الصراع الروسي الأوكراني يكشف عن قضايا معقدة
تاريخ النشر: 8th, July 2024 GMT
وانغ ييوي
ترجمة: بدر بن خـمـيـس الظـّفـري
لا توجد مؤشرات على انتهاء الصراع الروسي الأوكراني في أي وقت قريب لأنه أصبح حرب استنزاف طويلة الأمد.
ومن خلال تعيين وزير دفاع جديد يتمتع بخلفية اقتصادية مؤخرا، يبدو أن روسيا قد تبنت استراتيجية طويلة الأمد في التعامل مع الصراع. ويبدو أن هدف الغرب بقيادة الولايات المتحدة يتلخص في إنهاك روسيا، والإطاحة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بل وحتى تفكيك الاتحاد الروسي.
إن الفكرة السائدة لدى بعض المراقبين الغربيين بأن مكالمة هاتفية واحدة من الصين قد تنهي الصراع الروسي الأوكراني تشكل تبسيطا مبالغا فيه للقضية وإهانة لروسيا، لأنه يجعل روسيا تبدو وكأنها دولة تعتمد على الآخرين، وأنها غير مستقلة بقرارها.
وعلى الرغم من القيود الاقتصادية التي تعاني منها روسيا، فإن تصرفاتها الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية لا يتحكم بها الناتج المحلي الإجمالي وحده. إن ازدراء الغرب الطويل الأمد لروسيا، والذي تجسد في توسع حلف شمال الأطلسي شرقا، يغذي الصراع، لذا فإن اتهام الصين بعدم التدخل في القضية سعيا إلى حلها ما هو إلا أسلوب يهدف إلى تشتيت الانتباه، وتحويل المسؤولية إلى الصين، ودق إسفين بين بكين وموسكو.
لن تستفيد الولايات المتحدة من حل سريع للصراع الروسي الأوكراني، ولهذا السبب تحرص على إطالة أمد الصراع، لأنها تعتقد أن ذلك سيضعف روسيا. إن إستراتيجية واشنطن متعددة الأوجه، تتمثل في قطع روابط الطاقة بين أوروبا وروسيا، وتأجيج الخلاف داخل منظمة حلف شمال الأطلسي، وتأجيج العلاقات الصينية الروسية، وهي بذلك تسعى إلى تحقيق أهداف متعددة. وقد أدت تحركات الولايات المتحدة إلى تفاقم الوضع، كما أدت مناوراتها إلى تحويل بعض الساسة الأوكرانيين إلى بيادق على رقعة الشطرنج الجيوسياسية.
لقد سلّطَ الصراع الروسي الأوكراني الضوء على التهديد النووي لأوروبا. وخلافا للأزمات الماضية مثل أزمة الصواريخ الكوبية، فقد وصلت التوترات اليوم إلى مستويات غير مسبوقة. إن حلف شمال الأطلسي، على الرغم من ادعائه بالدفاع عن الحرية، يعمل بموجب ميثاق يتناقض مع تصرفاته، فالهدف الحقيقي للحلف هو الحفاظ على هيمنة الولايات المتحدة في أوروبا، و«إبقاء الاتحاد السوفييتي خارج الحلف، والأمريكيين داخله، والألمان أسفله»، على حد تعبير (هاستينغز إسماي) أول أمين عام لحلف شمال الأطلسي.
إن العوامل التي تحرك الصراع الروسي الأوكراني معقدة ولها تاريخ طويل، ومن هنا فإن فكرة استقلال الدول (نظام وستفاليا) لا يمكن تطبيقها بحذافيرها في المناطق التي تضم العديد من المجموعات العرقية المختلفة مثل أوكرانيا. وقد أدى اضطهاد السكان الناطقين بالروسية في شرق أوكرانيا إلى اتهامات بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية، مما دفع روسيا إلى إطلاق «العملية العسكرية الخاصة»ـ إلا أنّ كثيرا من وسائل الإعلام الغربية تتجاهل هذه العوامل، وتركز بدلا من ذلك على تشويه سمعة روسيا.
