إني لأكتب هذا المقال والحزن قد اعتلاني والعين تدمع والقلب يحزن على فراق أخي رحمه الله، ماذا عساني أن أكتب عنه هل عن جمال خلقه وأدبه وحفظه لكتاب الله أم عن مبسمه ولطافته! فاسرِ ياقلم واكتب مايجول في الفؤاد لعلك تخفف عنا المصاب في ذكر محاسنه، ذلك الرجل الشهم منذ طفولته وهو محب للخير مسالماً مخموم القلب لا يضر أحداً تعامل معه، يحترم من أمامه بابتسامة تعلو محياه، حافظ لكتاب الله وقد انعكس ذلك على أخلاقه، لا تفوته الصلاة ولا الأعمال الصالحة، بار بوالديه، كريم في عطائه وعلى أهل بيته، خادم للقرآن وأهله محب للخير، ابتلاه الله بالمرض وكان صابراً سنة كاملة، لم يكن إلا ذاكراً لله، كتب الله له أن ينام في المستشفى أشهراً فكان يصيبه الملل والكلل ويصبر نفسه.
فقد أخذ منه المرض مأخذه ولكن بإيمانه بالله صبر وكان قوي البأس مسلماً أمره لله ، يتصل بوالدتي كل يوم ظهراً فإذا كان متعباً تحامل على نفسه واتصل بها وكأن لم يكن به شيء فهو يحب والدتي كثيراً وهي تحبه هو وزوجته وبنياته ، كان يعتصر قلبي كلما دخلت عليه في المستشفى ورأيته حزيناً مهموماً مغموماً ليس بيدي حيلة، بذلنا الأسباب الطبية لعلاجه ولكن لم يكتب الله له الشفاء، كنت أتابعه في كل يوم وعن كل جديد فكانت حالته مثل مؤشرات الأسهم يوماً تكون في ارتفاع ويوماً تنخفض أسفل سافلين، رافقناه وإخوتي في المستشفى لكي نسليه حتى لا يصاب بالوحدة.
فلما جاءت ساعة الصفر وكنت بجانبه بتوفيق من الله في العناية ذاك اليوم وكان الذي يكبرني سناً قد خرج قبلي بنصف ساعة فجلست أنظر إلى أخي وقد دنا منه الأجل وبدأت الأجهزة في تسارع وانخفاض ففارقنا بين يدي وبدأت قصة جديدة، كيف أخبر والدتي وإخوتي وأخبر نفسي بالحقيقة فتمالكت نفسي وكفكفت دمعي حتى أكرمت مثواه، لا جزع ولا سخط فالآجال كلها بيد الله سبحانه الذي يحيي ويميت وحزننا هو على فراقه واستذكار تعبه ولكن عندما نعلم أنه مات مبطوناً وأنه شهيد يسلي ذلك قلوبنا، عندما رأينا الناس تدعو له من كل حدب وصوب وحزنت على فراقة وحضرت للصلاة عليه سلى قلوبنا عندما نتذاكر أعماله الصالحة وعبادته ورحمته بالناس لن يضيع الله تلك الأعمال الصالحة بإذنه .
رحل وقد رسم في قلوبنا محبته في كل زاوية في بيتنا له ذكرى، كان تغسيله والصلاة عليه من أيسر مارأيت بل ونحن في عز الصيف وحرارة الشمس ندفنه بعد صلاة العصر ولكن الله يسر وقد تحرك الهواء وأبرد علينا دفنه، رحل أخي من الدنيا إلى ربه بقلب سليم لم تدنسه الأحقاد ولا الأعمال السيئة فما أتذكر أني رأيته في عمل سوء، بكينا على فراقه بكاء فقد الحبيب حبيبه لم أبكِ في حياتي على فراق أحد كبكائي على أخي الذي آلمني فقده ألماً شديداً حتى ضعفت الرؤيا عندي وخارت قواي لم أضعف في حياتي كما ضعفت في مثل هذا الموقف.
