خطاب الكراهية يشعل الحرب بين السودانيين ويستدعى تاريخ ممتد من الظلم والتهميش
تاريخ النشر: 7th, August 2023 GMT
على مدى قرنين من الزمان شهدت الدولة السودانية الحديثة (1821-2023) العديد من الحروب والصراعات راح ضحيتها مئات الآلاف من الأشخاص، لاسيما أن تلك الفترة تخللها نظاميين استعماريين وجدا مقاومة واسعة من السودانيين.
الخرطوم: عبدالهادي الحاج
والحرب التي تدور في العاصمة الخرطوم – بجانب أجزاء من إقليم دارفور غربي البلاد – بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ 15 أبريل الماضي، هي ليست الأولى بهذا الحجم من الدمار، رغم أن معظم الحروب كانت تدور في الأطراف البعيدة عن مركز البلاد، التي اختار شطرها الجنوبي الانفصال عن الدولة الأم في العام 2011.
لم تكن هذه الحرب مفاجئة كما يرى المراقبون وذلك من خلال تتابع الأحداث التي أعقبت الإطاحة بنظام حكم الرئيس عمر البشير في العام 2019، بجانب تصاعد الصوت العدائي بين المجموعات المدنية فيما بينها وخلافات القادة العسكريين مؤخراً.
احصائيات صادمةوفقاً لإحصائيات الأمم المتحدة فإن أكثر من 3 ملايين سوداني، أصبحوا بين نازح ولاجئ، لاسيما في دارفور، فيما ذكر تقرير منسوب لسلطنة مساليت – مجموعة إثنية – أن حاضرة ولاية غرب دارفور الجنينة شهدت مقتل نحو 5 آلاف شخص على يد قوات الدعم السريع وذلك على أساس عرقي، بجانب إصابة 8 آلاف خلال الفترة من 20 أبريل وحتى 12 يونيو الماضي، في وقت يؤكد شهود عيان أن عدد القتلى في جميع انحاء البلاد يتجاوز هذه الإحصائيات بكثير، لاسيما أنها لاتتضمن القتلى بين العسكريين.
توثيق 56 حالة عنف جنسي واغتصاب في العاصمة الخرطوم فقط
وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل الحكومية، أكدت توثيق 56 حالة عنف جنسي واغتصاب في العاصمة الخرطوم فقط.
وذكرت أن الحالات المبلغ عنها والموثقة لدى الوحدة تمثل نسبة ضئيلة من العدد الفعلي لحالات العنف الجنسي في الخرطوم بحسب تقديرات الوحدة بناءً على الخدمات المقدمة وشهادات شهود العيان وما ترصده الوحدة من حالات على مواقع التواصل الاجتماعي.
وأشارت إلى أن أوضاع النساء في اقليم دارفور تزداد سوءاً كل يوم، لكن تعذر التواصل مع الجهات المعنية هناك .
كذلك أكدت تلقيها تقارير بتزايد جرائم الخطف والعنف الجنسي الجماعي في الخرطوم والتي تستهدف مع الأسف صغيرات السن (12 – 17 عاماً).
هذه الاحصائيات للضحايا أعادت التذكير بالحروب العرقية التي شهدتها القارة الأفريقية خلال العقود الماضية، لاسيما الدور الذي لعبه خطاب الكراهية والدعوة للاقصاء في اتساع دائرة الحرب وارتفاع عدد الضحايا، ليأتي السؤال عن مدى تأثر الواقع السوداني بخطاب الكراهية الذي ساد مؤخراً على وسائط الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي، حيث استدعى ذلك الخطاب تاريخ مرير من الظلم الإجتماعي والتهميش والهيمنة المركزية.
ويُنظر لخطاب الكراهية الذي ساد مؤخراً بين القوى الإجتماعية الداعمة للجيش السوداني وتلك التي تدعم قوات الدعم السريع، على أنه يمثل أساس لخطاب رفض على أساس إثني لاسيما أن معظم أفراد قوات الدعم السريع ينحدرون من غربي البلاد، مقابل القوى الداعمة للجيش والتي تمثل العديد من مناطق السودان.
خطاب الكراهية في السياق السودانيبحسب تعريف الأمم المتحدة فإن الكلام الذي يحض على الكراهية هو: “أي نوع من الاتصال في الكلام أو الكتابة أو السلوك، يهاجم أو يستخدم لغة تحقيرية أو تمييزية مع الإشارة إلى شخص أو مجموعة على أساس هويتهم ، وبعبارة أخرى، على أساس دينهم أو عرقهم.
