رغم أن الجو العام في ولاية قيصري التركية ليس مثلما كان باليوم الذي بدأت فيه الاعتداءات وعمليات التخريب، لا يزال قلق اللاجئين السوريين مستمرا حتى الآن، وتتفاقم لديهم أيضا مشاعر العجز وسط انعدام الخيارات، سواء حيث يقيمون/ أو في حال عزموا على اتخاذ قرار "الخلاص". 

الاعتداءات كانت أسفرت، قبل أسبوع، عن حرق محال وسيارات السوريين في الولاية المذكورة.

 

وبينما خلفت تلك الأحداث خسائر مادية كبيرة، يوضح سوريون تحدث إليهم موقع "الحرة" أن الضرر النفسي الذي نجم عنها "لا يمكن وصفه وترميمه".

ويزيد عدد اللاجئين السوريين في تركيا عن 3 ملايين، وفي قيصري وحدها يقيم أكثر من 82 ألفا، حسب البيانات التي تتيحها رئاسة الهجرة التركية، ومعظم هؤلاء يفضلون الالتزام بالمنازل، منذ يوم الاعتداءات. 

وتشير الصحفية المقيمة هناك، براءة خطاب، لموقع "الحرة" إلى "حالة جمود كبيرة"، وتقول إنه من النادر أن تجد سوريا في شوارع الولاية، إلا في حالة البعض، الذين يذهبون لشراء الاحتياجات الخاصة واليومية.

ومن يخرج لتأمين مستلزماته "يمشي ويتلفت بحذر خوفا من التعرض لهجوم واعتداء"، وفق حديث خطاب.

وتضيف، وهي تتحدث عن حالة نفسية صعبة: "هناك نظرات الناس داخل الأسواق وبقية الأماكن.. عندما ندخل لأي مكان تتوجه إلينا نظرات قاسية تدفعنا للانزعاج لكوننا سوريونّ فقط!".

وعلى مدار الأيام الماضية، أعلنت وزارة الداخلية التركية اعتقال المئات من الأشخاص الذين نفذوا عمليات الاعتداء على ممتلكات السوريين، واعتقلت أصحاب حسابات بثوا خطاب كراهية وعنصرية، أسهمت في تأجيج الأحداث على نحو أكبر.

لكنها في المقابل لم تعلن بشكل رسمي عما إذا كان المتضررون سيحصلون على أي تعويض مادي، بسبب الخسائر التي طالت منازلهم ومتاجرهم وسياراتهم.

ومع ذلك، أشارت صحيفة "يني شفق" المقربة من الحكومة، في تقرير لها، الاثنين، إلى أن السلطات التركية ستعمل على تعويض اللاجئين المتضررين.

وأوضحت، نقلا عن تحقيقات ميدانية، أنه يوجد 64 متجرا متضررا لسوريين في حي صبحية، وفي حي فوزي شاكماك وشارع فوزلي 22 محلا، وفي حي كشوك مصطفى 15 محلا، وفي مولانا تضررت 6 متاجر.

كما تضررت 12 سيارة بشكل كبير إثر قذفها بالحجارة، ويوجد على الأقل سيارتان دمرتا بشكل كامل إثر حرقهما، كما تحطمت الكثير من نوافذ منازل اللاجئين بالمدينة بسبب قذفها بالحجارة.

"شرخ نفسي"

ووفقا لمن تحدث إليهم موقع "الحرة"، تكاد تنعدم الخيارات أمام السوريين المقيمين في ولاية قيصري. 

ويشمل ذلك إمكانية عودتهم إلى الحياة الطبيعية التي كانوا عليها قبل الأول من يوليو الحالي، وما هو متاح لاتخاذهم قرار مغادرة الحي، أو الولاية.

وأمام كل ما سبق يفاقم غياب عامل "الاطمئنان" مشاعر عدم الاستقرار.

ويأتي ذلك وسط أجواء ضبابية لا يعرف فيها ما إذا كانت الاعتداءات ستكرر أم تتوقف بناء على الحملة الأمنية التي نفذتها السلطات.

ويشرح الشاب السوري أحمد الحسين أن "الاعتداءات لم تقتصر على حي دون غيره في قيصري بل طالت الأماكن التي يقطن فيها السوريون".

ويقول لموقع "الحرة" بعد أسبوع من الحادثة إن "السوريون بدأوا يعودون للحركة بشكل تدريجي، لكن دون ركوب سياراتهم التي تحمل لوحات تميزهم على أنهم ليسوا مواطنين أتراك (تحمل حرف m)".

ومن ناحية أخرى، يوضح الحسين أن بعض العائلات التركية بدأت بإبلاغ بعض السوريين لإخلاء المنازل التي يقيمون بها، خوفا من تعرضها لأي أضرار أو اعتداءات محتملة.

ويضيف: "صحيح أن الأمور هدأت لكن هناك شرخا نفسيا حدث".

