تتفاقم الأزمة الإنسانية في شمال قطاع غزة مع إجبار جيش الاحتلال الإسرائيلي للفلسطينيين على النزوح من مناطق واسعة شرق وجنوب مدينة غزة صوب المناطق الغربية، على إثر عمليات قصف عنيف وتوغلات مفاجئة نفذها في تلك المناطق.

ورغم التوجيه الإسرائيلي للفلسطينيين بالنزوح بتجاه مناطق معينة في غرب المدينة، إلا أنه جرى استهدافهم فيها، ما اضطر العديد منهم إلى العودة إلى نفس المناطق التي نزحوا منها وصنفت كـ "أماكن قتال خطيرة".



وأصدر جيش الاحتلال الأحد أمرا يجبر فيه السكان والنازحين في مناطق بأحياء التفاح والدرج والبلدة القديمة شرق غزة، على إخلاء تلك المناطق والتوجه إلى ما وصفها "المآوي المعروفة" غرب المدينة.

وترصد "عربي21" أحوال النازحين من هذه المناطق، ووصفهم لما حدث بأنه أصعب اللحظات التي مرت وتمر عليهم حتى الآن خلال الحرب الحالية.

"مش عارف"
يقول أبو إسحاق (51 عاما) إن كلمة "مش عارف" هي التي تلخص حال كل النازحين حاليا في مدينة غزة، مؤكدا "أنا مش عارف وين أروح، مش عارف ايش الصح، هل أطلع من بيتي أو المكان اللي أنا فيه أم أخرج فقط لمحاولة النجاة".


ويضيف أبو إسحاق لـ "عربي21" أنه "لا يوجد أي أحد قادر حاليا على اتخاذ قرار، إنما نحن مجبورين على كل شيء نفعله، حتى الأوضاع مش واضحة، سألني الناس اللي طلعت وقالت خليكم لا تطلعوا ضربوا علينا قذائف بالطريق، وبنفس الوقت اليهود بحكوا لنا اطلعوا".

ويذكر "طبعا اليهود ولا عمرنا بنصدق كلامهم، يما طلبوا من ناس خلال الحرب ينزحوا وقصفوهم، طلبوا منهم يحملوا رايات بيضاء ويطلعوا وطخوهم، قصص كثير أكثر من أنها نقدر نحصيها ونتذكرها دائما". 

ويكشف "بفضل ربنا ما ما طلعت من بيتي من أول الحرب إلا شوي، نزحت عند بيت أخوالي لفترة بسبب تضرر بيتي بسبب قصف مجاور، لكن رجعت على بيتي ورتبت أموري وقعدت فيه، الحرب حاليا كأنها بتبدأ من جديد عندي، هلقيت أنا مطلوب مني اترك كل شي وأروح منطقة الغرب اللي ما بعرف ايش ضل فيها أو وين ممكن اقعد فيها".

"وين أروح؟"
من ناحيته، يؤكد ثابت (37 عاما) أنه لا يعرف أين يذهب بعد قرارات الإخلاء الجديدة، قائلا: "حرفيا أغلب الناس اللي عرفهم طلعوا الجنوب أو استشهدوا أو سافروا أو حتى ناوحين من بيوتهم، اللي موجود ببيته الله يعينه على حمله أكيد عنده نازحين من عائلته ومعارفه".

ويقول ثابت لـ "عربي21" لدي صديق كان يسكن في المنطقة الغربية من مدينة غزة، ومنطقتهم كانت خطرة جدا في بدايات الحرب ومركزا لعمليات الجيش بسبب قربها من شاطئ البحر، أعرف بيته العامر جدا الذي طالما استضافنا فيه وأعرف كم تضرر خلال الحرب.

ويكشف ثابت "صدقي المسافر إلى خارج قطاع غزة تواصل مع وسألني ماذا فعلت في أمر الإخلاء وقلت له لا أعرف ما عندي حد أورح له، وقتها وبخني وقال لي أنت لسة بتستنى؟ سارع مع أهلك واذهب إلى بيتي واسكن فيه حتى ربنا يفرجها".

ويضيف أن "الموضوع ليس بهذه السهولة، طبعا أعرف صديقي وعادي ممكن أروح أقعد في بيته، لكن أنه تترك بيتك هذا شي صعب، خاصة في هذا الوقت من الحرب اللي صار أتفه شيء يسوى الكثير.. مجرد أنه في بيتك قادر تدبر خط كهرباء ضعيف علشان تشحن فيه بطارية صغيرة بفرق كثير".


