اليهودية السياسية.. من النشأة حتى طوفان الأقصى
تاريخ النشر: 8th, July 2024 GMT
ليس سهلا سك مصطلح «اليهودية السياسية» قبالة «الإسلام السياسي»؛ فهذا الأخير متحدد الملامح، على الأقل؛ لدى من يتعامل مع الشأن السياسي الإسلامي؛ سواء من المسلمين أم غيرهم، وهو يأتي في سياق مستمر من العمل السياسي لدى المسلمين؛ منذ صدر الإسلام حتى اليوم. أما «اليهودية السياسية».. فهو مصطلح غير موجود في أدبيات معالجة الظاهرة السياسية في الدين اليهودي، إلا على سبيل استنكار استعمال «الإسلام السياسي» دون استعمال مصطلحي «اليهودية السياسية» و«المسيحية السياسية».
أقصد بـ«اليهودية السياسية».. التيار اليهودي الديني المشتغل بالسياسة، وهو غير الصهيونية العلمانية. المقال.. لا يسعه المقام ليتحدث عن تفاصيل هذا التيار، ولكنه يحاول أن يسلط الضوء على خطه العام.
بداية؛ عليّ أن أبّين بأن آباء المشروع الصهيوني سعوا إلى إيجاد دولة لليهود، ليست لها محددات أصولية يهودية؛ أي لا تقوم على أسس دينية، فهي ليست دولة يهودية، وإنما دولة لليهود تقوم على أسس سياسية تحكمها قوانين علمانية. وقد كان مطروحا أكثر من بلد لأن تقوم فيه، بيد أنه تم اختيار فلسطين لاعتبارات استعمارية غربية، وليس لاعتبار يهودي ديني، بالمقام الأول.
الأمر مستغرب.. حيث يبدو أن هناك تناقضا؛ بين كون مَن أنشأوا إسرائيل غير متدينين وبين أن الدولة بأبجدياتها المختلفة تقوم على رموز دينية يهودية؛ فاسم الدولة وبرلمانها وعملتها وشعارها، والمشروع الصهيوني برمته، قائم على عقيدة الخلاص اليهودية بالعودة إلى الأرض المقدسة. لكن الاستغراب يزول عندما نعلم أن اليهودية تحولت إلى عنصرية قومية، ولم تعد عقيدة دينية، فهي بخلاف الإسلام والمسيحية؛ حيث يمكن التمييز بين الدين ومعتنقه، فإن تخلّى المسلم أو المسيحي مثلا عن دينه فلا يعود مسلما ولا مسيحيا. فاليهودي.. يهودي ليس بدينه وإنما بعنصره، يقول عبدالوهاب المسيري (ت:2008م) المتخصص في الدراسات اليهودية والحركة الصهيونية: (فمن الممكن حسب الشريعة اليهودية أن يكون المرء ملحدا ويهوديا معا في الوقت نفسه، نظرا؛ لأن الشريعة ترى أن اليهودي هو من ولد لأم يهودية، وهذا أمر لا يوجد في المسيحية ولا في الإسلام، حيث تنتفي صفة الانتماء للدين إذا أنكر الإنسان وجود الإله، حتى ولو ولد لأبوين مسيحيين أو مسلمين) [الموسوعة اليهودية، 5/15]. والعنصر هنا.. لا يعني السلالة النسبية، وإنما هو أقرب أن يكون كيانا اجتماعيا قوميا، فاليهودية.. تتكون من جماعات تختلف ثقافيا بحسب البيئة التي توجد بها.
اليهودية ذاتها.. ليست حركة سياسية، وإنما هي كيان اجتماعي، لا يتكون من جماعة واحدة، وإنما من جماعات عديدة، كل جماعة تنظّم نفسها بما يتواءم مع المجتمع الذي تعيش فيه، وكأي جماعة منغلقة على نفسها فإنها تعاني من العيش في المجتمعات التي توجد بها. فاليهود.. عاشوا في جيتوات مغلقة «أحياء خاصة باليهود»؛ كان عليها أن تبذل جهدا ضخما وهي تتحرر من جيتواتها لتنتشر في المجتمعات، ولذا؛ فهي في تبدل دائم في المعتقدات الدينية والعناصر الثقافية والأعمال الاقتصادية والمواقع الاجتماعية. ووظيفة الحاخامات والأحبار إيجاد المسوغ الديني، لاسيما؛ أن أسفار التوراة ونصوصها الكثيرة تسمح بتأويلها باستمرار، ولذلك؛ الديانة اليهودية تحوي عقائد متناقضة في الألوهية والنبوة.. بل وفي تفسير مسار التاريخ اليهودي.