"في سوريا كسرنا حاجز الخوف منذ زمن وبناء على أحداث عدة.. لكن القهر أن ترى سيارتك أو منزلك يحترق وأنت غير قادر على إنقاذ رزقك"، على حد وصفه.

ويحاول كثير من السوريين في قيصري الآن بيع سياراتهم وأثاث منازلهم، في محاولة للخروج من المنطقة التي قد تندلع فيها أحداث مشابهة مرة أخرى، بحسب حديث الصحفية خطاب.

وتوثق فيديوهات عدة عبر مجموعات في مواقع التواصل الاجتماعي إقدام سوريين في قيصري على عرض سياراتهم المتضررة للبيع بنصف السعر. 

واتجه آخرون لعرض أثاث منازلهم ودراجاتهم النارية للبيع أيضا "بداعي "الطفش" (أي الهروب)"، على حد تعبير أحدهم في منشور على "فيسبوك".

"عالقون ومقيدون"

ورغم القرارات الأولية التي يتخذها البعض، فإن الكثيرون ممن يقيم في قيصري باتوا "عالقين ومقيدين ولا يمتلكون أي خيارات"، وفق حديث خطاب. 

وتوضح أنه من الصعب أن ينتقل اللاجئ السوري من حي إلى آخر داخل قيصري، بسبب القرارات الأخيرة التي أصدرتها وزارة الداخلية التركية، التي قيدت الإقامة في مناطق دون غيرها. 

وفي حال أراد اللاجئ الخروج من قيصري إلى ولاية أخرى، يكاد يكون الأمر مستحيلا، استنادا لذات القرارات التي تفرض على السوري استخراج "إذن سفر" للتنقل بين المدن التركية.

وتضيف الصحفية: "هناك أناس أعيدوا في الأيام الماضية عندما أرادوا الخروج من الولاية لأنهم لا يملكون إذن سفر".

وترى أن خيار الذهاب إلى أوروبا يحتمل مخاطر ودفع أموال طائلة، وإلى داخل سوريا سيكون الأمر أصعب على نحو أكبر. 

وكثير ممن عاينت وضعهم الصحفية خطاب "يصفون حالهم بأنهم داخل سجن كبير"، وأنهم "غير قادرين على التحرك أو فعل أي شيء لو حصلت حملة اعتداء أخرى".

وتتابع: "الأضرار المادية كبيرة، أما المعنوية فلا داعي لذكرها لأن (النفسية صفر بين الناس)".

"عيشتنا معلقة بشرارة"

وسبق أن تعرضت ممتلكات السوريين في تركيا لسلسة اعتداءات في السنوات الماضية، لكنها لم تصل إلى الحال الذي كانت عليه أحداث قيصري، قبل أسبوع.

ولا يعرف حتى الآن ما ستؤول إليه الأحداث خلال الأيام المقبلة، لاسيما مع تأكيد سياسيين في المعارضة على ضرورة إعادة اللاجئين إلى بلادهم، لأنهم "يشكلون مشكلة وطنية" على حد وصفهم.

وفي المقابل يواصل الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الإعلان عن نيته لقاء رئيس النظام السوري، بشار الأسد، من أجل قضية عودة اللاجئين و"مشكلة الإرهاب المتمثلة بحزب العمال الكردستاني".

لكنه لم يوضح حتى الآن الخطة التي يمكن بموجبها إعادة اللاجئين، وما إذا كان الأمر سيشمل مناطق المعارضة في شمال سوريا، أو مناطق سيطرة النظام أيضا.

ولا تزال الأمم المتحدة تؤكد أن سوريا "ليست آمنة لعودة اللاجئين".

وتقول منظمات حقوق إنسان دولية ومحلية إن النظام السوري لا يريد عودتهم، وإن عملية تهجيرهم لم تكن على هامش الأعمال العسكرية في معظمها، بل بشكل ممنهج.

وقبل 8 سنوات، وصل أحمد الحسين إلى تركيا، ومن وقتها يعيش في ولاية قيصري.

ورغم مشكلات عدة شهدتها المنطقة في السابق لم يكن متوقعا أن تصل الأحداث إلى الحد الذي كانت عليه قبل أسبوع.

لا يمتلك الحسين أي خيار في الوقت الحالي، ويقول إن "الانتقال داخل قيصري أمر صعب بسبب قرار المناطق المحظورة".

ومن الصعب أيضا الخروج من الولاية إلى مدينة أخرى.

وفيما يتعلق بسوريا، يوضح أنه اعتقل قبل خروجه من البلاد أكثر من مرة، ولو أراد العودة الآن ستكون حياته معرضة للخطر.

ويضيف: "بسبب اعتقالي أكثر من مرة سابقا لم أتمكن من زيارة أهلي في الرقة. في سوريا 20 دولة ومليون حاجز.. كيف يمكن أن تصل إلى منزلك"؟

"السوريون في خوف وقلق"

وكانت أحداث قيصري توسعت، لكن على نطاق ليس كبيرا، إلى مدينة غازي عنتاب وكلس وأوروفا، وأسفرت في أنطاليا عن مقتل طفل سوري يبلغ من العمر 17 عاما.