ولكن لا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أخذت أخانا وأنت أرحم به فثبتنا على فراقه يا رب، في أثناء مرضه كنت أقف أمام والدتي وإخوتي جبلاً شامخاً صامداً لكي لايعتريهم الحزن فكنت أسمع مايحدث له من المستشفى فينزل على قلبي مثل السكاكين وأكتم ذلك بل وابتسم وأصبرهم وأحثهم على الدعاء له وأنه بخير وسوف يخرج قريباً ولكن قلب الأم كان يقول غير ذلك فتسلي نفسها وتدعو له في صلواتها وسكناتها وعندما تراني صامداً تشعر بالأمل ، ليس بيدنا حيلة إلا الدعاء وأن رحمة الله قريبة من كل شيء.
كتبت في أحداث مرضه التي مر بها أربع مقالات ونشرتها لكي أسلي نفسي بها فإذا ضاق بي الأمر أفرغت ما في خاطري في مقال ونشرته لعله يجد أذناً سامعة تستفيد منه فيكون سلواناً لها ، كان محبا حباً شديدا لزوجته وبنياته يجد معهم الأنس فهو دائما في بيته يعيش معهم وبينهم ويحترمهم ويحترمونه ويجلهم ويجلونه في بيت قرآني ، رحمه الله رحمة واسعة أسأل الله أن يبدله داراً خيراً من داره وأن يجعل ما أصابه كفارة له ورفعة لدرجاته وأن يجمعنا وإياه في جنات النعيم وأن يربط على قلوب محبيه ووالدتي بالصبر والسلوان ففقدان الرحماء واللطفاء موجع للقلب .
مات مشعل …
أتسعفني يا شعر أم لست تفعلُ؟
وهل يا ترى عيناي بالدمع تَهملُ؟
جمعت حروفي كي أخفف لوعتي
وأسبلَ مما في حشاي يوَلوِلُ
يهاتفني بالأمس يسألني الدعا
فقلت له خيرًا سألتَ سأفعلُ
ويرسل أخرى هل أنيني تسخطٌ؟
فقلت له إصبرْ .. فأجرك أكملُ
وفي الغد جاءتني الرسالة ويحَها
لتخبرني في صمتها : “مات مشعلُ”
بكيت ولو يجدي البكاء لزدته
ليطفيء نار الفقد لو كان يفعلُ..
رحيلاً أبا رونق.. ستقبل راجياً
على خير من يعطي الجزيل ويُجملُ
عزاؤك أن الداء نال مناله
فزدت أجوراً والكريم سيجزلُ
رحلت أبا رونق وداعًا أقولها
وفي القلب أنات .. فراقك تَحملُ
عرفتك خلاً طاهر القلب طيباً
لطيفاً وتبدي الودَّ صفواً وتبذلُ
سيبكيك صحب كنت أهلاً لحبهم
ستبكيك “رونق” حينما عنك تُسألُ
إلهيَ فارحم مشعلاً وأنِرْ له
برحمتك القبر الذي فيه يُدخَلُ
إلهيَ واجعل جنة الخلد دارَهُ
وهيئ له ما كان فيك يؤمِّلُ
إلهيَ وارزقه النعيم بنظرة
لوجهك أنت المنعم المتفضلُ
أيا رب واجمعنا به عند أحمد
بفردوسك الأعلى نُقيم ونَنْزلُ ..
المصدر: صحيفة صدى
إقرأ أيضاً:
هذه أسباب استقرار سعر الصرف رغم الحرب... ولكن هل هو ثابت؟
"كم بلغ سعر صرف الدولار؟". سؤال شغل اللبنانيين يومياً على مدار الأعوام الخمسة الماضية. فبعدما بات الإقتصاد مدولراً ولو بشكل غير رسميّ، أصبحت العملة الخضراء تحكم اللبنانيين لتسيير أعمالهم اليومية، حتى أزاحت الليرة اللبنانية عن الساحة بصورة شبه كليّة. ومع الحرب الدائرة منذ أيلول المنصرم، وفيما اعتدنا أن يغتنم المتلاعبون بالأسعار الفرصة لتحقيق مكاسب أكبر، من المستغرب بقاء سعر الصرف مستقراً عند حدود الـ90 ألف ليرة للدولار الواحد منذ نهاية العام الماضي.
منذ ربيع عام 2023، شهد لبنان استقرارًا ملحوظًا في سعر صرف الليرة مقابل الدولار الأميركي، على الرغم من التداعيات الاقتصادية والسياسية الكبرى التي هزّت المنطقة، بما في ذلك الحرب في غزة، وتصاعد التوترات في جنوب لبنان بعد إعلان حزب الله خوضه الحرب لإسناد غزة.