إنّ مشروع التكامل الأوروبي، الذي عززته جائزة نوبل للسلام لعام 2012 لم يحقق النجاح الكامل، فقد جاء التماسك الداخلي للاتحاد الأوروبي على حساب تأجيج الصراعات الخارجية، فاستبعاد دول مثل تركيا من الاتحاد الأوروبي، وعلاقات الاتحاد المتوترة مع روسيا يجسدان فشل التكتل الأوروبي في إيجاد مجتمع يشمل الجميع. وقد أدت إستراتيجية الاتحاد هذه إلى تصاعد حالة المواجهة بين روسيا وحلف شمال الأطلسي، الأمر الذي أدى إلى تقويض الأمن الإقليمي.
فضلا عن ذلك، فإن افتقار الاتحاد الأوروبي إلى الاستقلال الإستراتيجي يعني أنه غير قادر على معالجة قضاياه الأمنية بشكل مستقل، فقد كشفت الأحداث التاريخية، مثل الصراع في كوسوفو والصراع الروسي الأوكراني المستمر، عن اعتماد أوروبا على الولايات المتحدة للحصول على الدعم العسكري. وبدون دعم حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة، فإن أوكرانيا سوف تجد معاناة كبيرة في الدفاع عن نفسها ضد روسيا.
إن الصراع بين روسيا وأوكرانيا يظهر بوضوح التحديات التي يفرضها عالم متغيّر، إذ إن أوجه القصور التي تعيب (نظام وستفاليا)، والمشاكل المحيطة بالتكامل الأوروبي، والافتقار إلى الاستقلال الإستراتيجي الأوروبي، تشكل جميعها عناصر أساسية لفهم أزمة أوكرانيا المستمرة. وبينما نبحر في النظام العالمي الجديد، يتعين علينا أن ندرك هذه المشاكل ونعالجها لبناء مجتمع عالمي أكثر استقرارا وشمولا.
وانغ ييوي باحث كبير في معهد الدراسات العالمية ودراسة الأقاليم بجامعة رنمين الصينية.
عن تشاينا ديلي
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الصراع الروسی الأوکرانی الولایات المتحدة الاتحاد الأوروبی حلف شمال الأطلسی
إقرأ أيضاً:
عطوان : التحرك الأمريكي نحو روسيا استسلام واعتراف بالهزيمة في الحرب الأوكرانيّة
وقال عطوان..هذا التحرّك من قِبَل الرئيس ترامب نحو روسيا، ومُبادرته الاتّصال بالرئيس بوتين، ودعوته “مُحتمل” في الرياض، يُشكّل استِسلام أمريكا واعترافها بالهزيمة في الحرب الأوكرانيّة التي تدخل هذه الأيّام عامها الرّابع، ورفعها الرّايات البيضاء، والتخلّي عن أوروبا الحليف الاستراتيجي في حِلف “النّاتو” وطعنها في الظّهر بخنجرٍ مسموم.
ففي الوقت الذي تُقيم فيه الصين وروسيا ودول البريكس الحليفة سرادق الاحتِفالات والفرح، بدأت أوروبا في إقامة سرادق اللّطم وتقبّل العزاء بدُخول حِلف النّاتو والتّحالف الغربي مرحلة الغيبوبة والنّزع الأخير الذي يسبق الوفاة.
واضاف ..ما يُزعج أوروبا أنّ الرئيس ترامب برُكوعه أمام بوتين، أهانها وأذلّها، وأظهر أبشع أنواع الغباء في عِلم التّفاوض الاستراتيجي ليس بعدم إبلاغ قادتها بخطواته هذه مُسبقًا، والاتّفاق على استراتيجيّة مُوحّدة مُتّفق عليها كشُركاء في هذه الحرب، وإنّما أيضًا بتقديمه تنازلاتٍ كبيرةٍ جدًّا لروسيا حتّى قبل أن تبدأ المُفاوضات وأبرزها:
أوّلًا: رفض أي مُحاولة لانضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) باعتباره خِيارًا غير واقعي.
ثانيًا: يجب أن تُقدّم أوكرانيا تنازلات أرضيّة كبيرة، إدخال تعديلات على حُدودها رُضوخًا للمطالب الروسيّة، وعليها أن لا تُفكّر مُطلقًا بالعودة إلى حُدودها قبل عام 2014، ممّا يعني تنازلها عن شِبه جزيرة القرم، والإقليم الشّرقي الجنوبي الذي يضم مِنطقة دونباس ذات الأغلبيّة من أُصولٍ روسيّة.