ونتيجة لذلك، خيّم الخوف خلال الأيام الماضية على معظم السوريين في البلاد، وليس أولئك الذين يقيمون في قيصري، رغم أنهم تعرضوا للضرر الأكبر.

ويقول الحسين: "لا أضمن أن تتكرر الاعتداءات مرة أخرى. لم نعد نأمن. نفسيتنا تعبت. نذهب مجبرين للعمل ونظل في قلق".

ويضيف: "ليس الكل قادرا على الذهاب إلى سوريا.. وفي حال بقيت هنا ستظل معيشتك مهددة".

ومن جهتها تتابع الصحفية براءة خطاب: "أخوتي لم يتضرروا في قيصري لكنهم مقيدون.. حياتهم كلها انقلبت في آخر حملة عنصرية، ولا يضمنون الآن بأن لا تحصل الاعتداءات مرة أخرى".

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: السوریین فی فی قیصری

إقرأ أيضاً:

نائب من حزب الله يهاجم الدولة اللبنانية: لم تتعب من الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة

قال عضو كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب اللبناني عن حزب الله حسن فضل الله أن الدولة "إلى الآن لم تتمكن من أن تعالج أياً من القضايا المرتبطة بالعدوان الإسرائيلي على بلدنا"، معتبراً أنه من المفيد للمسؤولين أن يسمعوا رأي الناس وموقفهم على الأرض لدى زيارتهم للجنوب.

وتساءل فضل الله، خلال إحياء حفل تكريمي لأحد الشهداء الذين سقطوا خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان: "أما آن الأوان لهذه الدولة بكل أركانها أن تشعر بالتعب جرّاء الاعتداءات الإسرائيلية التي تمتد من الحدود في الجنوب إلى أقصى الحدود في البقاع؟ ألم يشعروا أنّ هناك انتقاصاً للسيادة والكرامة والوطنية؟"، بحسب صحيفة "الأخبار اللبنانية".

كما أوضح أن حزب لله إلى الآن يعطي الفرصة "للدولة لتقوم بواجباتها ومن مسؤولية المتصدين للمواقع الرئيسية فيها أن يثبتوا للشعب اللبناني وللعالم بأنهم دولة، وأول إثبات هو إخراج الاحتلال ومنع الاعتداءات وإعادة الأسرى وإعادة الإعمار وحفظ السيادة..."، مؤكداً أن "مقياس الوطنية والانتماء إلى لبنان هو بمقدار ما يكون هذا الانتماء إلى القضية المقدسة التي اسمها قضية الجنوب".



وختم فضل الله مشدداً أن "الجنوب يرحّب بكل مسؤول يأتي لتفقد هذه القرى والبلدات، ومن المفيد لهم أن يسمعوا رأي الناس وموقف الناس (...) فمن الممكن أن يعيدوا النظر بتوجهاتهم وقراراتهم ومواقفهم وفي السياسة التي عليهم أن يعتمدوها".

وكان رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام زار عدة بلدات في الجنوب وعاين التدمير الهائل الذي خلفه العدوان هناك.

والتقى سلام بالمواطنين في بلدة الخيام الذين أكدوا على تمسكهم بتحرير أرض الجنوب بالكامل، وتمسكهم بخيار المقاومة وتحرير الأرض من أي ظهور للجيش الإسرائيلي.



 فيما أكد سلام أن "الجيش اللبناني يقوم بواجباته على أكمل وجه، وهو الوحيد المخول بحماية  الوطن والدفاع عنه".

والتقى سلام كذلك وفدا من أهالي بلدة الضهيرة الحدودية، الذين نفذوا وقفة احتجاجية أمام الثكنة استنكاراً للممارسات الإسرائيلية ضد المواطنين الراغبين في العودة إلى بلدتهم.

مقالات مشابهة

  • 1705 اعتداءات نفذها الاحتلال ومستوطنيه خلال فبراير
  • الاحتلال ومستوطنوه ينفذون 1705 اعتداءات خلال فبراير
  • جنبلاط: يريدون جرّ بعض ضعفاء النفوس الى حرب أهلية لا أدري كيف ستنتهي
  • ملف النازحين السوريين محور لقاء بين البيسري ووزيرة الشؤون الاجتماعية
  • نائب من حزب الله يهاجم الدولة اللبنانية: لم تتعب من الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة
  • بن عامر يحذر من مآلات التصعيد الاسرائيلي في سوريا
  • كارلسون: نظام كييف باع أسلحة أمريكية في السوق السوداء بخمس ثمنها لحماس والقوات التي تسيطر على سوريا
  • هل تحسم زيارات اللاجئين السوريين الاستطلاعية لبلادهم قرار عودتهم؟
  • شاهد | تصعيد الاعتداءات على المسجد الأقصى والقدس (2014–2024)
  • 352 مليون دولار متطلبات اللاجئين السوريين في الاردن