ويشير إلى أنه بعد شهور من الحرب المستمرة "تمكن أخيرا من تركب خط اتصال بالانترنت داخل منزله.. خط مياه من أجل الحمام والمطبخ، هذه الأمور صعبة جدا حاليا وأن تتركها وتخرج أمر صعب، والبقاء أيضا صعب بسبب زيادة الخطر، لكن الناس حرفيا بتموت كل يوم بكل مكان في قطاع غزة".

"العالم في حقيبة" 
بدورها، تقول رانية (25 عاما) إن الناس كل خططهم مجهولة وغير معروفة نظرا لأنه كل شيء ممكن يتغير في ظل أيام أو حتى لحظات قليلة، قائلا: إن "الخوف والرعب حاليا لا يفارق أحد، وكل منطقة تصنف أنها آمنة يتم نفي ذلك بالصواريخ والقذائف والأحزمة النارية".

 وتضيف "من يوم أمس والأمور أصبحت أسوا من قبل وقصف متواصل ومستمر بكل الوسائل، مدفعية.. وطائرات.. وكواد كابتر، حتى قنائل الإضاءة عادت ولا أحد يمكن من النوم".

وتذكر أن قرارات الاحتلال الجديدة بإخلاء المناطق في أحياء الدرج والتفاح وغيرها أعادت معادة اختصار العالم داخل حقيبة، قائلة: "بيتك هو عالمك كيف يمكن أن تختصره في شنطة؟ كل ما نعتقد أنه لسنا بحاجة لهذه المعادلة تعود الظروف وتخليك تعيد ترتيب هذه الشنطة".

وتؤكد "نحن في صدمة من النجاة نفسها، دائما نسأل أنفسنا: هل نحن بجد أحياء حتى الآن؟ وهل لنا أيام أخرى سنعيشها بعد كل ذلك؟".

وتشرح "سوء التغذية مخلينا لا نقدر حتى نقف على أقدامنا، طول اليوم وقوف وسعي على تدبير أمور الحياة وإشعال النار من أجل الطبخ وغيره، مع ذلك أنت مطالب بالركض والمشي لمسافات طويلة في الشمس والحر حال حدوث إخلاء، وهذا وأنت لا تنام جيدا بسبب القصف المخيف المتواصل".

"احنا وين اصلا؟"
من جهته، يقول حسام (33عاما) إنه نزح رفقة عائلته وجيرانه وتوجه إلى منطقة الصناعة، إلا أنه مع حلول الساعة الرابعة فجرا بدأ الضرب والقصف وخرجنا من البيت الذي كنا ننزح فيه إلى الشارع المكتظ".


ويقول حسام لـ "عربي21" إنه عندما خرج إلى الشارع وجد ما يقدر بـ 30 أو 40 ألف شخص، مضيفا "والله كلهم يمكن مش عارفين وين يروحوا وايش يعملوا وكيف يدبروا أمورهم، وهذا بعد ما اليهود هجموا حتى على منطقة الغرب والنازحين".

ويضيف "في البداية طلبوا إخلاء أحياء التفاح والدرج، لهيك الناز راحت الغرب، وبعدها طلبوا إخلاء تل الهواء وحي الصبرة.. والله حجاة كلها قلق وخوف.. عارف حاجة حتى البلوك اللي أحنا فيه مش عارفين رقمه".

وقسم الاحتلال الإسرائيلي، قطاع غزة إلى "بلوكات" بزعم أنها ستكون مناطق إخلاء سيقوم بإخبار السكان عنها قبل القصف، في مسعى لتقليل "الضحايا المدنيين" في القطاع، وذلك مع استئناف القتال بعد أسبوع من الهدنة التي تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية غزة الاحتلال إخلاء فلسطين غزة الاحتلال إخلاء حرب غزة المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة قطاع غزة مش عارف

إقرأ أيضاً:

متى تعلو الأصوات الداعية للسلام فوق أصوات المعارك؟

من رفعوا أصواتهم منذ بداية الفتنة، رافضين للحرب العبثية ولإعطاء مشروعية لأي من أطرافها، كانوا يتخوفون من سفك الدماء وضياع الأرواح والممتلكات وتجذر الفتن بين أبناء الوطن. بما يهدد وحدة هذه البلاد وتماسك نسيجها المجتمعي الذي تأثر كثيرا بسبب مغامرات النظام الانقاذي وحروبه.
في بدايات العهد الانقاذي فتحوا أبواب البلاد على مصراعيها لكل مغامر وكل متطرف، ومنحوهم أوراق الجنسية وجوازات السفر، لم يكن لهم من هم سوى هدم فكرة الوطن وجعله مشاعا ومفتوحا للجميع وأن يصبح قبلة لإخوانهم في كل مكان. حتى أقدم بعض من استقدموهم على قتل المواطنين الآمنين في المساجد.
وفي حين انشغل بعض هؤلاء القادمين من الإرهابيين بإنشاء الخلايا وتجنيد الاعضاء، انشغلوا هم بجمع المعلومات عن تلك المجموعات، وباعوها لاحقا للأمريكان طمعا في شراء رضاهم!
فتحوا أبواب الوطن في البداية واقترحوا قانونا للجنسية لا يعرف الحدود، وانتهى بهم الأمر بعد سنوات للتمييز داخل الحدود ضد أبناء الوطن نفسه، فسنوا قانون الوجوه الغريبة، ليصبح أبناء الوطن غرباء في وطنهم، ويتعرضون للتنكيل والموت لمجرد الاشتباه بأنهم دعموا المليشيا، التي أنشأوها هم وكانوا أكبر داعم لها حتى نازعتهم في السلطان.
هل كانت امارات التشظي البادية الان للعيان ستحدث لو ان قيادة الجيش أرسلت وفدا لمفاوضات جنيف؟ او أعلنت جنوحها للسلم ووقف الحرب، كم من الأرواح كان يمكن إنقاذها؟ أطفال ونساء ورجال ماتوا دون ذنب، جراء سقوط الدانات في المناطق السكنية والأسواق، والقصف العشوائي، ومات وتعذّب الكثيرون وتعرّضوا للانتهاكات في رحلة النزوح، وحتى في المنافي عانوا من الاستغلال وصعوبة الإجراءات وغلاء الرسوم والسلع وانعدام الأمن في بعض المناطق.
هل كانت المواسم الزراعية ستتعرض للفشل بسبب استهداف محطات الكهرباء؟ وتتهدد المجاعة أبناء بلادنا؟ هل كان سيتم تدمير المؤسسات العامة وممتلكات المواطنين؟
من أشعل نيران الحرب لا تهمه آثارها ولا تحّرك معاناة الضحايا ضميره الميت، ثلاثة عقود شنوا فيها الحرب في كل أطراف هذه البلاد ودفعوا الجنوب دفعا للاستقلال عن الوطن الام، وهم في سبيل فعل الشيء نفسه الان مع أجزاء أخرى في بلادنا.
يجب ان يطغى صوت العقل على صوت الرصاص، وتعلو الأصوات الداعية للسلام فوق أصوات المعارك وفوق أصوات دعاة التقسيم، ليتسنى انقاذ وحدة هذه البلاد وضمان سلامة أبنائها.
ستبقى جذوة ثورة ديسمبر مشتعلة في النفوس، لأن الحفاظ على قيم تلك الثورة العظيمة هو السبيل الوحيد لوقف الحرب ومعالجة آثارها الكارثية واستعادة شعبنا لحريته وكرامته وأمان ابنائه.
لابد من عودة لجنة التفكيك لأنه ما لم يتم تفكيك وتصفية النظام الكيزاني الفاسد الذي يمسك بخناق الدولة، فإن الفتن والحروب لن تتوقف في هذه البلاد.
لابد من وقف الحرب ومحاسبة كل من ارتكب جرائم في حق هذا الشعب واستعادة كل الأموال المنهوبة وتوجيهها للتنمية المتوازنة، واستبعاد أطراف الحرب من اية عملية سياسية مستقبلية، يستعيد فيها شعبنا دوره في دولة العدالة والقانون.
#لا_للحرب

أحمد الملك

ortoot@gmail.com  

مقالات مشابهة

  • مبعوث ترامب: خطة غزة أُسيء فهمها وليس المقصود الإخلاء القسري
  • أمطار متوسطة بمدن وقرى شمال سيناء لليوم الثاني على التوالي
  • بن جفير يطالب نتنياهو بالعودة إلى الحرب
  • عاجل: حدث ليلا.. انفجارات تهز تل أبيب وإسرائيل تتسلم جثة مجهولة الهوية من حماس وقاذفات أمريكية تحلق فوق 6 دول بالشرق الأوسط
  • وزير الخارجية الدانماركي: يجب على أوروبا إعادة التسلح بكثافة
  • «الأرصاد» تحذر أهالي 4 محافظات ساحلية من طقس غد: الأمواج تضرب الشواطئ
  • تقرير لـ«الجارديان» يرصد رد أهالي غزة على دعوات التهجير: «لن نكرر النكبة مرة أخرى»
  • متى تعلو الأصوات الداعية للسلام فوق أصوات المعارك؟
  • الرئاسة الفلسطينية: ندين الحرب الإسرائيلية الشاملة على شمال الضفة وغزة
  • الإنترنت الفضائي .. ثورة رقمية عابرة للحدود