باحث في المركز الأفريقي لدراسات السلام والعدالة: تشكلت ذهنية مركزية اعتمدت التمييز على أساس المهنة واللغة والهجرة من خلال مفهوم الدخيل والأصيل
الباحث في المركز الأفريقي لدراسات السلام والعدالة محمد بدوي، يربط بين خطاب الكراهية وتكوين الدولة السودانية قبل تشكيل المفهوم الحديث للوطن، ويدلل على ذلك بوجود قانون المناطق المغلقة خلال فترة الاستعمار الإنجليزي (1899-1956)، والصراعات التي شهدتها الدولة المهدية (1885-1899).
ويشير “بدوي” إلى أن جميع الصراعات التاريخية كانت ذات محمولات جغرافية وأيضاً ارتبطت بالهجرات القادمة من الشرق والغرب والتي كانت تسير في حركة مختلفة.
ويضيف: “عند تشكيل الدولة السودانية لم يُنظر للتنوع كإضافة، بل تشكلت ذهنية مركزية اعتمدت التمييز على أساس المهنة واللغة والهجرة من خلال مفهوم الدخيل والأصيل”.
الباحث في المركز الأفريقي لدراسات السلام والعدالة محمد بدويمن ناحيتها قالت المدير التنفيذي لمجموعة التضامن السوداني لمناهضة التمييز العنصري “تسامي” رحاب حامد، إنه كان من المهم بالنسبة لهم وجود تعريف واضح لخطاب الكراهية والتأسيس على هذا التعريف، وذلك في ظل تصاعد الحديث عن خطاب الكراهية مؤخراً.
وأضافت: “كثير من الناس أصبحوا يتحدثون عن خطاب الكراهية دون وجود تعريف متفق عليه حتى بالنسبة للمؤسسات الدولية”.
وترى “حامد” أن هنالك خيط رفيع يربط بين خطاب الكراهية وحرية التعبير، لذا كان من المهم عدم الخلط بينهما.
التهميش وغياب العدالةيذهب الباحث في المركز الأفريقي لدراسات السلام والعدالة، إلى أن غياب العدالة الإجتماعية ودور الدولة في تقديم الخدمات نتج عنه صراعات مسلحة وهجرات خلقت مايُعرف بـ” الكنابي” – وهي مساكن العمال الزراعين غير المعترف بها من الدولة – وأحزمة مساكن النازحين من الحروب حول المدن.
وأيضا يوضح بأن الفقر وضعف وسوء التعليم ساهم في “عسكرة” حياة تلك المجتمعات التي شكلت قوام القوات النظامية حيث ينظرون للعمل في صفوفها كفرصة للدخل.
ويضيف: “غياب المعرفة وتصنيف المواطنين وفق الذهنية المركزية أصبحت تعطي محمولات محددة للقادمين من الشرق أو الغرب أو المهاجرين الذين حصلوا على الجنسية السودانية”.
واعتبر “بدوي” أن صراعات مجتمعات التماس نشأت على مفهوم العرق وأنها تتفاوت في اتجاهات مختلفة ولا يخلو منها مجتمع، وفي جانب منها ترتبط بطبيعة العمل والمهنة.
ولفت كذلك إلى وجود ما وصفها بـ” العنصرية المضادة” التي قال إنها مواجهة ضعيفة ومحاولة لجلد الذات، لكنه يؤكد أن تنامي الخطاب الاقصائي وصل قمته خلال فترة حكم النظام الإسلامي (1989-2019) والذي قام على أساس الايدلوجيا الدينية وألغى الآخر من خلال سياسة “التعريب” وتنميط الحياة عبر قانون النظام العام والرقابة التي فُرضت على الجميع.
الموقف من اتفاق جوباتشير المدير التنفيذي لمجموعة “تسامي” إلى أن خطاب الكراهية برز بصورة واضحة عقب التوقيع على اتفاق سلام جوبا بين الحكومة الانتقالية السابقة وبعض المجموعات المسلحة، وكانت وسائل التواصل الإجتماعي هي ساحة الاستقطاب للاتجاهات ذات المواقف المتضاربة تجاه ذلك الإتفاق.
المدير التنفيذي لمجموعة “تسامي”: خطاب الكراهية برز بصورة واضحة عقب التوقيع على اتفاق سلام جوبا
وأوضحت أن خطاب الكراهية الذي تصاعد بعد اتفاق سلام جوبا تسبب في انقسامات عميقة كانت نتيجتها الحرب التي يشهدها السودان حالياً وتابعت: “الإتهامات المتبادلة كان مؤشر على الإتجاه نحو الحرب التي لو توقفت اليوم يمكن تلافي آثارها”.