كما خلفت الحرب الإسرائيلية آثارًا كارثية من الدمار والتعطل الاقتصادي، مما زاد من الضغوط على الاقتصاد اللبناني الهش أصلًا.
وبحسب البروفسور بيار الخوري، تمكّن مصرف لبنان المركزي بعد تغيير الحاكمية والتوافق الذي حصل بين الحاكم بالتكليف د. وسيم منصوري والمؤسسات الدولية، من ضمان هذا الاستقرار النقدي نتيجة لاعتماد سياسات حذرة واستراتيجية مالية متميزة.
وأشار الخوري لـ"لبنان 24" إلى أن الخطوات تمثّلت بـ"وقف تمويل عجز الموازنة، فقد توقف المصرف عن تمويل العجز الحكومي، وتبنت الحكومة موازنات متوازنة تعتمد على الإيرادات الذاتية بدلًا من الاستدانة".
كما تمّ الحد من التدخل في سوق القطع، وفق الخوري "إذ قلّل المصرف تدخله المباشر في سوق صرف العملات، مع التركيز على ضخ السيولة بالليرة اللبنانية فقط ضمن حدود تضمن توفير المتطلبات الأساسية للاقتصاد".
إلى ذلك، جرى ضبط السيولة من خلال اعتماد المصرف سياسة تقنين السيولة بالليرة اللبنانية، بحيث لا تتجاوز الكتلة النقدية بمعناها الضيق (النقد في التداول) ما يعادل 600 مليون دولار. تم تحقيق ذلك من خلال اعتماد الحكومة على زيادة الضرائب والرسوم بما ساهم في سحب الفائض النقدي من السوق.
ووفق الخوري، استطاعت هذه السياسات الحد من الضغوط التضخمية وتحسين استقرار النظام النقدي، رغم الظروف القاسية والحوار وظيفة الليرة ودور البنوك في الاقتصاد، ما أدى إلى استعادة الثقة بالسلطة النقدية.
واعتبر الخوري أن مصرف لبنان يواجه اليوم تحديات سياسية واقتصادية تهدد استمرارية هذا الاستقرار النقدي، أبرزها "تعرض الحاكم بالتكليف وسيم منصوري، لضغوط سياسية بهدف دفع المصرف إلى تمويل مشاريع مثل أعمال الإغاثة، مما قد يؤدي إلى زيادة الكتلة النقدية وبالتالي ارتفاع التضخم وانهيار قيمة العملة".
كما أن الآثار الاقتصادية للحرب المستمرة في لبنان والتداعيات الإقليمية تضع الاقتصاد اللبناني تحت ضغط إضافي، خاصةً مع تعطّل شرايين التجارة والصناعة والخدمات بسبب خروج ثلث الأراضي اللبنانية من الدورة الاقتصادية.
واعتبر الخوري أن الاقتصاد اللبناني يظل معتمدًا بشكل كبير على التحويلات من الخارج والقطاع المصرفي، مما يعرضه لمخاطر متزايدة في ظل انعدام النمو الإنتاجي.
من هنا، أشار إلى أن "أي خطوة لاستئناف تمويل الحكومة من قِبل مصرف لبنان قد تعيد البلاد إلى دوامة التضخم الجامح وفقدان الثقة في النظام المالي. هذا التمويل، وإن كان يستهدف أهدافًا إنسانية وإغاثية، يمثل تهديدًا للاستقرار النقدي الذي تحقق بشق الأنفس، خاصةً في ظل هشاشة الوضع السياسي والاقتصادي وسيأتي بنتائج عكس المرتضى خاصة من حيث التأثير على الفئات الأكثر تعرضاً للازمة".
ورأى الخوري أن الحفاظ على الاستقرار النقدي في لبنان يحتاج إلى استمرار السياسات المالية والنقدية الصارمة التي تبناها مصرف لبنان. وبالتالي، يجب إيجاد مصادر تمويل في الوطن مثل المساعدات الدولية وزيادة الإيرادات من القطاعات الإنتاجية، بدلًا من الاعتماد على طباعة المزيد من النقود. المصدر: خاص "لبنان 24"