فمن تحولاتها العجيبة.. أن اليهود المرتبطين بالرأسمالية، وعبرها تمكن الصهاينة من إقامة كيان استعماري بفلسطين؛ عندما انتشرت الشيوعية في العالم؛ ظهر لديهم مفكرون حملوا الشيوعية عقيدةَ خلاص لهم، فنشط اليسار لدى الصهاينة؛ وكان هذا من أسباب اعتراف الاتحاد السوفييتي بدولة إسرائيل. فالدين.. لدى اليهود يتبع الجماعة، وليست الجماعة تتبع الدين، كما هو الحال لدى المسلمين.
آباء الصهيونية كانوا علمانيين، وبعضهم ملاحدة، فمن أين نشأت لديهم فكرة الصهيونية ومشروعها الاستيطاني؟
لم تنشأ الصهيونية في بيئة يهودية، لأن اليهودية ليست مبدئية في معتقداتها ومشروعاتها، وإنما هي ردة فعل للمسار التأريخي الذي توجد فيه؛ بما يحفظ وجود الجماعة اليهودية ويحقق مصالحها. فاعتناق بعض اليهود للصهيونية؛ والذين عرفوا بالصهاينة، لأجل الحصول على أرض لكيانهم. وأما الصهيونية نفسها فهي عقيدة بروتستانتية نشأت ضمن الإصلاح الديني اللوثري [نسبة للاهوتي الألماني مارتن لوثر (ت:1546م)]، والذي آمن بعودة المسيح المخلّص لأجل نشر المسيحية بين يهود بني إسرائيل، ولا تحصل العودة إلا بوجود اليهود في فلسطين، حيث ولد «يسوع» وعاش وبشّر بدعوته ثم صلب، ورفع للسماء ليعود مرة أخرى، ويُلِزم اليهود باعتناق دعوته.
فعودة اليهود بالأساس عقيدة بروتستانتية، وكانوا يعارضونها، لأن معتقدهم أن العودة لأرض الخلاص لا تكون إلا على يد النبي المخلّص، وهم لا يؤمنون بالمسيح أصلا.. بل تآمروا عليه مع السلطة الرومانية. وظلت هذه العقيدة خاملة بين اليهود، حتى أخذ المجتمع الأوروبي في التغيّر، ودخل في مشروعه الاستعماري، وأصبح الاستعمار تيارا عاما بين ساسة أوروبا، فأغرى بعض اليهود، لاسيما؛ أن بريطانيا البروتستانتية هي أكبر مستعِمر عالمي حينذاك، فاعتنقوا الصهيونية، وسعوا جادين لإقامة كيانهم ليكون لليهود وطنا قوميا، وعمل مفكرو الصهيونية على تأويل النصوص الدينية؛ التوراتية والتلمودية التي تدل على عودة اليهود لأرض الخلاص مع ظهور «المسيح المخلص»، بأن يجتمع اليهود أولا في أرض الخلاص لكي يظهر المسيح المخلص.
بالإيمان بهذه الدعوة وجدت اليهودية السياسية؛ والتي هي الصهيونية المتدينة لا غير، فالصهيونية.. هي التيار السياسي لدى اليهود، قام على أساس أن «خلاص اليهود» لا يمكن أن يقوم به أحد غيرهم، وعمل مفكرو الصهيونية على إعادة تأويل النصوص لخدمة الجماعة الصهيونية، واعتبر هذا العمل إصلاحا تنويريا في اليهودية.
بداية؛ عارض أحبار اليهود الدعوة الصهيونية، واعتبروها ضد «إرادة الرب»، وعدّوها معاداة للسامية، إلا أن الصهيونية شقت طريقها، وتمكن أبو الصهيونية تيودور هيرتزل العلماني - وقيل إنه ملحد- من الترويج لإيجاد وطن قومي لليهود، مستغلا تسويق المشروع الصهيوني مع الساسة البريطانيين، ولم يهلك هيرتزل عام 1904م إلا وقد اعتنق حوالي 1٪ من اليهود الصهيونية. تمكن الصهاينة من بعده عام 1917م أن يستصدروا وعدا من رئيس الوزراء البريطاني آرثر جيمس بلفور (ت:1930) بـ(أن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية).
