المتطرف "بعدما انتهك التزامه بعدم إقامة أي صلة بين واجبه العسكري الاحتياطي ودوره كموظف عام"، وفق ما نقلت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل". كما نقله من دوره القتالي إلى وحدة احتياطية للموظفين العموميين، وأنهى بالتالي خدمته الاحتياطية الحالية.
"لم ألتقط الصورة"
إلى ذلك، اعتبر الجيش الإسرائيلي في بيان أمس الأحد أن "الكتابة على الجدران ونشر الصورة عمل لا يخدم حاجة عملياتية في ساحة المعركة ويعد انتهاكا للبروتوكول".
وقال إن التحقيق في ملابسات الحادث الذي تورط فيه كروزر تم فور اكتشافه وبعد أن أنهت الكتيبة مهمتها العملياتية. من جهته، برر عضو الكينيست تصرفه هذا بأنه لم يلتقط الصورة ويوزعها" وفق زعمه.