المدير التنفيذي لمجموعة “تسامي” رحاب حامدوبحسب الباحث في المركز الأفريقي لدراسات السلام والعدالة، خلقت الحروب المتصلة التي شهدها السودان قاموس جديد من الخطاب العنصري برز من خلال البرامج التلفزيونية والاذاعية التي كان يبثها النظام الإسلامي في سنواته الأولى، ووصل ذروته خلال الحرب الحالية عبر تمني الموت للآخر ومصادرة حقه في الحياة.
ويشير إلى مثال لخطاب الكراهية خلال الحرب الحالية عند ظهور مجموعات مقاتلة في العاصمة الخرطوم ينتمي افرادها لإقليم النيل الأزرق، دفعت لطرح تساؤل عن من يكون هؤلاء.
ويضيف: “رغم أن هذه المجموعة تنتمي للقمز وبني شنقول وهم من مجموعة الفونج التي تستوطن إقليم النيل الأزرق”، ويتابع: “كذلك النظر لقوات الدعم السريع باعتبارها تمثل مجموعة الرزيقات رغم وجود أفراد من مجموعات عربية أخرى ضمن هذه القوات”.
شبح الحرب الأهليةتعتقد رحاب حامد، أن استمرار تصاعد خطاب الكراهية يمكن أن يقود لحرب أهلية شاملة لأن البيئة تعتبر ملائمة لذلك، وتضيف: “هنالك شواهد كثيرة تؤكد أن خطاب الكراهية كان له دور في الحرب الحالية”.
فيما يرى محمد بدوي، أن خطاب الكراهية خلال الحرب الحالية يظهر في الخطاب الرسمي ومواقف القادة دون مراعاة لحساسية المفردة وأنهم بذلك نسفوا ما جسدته شعارات ثورة ديسمبر 2018.
وأنه في ظل ظروف الحرب المشتعلة الآن وغياب القوانين التي تضبط حرية التعبير تشهد وسائل التواصل الإجتماعي توظيف المشاهير للتعبير عن الطرفين بلغة تحمل خطاب كراهية في ظل غياب التوجيه.
الوسومالتعايش السلمي الحرب الأهلية في السودان حرب الجيش والدعم السريع خطاب الكراهيةالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: التعايش السلمي حرب الجيش والدعم السريع خطاب الكراهية فی العاصمة الخرطوم الدعم السریع على أساس من خلال إلى أن
إقرأ أيضاً:
فشل الغرب في الحرب التي شغلت العالم
– لا يستطيع قادة الغرب وكيان الاحتلال إنكار أن هذه الحرب التي تشارف على نهايتها في قطاع غزة، كانت حربهم معاً، وأنه لولا حجم انخراط الغرب مباشرة فيها إضافة إلى التمويل والتسليح والاستنفار وجلب الأساطيل لما استطاع الكيان الصمود حتى هذه الأيام، ولا يستطيع أيّ منهم إنكار أنهم وضعوا ثقلهم معاً سياسياً ودبلوماسياً وعسكرياً ومالياً للفوز بهذه الحرب التي تدور على مساحة 360 كيلومتراً مربعاً فقط، ما يعادل حياً صغيراً في أي مدينة كبرى، وأن الضربة الأولى في هذه الحرب يوم طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023م كانت كافية لزعزعة عناصر قوة الكيان، ما أجبر الغرب كله على الهرولة إلى المنطقة بقادته وجيوشه وماله وسلاحه، واستنفار آلته الإعلاميّة والدبلوماسية لضمان أفضل مستويات الدعم والإسناد لجبهة الكيان بوجه غزة.
– تحوّلت الحرب قضية أولى على جدول أعمال الساسة والقادة والإعلام والشعوب على مساحة العالم، ورغم الخذلان العربي والإسلامي لغزة على مستوى الحكومات والشعوب، فقد نجحت غزة باستنهاض حلفاء لها يساندونها بجبهات قاتلت قتالاً ضارياً بلا هوادة، وتحمّلت تضحيات جساماً، خصوصاً في جبهتي لبنان واليمن، حيث تكفلت جبهة لبنان بإنهاء قدرات جيش الاحتلال على خوض حرب برية، وأجبرته على المجيء إلى وقف إطلاق للنار بدون مكاسب وهو يعترف ببقاء المقاومة على سلاحها، وما يعنيه ذلك من قبول مبدأ العودة إلى التساكن مع قوى المقاومة المسلحة على الحدود، رغم دروس الطوفان التي أجمع عليها قادة الكيان لجهة أن هذا التساكن يعني أن الخطر الوجودي على الكيان قائم وأن المسألة مسألة وقت، ومَن يقبل بالتساكن على الحدود الشمالية يقبل مثله على الحدود الجنوبيّة.