رغم أن الهجرات اليهودية نشطت إلى فلسطين منذ منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، لأسباب؛ منها: زيارة الأماكن المقدسة لليهود، وتحسين الوضع الاقتصادي لهم، واللجوء إليها هربا من اضطهادهم في مجتمعاتهم، ولسبب سياسي يكاد ينحصر على الصهاينة. لكن حصل تحول نوعي على يد الحاخام إبراهام كوك (ت:1935م)، الذي اعتنق الصهيونية وعمل على نشرها بين المتدينين اليهود، وكان يبشّر بأن المستوطنين في فلسطين هم الجيل الذي بشّرت به النبوات لظهور المسيح المخلص. وقد عمل كوك هذه المرة من داخل الحقل الديني على تأويل النصوص الدينية بما يتوافق مع المشروع الصهيوني.
بإعلان قيام إسرائيل عام 1948م.. كانت اليهودية السياسية بين المتدينين التقليديين لا تزيد نسبتها على 7٪، إلا أنهم نشطوا وأخذوا ينضوون إلى الأحزاب السياسية، ويفرضون «أحكام الشريعة اليهودية» مثل: التعطيل أيام السبت، والذبح بطريقة «الكاشير»، وعدم انخراط الطلبة الدينيين في الجيش. كما أن اليهودية السياسية تأثرت بصعود الإسلام السياسي فنشطت هي الأخرى، وأصبحت تشكل حوالي 30٪ من المجتمع الإسرائيلي، وهم الأعضاء الأكثر تأثيرا في الحكومة الحالية، وسياساتهم الغاشمة هي مما أدى إلى انفجار طوفان الأقصى، وهم الآن وراء الأوضاع التي تشهدها غزة من حرب إبادة جماعية وتدمير شامل.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: أن الیهودی أن الیهود
إقرأ أيضاً:
مسير لخريجي الدورات المفتوحة “طوفان الأقصى” في مديرية المراوعة بالحديدة
يمانيون/ الحديدة نظم خريجو دورات التعبئة المفتوحة “طوفان الأقصى”، من منتسبي المكاتب التنفيذية بمديرية المراوعة في الحديدة، اليوم، مسيرا راجلا، اختتاما لمشاركتهم في الدورة.
وخلال المسير الذي شارك 180 من منتسبي المكاتب التنفيذية بمديرية المراوعة، أكد الخريجون الاستعداد مواجهة أعداء اليمن، وترجمة توجيهات قائد الثورة، السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي، في تعزيز موقف اليمن المساند والمناصر للشعب الفلسطيني.
وأوضحوا أن خروجهم، في هذا المسير بالتزامن مع تخرجهم من الدورة، يعبر عن الزخم الشعبي لأبناء اليمن الذين تعول عليهم القيادة في أن يكونوا رواد الأمة وقادتها بما يحملونه من ثقافة إيمانية جهادية لمشروع التحرر من وصاية واستعمار الأعداء؛ انطلاقا من منهجية الرسول وأعلام الهدى.
وأفاد مدير المديرية عبدالله عبدالحميد المروني، بأن تخرج هذه الدفعة من دورات “طوفان الأقصى”، يأتي في إطار جهود التحشيد ورفع الجاهزية لمواجهة أعداء الأمة والمضي في ترسيخ العزة ومعاني وقيم الجهاد في نفوس أبناء المجتمع بأهمية التحرك لمواجهة أعداء الله.
وأكد أن الشعب اليمني يتوج مواقف العزة والإباء اليوم بعد عشرة أعوام من معركة المواجهة مع قوى العدوان بالانتصار للسيادة اليمنية، وخوض معركة “الفاتح الموعود والجهاد المقدس”، والمشاركة في الانتصار للقضية الفلسطينية، التي تتعرض لتآمر دولي وخذلان من أنظمة وحكام العرب.
شارك في المسير مدير أمن المديرية العقيد فايد الموانس، ومساعد مدير المديرية مصطفى الغولي، وممثلو التعبئة بالمديرية.