ثالثًا: أمريكا التي يدّعي الرئيس ترامب أنّها قدّمت 350 مليار دولار لدعم المجهود الحربي في أوكرانيا ستُواصل الدّعم، ولكن ليس مجّانًا، فأوكرانيا تملك معادن نادرة، وتعتبر سلّة حُبوب أوروبا، وعليها أن تُسدّد لأمريكا كُل دولار حصلت عليه منها في الأعوام الثلاثة الماضية، إنّها عقليّة التّاجر الذي يرى الأُمور من زاويةِ الرّبح والخسارة.
وتابع ..ربّما سيكسب ترامب الصهيونيّة العالميّة العُنصريّة بدعمه لحرب الإبادة في قطاع غزة، وفتح التّرسانة العسكريّة الأمريكيّة الضّخمة أمام الجيش الإسرائيلي لدعم حُروبه ومجازره ضدّ العرب لإعادة تشكيل خرائط الشّرق الأوسط وِفق الأحلام التاريخيّة بإقامة إسرائيل الكُبرى، ولكنّه قد يشق التّحالف الغربي الأمريكي الأوروبي، وبما يُؤدّي إلى تدمير حِلف النّاتو، تنفيذًا لإملاءات مُعلّمه وسيّده بنيامين نتنياهو، والتّحالف اللّيكودي المُتطرّف الذي يتزعّمه الأخير، ولكن ربّما قد يخسر أمريكا نفسها في نهاية المطاف بسبب هذه السّياسات التي تُوصف بقمّة الغباء.
وقال ..لا نعرف انعكاسات هذه السّياسات “الترامبيّة” المُفاجئة على الدّاخل الأمريكي ومُؤسّساته، والحزب الجمهوري على وجه الخُصوص، فالحرب في أوكرانيا لم يشتعل فتيلها لتدمير الإمبراطوريّة الروسيّة بضُوءٍ أخضر من الرئيس الأمريكي السّابق جو بايدن، وبقرارٍ شخصيٍّ منه وحزبه، وإنّما بقرارٍ من الدّولة الأمريكيّة العميقة، أو بمُوافقتها ودعمها على الأقل، فهل مُبادرة ترامب هذه بالرّكوع تحت أقدام الرئيس بوتين كانت من بناتِ أفكاره، وتمرّدًا على الدّولة العميقة الاستعماريّة الأمريكيّة أم بمُوافقتها؟
جون بولتون مُستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق في حُكومة ترامب الأولى، وأحد وجوه هذه الدّولة العميقة، قال في تغريدةٍ على منصّة “إكس” (تويتر سابقًا) “من غير المعقول أن نسمح لروسيا بتقويض سيادة أوكرانيا، وخيانة الأوكرانيين بالتّنازل عن أرضهم، وعن ضمان أمنهم وعُضويّتهم في حلف النّاتو قبل بدء المُفاوضات.. إنّه استسلامٌ فِعليٌّ من قِبَل ترامب للرئيس بوتين”.
واختتم ..ميدفيديف نائب الرئيس الروسي السّابق، ونائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي، قال في تغريدةٍ له على منصّة “تلغرام” قبل بضعة أسابيع إنّ انفتاح ترامب على روسيا، وتقاربه من بوتين قد يُؤدّي إلى اغتياله لأنّ هذا التّقارب يُشكّل خُروجًا على رغبة الدّولة العميقة الأمريكيّة، وقد يُواجه مصير الرئيس الأمريكي جون كيندي الذي اغتيل عام 1962 لارتكابه هذه “الخطيئة”.
نحن أبناء مِنطقة الشّرق الأوسط، ودولة فلسطين التاريخيّة تحديدًا، الذين نُعاني من حربِ الإبادة الإسرائيليّة في الضفّة والقطاع والمدعومة أمريكيًّا نتمنّى أنْ يتّسع الشّرخ بين التّحالف الأمريكيّ والأوروبيّ وبِما يُؤدّي إلى تفكيك حلف الناتو، ولن نذرف دمعة واحدة على اغتيال ترامب برصاصِ دولته العميقة (فخّار يكسّر بعضه)، بل قد يُقيم بعضنا أو مُعظمنا، سرادق الفرح في حال تحقّق حُلمنا الأبدي قي تفكيك امبراطوريّة الشّر الأمريكيّة، ولا نُبالغ إذا قُلنا إنّ “طُوفان الأقصى” لعب وسيلعب دورًا كبيرًا في هذه التطوّرات الحاليّة والقادمة، والعِبرة في النّهايات.. والأيّام بيننا.