– نجح اليمن بتحدّي القوة الأمريكية والغربية البحرية بكل ما لديها من حاملات طائرات وسفن حربية ومدمرات وغواصات، وفرض إرادته رغماً عنها منجزاً حصاراً بحرياً على ميناء إيلات حتى تمّ إقفاله، وتسببت صواريخ اليمن وطائراته المسيّرة بتأكيد ما فرضته صواريخ لبنان وطائراته المسيّرة، لجهة عجز القبة الحديديّة بكل تقنياتها المتطورة رغم تدعيمها بشبكة صواريخ ثاد الأمريكية، فبقي المستوطنون يهرولون بمئات الآلاف إلى الملاجئ، وسقطت نظرية الأمن الإسرائيلية، وفشلت كل محاولات إخراج اليمن من موقعه كجبهة إسناد لغزة، بل إن أحد أسباب السير باتفاق ينهي الحرب كان اليقين بأن هذا هو الطريق الوحيد المتاح للتخلص من العقدة اليمنية وما تسببه لواشنطن وتل أبيب من إحراج.
– عوّضت التداعيات التي ترتبت على حرب غزة عالمياً عن الخذلان العربي والإسلامي، مع ظهور حركة الجامعات الغربية بحيويتها وحضورها المميز، وتطورها نحو إطلاق مد ثقافي فكري تاريخي لإثبات الحق الفلسطيني بكامل التراب الوطني الفلسطيني، وتوسّعت حركات المقاطعة الاقتصادية، وتسبّبت بتغييرات هيكلية في شبكة علاقات الشركات العالمية الكبرى بالكيان، وامتلأت شوارع عواصم الغرب بالملايين تهتف بالحرية لفلسطين، كما شهد العالم إعادة تموضع سياسية ودبلوماسية ونهوض حركة مساءلة قانونية بوجه جرائم الكيان ووحشيته، رغم التهديدات الأمريكية بالعقوبات، فقطعت دول علاقاتها بالكيان وأغلقت سفاراتها لديها وسحبت سفراءها من عاصمته، واعترفت دول أخرى بالدولة الفلسطينية، وذهبت دول لمقاضاة الكيان أمام المحاكم الدولية، وتحرّكت المحكمة الجنائية الدولية لإصدار مذكرات توقيف بحق قادة الكيان.
– عادت القضية الفلسطينية إلى وهجها كقضية دولية إنسانية وقانونية، لكن أيضاً كقضية استراتيجية يتوقف على حلها بصورة يقبلها الشعب الفلسطيني استقرار الشرق الأوسط، وتالياً سوق الطاقة واستقرار العالم، ولم يعُد العالم كما لم تعُد القضية الفلسطينية بعد هذه الحرب كما كان الحال قبلها، وهكذا حقق الطوفان أهدافه، وكانت عيون العالم على الطريقة التي سوف تنتهي من خلالها الحرب، لتحديد سقوف السياسة ومقدار القوة التي سوف ينجح الفلسطينيون في انتزاعها في ظل الضوء الأخضر الممنوح للكيان بتدمير كل ما يتصل بالحياة في غزة، وها هم يفرضون اتفاقاً لا يطال سلاح مقاومتهم، ولا يمنح الاحتلال أي امتيازات أمنية وجغرافية في قطاع غزة، ويجد أنه مجبر على إعلان انتهاء الحرب، وسوف يكون سقف تباهي حكام واشنطن وتل أبيب بما أنجز في غزة ولبنان واليمن هو ما قاله أنتوني بلينكن عن إنجازات أميركا وإسرائيل في لبنان، وسقفها إبعاد حزب الله عن الحدود، وقطع إمداده عبر سورية، لكن قوته باقية ولذلك فالإنجاز كما يقول إنه تمّ حرمان حزب الله من تشكيل تهديد راهن؛ بينما بعض الحمقى والمهابيل في لبنان يحتفلون بأن نزع سلاح حزب الله على الطاولة، وهكذا سوف يقولون عن غزة، تحييد التهديد الراهن؛ بينما يحتفل بعض مهابيل وحمقى الأجهزة في السلطة الفلسطينية بالحديث عن هزيمة المقاومة وحتمية نزع سلاح المقاومة.. ويبقى الأهم ما تقوله واشنطن وتل أبيب لا ما يردده أيتام الوحدة 8200، إن القضية هي منع التهديد اليوم وليس آلة القوة وأسباب القوة، لكن ماذا عن الغد، والاحتلال لن يحلم في أي منازلة مقبلة، وهي مقبلة حكماً، ما يشبه ما ناله في هذه الحرب ولم ينجح بتحقيق النصر؟.
رئيس تحرير صحيفة البناء اللبنانية